الطالب: ولهذا جاء في الحديث "كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون"أخرجه الترمذي (2499)، وأحمد (13049) واعلم أن كثيراً من الناس يسبق إلى ذهنه من ذكر الذنوب الزنا والسرقة ونحو ذلك، فيستعظم أن كريمًا يفعل ذلك، ولا يعلم أن أكثر عقلاء بني آدم لا يسرقون بل لا يزنون، حتى في جاهليتهم وكفرهم، فإن أبا بكر وغيره من الصحابة كانوا قبل الإسلام لا يرضون أن يفعلوا مثل هذه الأعمال، ولما بايع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هندا بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية بيعة النساء على أن لا يسرقن ولا يزنين، قالت: أوتزني الحرة؟ أخرجه أبو يعلى (4754) فما كانوا في الجاهلية يعرفون الزنا إلا للإماء. ولهذا قولهم "حرة" تراد به العفيفة، لأن الحرائر كن عفائف.وأما اللواط فأكثر الأمم لم يكن يعرفه، ولم يكن هذا يعرف في العرب قط.
الشيخ: يعني هذا الآن من الشيخ –رحمه الله-بيان لسبب قول من قال بأن المعاصي لا تقع من الأنبياء أنهم لم يستقر في أذهانهم من الذنوب إلا هذه الذنوب، وهي الذنوب الظاهرة الزنا والسرقة ونحو ذلك، فلما عظم أن يقع ذلك من الأنبياء في نفوسهم منعوها، ونحن نقول: إن هذه الأمور لا تقع من الأنبياء حتى على القول بتجويز وقوع الكبائر منهم لا يقع منهم أمثال هذه الذنوب ؛ لأنها ذنوب تنافي الكرامة، وتنافي مقتضى الرسالة، ولذلك هم معصومون مما يتعلق بهذه الذنوب كما تقدم، وإنما الذنوب التي جوز العلماء وقوعها منهم هي في قوله: ولكن الذنوب التي من باب الضلال هذه التي جوزها العلماء وقوعها من الأنبياء نتكلم عليها ـ إن شاء الله تعالى ـ في الدرس القادم ؛ لأنه انتهى الوقت.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-تعالى: في كتابه "شرح حديث أبي بكر رضي الله عنه" اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا.
قال –رحمه الله-: ولكن الذنوب التي هي في باب الضلال في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما يدخل في ذلك من البدع التي هي من جنس العلو في الأرض والفخر والخيلاء والحسد والكبر والرياء ونحو ذلك، هي في الناس الذين هم متعففون عن الفواحش.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فهذا آخر ما تكلم به الشيخ –رحمه الله-في مسألة عصمة الأنبياء عن الذنوب وختم هذا البحث بذكر مصدر الشبهة في مسألة كيف يكون الصديق قد حصل هذه المرتبة ومع ذلك يسأل الله –عز وجل-بقوله: «اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا»وفي رواية كبيرة كيف يستقيم هذا مع مرتبة الصديقية فألمح الشيخ –رحمه الله-إلى أمر مهم وهو أن الذنوب ليست هي ما يتبادر إلى أذهان كثير من الناس من الذنوب التي تكون على الجوارح وتقع في أعين الناس كالزنا والسرقة، وما أشبه ذلك من الذنوب، بل الذنوب تطلق على هذا وعلى ما هو وراء هذا من الذنوب الخفية التي تكون من معاصي القلوب التي أعظمها الشرك بالله –عز وجل-يليها البدع ثم يليها ما هو من جنسها مما يقوم بالقلب من آفات مهلكة كالرياء والعجب والفخر والخيلاء والتعلق بغير الله وخوف غير الله وضعف خشية الله، وما أشبه ذلك من آفات القلوب التي تكون في بعض من يتعفف من مواقعة الذنوب الظاهرة والناس عندهم أن الذنوب الظاهرة التي وردت حدود في الشريعة لفاعلها ومرتكبها أعظم من هذه الذنوب، وهذا غلط فآثام القلوب على اختلافها واختلاف مراتبها هي أعظم من كبائر الذنوب ؛ لأن آفات القلوب مفسدة وفسادها عظيم بخلاف الذنوب التي تكون في الظاهر ولا ينفذ منها شيء إلى القلب بمعنى لا يكون المرض فيها مرضًا قلبيًا مستقرًا كالشبهات وكالرياء والعجب والكبر فإن هذه توبق الأعمال.
ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخلُ الجنةَ مَن كان في قلبه مِثقال ذرةٍ من كِبر» أخرجه مسلم (91) ولم يرد نظير هذا في الزنا لم يرد نظير هذا في السرقة لم يرد نظير هذا في سائر الذنوب، وليس هذا الكلام تهوينًا لشأن الزنا والسرقة، إنما هو لبيان مراتب الذنوب ؛ لأن معرفة مراتب الخطايا مهم لطالب العلم، كما أن معرفة مراتب الحسنات مهم لطالب العلم، فإن الخلط في مراتب الأعمال من الحسنات والسيئات يفقد الإنسان الميزان الذي يزن به أعمال الناس، فهذا أمر مهم، وهو أن القاعدة هي أن كل خطيئة قلبية أعظم من خطايا الظاهر، وأن كثيرًا من الناس قد يتعفف عن معاصي الظاهر من السرقة والزنا وما أشبه ذلك ؛ ولكنه يغفل ويكون قلبه مرتعًا للآفات الباطنة المهلكة، كالعجب والرياء والكبر والفخر عدم خشية الله وما أشبه ذلك.
ولذلك يجب على المؤمن أن يخلي قلبه من هذه الآفات، وأن يرقب قلبه، وأن يطهره تمام التطهير من آفات القلوب، وأن يصون ظاهره ؛ لأن صيانة الظاهر من تمام كمال الباطن، لكن لا يمكن أن يكون الباطن مستقيمًا والظاهر خلاف ذلك إلا إذا وجد مانع والعكس واقع، فقد يكون الظاهر حسنًا جميلًا، ويكون الباطن خلاف ذلك، وإذا أردت شاهد ذلك، فاقرأ قول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾[المنافقون: 4] فجمال في المنظر والمظهر، وجمال في المنطق واللسان لكن ليس وراء ذلك شيء، ولذلك قال الله –جل وعلا-: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾[المنافقون: 4] فوصفهم بوصفين؛ خشب والخشب جمع خشبة لكنها خشبة ليست نافعة، ولذلك وصفها بالخشبة المسندة التي لا ينتفع منها أحد فالخشب إذا لم ينتفع بها سندت وركنت فكذلك المنافقون، مع جمال مظاهرهم وحسن منطقهم، فإنهم لا ينفعوا ولذلك ينبغي للمؤمن أن يكمل باطنه بأعمال القلوب من الإخبات والخضوع، وتحقيق العبودية لله –عز وجل-بالقلب، وأن يكمل ظاهره بالتزام الشرع.
وبذلك يحصل له الفضل والسبق، فالذنوب التي يستغفر منها في قول القائل: استغفر الله، وفي قول أبي بكر الذي وجهه النبي –صلى الله عليه وسلم-إليه "اللهم إني ظلمت ظلمًا كثيرًا" لا يلزم أن يكون الزنا، ولا يلزم أن يكون السرقة، بل هو ذلك ومع هو وراء ذلك من ذنوب القلوب وآفاتها التي لا تقع عليها الأعين ولا تدركها الأبصار، وهذا مراد الشيخ –رحمه الله-في قوله: وأعلم أن كثيرًا من الناس يسبق إلي ذهنه من ذكر الذنوب الزنا والسرقة ونحو ذلك، فيستعظم أن كريم يفعل ذلك ثم قال: ولكن الذنوب لبيان الاستدراك، ولكن الذنوب التي هي من باب الضلال في الإيمان بالله وملائكته إلى آخر ما ذكر، وما يدخل في ذلك من البدع هذا من أعظم الذنوب ثم يقول: التي هي من جنس العلو في الأرض والفخر والخيلاء والحسد والكبر والرياء ونحو ذلك.
الإنسان قد يتوقع أن يقع في الزنا ويهرب منه هربًا شديدًا ؛ لكنه ما يتوقى من الكبر، لا يتوقى من حسد الناس، لا يتوقى من العجب من العمل الصالح، لا يتوقى من المن على الله –عز وجل-بالاستقامة والطاعة وهذه آفات مهلكة.
