الطالب: إذا ثبت هذا، فظلم العبد نفسه يكون بترك ما ينفعها وهي محتاجة إليه، أو بفعل ما يضرها، كما أن ظلم الغير كذلك، يكون إما بمنع حقه أو التعدي.
والنفس إنما تحتاج من العبد إلى فعل ما أمر الله به، وإنما يضرها فعل ما نهى الله عنه، فظلمها لا يخرج عن ترك حسنة مأمور بها، أو فعل سيئة منهي عنها.
الشيخ: هذا بيان لمعنى الظلم المسئول مغفرته في حديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ يقول: ظلم العبد نفسه يكون بترك ما ينفعها وهي محتاجة إليه أو بفعل ما يضرها، وهذا يبين لك وجه تسمية المعاصي ظلمًا للنفس ووجه كون ترك الطاعات ظلمًا للنفس.
النفس محتاجة إلى الطاعات، ومحتاجة إلى ترك المعاصي، فمن وقع في المعاصي، فقد ظلم نفسه ؛ لأنه منعها ما تحتاج، وهو الامتناع عما نهى الله عنه، ومن ترك الواجبات فقد ظلم نفسه لماذا؟ لأنه منعها ما تحتاج إليه من الطاعات التي بها يثبت الإيمان وينمو وترسخ القدم، وتثبت ولذلك قدم بهذه المقدمة في بيان مع وجه كون المعاصي ظلمًا للنفس، وهذا يشمل معاصي القلوب ومعاصي الجوارح يشمل ترك واجبات القلبية وترك واجبات البدن، فظلم النفس كظلم العبد نفسه يكون بترك ما ينفعها وهي محتاجة إليه أو بفعل ما يضرها وهي محتاجة إلى تركه يقول: كما أن ظلم الغير كذلك يكون إما بمنع حقه أو التعدي أي التعدي على حقه.
واعلم أن الظلم إذا أطلق فهو يتناول جنس الذنوب والمعاصي على اختلاف درجاتها ظلم النفس إذا أطلق في الكتاب والسنة فإنه يتناول جميع الذنوب على اختلاف درجاتها ومراتبها الظاهرة والباطنة، لكنه يرد مقيدًا وذلك على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ظلم يتعلق بالله –عز وجل-وظلم يتعلق بالخلق وظلم يتعلق بالنفس.
القسم الأول يكون بالشرك وهو أعلاه ويكون أيضًا بعدم إثبات ما أثبته الله لنفسه من صفات الكمال.
القسم الثاني: ما يتعلق بالخلق وذلك يكون بما ذكر الشيخ –رحمه الله-بمنع حقوقهم أو التعدي عليهم هذان ضابط للظلم المتعلق بالخلق إما منع حقوق أو التعدي على الحقوق.
القسم الثالث: ظلم النفس وهو ظلمها للمعاصي الخاصة التي ليست بخسًا ونقصًا في حق الله ولا نقصًا في حق المخلوقين كالزنا وشرب الخمر وعدم القيام بالواجبات، وما أشبه ذلك من أنواع المعاصي والسيئات ترك الصلاة، ترك الزكاة، ترك الحج، وإن كان من الذنوب ما يشترك فيه يكون فيه ظلم للنفس، ويكون فيه ظلم للخلق، أو يكون فيه ظلم للنفس وظلم للخالق، وتعد على حق الخالق.
إذًا تقسيم التقسيم تقسيم الظلم إلى ثلاثة أقسام هو باعتبار الجهة التي انتقص حقها، وأما ترك التقسيم والقول بأن الظلم يشمل جميع الأقسام، فذلك أنه ما من نوع من هذه الأنواع الثلاثة إلا وحقيقته أن مضرته تعود على من؟ على الإنسان نفسه فيكون قد ظلم نفسه، الذي وقع في الشرك انتقص حق الله أليس كذلك؟ لكن في الحقيقة المضرة ترجع على من؟ ترجع على نفسه «يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي»صحيح مسلم (2577) الذي يتعدى على حقوق الغير أو يمنع حقوق الغير هذا ظلم غيره أليس كذلك؟ لكنه في الحقيقة إنما ظلم نفسه الغير حقه وافي لن يضيع حقه إن فات في الدنيا أدركه في الآخرة من الحسنات والسيئات.
