×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / دروس / العقيدة / العقيدة الطحاوية / الدرس(16) من شرح العقيدة الطحاوية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(16) من شرح العقيدة الطحاوية
00:00:01

بسم الله الرحمٰن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى : (ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة. ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغض أهل الجور والخيانة. ونقول: الله أعلم فيما اشتبه علينا علمه. ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر، كما جاء في الأثر. والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما). التعليق: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. قال المؤلف رحمه الله: (ونتبع السنة والجماعة). هٰذا عقد أهل السنة والجماعة وبيان مسلكهم العملي أنهم أهل اتباع للسنة، فهم يعظمون سنة النبي صلى الله عليه وسلم :بها يستمسكون، وعنها يصدرون، وإليها يتحاكمون، وبها يفصلون ويقومون الأقوال والأعمال، فمصدرهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما صح منها وثبت فإنه حاكم على أقوالهم وأعمالهم وآرائهم وكل شأنهم، كما قال الله جل وعلا: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}+++ سورة : النساء (65).---. فأهل السنة من أخص الناس التزاما بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا يردونها ولا يعارضونها ولا يتأولونها تأويلات باطلة، بل يقبلون ما صح في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويرجعون إليه، ولذلك وصفوا بهٰذا الوصف ولا يوصف به غيرهم. قال: (والجماعة). وهٰذا بيان خاصية أخرى من خصائص أهل السنة والجماعة أنهم أهل اجتماع، وسموا بالجماعة لأنهم يتبعون الجماعة، والجماعة هي الحق ولو كان الإنسان وحده، وليس المقصود بالجماعة الكثرة، فإن الكثرة ليست دالة على الحق في كل الموارد، بل قد قال الله جل وعلا: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله}+++ سورة : الأنعام (116).---. وقال جل وعلا: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}+++ سورة : الشعراء (8).---. وقال سبحانه وتعالىٰ: {وقليل من عبادي الشكور} +++ سورة : سبأ (13).---. فالمقصود بالجماعة جماعة أهل الحق، أنهم أهل إجماع فيعتدون بالإجماع، أهل اجتماع على من ولاه الله الأمر من المسلمين، فلا خروج عندهم ولا منابذة، أهل اجتماع على الحق وهو ما كان عليه سلف الأمة في القرون المفضلة، هم الجماعة الذين من انحاز إليهم انحاز إلى الحق واتصف بهٰذا الوصف، وليس الجماعة هم الأكثر في كل زمان، بل هو ما كان عليه أهل الصدر الأول والسلف الصالح: الصحابة أولا، ثم تابعوهم، ثم تابعو تابعيهم، أهل القرون المفضلة الثلاثة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))+++ البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (3651). عن ابن مسعود، و مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة رضي الله تعالىٰ عنهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، حديث رقم (2533). عن عمران بن حصين.--- هؤلاء هم أهل الجماعة، فمن اجتمع إليهم وانحاز لهم فهو على الحق ولو كان وحده، لا يضره التوحد في متابعة السلف الصالح. المهم أن الجماعة يصدق عليها الأخذ بالإجماع، أو تصدق بالأخذ بالإجماع. وأيضا الاجتماع على ولاة الأمر وعدم الخروج عليهم. الثالث: موافقة ما كان عليه سلف الأمة في القرون المفضلة.واضح هٰذا؟ طيب، يقول: (ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة). وكل هٰذا ناشئ عن التفريط في اتباع السنة والجماعة، فكل من فرط في اتباع السنة وفي الأخذ بالجماعة، فإنه يقع في إحدى هٰذه الخلال الثلاث المذمومة: الشذوذ وهو الانفراد ولكنه ليس الانفراد بمعنى التوحد على الحق، لا، الشذوذ الخروج عن الصراط المستقيم. (والخلاف والفرقة) والفرقة هي مفارقة الجماعة، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم مفارقة الجماعة سببا مما يستباح به الدم، بل كل من سعى في تفريق المؤمنين فإنه يستحق أن يقتل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاءكم أحد وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائنا من كان))+++ مسلم: كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، حديث رقم (1852).