من قول المؤلف رحمه الله: "فعلو الله ـ تعالى ـ بذاته وصفاته من أبين الأشياء وأظهرها دليلاً، وأحق الأشياء وأثبتها واقعا.
هذا كالتوضيح لسبب تفصيل شيخنا –رحمه الله-وإطالته في هذا المثال.
تنبيه ثالث اعلم أيها القارئ الكريم أنه صدر مني كتابة لبعض الطلبة، تتضمن ما قلته في بعض المجالس في معية الله ـ تعالى ـ لخلقه، وذكرت فيها: أن عقيدتنا: أن لله ـ تعالى ـ معية حقيقية ذاتية تليق به، وتقتضي إحاطته بكل شيء علما وقدرةً وسمعا وبصرًا وسلطانا وتدبيرًا، وأنه ـ سبحانه ـ منزه أن يكون مختلطا بالخلق أو حالاً في أمكنتهم، بل هو العلي بذاته وصفاته، وعلوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها، وأنه مستوٍ على عرشه كما يليق بجلاله، وأن ذلك لا ينافي معيته، لأنه ـ تعالى ـ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: 11]. وأردت بقولي (ذاتية) توكيد حقيقة معيته تبارك تعالى.
هو الآن الشيخ يقول: إن كتبت لبعض الطلبة في هذا الأمر فقلت أو كان فيها أن عقيدتنا أن لله ـ تعالى ـ معية حقيقية ذاتية، الإشكال الذي أثير على الشيخ –رحمه الله-هو قوله ذاتية، لأنها توهم أنه مع الخلق بذاته وأنه مخالط لهم، هكذا توهم المعارضون للشيخ المنتقدون له من هذه الكلمة.
فالشيخ يقول: فأردت بقولي (ذاتية) توكيد حقيقة معيته –تبارك وتعالى-وذلك أن جميع الصفات تضاف إلى الذات، الصفات في الأصل أنها تضاف إلى الذات، ولهذا هو –جل وعلا-عليم بذاته سميع بذاته، فكل الصفات الأصل فيها أنها مضافة إلى الذات، لكن لما كانت هذه الكلمات توهم ما يعتقده المبطلون من حلول رب العالمين احتاج الشيخ –رحمه الله-إلى أن ينبه على ما سينبه إليه فيما سيأتي قال: وأردت بقولي (ذاتية) توكيد حقيقة معيته تبارك وتعالى.
وما أردت أنه مع خلقه ـ سبحانه ـ في الأرض، كيف؟، وقد قلت في نفس هذه الكتابة كما ترى: أنه ـ سبحانه ـ منزه أن يكون مختلطا بالخلق أو حالاً في أمكنتهم، وأنه العلي بذاته وصفاته، وأن علوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها. وقلت فيها أيضا ما نصه بالحرف الواحد: "ونرى أن من زعم أن الله بذاته في كل مكان فهو كافر أو ضال إن اعتقده، وكاذب إن نسبه إلى غيره من سلف الأمة أو أئمتها".
يعني هو على ضلال في الحالين؛ إن قال ذلك منشأ أو قال ذلك مخبرًا في الحالين هو ضال، ضلاله في الأول ضلال اعتقاد، وضلاله في الثاني ضلال نقل، فإذا اعتقد أن الله بذاته في كل مكان فقد ضاد ما أخبر الله ـ تعالى ـ به عن نفسه، ومن نسب ذلك إلى السلف فقد كذب عليهم أو جهل بما هم عليه.
ولا يمكن لعاقل عرف الله وقدره حق قدره أن يقول: إن الله مع خلقه في الأرض. وما زلت ولا أزال أنكر هذا القول في كل مجلس من مجالسي، جرى فيه ذكره. وأسأل الله ـ تعالى ـ أن يثبتني وإخواني المسلمين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. هذا، وقد كتبت بعد ذلك مقالاً نشر في مجلة (الدعوة) التي تصدر في الرياض، نشر يوم الاثنين الرابع من شهر محرم، سنة 1404 هـ أربع وأربعمائة وألف، برقم: 911، قررت فيه ما قرره شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله تعالى ـ: من أن معية الله ـ تعالى ـ لخلقه حق على حقيقتها، وأن ذلك لا يقتضي الحلول والاختلاط بالخلق، فضلاً عن أن يستلزمه. ورأيت من الواجب استبعاد كلمة (ذاتية)، وبينت أوجه الجمع بين علو الله ـ تعالى ـ وحقيقة المعية.