ولذلك لا ظلم عليه في الحقيقة ؛ لأنه سيدرك حقه إلا من تنازل عنه في الآخرة، إن كان في الدنيا فسيقاضي ويأخذ حقه، إن فاته حقه في الدنيا فسيأخذه في الآخرة من حسنات الظالم، فإن لم يكن للظالم حسنات خفف عنه من السيئات بأن أخذت سيئات ووضعت على من ظلمه بقدر مظلمته، فهل وقع عليه ظلم في الحقيقة؟ الحقيقة لا وإنما الظلم وقع على نفس المتعدي المانع للحق، وهذا الذي جعل بعض العلماء يطلق ظلم النفس على الشرك، ظلم النفس على التعدي على حقوق الغير، ظلم النفس على سائر أنواع المعاصي.
وهذا الاستعمال في القرآن الكريم، فإن الله ـ جل وعلا ـ ذكر ظلم النفس في الشرك، وذكر ظلم النفس فيما دون الشرك في المعاصي المتعلقة بحقه –سبحانه وتعالى-يعني المتعلقة بسائر المعاصي والمتعلقة بحقوق الغير فمن استعمال ظلم النفس في الشرك قوله ـ تعالى ـ التصريح بأن الشرك ظلم للنفس من يأتي بشاهد من القرآن ذكر الله فيه ظلم النفس على الشرك لا التصريح من يعمل سوء ويظلم نفسه ما ندري هذا من ظلم عام لكن يمكن أن يكون هذا الظلم في حق الله، لكن نريد التصريح بظلم النفس فيما يتعلق بالشرك بس ما ذكر ظلم النفس لا ما في دليل مرت معنا أو ستمر قريبًا ما أدري مرت أو لم تمر بالشرك وبإنكار البعث لكن فيه بالشرك خصوصًا هذا يحتمل ظلم النفس بالشرك ويحتمل ظلم النفس بإنكار البعث في سورة البقرة ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾[البقرة: 54] اتخذوا العجل ماذا؟ إلها من دون الله فسمى عبادتهم غير الله، وهي من الشرك ظلمًا للنفس سماها ظلمًا للنفس وهذا من الشواهد الدالة على أن ظلم النفس يطلق على الشرك يعني على انتقاص الله حقه ؛ لأن في الحقيقة إنما يبخس الإنسان نفسه بالشرك وإلا فالله –جل وعلا-الغني الحميد.
وأما إطلاق ظلم النفس على التعدي على الغير فقد معنا يا صابر مثاله وهو السؤال مر معنا شاهد على إطلاق ظلم النفس فيما يتعلق بالتعدي على الخلق يعني ما يقع على الخلق من جناية سماها الله –عز وجل-ظلمًا للنفس ما بقي لنا اقرأ الآية موسى ـ عليه السلام ـ لما قال لما قتل القبطي قال: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾[القصص: 16].
الطالب: وما يضطر العبد إليه من أكل وشرب ولباس وغير ذلك هو داخل في هذا، فإن جميع ذلك هو من الواجبات المأمور بها، حتى أكل الميتة عند الضرورة يجب في المشهور من مذهب الأئمة الأربعة.
الشيخ: ما يضطر إليه العبد من أكل وشرب ولبس وغير ذلك هو داخل في هذا يعني في ظلم النفس إذا امتنع الإنسان منه وتركه ثم قال: فإن جميع ذلك هو من الواجبات المأمور بها يعني يجب عليه أن يأكل وأن يشرب وأن يكتسي كسوة يحصل بها حفظ نفسه يقول: حتى أكل الميتة عند الضرورة يجب في المشهور من مذهب الأئمة الأربعة فلو تركه أثم بذلك لأنه يكون قتل للنفس.
الطالب: قال مسروق: من اضطر إلى الميتة ولم يأكل حتى مات دخل النار وكذلك ما يضرها من جنس العبادات، مثل الصوم الذي يزيد في مرضها أو يقتلها، أو الاغتسال بالماء البارد الذي يقتلها ونحو ذلك، هو من ظلمها المحظور، فالله ـ تعالى ـ أمر العباد بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم، كما قال قتادة: إن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به حاجة إليه، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا به، ولكن أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عما فيه فسادهم، ولهذا جاء القرآن بالأمر بالصلاح والنهي عن الفساد في غير موضع.
