الشيخ: بسم الله.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- تعالى: في كتابه شرح حديث أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ "اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرًا".
قال –رحمه الله-: بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر، مسألة في شرح الحديث الذي ذكره الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: قل: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم».البخاري (834)، ومسلم (2705)
شرحه الحكيم فقال: هذا عبد اعترف بالظلم، ثم التجأ إليه مضطرا، لا يجد لذنبه ساترا غيره، ثم سأله مغفرة من عنده.
والأشياء كلها من عنده، ولكن أراد شيئا مخصوصا ليس مما بذله للعامة، فلله ـ تعالى ـ رحمة قد عمت الخلق برهم وفاجرهم، سعيدهم وشقيهم، في أرزاقهم ومعايشهم وأحوالهم؛ ثم له رحمة خص بها المؤمنين، وهي رحمة الإيمان، ثم له رحمة خص بها المتقين، وهي رحمة الطاعة لله ـ تعالى ـ ولله رحمة خص بها الأولياء نالوا بها الولاية، وله رحمة خص بها الأنبياء نالوا بها النبوة. ولما ذكر في تنزيله الأنبياء قال: }وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا {.مريم:50وقال الراسخون في العلم: }وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً{آل عمران:8 فإنما سألوه رحمة من عنده.
فهذا صورة ما شرحه الحكيم الترمذي، ولم يذكر صفة الظلم وأنواعه كما ذكر صفات الرحمة.
والمسئول شرح ما مفهوم قول الصديق ـ رضي الله عنه ـ: "ظلمت نفسي ظلما كثيرا"؟ والدعاء بين يدي الله ـ تعالى ـ لا يحتمل المجاز، والصديق ـ رضي الله عنه ـ من أئمة السابقين، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره بذلك، فنبدي بسط القول في ذلك مما يفهمه السائل، وما هو الظلم الذي نسبه الصديق إلى نفسه كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم؟
الشيخ: على كل حال هذا السؤال الحقيقة فيه من أدب السائل، ما ينبغي أن يلاحظه طالب العلم في سؤاله، فإن السائل أولًا سؤاله واضح، يسأل عن كلام من تكلم في حديث أبي بكر الصديق، كلام الحكيم الترمذي، وما قاله في شرح حديث أبي بكر نقل الكلام، والظاهر أنه نقله بلفظه، ولذلك نجد أن المحشي في مقابلته على النوادر لم يذكر مخالفة لما أثبته السائل، ثم إنه أيضًا استشكل جانبًا من الكلام لم يشر إليه، فطلب بيانه وتوضيحه، وهو ما يتعلق بالظلم وأنواعه بعبارة واضحة موجزة فيها الأدب، وفيها أيضًا عدم النيل من الشارح ؛ لأن الشارح الحكيم الترمذي عليه ملاحظات وأخطاء فيما يتعلق بالولاية، وأشرنا إلى شيء من ذلك في قراءتنا لكتاب "الفرقان" فإن الحكيم الترمذي مؤلف كتاب "ختم الولاية" الذي قرر فيه أن الولي في درجة أعلى من النبي وله شطحات بينة واضحة، نسأل الله –عز وجل-أن يعفو عنا وعنه.
يبدأ الشيخ –رحمه الله-بالجواب.
الطالب: أجاب: الحمد لله. الدعاء الذي فيه اعتراف العبد بظلم نفسه ليس من خصائص الصديقين ومن دونهم.
الشيخ: واضح الإشكال في السؤال يعني هو سأله الآن يقول: لم يذكر صفة الظلم وأنواعه كما ذكر صفة الرحمة والمسئول، يعني هذا الإشكال الذي أوجب السؤال، والمسئول شرح ما مفهوم قول الصديق «ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا» يقول: والدعاء بين يدي الله ـ تعالى ـ لا يحتمل المجاز معنى هذا أن الظلم الكثير قد وقع من الصديق، فكيف والصديق من أئمة السابقين والرسول –صلى الله عليه وسلم-أمره بهذا الدعاء؟
فأراد أن يحل هذا الإشكال، كيف يكون قد بلغ هذه الدرجة درجة الصديقية، ومع ذلك يقر معترفًا في سؤال ربه ظلمت نفسي ظلما كثيرًا، فهل الظلم هنا هو الظلم المتبادر للذهن وهو مواقعة السيئات؟ أم أنه الظلم الذي نسبه الصديق لنفسه شيء آخر؟ هذا ما سيجيب عليه الشيخ –رحمه الله-في هذه الرسالة.