وفي شرحه وتعليقه على هذه الرسالة، قال شيخنا –رحمه الله-في تعليقه على قوله: ورأيت من الواجب استبعاد كلمة ذاتية قال وذلك لسببين؛ السبب الأول الدفع عن عرض الإنسان هذا السبب الأول، الدفع عن عرض الإنسان وهو واجب على الإنسان لأن نفسه أمانة عنده هذا الوجه الأول.
الثاني الذي من أجله رأوا وجوب استبعاد كلمة ذاتية دفع توهم من يظن أن هذا يفيد الحلول والاختلاط، مع كون الشيخ –رحمه الله-كرر في بعض المواطن أن هذه الكلمة ليست مشكلة من كل وجه، إنما مشكلة لكونها أثارت وهمًا فاسدًا جعل بعض الناس يقع فيمن تكلم بها، وإلا فهي ليست مشكلة من كل وجه.
وعلى كل حال المسلك الذي سلكه الشيخ من إلغاء هذه الكلمة، لما لم يفهم منها أصحابها أو مطالعوها إلا المعنى الرديء كان ذلك منهج موفقًا مسددًا، به وأدت تلك الفتنة وانتهى ذلك الشر الذي أثير لسوء الفهم.
واعلم أن كل كلمة تستلزم كون الله ـ تعالى ـ في الأرض، أو اختلاطه بمخلوقاته، أو نفي علوه، أو نفي استوائه على عرشه، أو غير ذلك مما لا يليق به ـ تعالى ـ فإنها كلمة باطلة، يجب إنكارها على قائلها كائنا من كان، وبأي لفظ كانت. وكل كلام يوهم ولو عند بعض الناس ما لا يليق بالله ـ تعالى ـ فإن الواجب تجنبه، لئلا يظن بالله ـ تعالى ـ ظن السوء، لكن ما أثبته الله ـ تعالى ـ لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالواجب إثباته، وبيان بطلان وهم من توهم فيه ما لا يليق بالله عز وجل.
وبهذا يكون قد انتهى هذا المثال وهو المثال الخامس والسادس الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-في سياق الأمثلة التي ذكرها لبيان إبطال ما احتج به المحتجون على أهل السنة والجماعة في أن مسلك السلف التأويل وأنه لا مانع من التأويل في أسماء الله ـ تعالى ـ وصفاته.
المثال السابع والثامن: قوله ـ تعالى ـ {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}ق:16 وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ}الواقعة:85 حيث فسر القرب فيهما بقرب الملائكة. والجواب: أن تفسير القرب فيهما بقرب الملائكة ليس صرفا للكلام عن ظاهره لمن تدبره.
قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[ق: 16]، ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ﴾[الواقعة: 85] قال حيث فسر القرب فيهما بقرب الملائكة، فعدوا هذا صرفًا للفظ عن ظاهره المتبادر، لأن ظاهره أن القرب مضاف إلى من؟ إلى الله، وأن قوله: ونحن هنا للتعظيم كقوله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر: 9] فالقرب قربه ـ جل في علاه ـ وليس قرب ملائكته فلما حمل جملة من السلف الآية على قرب الملائكة عدوا هذا تأويلًا وفرحوا به وقالوا هذه حجة على صحة التأويل وأنه مسلك سليم في التعامل مع النصوص.
والجواب: أن تفسير القرب فيهما بقرب الملائكة ليس صرفا للكلام عن ظاهره لمن تدبره.
إذًا الدليل هذا تسليم أو منع؟ الجواب هذا تسليم أو منع؟
منع رد الدعوة نمنع أن نكون قد أولوا، إنما هذا هو ظاهر النص، هذا مسلك المنع في الجواب عن هذا الإشكال يقول –رحمه الله-في بيان وجه امتناع ما ذكروه من أنه تأويل يقول: إن تفسير القرب فيهما لقرب الملائكة ليس صرف الكلام عن ظاهره لمن تدبره، بل هو ظاهر القرآن.
أما الآية الأولى: فإن القرب مقيد فيها بما يدل على ذلك، حيث قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، ففي قوله: {إِذْ يَتَلَقَّى} دليل على أن المراد به: قرب الملكين المتلقيين.
فالآية قد بينت وجه القرب ومعناه ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِإِذْ يَتَلَقَّى﴾[ق: 16-17] وإذ ظرفية تفيد الحال الحين الوقت الحالي، فهذا قرب في ذلك الحين، وهو حين تلقي الملكين لما يصدر عن الإنسان من لفظ أو قول، وهذا ليس تأويلًا، بل هذا هو الظاهر من الآية.