والصلاح كله في طاعة الله، والفساد كله في معصية الله، فالصلاح والطاعة متلازمان، والمعصية والفساد متلازمان، كتلازم الطيب والحل، وكل طيب حلال، وكل حلال طيب، وكل خبيث حرام، وكل حرام خبيث. والمعروف ملازم مع الطاعة والصلاح، والمنكر ملازم مع المعصية والفساد، ولكن بعض الناس قد يتبين له اتصاف الفعل ببعض من الصفات قبل بعض، كما يعلم كثيرا من العبادات ولا يعلم ما فيها من الصلاح، وكثيرا من المحرمات ولا يعلم ما فيها من الفساد، وكذلك قد يرى مصالح كثيرة ولا يعلم أمر الشارع بها.
والمؤمن يعلم أن الله يأمر بكل مصلحة وينهى عن كل مفسدة، فإذا كان في بعض الأفعال رأى أنه مصلحة ولم يأمر به كان مخطئا من أحد وجهين: إما أن يكون في نفس الأمر مصلحة لما ترجح فيه من مفسدة لا يعلمها هو؛ وإما أن يكون داخلا فيما أمر الله به ولم يعلم.
الشيخ: ولهذا يقول –رحمه الله-: فالله ـ تعالى ـ أمر العباد بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم، وهذه يا إخواني هذا الكلام كلام مهم، وهو بمثابة التأصيل لقاعدة كبرى تبنى عليها جميع أحكام الإسلام، فجميع أحكام الإسلام على اختلافها من الأحكام المتعلقة بالشخص والمتعلقة بالمعاملة والمتعلقة بصلة العبد بربه كلها دائرة على هذا المعني، وهو تحقيق المصلحة فالشريعة جاءت بتحقيق المصلحة والمصلحة هي المنفعة، فالشريعة جاءت لتحقيق منافع العباد، وتحقيق المصلحة يكون بإيجاد بتكثيرها إن كانت موجودة، وبإيجادها إن كانت معدومة فهناك مرتبتان لتحصيل المصالح في أحكام الشريعة.
الأول: التكثير فيما كان موجودًا.
ثانيًا: الإيجاد فيما كان معدومًا.
وهذا في جانب الإصلاح الإيجابي أي الوجودي، وأما في جانب الإصلاح والمصلحة من جهة السلب، فإنه في إعدام المفاسد فالشريعة جاءت بإعدام المفاسد إبطالها جاءت بتعطيل كل مفسدة، فإذا لم يمكن التعطيل فهناك مرتبة ثانية في معالجة المفاسد، وهي تقليلها وهذه القواعد الأربع أو الفروع الأربع لهذه القاعدة تتكرر في كلام شيخ الإسلام –رحمه الله-كثيرًا، فكثيرًا ما يقول: والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها تحصيل يعني إيجاد بتحصيل المصالح وتكثيرها وجاءت بتعطيل المفاسد وتقليلها وبهذا تنتظم المراتب الأربع التي يحصل بها صلاح معاش الناس ويحصل بها صلاح ميعادهم.
يقول –رحمه الله-: فالله ـ تعالى ـ أمر العباد بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم، وإذا اعتقد المؤمن هذا ستجده مبادرًا إلى فعل كل ما أمر الله به وترك كل ما نهى الله عنه ؛ لأنه يعلم أنه إنما أمر لمنفعة، وإنما نهي لمضرة فما أمر الله به فيه منفعة سواء أدركها العبد أو ما يدركها ما يؤثر، فقد أخبر بها الحكيم الخبير وشرع الحكيم الخبير هذا الحكم لتحصيلها ما من معصية إلا وفيها مضرة أدركها العبد أو لم يدركها، فإن أدركها فذاك خير نور على نور، وإن لم يدركها فليفوض الأمر إلى العليم الخبير الذي ما نهى عنها تحكمًا إنما نهى عنها لحكمة، فالله –جل وعلا-الحكيم الخبير في شرعه وخلقه في الأمر والخلق.
