فإذا طلعت الشمس من يوم عرفة، هذا هو اليوم التاسع، وهو اليوم الذي فيه الوقوف في عرفة ركن الحج الأعظم، لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «الحج عرفة»، ومعنى الحج عرفة –يعني- من لم يدرك الوقوف بعرفة فلا حج له، ولذلم يعتبر فوات يوم عرفة فوات للحج، والنبي –صلى الله عليه وسلم- سار من منى بعد أن طلعت الشمس، وأتى إلى نمرة؛ قرية صغيرة قبل عرفة، وجد خيمة قد ضربت فجلس فيها –صلى الله عليه وسلم- إلى أن جاء وقت الصلاة وزالت الشمس وأحلت له ناقته –صلى الله عليه وسلم- وأتى المكان الذي خطب فيه الناس وصلى، فخطب الناس؛ وهذه خطبة ليست خطبة جمعة وإنما خطبة عرفة وهي خطبة مشروعة، من تمكن من حضورها فهذا حسن، ومن لم يتمكن من حضورها فلا حرج ويصلي في مكانه الذي هو فيه، والآن يصلون في مسجد نمرة، وهو مسجد يسمى نمرة لأن مقدمته توجد في نمرة وبقيته في عرفة، يأتي الحجاج ويصلون الظهر والعصر جمعا وقصرا في عرفة، وهذا لكل الحجاج سواء كانوا من أهل مكة، أو من غير أهل مكة، يصلون الظهر والعصر ثم بعد ذلك يبتدأ وقت الوقوف، اللذين لا يستطيعون المجيء إلى المسجد لبعد أماكنهم أو لنزولهم في حملات، يصلون مع حملاتهم، لا حرج في ذلك والأمر في هذا واسع.
ماذا يصنع الحاج بعد ذلك؟ ما صنعه النبي –صلى الله عليه وسلم فإن النبي بعد ان فرغ من صلاته ذهب إلى عرفة وجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات مستقبلا القبلة، ومكث –صلى الله عليه وسلم- منذ صلاته إلى غروب الشمس وهو على راحلته يدعوا الله –عز وجل- ويذكره، وإنما بقى على راحلته على هذا النحو ليجيب أسئلة السائلين، وليدل المسترشدين، وليتأسى الناس به، فإنه قال: خذوا عني مناسككم، فبين كان بارزا ليبين للناس ما يحتاجون إليه من أمر نسكهم، ليس هناك دعاء خاص بعرفة، وليس هناك ذكر خاص، فيشتغل بالذكر عموما تسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وقراءة قرآن، ودعاء، كل هذا مما يشرع للحاج فليس هناك محدد.
جاء في حديث عبد الله ابن عمرو: «خير الدعاء دعاء عرفة»، ثم قال: «وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير»، صح هذا الحديث جماعة من العلماء وضعفه آخرون، وفيه مشروعية التهليل في ذلك اليوم فإنه من خير ما يقال أن يوحد الله –جل وعلا- في هذا الموقف، هذا الموقف موقف جليل وعظيم فيوم عرفة هو من أعظم الأيام، وأكثرها إحسانا من الله إلى خلقه.
فقد جاء في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة»، هذه ميزة ليست خاصة لأهل عرفة لكنهم هم أخص الناس بها وإن كان هذا فضل واسع لكل الناس، إضافة إلى هذا الذي خص الله به أهل عرفة وإن الله ليدنوا إلى أهل الموقف –يعني- أهل عرفة فيباهي بهم الملائكة؛ اي يرفع من ذكرهم ويبين منزلتهم عن الملائكة يقول: ما أراد هؤلاء، فهذا إيذان بأنه يعطيهم ما سألوا، فيشتغل المؤمن بعرض مسائله وبث شكواه، سؤال الله –عز وجل- من كل فضل، فإذا غربت الشمس وذهبت الصفرة ودفع أمير الحج وفتحت الطرق للناس اليوم، الناس اليوم ما يدرون عن أمير الحج متى يدفع، لكن إذا فتحت هو إذن بالإنصراف، فينصرف الناس من عرفة إلى مزدلفة، وهذا في ليلة العاشر من ذي الحجة مساء التاسع، في ليلة النحر ينصرفون إلى مزدلفة.