ولذلك العجيب في آفات القلوب أنها تحبط العمل بخلاف آفات البدن، الزنا ما ذكر الله ورسوله أنه يحبط العمل، لكن المن يحبط العمل، العجب يحبط العمل، الرياء يحبط العمل، وهذا يدلك على خطورة هذا الأمر وممن اعتنى ببيان هذا وإبرازه والتنبيه إليه ابن القيم –رحمه الله-في كتابه "مدارج السالكين" فإنه اعتنى بذلك غاية العناية لا سيما في أوله ثم قال في تكميل كلامه على أن الذنوب لا تقتصر على ذنوب الظاهر بل حتى ذنوب الباطن قال: وكذلك.
الطالب: وكذلك الذنوب التي هي ترك الواجبات، فإن الإخلاص لله والتوكل على الله، والمحبة له، ورجاء رحمة الله، وخوف عذاب الله، والصبر على حكم الله، والتسليم لأمر الله ... كل هذا من الواجبات.
الشيخ: وهذا من واجبات ماذا؟ من واجبات القلوب، فالأول ذكر ما هو من آثام القلوب وذنوبها وفي الثاني قال: وكذلك الذنوب التي هي ترك الواجب ذكر ترك والتفريط في الواجب لأن ذكرنا أن الظلم ظلم النفس ينقسم إلى قسمين؛ التفريط في الواجب والتعدي للحد فذكر أولًا تعدي للحد، وهو في قوله: ولكن الذنوب التي هي من باب الضلال، والثاني ترك التفريط في الواجب، ولكن الكلام في القسمين على أعمال القلوب الواجبات والسيئات.
الطالب: وكذلك الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ... ونحو ذلك، هو من فروض الكفايات، وتحقيق ما يجب من المعارف والأعمال يطول تفصيله في هذا السؤال، حتى يفطن هذا. ثم يفتح له الباب.
الشيخ: يفطن هذا يعني من أورد السؤال أو من التبس عليه وقام عنده الإشكال في حديث أبي بكر رضي الله عنه.
الطالب: وقد ذكر الله الذين وعدهم بالحسنى فلم ينف عنهم الذنوب، ولكن ذكر المغفرة والتكفير فقال: والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون، وقال تعالى: أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
وقد ثبت في الصحيح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته". أخرجه البخاري (5673)، ومسلم (2816)
الشيخ: الشاهد في الآية في قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾[الزمر: 33] فبين الله –جل وعلا-أن الذي جاء بالصدق جاء به عملًا وصدق به قلبًا أولئك هم المتقون ثم بين بعد أن ذكر مرتبتهم بين جزائهم فقال: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾[الزمر: 34] يعني هذا هو أجرهم وثوابهم، فأعاد الثناء عليهم بذكر وصف الإحسان لهم ثم قال: ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا﴾[الزمر: 35] وهو الشاهد فإن الله وصفهم بوسطين عظيمين وصفهم بماذا؟ بالتقوى فقال: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾[الزمر: 33]، ووصفهم بالإحسان فقال: ﴿ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾[الزمر: 34]، ثم بعد ذلك قال: ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا﴾[الزمر: 35] فدل ذلك على أن وقوع السيء من العمل لا ينافي درجة الصديقية ولا ينافي درجة التقوى والإحسان، بل قد يكون الإنسان صديقًا وليًا لله –عز وجل-ويقع منه ظلمه لنفسه، ولكنه لا يكون ظلمًا يستقر فيه على ما هو عليه من معصية، بل يبادر إلى التوبة والاستغفار، فإن بقي عنده شيء لم يعالج بالتوبة والاستغفار، إن غمر فيما معه من الصالحات والأعمال الزاكيات.
وهذا شأن المتقين ولذلك ذكره الله –عز وجل-في أكثر من موضع منه ما ذكره الله –عز وجل-في سورة آل عمران ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾[آل عمران: 133] ثم ذكر من صفاتهم ماذا؟ ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[آل عمران: 135] فذكر الله –جل وعلا-وقوع الفاحشة منهم، ولكنه بين أنهم لا يصرون ووقوع الظلم منهم لأنفسهم، ولكن قال: إذا ذكروا لم يصروا على ما فعلوا فإذا وقع منهم التذكر لم يصروا على ما فعلوا وقوله ـ تعالى ـ: ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا﴾[الزمر: 35] هذا فيه الدلالة على أنه يكفر عنهم ما هو دون السيء ما هو دون الأسوأ من السيء لأنه إذا كان يكفر عنهم الأسوأ وهو الأشد والأقبح، فتكفير ما دونه من باب أولى ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الزمر: 35] فلا يؤاخذهم بمنه ورحمته وفضله وإحسانه وبره وجوده لا يؤاخذهم –سبحانه وتعالى-على ما وقع منهم من السيئات ثم قال أيضًا: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾[الأحقاف: 16] اللهم اجعلنا منهم.
ثم ذكر الحديث الذي فيه قوله –صلى الله عليه وسلم-: «لن يدخلَ أحدٌ منكمُ الجنَّة بعملِه» أخرجه البخاري (5673)، ومسلم (2816) مهما بلغ في الإتقان والحسن والكمال والجودة والعمل هنا يشمل عمل الظاهر وعمل الباطن، فمهما كمل الإنسان باطنه بالأعمال الصالحة وظاهره كذلك، فإنه لن يدخله الجنة، والمقصود أنه لا يستقل بإدخاله الجنة، وليس المراد نفي السببية، فإن العمل الصالح سبب لدخول الجنة، ولكنه لا يستقل سببًا لدخول الجنة، وذلك أن العمل الصالح مهما بلغ، فإنه لا يكافئ نعمة من نعم الله على عباده من بصر وإحساس وسمع وبصر، وما يدرك به ما حوله من الأمور.
المهم نعم الله على عباده كثيرة، فلا يقابل ما يقوم به العبد من الأعمال الصالحة لا يقابل شيئًا من نعم الله عليه قالوا: ولا أنت يا رسول مع أنه المحقق للغاية في عمل الظاهر وعمل الباطن قال –صلى الله عليه وسلم-: «ولا أنا إلَّا أن يتغمَّدنِيَ اللَّهُ برحمةٍ منْهُ»أخرجه البخاري (5673)، ومسلم (2816) فالسبب المساعد السابق اللاحق لدخول الجنة هو رحمة الله –عز وجل-وأما العمل فهو مؤهل ولا يعد سببًا مستقلًا لدخول الجنة.
من العلماء من قال: إن هذا الحديث فيه بيان أن دخول الجنة ليس بالعمل، وإنما دخول الجنة برحمة الله –عز وجل-فما الجواب على مثل قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[الزخرف: 72] الجواب قالوا: إن الباء هنا ليست المعاوضة، وإنما هي للسببية وعلى هذا يتفق مع هذا الحديث من حيث أننا ذكرنا أن المنفي هنا هو الاستقلال لا نفي السببية نفي الاستقلال لا نفي السببية، وبعضهم قال: إن قوله ـ تعالى ـ: ﴿بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[الزخرف: 72] هذا بعد دخول الجنة، فإنهم بعد دخول الجنة تكون منازلهم حسب أعمالهم.
وأما أصل الدخول فليس من أجل ما معهم من الأعمال، إنما هو بالعمل الصالح ولا ريب أن الله –جل وعلا-جعل العمل الصالح سببًا لدخول الجنة ولذلك تجد أن الله يذكر العمل الصالح ويذكر أنه به يحصل للإنسان فضل في الدنيا وفضل في الآخرة فمثلا قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَن صلَّى في يومٍ ثنتي عشرةَ ركعةً، بنَى اللهُ لهُ بيتًا في الجنَّةِ»أخرجه مسلم (728) هذا ما يشك إنسان يفهم الخطاب العربي أن من أسباب بناء بيت في الجنة الصلاة صلاة اثنتي عشرة ركعة في اليوم، وهذا يدل على أن العمل الصالح سبب لدخول الجنة، فعلم أن النفي هنا ليس نفيًا للسببية، إنما هو نفي لاستقلال ذلك، وهذا حتى لا يعجب الإنسان بعمله، ويظن أنه سابق بعمله إنما هو بفضل الله ورحمته الذي وفقك للعمل الصالح هو الله، الذي يثيبك عليه هو الله، الذي يبلغك الدرجة في الجنة هو الله –سبحانه وتعالى-فالفضل منه أولًا وآخرًا، له الحمد في الأولى والآخرة –سبحانه وتعالى-فرغ الشيخ من المقدمة التي جعلها بين يدي شرح هذا الحديث والتعليق عليه في هذا الفصل يتكلم الشيخ –رحمه الله-عن بيان بعض مضامين هذا الحديث العظيم.