--- وهٰذا يدل على أن كل من سعى في الفرقة بين المسلمين وفي اختلال اجتماعهم فإنه من أهل الفرقة الذين يستحقون هٰذه العقوبة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولاشك أن الاختلاف وقع بعد الصحابة، بعد الصحابة رضي الله عنهم، الخلاف في العمليات واقع في زمنهم رضي الله عنهم، بل حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فيما لم يعلموا فيه قولا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن الخلاف المذموم هو الاختلاف الذي فيه المخالفة لهدي السلف الصالح، ولما كان عليه هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الاعتقاد، هٰذا الذي يذم صاحبه، كذلك تقصد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما علم الإنسان أنه فعله أو قوله أو هديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاختلاف، فقال في وصيته: ((فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا)). ثم وجه إلى المخرج من هٰذا الاختلاف، فقال: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ))+++ سنن الترمذي: كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم (2676). وقال: حسن صحيح، سنن أبو داود: كتاب السنة، باب في لزوم السنة، حديث رقم (4607) ، سنن ابن ماجه: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، حديث رقم (42، 43)، مسند أحمد (تحقيق أحمد شاكر وحمزة الزين): حديث العرباض بن سارية، حديث رقم (17079).---. ووصفهم بالوصفين الدالين على المسوغ للاتباع: الرشد والهداية، الرشد ضد الغي، والهداية ضد الضلال، وبهما يسلم الإنسان من الزيغ والانحراف. ثم قال رحمه الله: (ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغض أهل الجور والخيانة). نحب المقصود بالمحبة هنا المحبة العبادية، بمعنى أننا نتعبد لله جل وعلا بمحبة أهل العدل والأمانة، وأهل العدل هم أهل الإسلام، أهل السنة والجماعة، الذين اجتمعوا على الحق. ويخرج بقوله: (أهل العدل) أهل البغي وأهل البدعة، أما أهل البغي فهم الذين يخرجون على الحكام، سواء كان خروجهم بمسوغ أو بغير مسوغ، فهؤلاء ليسوا أهل عدل، وكذلك يخرج من قوله رحمه الله: (ونحب أهل العدل ) أهل البدعة، فإن أهل البدعة ليسوا أهل عدل، ولو كانوا أهل عدل لما عدلوا بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيئا. قال رحمه الله: (ونبغض أهل الجور والخيانة). أي أهل الظلم، وقد يجتمع في الإنسان عدل وظلم، وهٰذا متصور وموجود، فالواجب في مثل هٰذا أن يحب الإنسان لما معه من العدل والاستقامة والأمانة، وأن يبغض لما معه من الجور والخيانة، فيعامل الإنسان بما تقتضيه حاله من هذين الأمرين. (ونقول: الله أعلم فيما اشتبه علينا علمه). وهٰذا فيه بيان ما عليه أهل السنة والجماعة من رد العلم إلى عالمه، وأنهم لا يقولون ولا يعتقدون إلا ما ظهر لهم من الكتاب والسنة وما فهموه، وما اشتبه عليهم علمه مما في الكتاب والسنة لم يدخلوا فيه بآرائهم وتأويلاتهم، لا سيما فيما يتعلق بالله عزوجل ، بل يردون العلم إلى عالمه، فيردون علم ما اشتبه واختلط ولم يتبين ولم يتضح، يردونه إلى عالمه وهو الله جل وعلا. هٰذا هو سبيلهم، وهٰذه هي طريقهم، وهي طريق النجاة والسلامة. ثم قال رحمه الله في بيان ما عليه أهل السنة والجماعة: (ونرى المسح على الخفين). (ونرى) أي نعتقد (المسح على الخفين) أي مشروعيته. والمسح على الخفين ليس من مسائل الاعتقاد، إنما هو من مسائل العمل، وإنما ذكره المؤلف رحمه الله لأن ترك المسح على الخفين صار علامة على فرقة من فرق المبتدعة، فارقوا بها أهل السنة والجماعة، وهم الرافضة، فإنهم لا يرون المسح على الخفين، مع أن الأحاديث في ذلك متواترة، والأدلة في ذلك مستفيضة. فذكر المؤلف رحمه الله هٰذه المسألة الفقهية العملية في مسائل الاعتقاد لتمييز أهل السنة والجماعة عن غيرهم، فقال رحمه الله: (ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر). يعني نرى مشروعية ذلك والعمل به في السفر والحضر؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال المؤلف: (كما جاء في الأثر). والمراد بالأثر هنا معناه العام الذي يشمل الأحاديث النبوية، وإلا فالأثر يطلق في الغالب على غير قول النبي صلى الله عليه وسلم بمفهومه الخاص، وأما مفهومه العام فيشمل كل ما جاء وأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بما لا شك فيه أن المسح على الخفين مما يتعبد الله جل وعلا به، وقد جاء في القرآن ما يشير إلى ذلك في القراءة المتواترة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}+++ سورة : المائدة (6).