الشيخ –رحمه الله-ابتدأ الجواب بحمد الله –عز وجل-فقال: (الحمد لله) وهكذا ينبغي لطالب العلم في جواب السؤال، وفي ابتداء الكتابة أن يبتدأ بذكر الله –عز وجل-إما بالبسملة والحمدلة والاستعانة، أو غير ذلك مما يناسب البداءة، فبدأ الشيخ –رحمه الله-بحمد الله، ثم أنه لم يطل في الحمد والثناء، وذلك دخولًا منه في المقصود ؛ لأن الجواب قد لا يحتمل التطويل في الاستهلال بخلاف ابتداء التأليف، فإن ابتداء التأليف كما هو شأن الشيخ –رحمه الله-في بعض مؤلفاته يستوجب الثناء والبسطة فيه؛ فمثلا الواسطية بسط في الثناء والصلاة على النبي–صلى الله عليه وسلم-وما إلى ذلك.
أما هنا اقتصر على أقل ما ينبغي أن يكون ثم شرع في المقصود فقال: (الحمد لله) ثم قال: (الدعاء).
الطالب: الدعاء الذي فيه اعتراف العبد بظلم نفسه ليس من خصائص الصديقين ومن دونهم بل هو من الأدعية التي يدعو بها الأنبياء وهم أفضل الخلق، قال الله ـ تعالى ـ عن آدم وحواء: ﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الأعراف: 23]
الشيخ: طيب الظلم الذي استغفر منه معروف أو غير معروف؟ معروف وهو أكلهما من الشجرة التي نهي عن الأكل منها.
الطالب: وقال موسى ـ عليه السلام ـ: الغير ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِيفغفر له إنه هو الغفور الرحيم﴾[القصص: 16].
الشيخ: الذنب معروف أو غير معروف؟ معروف وهو قتله القبطي ومن هذين نعرف أن الظلم ظلم النفس يكون بأمرين؛ يكون بترك الحق، ويكون بالتعدي في الحد وعلى هذين القطبين يدور ظلم النفس ترك الحق ترك ما وجب أو التعدي للحد وهذا ضابط جامع لجميع صور ظلم النفس ننظر إلى الآيتين؛ الأول في قول آدم وحواء قال: ﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الأعراف: 23] من أي النوعين ترك الواجب أو الظلم بالتعدي تعدي الحد؟ الجواب بالتعدي تعدي الحد حيث أنهما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن أكلها، طيب موسى كذلك بتعدي الحد.
ومن هذا نعلم أن ظلم النفس هذه فائدة ثانية أن ظلم النفس يطلق على ما يتعلق بحق الله المخالفة في حق الله، والمخالفة في حق الآدمي، فإن الأكل من الشجرة تعدي ومخالفة في حق من؟ في حق الله –عز وجل-وأيضًا، والثاني في قول موسى ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾[القصص: 16] هذا مخالفة في حق من؟ في حق الآدمي في حق المخلوق، وكلاهما يطلق على ظلم النفس يطلق عليه على صاحبه أنه ظلم نفسه أو أنه ظالم لنفسه.
ومن هذا نعلم أن كل من وقع في معصية فقد ظلم نفسه، سواء كانت المعصية مما يتعلق بخاصته أو مما يتعلق بسلب حقوق الآخرين فإنه في الحقيقة ما ظلم إلا نفسه، ولذلك قال موسى ـ عليه السلام ـ لما قتل والقتل جناية متعدية إلى الغير ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾[القصص: 16] مع أن الظلم وقع في الأصل على من؟ على الغير لكنه في الحقيقة غاب عنه كل شيء ما يعود على نفسه فقال: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾[القصص: 16] لأنه التعدي على الغير في الحقيقة هو جناية على النفس واضبط هذا حتى نعرف معنى الحديث، ومعنى الظلم الذي سأل الله –عز وجل-الصديق أن يغفره له ووجه النبي –صلى الله عليه وسلم-الصديق، قيل: أن يطلب المغفرة من الله فيه.
الطالب: وقد دعا غيرهم بنحو هذا الدعاء، كقول الخليل ـ عليه السلام ـ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾إبراهيم:41، وقال: ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾الشعراء:82، وقال هو وإسماعيل: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)﴾البقرة:127، 128، وقال موسى ـ عليه السلام ـ: ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾الأعراف:155، 156، وقال نوح ـ عليه السلام ـ: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾هود:47، وقال يونس: ﴿لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾الأنبياء:87.
الشيخ: هذا القسم الثاني مما استدل به الشيخ –رحمه الله-على أن الدعاء الذي فيه اعتراف العبد بظلم نفسه ليس من خصائص الصديقين ومن دونهم، بل هو من الأدعية التي يدعو بها الأنبياء.
القسم الأول: واضح فيه التصريح بظلم النفس.
القسم الثاني: لم تصرح الآيات بظلم النفس ؛ لكنها أتت بما يترتب على ظلم النفس، وهو المؤاخذة وهو المعاقبة، ولذلك هم سألوا الله –عز وجل-المغفرة، والمغفرة إنما تكون في مقابل تقصير في واجب أو انتهاك لمحرم، فإذا كانت كذلك المغفرة لا تكون إلا بإيذاء هذين التقصير في الواجبات ومن التقصير الترك.
والثاني: انتهاك المحرمات، فإنه قد وقع منهم ظلم أنفسهم، فاحتاجوا إلى طلب المغفرة، ثم إن المغفرة المسئولة على درجات المغفرة المسئولة في هذه الآيات على درجات ليس على درجة واحدة منها ما هو طلب المغفرة في الشرك أو من الشرك، ومنه طلب المغفرة مما لا يليق ولا يناسب، ومنها ما يكون طلب المغفرة ؛ لعموم ما يكون من تقصير ؛ لأن طلب المغفرة إما عن ذنب معين، وإما عما وقعت فيه المخالفة على وجه العموم.
فقول القائل بعد الصلاة: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، هل استغفار من شيء معين أو على وجه العموم؟ يحتمل أنه على شيء معين وهو ما حصل من تقصير في الصلاة، ويحتمل أنه استغفار مطلق لجميع الذنوب يؤوب ويتوب إلى الله –عز وجل-منها.
وأما قول (استغفر الله) مطلقًا، فهذا لا شك أنه استغفار عن جميع ما كان من ذنب وخطيئة، أما من استغفر من ذنب معين فهو استغفار مقيد، وفي هذا ومما يفرق بين النوع الأول والنوع الثاني في طلب المغفرة أنه في النوع الأول الذي هو في قول آدم وحواء وموسى ذكر ما يوجب الدعاء من وجوه في قول آدم وحواء قال: ﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾[الأعراف: 23] وهذا فيه سؤال الله –عز وجل-بوصف حال العبد لأن التوسل إلى الله –عز وجل-بالدعاء يكون بثلاثة طرق:
أن يصف العبد حاله لربه، ومن ذلك قولهم هنا: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾[الأعراف: 23]، ومنه أيضًا قول موسى ـ عليه السلام ـ:﴿إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾[القصص: 24]، ومنه قول أيوب ـ عليه السلام ـ:﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾[الأنبياء: 83]، وقول زكريا في سؤال الولد ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾[مريم: 4] فهذا كله تضرع وتوسل إلى الله –عز وجل-بوصف حال السائل الداعي هذا قسم.
القسم الثاني من الأدعية: ما يكون فيه الداعي متوسلًا إلى الله –عز وجل-بصفته، ومنه قوله في هذا ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[القصص: 16]، ومنه قوله: ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾[الأعراف: 155]، ومنه قول يونس: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ﴾[الأنبياء: 87] كل هذا توسل إليه وسؤاله –سبحانه وتعالى-بصفته هذان قسمان.
القسم الثالث: السؤال المباشر للحاجة وذلك كقول الخير ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾[إبراهيم: 41] ففي القسم الأول مما ذكر فيه التوسل إلى الله –عز وجل-وسؤاله –جل وعلا-بصفة العبد وبصفة الرب وبذكر الحاجة، قال: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾[الأعراف: 23] وصف توسل إلى الله بحالهما ﴿وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الأعراف: 23] هذا فيه ذكر الصفة مع عرض الحاجة ؛ لأنه قوله: ﴿وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا﴾[الأعراف: 23] معنى اغفر لنا وارحمنا وأكمل الدعاء ما جمع هذه الأمور الثلاثة ؛ لكن في المفاضلة أعلاها سؤال الله –عز وجل-بوصف حاله بوصفه –سبحانه وتعالى-ولذلك جاء الحديث «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ»سنن الترمذي (2926) والحديث حسن وهو في السنن وغيرها معنى هذا الحديث أنه من اشتغل بذكر الله –عز وجل-وذكر صفاته وسأله بذكر صفاته، وما يجب له من التعظيم عن ذكر المسألة أعطاه الله –عز وجل-خير ما يعطي السائلين، فخير ما يسأل به الله ذكر ما اتصف به –سبحانه وتعالى-فإنه لا أحد أحب إليه المدح من الله –جل وعلا-لأنه المستحق لذلك –سبحانه وتعالى-نعود.
الطالب: وقد ثبت في الصحيح من حديث علي ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يقول في دعاء الاستفتاح: "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، أستغفرك وأتوب إليك".صحيح مسلم (771)
الشيخ: الشاهد قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ظلمت نفسي واعترفت بذنبي" فنسب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-وهو أكمل الخلق عبادة لربه، نسب إلى نفسه الظلم قال: "ظلمت نفسي واعترفت بذنبي" وهذا لا يمكن أن يكون على وجه المجاز ؛ بل هو على وجه الحقيقة، خلافًا للذين يغلون في النبي –صلى الله عليه وسلم-ويرفعونه عما أنزله الله إليه من منزلة، فيقولون هذا إنما قاله على وجه التعليم، وإلا فإنه لا ذنب له هذا كذب لما دل عليه الكتاب والسنة.
الكتاب قول الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًالِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾[الفتح: 1-2] فأثبت الذنب للرسول –صلى الله عليه وسلم- وكذلك هنا قال: "ظلمت نفسي" ثم أكد ذلك ببيان هذا الظلم فقال: "واعترفت بذنبي" والأحاديث في هذا أكثر من أن تحصى التي تدل على أن الذنب يقع من النبي –صلى الله عليه وسلم-وأنه بحاجة إلى مغفرة الذنب من ربه، وإنه وإن لم يغفر له، فإنه مؤاخذ به صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هنا فائدة في التفريق بين الأدعية التي تبدأ بذكر الربوبية وبين التي تبدأ بذكر الإلهية، الأكثر في الأدعية القرآنية ماذا؟ الابتداء بالربوبية وكثير من الأدعية في السنة تبدأ بذكر الإلهية "اللهم" والتي في القرآن (ربنا) (ربي) فما الفرق؟ الفرق بينهما أنه في الغالب إذا ذكرت الربوبية لم يذكر بعدها ثناء على الله –عز وجل- بل يباشر السائل ذكر حاجته ومسألته، أما التي يكون فيها ثناء وتمجيد وتقديس، فإنها تفتتح بذكر الإلهية (اللهم) كما هو في هذا الحديث "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك" هذا كله ثناء، بخلاف (ربنا اغفر لي)، (ربنا تقبل منا) وما أشبه ذلك من الأدعية القرآنية التي تفتتح بالربوبية، وهذه فائدة عزيزة في التفريق بين ما افتتح من الأدعية بالإلهية بذكر الإلهية، وبين ما افتتح منها بذكر الربوبية.