الطالب: وقد ثبت في الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وعلانيته وسره، وأوله وآخره".صحيح مسلم (483)
وثبت عنه في الصحيحين أنه كان يقول بين التكبير والقراءة: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد".البخاري (744)، ومسلم (598)
وثبت أيضا في صحيح مسلم أنه كان يقول نحو هذا الدعاء إذا رفع رأسه من الركوع بعد التسميع والتحميد.مسلم (476)
الشيخ: التفريق الذي ذكرناه أغلبي، فلا يشكل عليك أنه قال: «اللَّهمَّ باعِدْ بَيْني وبَيْن خَطايايَ»وقوله في الحديث السابق: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ»لا يشكل عليك ؛ لأنه لكل قاعدة استثناءات ؛ لكن هذا هو الغالب بالنظر إلى ما ذكر من الأدعية مفتتحًا بذكر الإلهية، وبين ما ذكر من الأدعية مفتتحًا بالربوبية.
الطالب: وبعد أن يقول: "أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".مسلم (477) وثبت عنه في الصحيحين عن أبي موسى أنه كان يقول في دعائه: "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطأي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير".البخاري (6398)، ومسلم (2719)
الشيخ: سبحان الله فيما قام الاستغفار والتوبة يأتي التفصيل والإسهاب خلافًا لغيره من المقامات، فإنها مبنية على قوله –صلى الله عليه وسلم-:«اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ»سنن ابن ماجة (2144) في مقام سؤال المغفرة يأتي التفصيل وذلك لشدة حاجة الإنسان إلى مغفرة ربه، فكأنه يقول: لا تترك مني شيئًا إلا أحطته بمغفرتك وعفوك، ولذلك تجد في أول ما ذكر من الأحاديث «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ»هذا على وجه العموم يكفي في ذكر الذنوب وطلب المغفرة منها، لكن انظر إلى التفصيل «دِقَّهُ، وجِلَّهُ»يعني صغيره وكبيره «دِقَّهُ، وجِلَّهُ، وأَوَّلَهُ وآخِرَهُ وعَلانِيَتَهُ وسِرَّهُ» ثم أيضًا في الحديث الثاني «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وجَهْلِي، وإسْرافِي في أمْرِي، وما أنْتَ أعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطَايَايَ، وعَمْدِي وجَهْلِي وهَزْلِي، وكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ»البخاري (6398)، ومسلم (2719)
يعني هذا التفصيل والإسهاب يحقق به الداعي معنى العبودية، يحقق به افتقاره إلى مغفرة الله –عز وجل-وأنه لا قوام له ولا نجاة له إلا ما يحيطه الله –عز وجل-برحمته ومغفرته، وهذا السر في هذا الإطناب والتطويل الذي يخرج على المعتاد في أدعية النبي –صلى الله عليه وسلم-التي مبناها على الإجمال في الطلب.
الطالب: وثبت عنه في الصحيحين أنه كان يقول في دعائه بالليل: "اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت. اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت".البخاري (7499)، ومسلم (769)
الشيخ: هذا يبين لنا عظم هذا المطلوب فكل هذا الثناء والتمجيد والوصف لرب العالمين مزيل بسؤال «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ» يدل على عظم هذه المسألة وأنها مسألة عظيمة ينبغي للمرء ألا تخطئ لسانه وألا يغفل عنها لشدة حاجته إليها، فما هذا التوسل العظيم الطويل المتضمن إثبات أصول الدين وأصول الكمال لرب العالمين يعني تضمن إثبات أصول الكمال للرب –جل وعلا-وتضمن إثبات ما تعبد الله به الخلق من الإيمان به والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ثم تسليم تمام التسليم وتمام تحقيق العبودية لله –عز وجل-بالعمل في قوله: «اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ خَاصَمْتُ، وبِكَ حَاكَمْتُ»".البخاري (7499)، ومسلم (769) تأتي المسألة.
إذًا توسل لله –عز وجل-بصفاته التوسل لله –عز وجل-بالإقرار بشرعه وهو الإيمان، توسل إليه –سبحانه وتعالى-بالعمل الصالح كل ذلك لأجل أي شيء لسؤال المغفرة «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ» ثم بعد ذلك عودة للتوسل «أنتَ إلَهي لا إلَهَ أنتَ»".البخاري (7499)، ومسلم (769).
ويا إخواني هذه الأذكار لا تثمر صلاحًا في القلب واستقامة في الحال وزيادة في الإيمان إلا إذا عقل الإنسان معناها فقول اللسان لا يغني إذا كان القلب مغيبًا، ولذلك ينبغي للمؤمن أن يعتني بفهم هذه المعاني واستحضارها وتأملها ينبغي له أن ينظر فيها وأن يتأمل معانيها لأن في ذلك تحقيق لمقصودها وفيها خير وفي ذلك خير كبير للإنسان إذا عود نفسه عليه.
الطالب: وثبت عنه في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها.