--- استدل بعض العلماء رحمهم الله بهٰذه القراءة على مشروعية المسح على الخفين -بقراءة الكسر-، فالمسح على الخفين ثابت وهو مما نقل نقلا متواترا، وعرفنا سبب إدخال هٰذا في كتب الاعتقاد: أنه شعار لبعض أهل البدعة المخالفين لأهل السنة والجماعة. ثم قال رحمه الله: (والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين). فرغ مما يتعلق بالصلاة فيما مضى في قوله: (ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة). ثم ذكر ثاني ما يحصل به الاجتماع، وما لا يمكن أن يكون إلا باجتماع، فقال: (والحج والجهاد ماضيان). الحج أي فريضته، وهو الحج مع الأمراء والأئمة، والحج والجهاد كذلك أي مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا كما قال شيخ الإسلام رحمه الله، فأهل السنة والجماعة يرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا. تقدم الكلام على الصلاة، وأتى المؤلف رحمه الله بما يتعلق بالحج والجهاد قال: (ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين). يعني مع ولاة الأمر من المسلمين، ماضيان لا ينقطعان، ومن رأى أن الجهاد لا يكون وانتهى فإنه مخطئ، كما تقول الرافضة: لا يكون الجهاد إلا مع الإمام المعصوم، بل الجهاد ماض مع كل ولي من ولاة أمر المسلمين، وكذلك الحج باق وماض مع كل ولي من ولاة أمر المسلمين، قال: (برهم) أي مستقيمهم وعدلهم (وفاجرهم) أي من لم يكن على صراط الاستقامة والهداية، قال: (إلى قيام الساعة). قال: (لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما) بل هما ماضيان كما قال رحمه الله إلى قيام الساعة. ثم قال: (ونؤمن بالكرام الكاتبين، فإن الله قد جعلهم علينا حافظين. ونؤمن بملك الموت، الموكل بقبض أرواح العالمين. وبعذاب القبر لمن كان له أهلا، وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه، على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة رضوان الله عليهم. والقبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران). طيب، يقول رحمه الله: (ونؤمن بالكرام الكاتبين). تقدم أن من الإيمان، الإيمان بالملائكة، فالإيمان بالملائكة من أركان الإيمان، تقدم الكلام في ذلك، المؤلف رحمه الله أعاد البحث في الإيمان بالملائكة، لكنه ليس بحثا عاما، بل ذكر الإيمان ببعض الملائكة، ونحن ذكرنا أن الإيمان بالملائكة يكون الإيمان بأن الله جل وعلا خلقهم من نور، وأنه أوكل إليهم من المهام الشيء الكثير، وأنه سمى لنا بعضهم، وأنهم خلق من خلق الله عظيم، وأنهم أجسام، لكن الله جل وعلا أغناهم عن الأكل والشرب، وسخرهم للعبادة والخدمة، فهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون. وقولنا: إنهم أجسام المراد بذلك أنهم أعيان، وليسوا كما يقول الفلاسفة: إنهم خيالات لا حقيقة لها، ولكنهم أعيان الله أعلم بحقيقتها، أعيان خلقت من نور. يقول رحمه الله: (ونؤمن بالكرام الكاتبين). هٰذا ذكر الإيمان بنوع من الملائكة، وهٰذا النوع مما جاء وصفه في القرآن وفي السنة، والملائكة يذكرون في القرآن والسنة إما بالأعمال أو بالأشخاص. ممن ذكر بالأعمال- يعني ذكر على وجه ذكر عمله لا على وجه ذكر عينه- الملائكة الكاتبون الحفظة، وهم المشار إليهم في قول المؤلف: (ونؤمن بالكرام الكاتبين)كما قال الله جل وعلا: {وإن عليكم لحافظين (10) كراما كاتبين}+++ سورة : الانفطار (10-11).--- فهم كرام على الله جل وعلا: {كاتبين} أي أعمال بني آدم، فهم يكتبون عنهم كل شيء، ومنه قول الله جل وعلا: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}+++ سورة : ق (18).--- يسجل ويقيد ما يكون منه. يقول: (فإن الله قد جعلهم علينا حافظين). أي يحفظون أعمالنا، ويقيدون ما يكون منا، فكل ما يكون من الإنسان من قول أو عمل فإنه مرصد مقيد، له ملائكة يسجلونه ويحفظونه، كما قال سبحانه وتعالى: {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}+++ سورة : الجاثية (29).---. فالملائكة تكتب كل ما يكون من بني آدم، وهؤلاء ملائكة متعددون وليس ملكا واحدا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر))+++ البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، حديث رقم (3223)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، حديث رقم (632).--- هؤلاء الملائكة مهمتهم حفظ ما يكون من الإنسان. يقول: (ونؤمن بملك الموت، الموكل بقبض أرواح العالمين). أيضا هٰذا ذكر لجنس من الملائكة، وذكرهم بعملهم، ولم يصح في اسم الملك الموكل بالموت حديث، بل ما روي من أنه عزرائيل هٰذا مما ينقل في أحاديث ضعيفة وفي كلام بني إسرائيل، وليس في ذلك ما يستند إليه ويعتمد عليه في هٰذه التسمية. وملك الموت ذكره الله جل وعلا في قوله: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم}+++ سورة : السجدة (11). ---. وقال سبحانه وتعالى في توفي الملائكة: {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون}+++ سورة : الأنعام (61).--- .فأضاف التوفي إلى رسل، ومن هٰذا قال جماعة من العلماء: إن ملك الموت ليس واحدا، بل هو متعدد؛ لأن الله جل وعلا ذكر توفي الرسل: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم}+++ سورة : الأنفال (50).