وأما الآية الثانية: فإن القرب فيها مقيد بحال الاحتضار، والذي يحضر الميت عند موته هم الملائكة، لقوله ـ تعالى ـ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ}، ثم إن في قوله: {أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} دليلاً بينا على أنهم الملائكة، إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره، وهذا يعين أن يكون المراد قرب الملائكة، لاستحالة ذلك في حق الله تعالى.
إذًا استدل في الآية الثانية على أن القرب هنا هو قرب الملائكة، وهو الظاهر بأمرين؛ الأول أن هذا قرب مقيد بحال الاحتضار، ومعلوم أن الذين يحضرون الميت هم الملائكة كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ﴾[الأنعام: 61].
ثانيًا أنه قال في الآية ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾[الواقعة: 85] وهذا لا يمكن أن يكون المقصود به الله أي لا تبصرون الله –جل وعلا-فهذا معلوم ومفروغ منه، ولذلك يقول دليلًا بينًا على أنهم الملائكة إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا تبصره وهذا يعين أن يكون المراد قرب الملائكة لاستحالة ذلك في حق الله تعالى، فالله تعالى لا يراه أحد لا في هذه الحال، ولا في غيره، بل هو المنزه –جل وعلا-أن يراه أحد في الدنيا كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى ربه حتى يموت» أخرجه البخاري (3057)، ومسلم (169) فهذا وجه آخر لبيان أن دلالة الآية كما هو قول جماعة من أهل العلم من ان المراد بالقرب هنا قرب الملائكة، ثم بعد ذلك قال المؤلف رحمه الله.
بقى أن يقال: فلماذا أضاف الله القرب إليه، وهل جاء نحو هذا التعبير مرادًا به الملائكة؟. فالجواب: أضاف الله ـ تعالى ـ قرب ملائكته إليه ؛ لأن قربهم بأمره، وهم جنوده ورسله. وقد جاء نحو هذا التعبير مرادًا به الملائكة، كقوله ـ تعالى ـ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}، فإن المراد به قراءة جبريل القرآن على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أن الله ـ تعالى ـ أضاف القراءة إليه، لكن لما كان جبريل يقرئه على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمر الله ـ تعالى ـ صحت إضافة القراءة إليه تعالى. وكذلك جاء في قوله ـ تعالى ـ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}، وإبراهيم إنما كان يجادل الملائكة الذين هم رسل الله تعالى.
وهذا جواب مسدد وبين فيه نظائر لهذه الآيات، ومما ينبغي أن يعلم أن العلماء من أهل التفسير اختلفوا في قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ﴾[الواقعة: 85] و ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[ق: 16-17] هل القرب هنا قرب الملائكة أو قرب الله ـ تعالى ـ على قولين؟ فمن أهل العلم من يرى أن القرب هنا قرب الله ـ جل في علاه ـ وبذلك قال جماعة من أهل العلم، فعلى قول هؤلاء لا اعتراض في الآية، ولا يمكن أن يحتج بها على أن القرب هنا أنه تأويل ؛ لأنه جار على ما فهموه وما ظنوه من أن القرب هنا مضاف إلى الله ـ تعالى ـ والصواب أن القرب هنا هو قرب الملائكة وليس قرب الله –جل وعلا-فليس في الكتاب ولا في السنة إضافة القرب إلى الله ـ تعالى ـ عامًا انتبه لهذا ليس في الكتاب ولا في السنة إضافة القرب إلى الله ـ تعالى ـ على وجه العموم يعني القرب من كل أحد، إنما القرب المضاف إلى الله ـ جل في علاه ـ قرب مخصوص بأحوال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، وقد ذكر الله –جل وعلا-القرب على هذا النحو وليس في الكتاب ولا في السنة إضافة القرب إليه على وجه العموم إلا ما قد يفهم من هذه الآية كما قال بعض أهل العلم في قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[ق: 16-17] هذا في كل إنسان، الله تعالى يقول في سياق هذه الآيات ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[ق: 16] الضمير يعود إلى من؟ إلى الإنسان، فهذا قرب مضاف إلى كل أحد، لكنه ليس قرب الله –جل وعلا-على الصحيح، بل هو قرب الملائكة كما دل عليه السياق، والآخر قوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ﴾[الواقعة: 85] هذا في كل ميت، ولكنه ليس قرب الله –جل وعلا-بل قرب الملائكة.