الشيخ: لكن لا ننسى ما نحن فيه من مقصود من سياق هذا إثبات أن سؤال المغفرة وإثبات ظلم النفس وإثبات الذنب لا ينافي درجة النبوة فضلا عمن دونها من الدرجات الصديقية وغيرها من درجات الصالحين.
الطالب: وثبت عنه في الصحيح عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنه كان يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"البخاري (794)، ومسلم (484) يتأول القرآن، أي يمتثل ما أمر به في قوله: }فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا{.النصر:3 كما امتثل بتلك الأدعية ما أمره في قوله: }فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ{غافر:55، }فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ{.محمد:19
وهذا الدعاء الذي ذكرته عائشة بعد نزول قوله: }لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ{،الفتح:2 فإنه قد ثبت في الصحيح أن سورة }إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{النصر:1 آخر سورة أنزلت. وأيضا فأبو موسى الأشعري وأبو هريرة إنما صحباه بعد نزول قوله: }لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ{. الفتح: 2 فإن هذه الآية قد ثبت في الصحيح أنها نزلت عام الحديبية لما بايعه الصحابة بيعة الرضوان تحت الشجرة وانصرف، وقد خالط أصحابه كآبة وحزن لرجوعهم، ولم يتموا العمرة التي خرجوا لها، وقد صالحوا المشركين، لما أن في ظاهره غضاضة عليهم، حتى كرهه كثير منهم، وجرت فيه فصول، فأنزل الله سورة الفتح بنصرته من الحديبية، وهو في الطريق قبل وصوله إلى المدينة، ثم إنه تجهز من المدينة لفتح خيبر، وفي أواخر غزاة خيبر قدم عليه أبو موسى والأشعريون، وفي تلك المدة أسلم أبو هريرة. ولما أنزل الله عليه هذه الآية: }لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ{الفتح:2 قال له الناس: يا رسول الله! هذا لك، فما لنا؟ فأنزل الله ـ تعالى ـ: }هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ.{الفتح:4
وفي هذا رد على طائفة من الناس -كبعض المصنفين في السير وفي مسألة العصمة-يقولون في قوله: }لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ {الفتح:2: وهو ذنب آدم، وما تأخر ذنب أمته.
الشيخ: يعني لا ينسبون إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-لا ما تقدم ولا ما تأخر، إنما ينسبونه لغيره وهذا من غلوهم في رسول الله –صلى الله عليه وسلم-ولا يمكن أن يحمل القرآن وأن يفسر بهذه الظنون الكاذبة التي لا تستند على نصوص ثابتة وهي تخالف الظواهر المتبادرة من النصوص، بل الواجب إثبات ما أثبته الله رسول الله –صلى الله عليه وسلم-أعلم بربه وأعلم بنفسه من هؤلاء والله –عز وجل-يقول له: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾[الفتح: 2] وما ذنبه في معصية آدم، وما ذنبه في معصية أمته ليس عليه ذنب في ذلك، بل هو تحميل له ما لا يحتمل والله –عز وجل-قال: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[الأنعام: 164]، ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾[المدثر: 38] فلا يجوز تفسير الآية بهذا بوجه من الوجوه لكن هؤلاء حملهم على هذا التأويل الباطل ما اعتقدوه من استحالة وقوع الذنب من النبي –صلى الله عليه وسلم-فحملوا ما هو نظير هذا هذه المحامل البعيدة، إما أن يحملوه على ذنب آدم أو ذنب الأمة، أو إن أحسنوا في المخرج قالوا هذا تعليم لأمته هذا إنما هو لتعليم الأمة وإلا فإنه لا ذنب له ولا ظلم منه لنفسه صلى الله عليه وسلم.
يقول الشيخ –رحمه الله-في مناقشة هذا فإن هذا القول.
الطالب: فإن هذا القول -وإن كان لم يقله أحد من الصحابة والتابعين ولا أئمة المسلمين، ولا يقوله من يعقل ما يقول-فقد قاله طائفة من المتأخرين.
الشيخ: رد عليه من ثلاثة أوجه؛ إن هذا لم يقوله أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من أئمة المسلمين بعد القرون المفضلة كما أنه يرده العقل فقال: ولا يقوله من يعقل من يقول فهو مردود نقلًا لأنه لم ينقل ومردود عقلًا فلا يشهد له نقلًا ولا عقلًا.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم قال –رحمه الله-: ويظن بعض الجهال أن هذا معنى شريف، وهو كذب على الله، وتحريف الكلم عن مواضعه، فإنه قد ثبت في الصحاح في أحاديث الشفاعة أن الناس يوم القيامة يأتون آدم يطلبون منه الشفاعة، فيعتذر إليهم ويقول: إني نهيت عن الشجرة فأكلت منها، نفسي نفسي، ويأتون نبيا بعد نبي إلى أن يأتوا المسيح، فيقول: ائتوا محمدا، فإنه عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فلو كانت "ما تقدم" هو ذنب آدم لم يعتذر آدم.