---. فجعل التوفي لمجموع وليس لواحد، فذهب بعض العلماء إلى أن ملك الموت ليس واحدا، بل هو عدد كما دلت عليه الآيات التي فيها أن التوفي يكون من جماعة. وكذلك قالوا -أي في مسألة تعدد ملك الموت-، قال جماعة من العلماء: إن ملك الموت واحد وله أعوان. وكلا القولين محتمل، وفي حديث البراء بن عازب ما يشير إلى أنه واحد له أعوان، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الاحتضار -احتضار الإنسان- ذكر أن ((الملائكة ينزلون ويجلسون منه مد البصر))- هٰذا في حال الاحتضار- ((ثم يأتي ملك الموت فينزع روحه، فتأخذها الملائكة، لا تدعها في يد ملك الموت طرفة عين))+++ أوره الشيخ الألباني مطولا في أحكام الجنائز (156)، مسألة رقم (108)، وقال: أخرجه أبوداوود والحاكم والطيالسي وأحمد والسياق له. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، وهو كما قالا وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين وتهذيب السنن.--- فدل هٰذا على أن الذي يباشر النزع واحد. وقال آخرون: بل هم متعددون. كما قال أصحاب القول الأول، ويدل لذلك قول الله جل وعلا: {والنازعات غرقا (1) والناشطات نشطا}+++ سورة : النازعات (1-2).---. ف {النازعات} هم جماعات الملائكة الذين ينزعون أرواح بني آدم، ونزع الروح حالان: إما نزع بشدة، كحال أهل الفسق والكفر والشرك والمعصية. أو بيسر كقوله تعالىٰ: {والناشطات نشطا} . كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: ((فتخرج روحه كخروج القطرة من في السقاء))+++ وهو جزء من الحديث السابق--- في وصف خروج روح المؤمن. بخلاف روح المنافق فإن روحه تتفرق في بدنه، وتنزع من كل عضو كما ينزع السفود من الصوف المبلول، في إخراجه عناء ومشقة. المراد أن ملك الموت اختلف فيه العلماء على قولين: القول الأول: أنه واحد له أعوان. والقول الثاني: أن ملك الموت متعدد وليس واحدا. ولكلا القولين ما يشهد له، وعلى كل حال التحقيق هل هو واحد أو متعدد يحتاج إلى تأمل وطول نظر، لكن ما تبين لي شيء في هٰذا. ثم قال: (ونؤمن بملك الموت، الموكل بقبض أرواح العالمين). (أرواح) جمع روح، والروح خلاف البدن، فالإنسان مكون من روح وجسد، الجسد هو ما يدركه النظر، وأما الروح فهي أمر خفي اختلف العلماء في تعيينه وبيان حقيقته، ولم يقفوا في كنه الروح على شيء، بل ليس فيما يتعلق بالروح أكثر مما دلت عليه النصوص من أن الروح عين تصعد وتهبط وتقبض وتبسط، هٰذا أكثر ما جاء في بيان حقيقة الروح، لكن الروح ليست كما يقول الفلاسفة عرضا بل هي عين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنها بأخبار تدل على أنها تبصر وتقبض وتبسط ويعرج بها ولها تعلق بالبدن، أما كيفية تعلقها بالبدن فإننا لا نقف في ذلك على شيء، حقيقة كيفية الروح أيضا لا نقف في ذلك على شيء، إلا ما ذكره الله جل وعلا في قوله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}+++ سورة : الإسراء (85).---. أي من مأمور ربي جل وعلا، فهي من الأمور التي قدرها الله جل وعلا، ليس فيها ما يعرف أكثر مما جاءت به النصوص، ومن طلب أكثر مما جاءت به النصوص فإنه لا يقف في حقيقة ذلك على شيء. ثم قال رحمه الله: (وبعذاب القبر). أي ونؤمن بعذاب القبر (لمن كان له أهلا) أي لمن كان له مستحقا. والقبر المقصود به ما يكون بعد الموت وقبل البعث من نعيم وعذاب، هٰذا المقصود بالقبر، وليس المقصود أن العذاب لا يكون إلا في القبر، بل يكون العذاب في القبر وفي غير القبر، فكل ميت يموت قبر أو لم يقبر فإنه إما في نعيم أو عذاب، إما في تنعيم أو تعذيب، لا يخلو أحد من الموتى من هٰذا. فقوله: (وبعذاب القبر). يعني العذاب الذي محله القبر والقبر هو مدفن الموتى، وأضيف العذاب إلى القبر لأنه محله في الغالب، ولكنه لا يقتصر عليه. قال: (لمن كان له أهلا) أي مستحقا، ولم يبين المؤلف رحمه الله من هم أهل عذاب القبر، وذلك أن عذاب القبر له أسباب توجبه: من أسبابه الشرك والكفر، وهٰذا لا إشكال فيه، قال الله جل وعلا: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}+++ سورة : غافر (46).---. فذكر الله جل وعلا عذابهم في فترة قبل البعث وقبل يوم القيامة. وقال سبحانه وتعالى : {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر}+++ سورة : السجدة (21).---. وقيل:إن العذاب الأدنى هو عذاب القبر، العذاب الذي يكون في البرزخ. وقال سبحانه وتعالى : {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا} +++ سورة : نوح (25).---. وهٰذا الإدخال بعد موتهم، ومعلوم أن الدخول الذي يكون مستقرا دائما متوعدا به أهل الكفر لا يكون إلا بعد البعث، وهٰذا دخول مباشر بعد الإغراق، فهٰذا الذي يكون في البرزخ. عذاب القبر غالبه على الروح، وقد يلحق البدن شيء من ذلك، لكن الغالب فيما يكون من عذاب القبر ومن نعيمه إنما هو للأرواح. نقف على هٰذا، ونكمل إن شاء الله تعالى في الدرس القادم.