إذًا ليس في الكتاب ولا في السنة إضافة القرب إلى الله –جل وعلا-على وجه العموم، إنما القرب مخصوص بأحوال.
المثال التاسع والعاشر: قوله تعالى عن سفينة نوح: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}، وقوله لموسى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}. والجواب: أن المعنى في هاتين الآيتين على ظاهر الكلام وحقيقته، لكن ما ظاهر الكلام وحقيقته هنا؟. هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن السفينة تجري في عين الله، أو أن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ يُرَبَّى فوق عين الله تعالى؟. أو يقال: إن ظاهره أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله ـ تعالى ـ يرعاه ويكلؤه بها. ولا ريب أن القول الأول باطل من وجهين.
هذا معنى الذي ذكره أولا لا يمكن أن يعتقده من ينزه الله –جل وعلا-ومن يجله، وأيضًا لا يمكن أن يعتقده من يفهم كلام العرب ويفهم مرادهم بمثل هذا الكلام، إنما المقصود هو عناية الله ورعايته وحفظه وتربيته جل في علاه لموسى وكذلك للسفينة التي فيها نوح ومن أنجاهم الله تعالى، فالباء في قوله: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾[القمر: 14] للمصاحبة وليست للظرفية ليس المقصود تجري في أعيننا، هذا لا يمكن أن يكون فليست هنا للظرفية إن المصاحبة تجري بأعيننا بصحبتنا وإعانتنا وتدبيرنا وحفظنا وما أشبه ذلك من المعاني، وهذا ليس صرفا للفظ عن ظاهره، إنما هذا من فهم الكلام بالنظر إلى سياقه وإلى ما أضيف إليه ينظر إلى السياق وإلى ما أضيف إليه الكلام هذا الذي يحدد المعاني.
ولا ريب أن القول الأول باطل من وجهين
القول الأول ما هو؟ أن العين ظرف لجريان السفينة وصناعة موسى.
الأول: أنه لا يقتضيه الكلام بمقتضى الخطاب العربي، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، قال الله ـ تعالى ـ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}، ولا أحد يفهم من قول القائل: فلان يسير بعيني. أن المعني: أنه يسير داخل عينه. ولا من قول القائل: فلان تخرج على عيني. أن تخرجه كان وهو راكب على عينه. ولو ادعى مدع أن هذا ظاهر اللفظ في هذا الخطاب لضحك منه السفهاء فضلاً عن العقلاء.
إذًا الوجه الأول أن هذا لا يدل عليه كلام العرب، هذا الفهم الذي فهمتموه ليس من فهم أهل اللسان.
الثاني: أن هذا ممتنع غاية الامتناع، ولا يمكن لمن عرف الله وقدره حق قدره أن يفهمه في حق الله ـ تعالى ـ لأن الله ـ تعالى ـ مستو على عرشه بائن من خلقه، لا يحل فيه شيء من مخلوقاته، ولا هو حال في شيء من مخلوقاته، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. فإذا تبين بطلان هذا من الناحية اللفظية والمعنوية، تعين أن يكون ظاهر الكلام هو القول الثاني: أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله يرعاه ويكلؤه بها. وهذا معنى قول بعض السلف: (بمرأى منى). فإن الله ـ تعالى ـ إذا كان يكلؤه بعينه لزم من ذلك أن يراه.
يعني هذا معنى قول بعض السلف في تفسير ﴿لِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾[طه: 39] أي بمرأى مني.
ولازم المعنى الصحيح جزء منه، كما هو معلوم من دلالة اللفظ، حيث تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام".
وهذا من جيد كلامه –رحمه الله-حيث قال: إن تفسير من فسره من السلف بمرأى مني، أن ذلك من التفسير اللازم، ولذلك قال فإن الله ـ تعالى ـ إذا كان يكلؤه بعينه لزم من ذلك أن يراه.
ثم قال: ولازم المعنى الصحيح وانتبه إلى قوله الصحيح ؛ لأن هناك لوازم باطلة، لازم المعنى الصحيح جزء منه أي جزء من المعنى الصحيح، كما هو معلوم في دلالة اللفظ حيث تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام.
وبهذا يتبين أن احتجاجهم وتشبيههم بهذه الآيات على طريقة السلف غير مستقيم، وأنه مردود عليهم وإنما أتوا من قبل أفهامهم ومن قبل توهمهم نسأل الله السلامة والعافية، وأن يبصرنا بالصواب، نقف على المثال الحادي عشر غدا ـ إن شاء الله تعالى ـ نستكمل الأمثلة بإذن الله تعالى.