الشيخ: لأنه قد غفر له.
الطالب: وأيضا فلما نزلت الآية قالت الصحابة: هذا لك، فما لنا؟ فأنزل الله: }هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ{الفتح:4، فلو كان "ما تأخر" مغفرة ذنوبهم لقال: هذه لكم.
وأيضا فقد قال تعالى: }وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ{غافر:55، ففرق بين ما أضاف إليه وما يضاف إلى المؤمنين والمؤمنات.
وأيضا فإضافة ذنب غيره إليه أمر لا يصلح في حق آحاد الناس، فكيف في حقه صلى الله عليه وسلم؟ حتى تضاف ذنوب الفساق من أمته إليه، ويجعل ما جعلوه من الكبائر -كالزنا والسرقة وشرب الخمر-ذنبا له ـ صلى الله عليه وسلم ـ والله يقول في كتابه: ولا تزر وازرة وزر أخرى، ويقول في كتابه: }وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}طه:112 قالوا: الظلم أن تحمل عليه سيئات غيره، والهضم أن ينقص هو من حسناته، وهو أفضل من عمل من الصالحات وهو مؤمن، فكيف تحمل عليه سيئات غيره وتضاف إليه؟
الشيخ: هذه الأوجه ظاهرة في إبطال ما فسر به بعض الناس قوله ـ تعالى ـ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾[الفتح: 2] إنه ذنب آدم وما تأخر ذنب امته، ذكر الرد إجمالًا بأن هذا لم ينقل، وأنه لا يقول به عاقل ثم ذكر أوجه إبطال ذلك في حديث الشفاعة وفي قول الصحابة له هذا لك فما لنا فدل ذلك على أنه لا يخصهم ولا يتعلق بهم وأيضًا بأنه لا يصلح أن يضاف الذنب إلى غير فاعله وبين وجه ذلك ثم يقول: وأي فرق بين ذنب آدم هذا أيضًا مواصلة للمناقشة.
الطالب: وأي فرق بين ذنب آدم وذنب نوح والخليل ... وكلهم آباؤه؟ وأي فرق بين ذنب الإنسان وذنب غيره حتى يضاف إليه هذا دون هذا؟ والله يقول: أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لرجل معه ابنه: "لا يجني عليك ولا تجني عليه."سنن أبي داود (4207)
وأيضا فقد قال الله في غير موضع في القرآن إنه ليس عليه إلا البلاغ المبين، وقال: }فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ{.النور:54 فإذا كان على أمته ما حملوا وهو ليس عليه إلا البلاغ المبين، كيف تكون ذنوب أمته ذنوبه؟ ومثل هذا القول لا يخفى فساده على من له أدنى تدبر، وإن كان قاله طوائف من المصنفين في العصمة، حتى يرى ذلك بعض من له في السنة والفقه والحديث قدم، لكن الغلو أوجب اتباع الجهال الضلال، فإن مثل هذه التفاسير إنما تصدر في الابتداء عن أهل التحريف لكتاب الله: إما من الزنادقة المنافقين، وإما من المبتدعة الضالين.
الشيخ: هذا يوجب الحذر مما يسمع الإنسان، وألا ينساق دون نظر في الدليل فإنه قد يكون صاحب علم وفقه ومعرفة بدين الله –عز وجل-لكن يتسرب إليه مثل هذه الأقوال فتنطبق عليه ويقبلها دون نظر فيها وتأمل وهذا يوجب للإنسان أن يلاحظ ما يقول لاسيما فيما لم يسبق إليه وما لم يتكلم به سلف الأمة يجب عليه أن يتروى وأن يتأنى فلا أن يخطئ في التأخير عن قول في مسألة من المسائل خير له من أن يقدم فيخطئ لاسيما في تفسير كلام الله –عز وجل-أو ما يتعلق بغيره من الناس لاسيما إذا كان الكلام على وجه العموم ينبغي له أن يتروى والتأني خير من العجلة لا إشكال.
فهذا أمر مهم وأيضًا فيه فائدة أنه ينبغي ألا نبخس الناس حقوقهم ولا أن نسلبهم ما منحهم الله –عز وجل-من المنازل بسبب خطأ وقعوا فيه، فالشيخ –رحمه الله-يقول: حتى ترى في بعض من له في السنة والفقه والحديث قدم أي معرفة وتقدم على غيره، فهو أثبت لهم الفضل لكن لم يسلمهم من النقد فيما أخطأوا فيه فبين خطأهم مع حفظ منزلتهم، فمن الناس من لا يتسع قلبه لحفظ منزلة الرجل إذا كان قد وقع في خطأ وذلة في قول، فيجعل ذلله وخطأه سببًا لإلغاء منزلته وإهدار مكانته وهذا من الخطأ ومن الجور والله –عز وجل-أمر بالعدل والعدل إذا تمسك به الإنسان سلم فيما يتعلق بعبادته لربه وفيما يتعلق بمعاملته للخلق العدل طريق السلامة.