المشاهدات:3132

بسم الله الرحمـٰن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى : (وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلافَ وَالْفُرْقَةَ. وَنُحِبُّ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالأَمَانَةِ، وَنُبْغِضُ أَهْلَ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ. وَنَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ. وَنَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، كَمَا جَاءَ فِي الأَثَرِ. وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ مَاضِيَانِ مَعَ أُولِي الأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، لا يُبْطِلُهُمَا شَيْءٌ وَلا يَنْقُضُهُمَا). التعليق: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. قال المؤلف رحمه الله: (وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ). هٰذا عقد أهل السنة والجماعة وبيان مسلكهم العملي أنهم أهل اتباع للسنة، فهم يعظمون سنة النبي صلى الله عليه وسلم :بها يستمسكون، وعنها يصدرون، وإليها يتحاكمون، وبها يفصلون ويقوّمون الأقوال والأعمال، فمصدرهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما صح منها وثبت فإنه حاكم على أقوالهم وأعمالهم وآرائهم وكل شأنهم، كما قال الله جل وعلا: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} سورة : النساء (65).. فأهل السنة من أخص الناس التزاماً بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا يردونها ولا يعارضونها ولا يتأولونها تأويلات باطلة، بل يقبلون ما صح في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويرجعون إليه، ولذلك وصفوا بهٰذا الوصف ولا يوصف به غيرهم. قال: (وَالْجَمَاعَةَ). وهٰذا بيان خاصية أخرى من خصائص أهل السنة والجماعة أنهم أهل اجتماع، وسُموا بالجماعة لأنهم يتبعون الجماعة، والجماعة هي الحق ولو كان الإنسان وحده، وليس المقصود بالجماعة الكثرة، فإن الكثرة ليست دالة على الحق في كل الموارد، بل قد قال الله جل وعلا: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} سورة : الأنعام (116).. وقال جل وعلا: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} سورة : الشعراء (8).. وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالىٰ: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} سورة : سبأ (13).. فالمقصود بالجماعة جماعة أهل الحق، أنهم أهل إجماع فيعتدون بالإجماع، أهل اجتماع على من ولاه الله الأمر من المسلمين، فلا خروج عندهم ولا منابذة، أهل اجتماع على الحق وهو ما كان عليه سلف الأمة في القرون المفضلة، هم الجماعة الذين من انحاز إليهم انحاز إلى الحق واتصف بهٰذا الوصف، وليس الجماعة هم الأكثر في كل زمان، بل هو ما كان عليه أهل الصدر الأول والسلف الصالح: الصحابة أولاً، ثم تابعوهم، ثم تابعو تابعيهم، أهل القرون المفضلة الثلاثة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث رقم (3651). عن ابن مسعود، و مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة رَضِيَ اللهُ تعالىٰ عَنْهُم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، حديث رقم (2533). عن عمران بن حصين. هؤلاء هم أهل الجماعة، فمن اجتمع إليهم وانحاز لهم فهو على الحق ولو كان وحده، لا يضره التوحد في متابعة السلف الصالح. المهم أن الجماعة يصدق عليها الأخذ بالإجماع، أو تصدق بالأخذ بالإجماع. وأيضاً الاجتماع على ولاة الأمر وعدم الخروج عليهم. الثالث: موافقة ما كان عليه سلف الأمة في القرون المفضلة.واضح هٰذا؟ طيب، يقول: (وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلافَ وَالْفُرْقَةَ). وكل هٰذا ناشئ عن التفريط في اتباع السنة والجماعة، فكل من فرط في اتباع السنة وفي الأخذ بالجماعة، فإنه يقع في إحدى هٰذه الخلال الثلاث المذمومة: الشذوذ وهو الانفراد ولكنه ليس الانفراد بمعنى التوحد على الحق، لا، الشذوذ الخروج عن الصراط المستقيم. (وَالْخِلافَ وَالْفُرْقَةَ) والفرقة هي مفارقة الجماعة، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم مفارقة الجماعة سبباً مما يستباح به الدم، بل كل من سعى في تفريق المؤمنين فإنه يستحق أن يقتل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاءكم أحد وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائناً من كان)) مسلم: كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، حديث رقم (1852). وهٰذا يدل على أن كل من سعى في الفرقة بين المسلمين وفي اختلال اجتماعهم فإنه من أهل الفرقة الذين يستحقون هٰذه العقوبة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولاشك أن الاختلاف وقع بعد الصحابة، بعد الصحابة رضي الله عنهم، الخلاف في العمليات واقع في زمنهم رضي الله عنهم، بل حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فيما لم يعلموا فيه قولاً عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن الخلاف المذموم هو الاختلاف الذي فيه المخالفة لهدي السلف الصالح، ولما كان عليه هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الاعتقاد، هٰذا الذي يذم صاحبه، كذلك