يقول –رحمه الله-: كما قال قتادة والسلف ـ رحمهم الله ـ كلامهم جواهر، كما قال ابن القيم كلامهم قليل كثير البركة بخلاف الخلف المتأخرين كلامهم كثير قليل البركة عبارة موجزة تلخص لك هذا الأمر.
يقول –رحمه الله-: إن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به حاجة إليه يعني لم يأمرهم بهذه الأوامر من الصلاة والزكاة والحج والصيام والإحسان إلى الخلق، والإحسان في عبادة الرب لأجل حاجته إليهم ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلًا به، فهو الغني الحميد –جل وعلا-الذي بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء –سبحانه وتعالى-فلم يمنعهم من السرقة بخلًا عليهم، لم يمنعهم من الزنا بخلًا عليهم، لم يمنعهم من الكبر بخلًا عليهم بل هو –سبحانه وتعالى-إنما منعهم لمصلحتهم يقول: ولكن أمرهم بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم وهذا يا إخوان نحن نحتاج إلى أن نقرره في نفوسنا ونحتاج أن نقرره في نفوس عامة المسلمين ؛ لأن كثيرًا من الناس لا يفهم من الأحكام إلا حدودًا تحجب الإنسان عما يشتهي ويحب وما يحصل له به اللذة وهذا غلط، غلط كبير هذا نظر قاصر للأحكام الشرعية، وهو نظر مقلوب لو أنه نظر إلى ما ذكره الشيخ –رحمه الله-من أنه إنما أمر بما أمر لمصلحته ونهي عما نهي عنه لمضرته عليه لكان ذلك من أكبر الدواعي لامتثال الأمر وترك النهي.
يقول –رحمه الله-: ولهذا جاء القرآن بالأمر بالصلاح والنهي عن الفساد في غير موضع، ثم بعد أن بين –رحمه الله-الصلاح والفساد بين أن الشريعة جاءت بهذين الأمرين على وجه العموم بين ما هو الصلاح حتى لا يدعي مدعي أن الصلاح في كذا، فيجعل الصلاح في مخالفة أمر الله أو الفساد في موافقة أمر الله.
قال –رحمه الله-: في ضابط عام الصلاح كله في طاعة الله صلاح أمر الأشخاص، الأفراد، المجتمعات، صلاح الدنيا والآخرة كله في طاعة الله، والفساد كله في معصية الله –عز وجل-وهذا يمثل لك الضابط الكلي العام الذي يتبين به ماذا؟ معنى الصلاح الذي جاءت به الشريعة ومعنى الفساد الذي نهت عنه الشريعة.
معنى الصلاح الذي امتدح الله أهله، ومعنى الفساد الذي ذم الله أهله، فالصلاح الذي امتدح الله أهله كله في الطاعة، والفساد الذي ذم الله أهله وتوعدهم بما توعدهم به كله في معصية الله عز وجل.
يقول –رحمه الله-: فالصلاح والطاعة متلازمان، والمعصية والفساد متلازمان لا ينفكان فلا يمكن أن يكون صلاح في غير الطاعة، ولا يمكن أن يكون فساد في غير المعصية، ولا يمكن أن يكون في المعصية صلاح بحال من الأحوال قال: كتلازم الطيب والحل قال الله –جل وعلا-في وصف النبي –صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾[الأعراف: 157] فبين الله –عز وجل-وصف رسوله بأنه يحل الطيبات فالطيبات مقترنة بماذا؟ بالحل ويحرم عليهم الخبائث، فالخبائث مقترنة بالتحريم ولا يشكل عليك وصف الشرع لبعض الأشياء بالخبث مع أنها مباحة لا يشكل عليك وصف الشارع لبعض الأشياء بالخبث مع أنها مباحة مثل البصل والثوم ومثل كسب الحجام فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «كَسبَالحجَّامِ خَبيثٌ»سنن الترمذي (1275)، وسنن أبي داود (3421) والنبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «مَن أَكَلَ مِن هاتينِ الشَّجَرتينِ الخَبيثَتينِ، فلا يَقربنَّ مَسجِدَنا»سنن أبي داود (3827) فالخبث هنا ليس الخبث المذكور في الآية، وإلا لاقتضى أن يكون كسب الحجام حرامًا ولاقتضى أن يكون أكل البصل والثوم حرامًا، وإنما الخبث هنا خبث نسبي فبالنظر إلى المكاسب المباحة هناك طيب وهناك خبيث هناك شريف وهناك وضيع فمن الوضيع كسب ماذا؟ الحجام لأنه يتعلق بأمور رديئة ومثله الكساح والنزاح الذي ينزح البيارات، فهذا كسبه خبيث لا أنه محرم ؛ لكنه لاشتغاله بأمور رديئة دنيئة يأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذا في الدرس القادم والله ـ تعالى ـ أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-تعالى في كتابه "شرح حديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ:" اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا".
قال –رحمه الله-: ولهذا جاء القرآن بالأمر بالصلاح والنهي عن الفساد في غير موضع والصلاح كله في طاعة الله، والفساد كله في معصية الله، فالصلاح والطاعة متلازمان، والمعصية والفساد متلازمان، كتلازم الطيب والحل، وكل طيب حلال، وكل حلال طيب، وكل خبيث حرام، وكل حرام خبيث.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فتكلمنا على غالب ما في هذا المقطع وتوقفنا على قوله –رحمه الله-: وكل خبيث حرام وكل حرام خبيث أليس كذلك؟ وتكلمنا على الخبث وأنه لا يشكل على هذه القاعدة وصف النبي –صلى الله عليه وسلم-بعض المباحات بالخبث وقلنا إن الخبث الذي وصف به بعض الحلال خبث نسبي لا يفيد التحريم وذلك كقوله –صلى الله عليه وسلم-بالبصل والثوم شجرتان خبيثتان، وكقوله –صلى الله عليه وسلم-في كسب الحجام قال: «كَسبَ الحجَّامِ خَبيثٌ»سنن الترمذي (1275)، وسنن أبي داود (3421) على أن كسب الحجام اختلف العلماء فيه هل هو مباح أو محرم؟ والصحيح أنه من المكاسب الرديئة التي إذا وجد الإنسان غيلًا عنها فينبغي له ألا يشتغل بها فالخبث هنا خبث باعتبار من استغنى عنه، أما من لم يجد إلا ذلك فإنه لا يكون حرامًا لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان محرمًا لما عاوضه على هذا العمل، ثم إن النبي –صلى الله عليه وسلم-استئذن في كسب الحجام فأمره أن يصرفه في دوابه وفي رقيقه ولو كان محرمًا لما جازه أن ينتفع الإنسان به لا في الرقيق ولا في الدواب لأن المحرم يجب التخلص منه ولا يجوز الانتفاع به، فالصحيح في كسب الحجام أنه مكروه لمن استغنى عنه ووجد بد منه فإذا وجد مكسبًا أطيب منه فإنه لا ينبغي له أن يشتغل به لوصف النبي –صلى الله عليه وسلم-كسب الحجام بالخبث.
وأما البصل والثوم فإن خبثهما من ريحهما، فالخبث خبث الرائحة، ولذلك وجه النبي –صلى الله عليه وسلم-إلى إماتتهما طبخًا ليذهب سبب الخبث ولا يحرم أكلهما نيئين يعني حال عدم الطبخ ؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-أذن في ذلك لأصحابه ولم يمنع إنما الذي منعه هو أن يأتي الإنسان المسجد إذا أكل من هذه الشجرة، فهذه القاعدة مطردة كل خبيث حرام وكل حرام خبيث على أن بعض أهل العلم يرى أنه مستسلم من هذه القاعدة خبث كسب الحجام وخبث هاتين الشجرتين مباح ؛ لكنه مستثنى من هذا العموم لأن الأصل في الخبث التحريم، وقد يستثنى ما يترجح فيه جانب المصلحة على المفسدة مع بقاء وصف الخبث، وهذا القول أشار إليه شيخنا –رحمه الله-في شرحه لحديث الشجرتين حديث أكل الثوم والبصل.