تقصد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما علم الإنسان أنه فعله أو قوله أو هديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاختلاف، فقال في وصيته: ((فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)). ثم وجه إلى المخرج من هٰذا الاختلاف، فقال: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ)) سنن الترمذي: كتاب العلم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم (2676). وقال: حسن صحيح، سنن أبو داود: كتاب السنة، باب في لزوم السنة، حديث رقم (4607) ، سنن ابن ماجه: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، حديث رقم (42، 43)، مسند أحمد (تحقيق أحمد شاكر وحمزة الزين): حديث العرباض بن سارية، حديث رقم (17079).. ووصفهم بالوصفين الدالين على المسوغ للاتباع: الرشد والهداية، الرشد ضد الغي، والهداية ضد الضلال، وبهما يسلم الإنسان من الزيغ والانحراف. ثم قال رحمه الله: (وَنُحِبُّ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالأَمَانَةِ، وَنُبْغِضُ أَهْلَ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ). نحب المقصود بالمحبة هنا المحبة العبادية، بمعنى أننا نتعبد لله جل وعلا بمحبة أهل العدل والأمانة، وأهل العدل هم أهل الإسلام، أهل السنة والجماعة، الذين اجتمعوا على الحق. ويخرج بقوله: (أَهْلَ الْعَدْلِ) أهل البغي وأهل البدعة، أما أهل البغي فهم الذين يخرجون على الحكام، سواء كان خروجهم بمسوغ أو بغير مسوغ، فهؤلاء ليسوا أهل عدل، وكذلك يخرج من قوله رحمه الله: (وَنُحِبُّ أَهْلَ الْعَدْلِ ) أهل البدعة، فإن أهل البدعة ليسوا أهل عدل، ولو كانوا أهل عدل لما عدلوا بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيئاً. قال رحمه الله: (وَنُبْغِضُ أَهْلَ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ). أي أهل الظلم، وقد يجتمع في الإنسان عدل وظلم، وهٰذا متصور وموجود، فالواجب في مثل هٰذا أن يحبّ الإنسان لما معه من العدل والاستقامة والأمانة، وأن يُبغض لما معه من الجور والخيانة، فيعامل الإنسان بما تقتضيه حاله من هذين الأمرين. (وَنَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ). وهٰذا فيه بيان ما عليه أهل السنة والجماعة من رد العلم إلى عالمه، وأنهم لا يقولون ولا يعتقدون إلا ما ظهر لهم من الكتاب والسنة وما فهموه، وما اشتبه عليهم علمه مما في الكتاب والسنة لم يدخلوا فيه بآرائهم وتأويلاتهم، لا سيما فيما يتعلق بالله عزوجل ، بل يردون العلم إلى عالمه، فيردون علم ما اشتبه واختلط ولم يتبين ولم يتضح، يردونه إلى عالمه وهو الله جل وعلا. هٰذا هو سبيلهم، وهٰذه هي طريقهم، وهي طريق النجاة والسلامة. ثم قال رحمه الله في بيان ما عليه أهل السنة والجماعة: (وَنَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ). (وَنَرَى) أي نعتقد (الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ) أي مشروعيته. والمسح على الخفين ليس من مسائل الاعتقاد، إنما هو من مسائل العمل، وإنما ذكره المؤلف رحمه الله لأن ترك المسح على الخفين صار علامة على فرقة من فرق المبتدعة، فارقوا بها أهل السنة والجماعة، وهم الرافضة، فإنهم لا يرون المسح على الخفين، مع أن الأحاديث في ذلك متواترة، والأدلة في ذلك مستفيضة. فذكر المؤلف رحمه الله هٰذه المسألة الفقهية العملية في مسائل الاعتقاد لتمييز أهل السنة والجماعة عن غيرهم، فقال رحمه الله: (وَنَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ). يعني نرى مشروعية ذلك والعمل به في السفر والحضر؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال المؤلف: (كَمَا جَاءَ فِي الأَثَرِ). والمراد بالأثر هنا معناه العام الذي يشمل الأحاديث النبوية، وإلا فالأثر يطلق في الغالب على غير قول النبي صلى الله عليه وسلم بمفهومه الخاص، وأما مفهومه العام فيشمل كل ما جاء وأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بما لا شك فيه أن المسح على الخفين مما يتعبد الله جل وعلا به، وقد جاء في القرآن ما يشير إلى ذلك في القراءة المتواترة في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} سورة : المائدة (6). استدل بعض العلماء رحمهم الله بهٰذه القراءة على مشروعية المسح على الخفين -بقراءة الكسر-، فالمسح على الخفين ثابت وهو مما نقل نقلاً متواتراً، وعرفنا سبب إدخال هٰذا في كتب الاعتقاد: أنه شعار لبعض أهل البدعة المخالفين لأهل السنة والجماعة. ثم قال رحمه الله: (وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ مَاضِيَانِ مَعَ أُولِي الأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ). فرغ مما يتعلق بالصلاة فيما مضى في قوله: (وَنَرَى الصَّلاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ). ثم ذكر ثاني ما يحصل به الاجتماع، وما لا يمكن أن يكون إلا باجتماع، فقال: (وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ مَاضِيَانِ). الحج أي فريضته، وهو الحج مع الأمراء والأئمة، والحج والجهاد كذلك أي مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً كما قال شيخ الإسلام رحمه الله، فأهل السنة وَالجماعة يَرَوْنَ إِقَامَةَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْجُمَعِ وَالأَعْيَادِ مَعَ الأُمَرَاءِ أَبْرَارًا كَانُوا أَوْ فُجَّارًا. تقدم الكلام على الصلاة، وأتى المؤلف رحمه الله بما يتعلق بالحج والجهاد قال: (مَاضِيَانِ مَعَ أُولِي الأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ). يعني مع ولاة الأمر من المسلمين، ماضيان لا ينقطعان، ومن رأى أن الجهاد لا يكون وانتهى فإنه مخطئ، كما تقول الرافضة: لا يكون الجهاد إلا مع الإمام المعصوم، بل الجهاد ماضٍ مع كل ولي من ولاة أمر المسلمين، وكذلك الحج باق وماض مع كل ولي من ولاة أمر المسلمين، قال: (بَرِّهِمْ) أي مستقيمهم وعدلهم (وَفَاجِرِهِمْ) أي من لم يكن على صراط الاستقامة والهداية، قال: (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ). قال: (لا يُبْطِلُهُمَا شَيْءٌ وَلا يَنْقُضُهُمَا) بل هما ماضيان كما قال رحمه الله إلى قيام الساعة. ثم قال: (وَنُؤْمِنُ بِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَهُمْ عَلَيْنَا حَافِظِينَ. وَنُؤْمِنُ بِمَلَكِ الْمَوْتِ، الْمُوَكَّلِ بِقَبْضِ أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ. وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلاً، وَسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فِي قَبْرِهِ عَنْ رَبِّهِ وَدِينِهِ وَنَبِيِّهِ، عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَالْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ). طيب، يقول رحمه الله: (وَنُؤْمِنُ بِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ). تقدم أن من الإيمان، الإيمان بالملائكة، فالإيمان بالملائكة من أركان الإيمان، تقدم الكلام في ذلك، المؤلف رحمه الله أعاد البحث في الإيمان بالملائكة، لكنه ليس بحثاً عامّاً، بل ذكر الإيمان ببعض الملائكة، ونحن ذكرنا أن الإيمان بالملائكة يكون الإيمان بأن الله جل وعلا خلقهم من نور، وأنه أوكل إليهم من المهام الشيء الكثير، وأنه سمى لنا بعضهم، وأنهم خلق من خلق الله عظيم، وأنهم أجسام، لكن الله جل وعلا أغناهم عن الأكل والشرب، وسخرهم للعبادة والخدمة، فهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون. وقولنا: إنهم أجسام المراد بذلك أنهم أعيان، وليسوا كما يقول الفلاسفة: إنهم خيالات لا حقيقة لها، ولكنهم أعيان الله أعلم بحقيقتها، أعيان خُلقت من نور. يقول رحمه الله: (وَنُؤْمِنُ بِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ). هٰذا ذِكر الإيمان بنوع من الملائكة، وهٰذا النوع مما جاء وصفه في القرآن وفي السنة، والملائكة يذكرون في القرآن والسنة إما بالأعمال أو بالأشخاص. ممن ذُكر بالأعمال- يعني ذُكر على وجه ذكر عمله لا على وجه ذكر عينه- الملائكة الكاتبون الحفظة، وهم المشار إليهم في قول المؤلف: (وَنُؤْمِنُ بِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ)كما قال الله جل وعلا: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ} سورة : الانفطار (10-11). فهم كرام على الله جل وعلا: {كَاتِبِينَ} أي أعمال بني آدم، فهم يكتبون عنهم كل شيء، ومنه قول الله جل وعلا: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} سورة : ق (18). يسجل ويقيد ما يكون منه. يقول: (فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَهُمْ عَلَيْنَا حَافِظِينَ). أي يحفظون أعمالنا، ويقيدون ما يكون منا، فكل ما يكون من الإنسان من قول أو عمل فإنه مرصد مقيد، له ملائكة يسجلونه ويحفظونه، كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة : الجاثية (29).. فالملائكة تكتب كل ما يكون من بني آدم، وهؤلاء ملائكة متعددون وليس ملكاً واحداً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر)) البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، حديث رقم (3223)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، حديث رقم (632). هؤلاء الملائكة مهمتهم حفظ ما يكون من الإنسان. يقول: (وَنُؤْمِنُ بِمَلَكِ الْمَوْتِ، الْمُوَكَّلِ بِقَبْضِ أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ). أيضاً هٰذا ذكر لجنس من الملائكة، وذكرهم بعملهم، ولم يصح في اسم الملك الموكل بالموت حديث، بل ما روي من أنه عزرائيل هٰذا مما ينقل في أحاديث ضعيفة وفي كلام بني إسرائيل، وليس في ذلك ما يستند إليه ويعتمد عليه في هٰذه التسمية. وملك الموت ذكره الله جل وعلا في قوله: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} سورة : السجدة (11). . وقال سبحانه وتعالى في توفي الملائكة: {حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} سورة : الأنعام (61). .فأضاف التوفي إلى رسل، ومن هٰذا قال جماعة من العلماء: إن ملك الموت ليس واحداً، بل هو متعدد؛ لأن الله جل وعلا ذكر توفي الرسل: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} سورة : الأنفال (50).. فجعل التوفي لمجموع وليس لواحد، فذهب بعض العلماء إلى أن ملك الموت ليس واحداً، بل هو عدد كما دلت عليه الآيات التي فيها أنّ التوفي يكون من جماعة. وكذلك قالوا -أي في مسألة تعدد ملك الموت-، قال جماعة من العلماء: إن ملك الموت واحد وله أعوان. وكلا القولين محتمل، وفي حديث البراء بن عازب ما يشير إلى أنه واحد له أعوان، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الاحتضار -احتضار الإنسان- ذكر أن ((الملائكة ينزلون ويجلسون منه مد البصر))- هٰذا في حال الاحتضار- ((ثم يأتي ملك الموت فينزع روحه، فتأخذها الملائكة، لا تدعها في يد ملك الموت طرفة عين)) أوره الشيخ الألباني مطولا في أحكام الجنائز (156)، مسألة رقم (108)، وقال: أخرجه أبوداوود والحاكم والطيالسي وأحمد والسياق له. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، وهو كما قالا وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين وتهذيب السنن. فدل هٰذا على أن الذي يباشر النزع واحد. وقال آخرون: بل هم متعددون. كما قال أصحاب القول الأول، ويدل لذلك قول الله جل وعلا: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} سورة : النازعات (1-2).. فـ {النَّازِعَاتِ} هم جماعات الملائكة الذين ينزعون أرواح بني آدم، ونزع الروح حالان: إما نزع بشدة، كحال أهل الفسق والكفر والشرك والمعصية. أو بيسر كقوله تعالىٰ: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} . كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: ((فتخرج روحه كخروج القطرة من في السقاء)) وهو جزء من الحديث السابق في وصف خروج روح المؤمن. بخلاف روح المنافق فإن روحه تتفرق في بدنه، وتنزع من كل عضو كما ينزع السفّود من الصوف المبلول، في إخراجه عناء ومشقة. المراد أن ملك الموت اختلف فيه العلماء على قولين: القول الأول: أنه واحد له أعوان. والقول الثاني: أن ملك الموت متعدد وليس واحداً. ولكلا القولين ما يشهد له، وعلى كل حال التحقيق هل هو واحد أو متعدد يحتاج إلى تأمل وطول نظر، لكن ما تبين لي شيء في هٰذا. ثم قال: (وَنُؤْمِنُ بِمَلَكِ الْمَوْتِ، الْمُوَكَّلِ بِقَبْضِ أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ). (أَرْوَاحِ) جمع روح، والروح خلاف البدن، فالإنسان مكون من روح وجسد، الجسد هو ما يدركه النظر، وأما الروح فهي أمر خفي اختلف العلماء في تعيينه وبيان حقيقته، ولم يقفوا في كنه الروح على شيء، بل ليس فيما يتعلق بالروح أكثر مما دلت عليه النصوص من أن الروح عين تصعد وتهبط وتُقْبَض وتُبْسَط، هٰذا أكثر ما جاء في بيان حقيقة الروح، لكن الروح ليست كما يقول الفلاسفة عرضاً بل هي عين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنها بأخبار تدل على أنها تبصر وتقبض وتبسط ويعرج بها ولها تعلق بالبدن، أما كيفية تعلقها بالبدن فإننا لا نقف في ذلك على شيء، حقيقة كيفية الروح أيضاً لا نقف في ذلك على شيء، إلا ما ذكره الله جل وعلا في قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} سورة : الإسراء (85).. أي من مأمور ربي جل وعلا، فهي من الأمور التي قدرها الله جل وعلا، ليس فيها ما يعرف أكثر مما جاءت به النصوص، ومن طلب أكثر مما جاءت به النصوص فإنه لا يقف في حقيقة ذلك على شيء. ثم قال رحمه الله: (وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ). أي ونؤمن بعذاب القبر (لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلاً) أي لمن كان له مستحقّاً. والقبر المقصود به ما يكون بعد الموت وقبل البعث من نعيم وعذاب، هٰذا المقصود بالقبر، وليس المقصود أن العذاب لا يكون إلا في القبر، بل يكون العذاب في القبر وفي غير القبر، فكل ميت يموت قُبر أو لم يقبر فإنه إما في نعيم أو عذاب، إما في تنعيم أو تعذيب، لا يخلو أحد من الموتى من هٰذا. فقوله: (وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ). يعني العذاب الذي محله القبر والقبر هو مدفن الموتى، وأضيف العذاب إلى القبر لأنه محله في الغالب، ولكنه لا يقتصر عليه. قال: (لِمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلاً) أي مستحقّاً، ولم يبين المؤلف رحمه الله من هم أهل عذاب القبر، وذلك أن عذاب القبر له أسباب توجبه: من أسبابه الشرك والكفر، وهٰذا لا إشكال فيه، قال الله جل وعلا: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} سورة : غافر (46).. فذكر الله جل وعلا عذابهم في فترة قبل البعث وقبل يوم القيامة. وقال سبحانه وتعالى : {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} سورة : السجدة (21).. وقيل:إن العذاب الأدنى هو عذاب القبر، العذاب الذي يكون في البرزخ. وقال سبحانه وتعالى : {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} سورة : نوح (25).. وهٰذا الإدخال بعد موتهم، ومعلوم أن الدخول الذي يكون مستقرّاً دائماً متوعداً به أهل الكفر لا يكون إلا بعد البعث، وهٰذا دخول مباشر بعد الإغراق، فهٰذا الذي يكون في البرزخ. عذاب القبر غالبه على الروح، وقد يلحق البدن شيء من ذلك، لكن الغالب فيما يكون من عذاب القبر ومن نعيمه إنما هو للأرواح. نقف على هٰذا، ونكمل إن شاء الله تعالى في الدرس القادم.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19194 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12366 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9957 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8466 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف