×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب صوتية / واشكروا لي ولا تكفرون

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
واشكروا لي ولا تكفرون
00:00:01
1709.35

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله، رب العالمين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، جاء بالنور المبين، وهدى إلى الصراط المستقيم، وبلغ الدين القويم، فصلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، فإن تقوى الله تعالى، تجلب كل خير، وتدفع كل سوء وشر، ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ +++سورة: آل عمران (102)--- عباد الله، إن الله تعالى خلقنا من عدم، ومن علينا بألوان من النعم والمنن، لا تحصى ولا تستوعب عدا وحسابا، نعم الله على الجميع، وعلى الأفراد، لا يمكن لأحد أن يحصيها، ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ +++سورة: النحل (18)--- إن نعم الله تعالى على عباده تستوجب شكره، ولذلك أمر الله تعالى بذكر نعمه؛ لأن تذكر الإنعام، يوجب شكر الواحد الديان جل في علاه، يقول الله سبحانه وبحمده: ﴿واذكروا نعمة الله عليكم﴾ +++سورة: المائدة (7)---، ويقول مخاطبا أهل الإيمان: ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم﴾+++سورة: المائدة (11)---، وإنما خص أهل الإيمان بالنداء، دون غيرهم من الناس، لأن نعم الله تعالى على أهل الإيمان عظيمة، بهداية قلوبهم، وشرح صدورهم إلى النور المبين، وإعانتهم على سلوك الصراط المستقيم، فضلا عن سائر ألوان المنن التي يشتركون فيها مع سائر الخلق، من الإيجاد والإمداد، وسائر أنواع النعم، في أنفسهم وفي أهليهم وفي بلدانهم، فإن تلك نعم يشترك فيها كل الخلق، إنما ميز الله المؤمنين بنعمة الإيمان، ﴿كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم﴾ +++ سورة: النساء (94)---، ﴿يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان﴾+++سورة: الحجرات (17)--- فلذلك أمر المؤمنين على وجه الخصوص بذكر نعمه، لأن إنعام الله على المؤمن، يفوق كل إنعام: إنه إنعام ديني دنيوي أخروي، في المعاش والمعاد، في دينه ودنياه، في أولاه وأخراه، في كل شأن من شئونه، فلذلك كان حق شكر النعمة على المؤمن أعظم من غيره، ذاك أن المؤمن يشهد من إنعام الله تعالى عليه ما لا يحصى ولا يعد، ولا يقارن بسائر النعم، ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾+++سورة: النحل (18)---، ذاك إنعام الكريم المنان ذو الفضل والإحسان، ما يفوق الحصر ويتجاوز كل حساب، وهو يبين عظيم فضل الله، وكبير إحسانه، وعظيم الفضل الذي يجب له من الشكر سبحانه وبحمده، فحقه أن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يطاع فلا ينسى جل في علاه. أيها المؤمنون، إن تذكير الله تعالى عباده بألوان نعمه، تذكير لهم بأن يشكروه، وقد أمر الله تعالى بشكره، فقال جل في علاه: ﴿فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون﴾ +++سورة: البقرة (152)---، وقد قال جل في علاه: ﴿أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير﴾+++ سورة: لقمان (14)---، والشكر يوجب المزيد، شكر الله على نعمه يستجلب مزيد إنعام، ويستدعي مزيد فضل وإحسان من الكريم المنان جل في علاه، ﴿وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾+++ سورة: إبراهيم (7)---.  فاشكروا الله أيها المؤمنون، اشكروه على نعمه فهو موجب لمزيد إعطائه وفضله، واحذروا كفر النعم، فإن كفر نعم الله عز وجل يوجب العقوبة، قد قال الله في محكم كتابه: ﴿ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾ +++سورة: إبراهيم (7)---، وقال جل في علاه: ﴿وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة﴾ وهذا أمن القلوب والأنفس والأرواح، ﴿كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان﴾ وهذا الأمن الغذائي والكفائي الذي يغني الناس عن الالتفات إلى أي جهة أخرى، في كفاية حوائجهم، وإقامة أبدانهم ومعاشهم، ﴿وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان﴾ فماذا كان؟ ﴿فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف﴾+++سورة: النحل (112)--- فزال الأمن النفسي القلبي الروحي، حل مكانه خوف وقلق، حل مكانه اضطراب وجزع، حل مكانه ما ذكر الله تعالى في كتابه: ﴿فأذاقها الله لباس الجوع والخوف﴾ لباسا كاللباس الذي على أبداننا يغشى جميع أحوالها، يغطي كل شئونها، ليس في جزء من معاشها، ليس فقط خوف في اقتصادها ولا في أمنها ولا في اجتماعها ولا في سياستها، بل خوف يشمل كل أحوالها وشئونها، كذلك الجوع لباس يغطي معاش الناس وأرزاقهم ومآكلهم ومكاسبهم واقتصادهم وسائر شئونهم، لا يترك شأنا من شئونهم، إلا ويصيبه الجوع، ﴿فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون﴾،+++سورة: النحل (112)--- جزاء على ما كان منهم من كفر، عقوبة ما كانوا فيه من كفران النعم، أن بدل الله تعالى حالهم، وهذا مثل يضربه الله تعالى للناس يشاهدونه في حياتهم، أو يسمعونه فيما ينقل إليهم من أخبار الأمم السالفة التي كانت على حال مستوية، فبدل الله تعالى حالها لما بدلت شكر نعم ربها، ونحن نشهد من حولنا من تحول أحوال الأمم وتغيرها من أمن إلى خوف، ومن شبع إلى جوع، ومن كفاية إلى حاجة، ومن اجتماع إلى فرقة، رأينا ذلك وسمعناه، ولازال قائما ماثلا في كثير من البلدان حولنا، فهلا كان هذا المثل القائم الذي نشهده بأعيننا، رادعا لنا عن أن نكفر نعم الله، حاملا لنا على أن نبادر إلى شكر نعم الله التي أنعم بها علينا، خوف زوال نعمته وقياما بحقه، واستجلابا لمزيد فضله وإحسانه. أيها المؤمنون: إن نعم الله لا تستدام بالمعاصي، لا تستبقى بالكفران، إنما تستدام بالشكر، وتستبقى بالإقرار بفضل الله تعالى وإحسانه. أيها المؤمنون: إن شكر الله تعالى منزلته عظيمة، فالمؤمن بين أمرين: بين صبر على ما يكره، وشكر على ما يحب، فأنت لا تخلو من أن يمن الله عليك بما تحب أو يصيبك بما تكره، وكلاهما يستوجب صبرا وشكرا، ولذلك كان الشكر عبادة سمى الله تعالى بها حقه، فقال: ﴿اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور﴾  +++سورة: سبأ (13)--- أي قليل من عبادي من يقوم بحقي، فالقيام بحق الله شكر له جل في علاه.  أيها المؤمنون: إن الله تعالى قسم الناس إلى قسمين، فضع نفسك حيث تختار، فقد قال جل في علاه: ﴿إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا﴾ +++سورة: الإنسان (3)--- هكذا هو كل إنسان، فالإنسان خلقه الله من أمشاج فابتلاه، فحاله بعد الابتلاء، إما أن يشكر، وإما أن يكفر، فكن حيث تشاء، وقد ذكر الله لك منقلب الفريقين، منقلب الشاكرين ومآلهم ومصير الكافرين ومنتهى حالهم، فاختر لنفسك ما تشاء من هاتين النهايتين. أيها المؤمنون: إن شكر الله تعالى، يبدأ أول ما يبدأ بالقلب، إقرارا بإنعام الله، إقرارا بفضله، إقرارا بإحسانه، إقرارا بجوده، وإياك أن يقتصر نظرك إلى لحظة يفوتك فيها إنعام، أو تخسر فيها شيئا من متاع الدنيا، فإن نعم الله عليك، لا تقف لحظة من عمرك، بل هي سابقة لاحقة، فنعم الله علينا في كل لحظة، أنتم الآن جالسون، تستمتعون وتنصتون، من الذي أجرى الدماء في عروقكم؟ من الذي وزع الهواء إلى أجسادكم وأجسامكم؟ من الذي من عليكم بالسمع؟ من الذي رزقكم البصر؟ من الذي أحسن إليكم بأن أتيتم إلى هذا المكان باختياركم، على أقدامكم ومراكبكم؟ من الذي من عليكم بالإيمان الذي حملكم على ترك بيوتكم وأماكنكم؛ لتسعوا إلى ذكر الله؟ إنه الله جل في علاه، فكم لله علينا من نعمة! ونحن ساكنون جالسون، في كل أحوالنا، نعم الله علينا تترى، ﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾ +++سورة: النحل (53)--- فضل الله علينا كبير وإحسانه جليل، لا يبصره إلا من نور الله قلبه فأبصر بعين قلبه، إنعام الله عليه، فمهما كان العبد في حال من أحوال الدنيا، علوا أو نزولا، غنى أو فقرا، شرفا أو وضاعة، نسبا أو عدمه، مهما كانت حالك، فلله عليك من النعم ما لا يحصى، فاشكر الله على نعمه، وإياك وأن تجحد إحسان الله، بعثرة تصيبك، أو نعمة تفوتك، فما من لحظة إلا وفيها من نعم الله ما لا يحصى، اللهم لك الحمد على نعمك، نسألك الإقرار بفضلك، ما أصبحنا به وما أمسينا به من نعم، فهي منك وحدك، لا شريك لك.  هكذا تشكر النعم، تشكر بالإقرار بالقلب، بنعم الله كثرة إجمالا وإفرادا، ثم بعد ذلك أن يلهج الإنسان بذكر نعمة الله تعالى عليه كما قال تعالى: ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ +++سورة: الضحى (11)--- حدث بنعمة الله، كم لله عليك من نعمة! قل: أنعم الله علي بكذا، الحمدلله على نعمته علي بكذا، فهو الذي من عليك: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فاجأر واهتف بنعم الله، شكرا بها، وإثباتا للمنعم بها، فضلا وإنعاما وإحسانا.  ثم بعد هذه الثانية، وهي نطق اللسان بنعم الله، يأتي الامتثال الثالث لنعم الله، وهو: أن تسخر تلك النعم والمنن، فيما يقربك لله عز وجل، أن تستعمل نعم الله في طاعته، بصرك لا تنظر فيه حراما، انظر فيه إلى آلائه وإنعامه وإحسانه، سمعك لا تعمله فيما يغضب ربك، فإن ذلك من كفران النعمة، مالك اصرفه في طاعة الله، ولا تضعه حيث يعصى الله عز وجل، قوتك ضعها فيما يحب ويرضى؛ فإن الله تعالى أنعم عليك بذلك لتشكره، وإياك والكفران فإن من كفران النعمة أن تستعمل نعم الله في مغاضبه، أن تضع ما من الله عليك من إحسان فيما يكره، عندها قد تورطت بكفر النعم، وكفر النعم موجب لزوالها، ﴿ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾+++سورة: إبراهيم (7)---. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشاد والغنى، نسألك يا رب العالمين أن ترزقنا ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.   الخطبة الثانية: الحمد لله حمد الشاكرين، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. أما بعد: اتقوا الله أيها المؤمنون، فاتقوا الله تعالى، عباد الله حق التقوى، وقوموا بما أمركم الله تعالى به من شكره والقيام بحقه، فإن نعم الله تعالى إنما تدوم بالشكر وتزول بالكفر، وليس بيننا وبين الله نسب، ليس بيننا وبين الله جل في علاه خصيصة دون الناس، فإن من أطاع الله أعلاه وأعزه وحفظه ورفعه، ومن عصاه أذله وأهانه.  أيها المؤمنون، إن شكر نعم الله تعالى ليس شعارا، ولا كلمات تردد دون معناها، بل إن شكر الله تعالى عبادة يتقرب بها المؤمن إلى الله جل في علاه، يستجلب بها فضله، ويستمطر بها عطاءه، ويستكثر بها إحسانه، ويقوم بها بما أمره الله تعالى، منضما إلى أولئك القليل من عباد الله الشاكرين، سالكا الصراط المستقيم، ساعيا فيما يرضي رب العالمين، فكن لله شاكرا في كل أمر، وإياك وجحود النعم، بإضافتها إلى غير الله، أو إسنادها إلى نفسك، كما قال قارون: ﴿إنما أوتيته على علم عندي﴾ +++سورة: القصص (78)---، فإنه ادعى أن ما أتاه الله تعالى من المال، إنما هو من قبل نفسه وقوته وقدرته، فخسف الله به وجعله عبرة للمعتبرين. نعم الله هو المتفضل بها، جل في علاه فاشكره عليها، وأقبل على كل سبب من أسباب الطاعة، فإن كل أسباب الطاعة، وكل صور الإحسان مما يشكر به رب العالمين، ذو الفضل والإحسان جل في علاه. أيها المؤمنون: إن الله تعالى من علينا، في هذه البلاد المباركة بنعم عظيمة، فهي مهبط الوحي، وفيها أول بيت وضع للناس، وفيه مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها شع نور الهداية إلى الأرض كلها، هي منبع الإسلام ومأرزه، فالله تعالى جعل هذه الجزيرة المباركة حصن الإسلام، فلا يزال فيها دين رب العالمين قائما مرفوعا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذه من النعم الجليلة التي خص الله بها هذه البقعة، وهي تستوجب شكرا لله تعالى على إحسانه، وإقرارا بفضله وإنعامه، وإن من شكر نعمة الله تعالى، أن نعرف قدر ذلك الإنعام العظيم، وهذا إنعام ديني قدري ليس لنا فيه كسب، فالله يخلق ما يشاء ويختار، فاصطفى هذه البقعة، وكان من نعم الله علينا أن جعلنا من أهل هذه البلاد التي فيها هذه البقعة، التي هي قبلة المسلمين، وجعل الله لها من الخصائص ما هو معروف ومشهود في كلام الله وكلام رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أيها المؤمنون: حف الله هذه النعمة بألوان من النعم، فإن الله تعالى فتح في هذا الزمان، على أهل هذه البلاد، من كنوز الأرض ما أغناهم عن غيرهم من الناس، بعد فقر وحاجة ليست ببعيدة عنا في سنواتها، فنحمده جل في علاه على ما أنعم، وحق هذه النعم أن تشكر، وإن شكرها لا يكون بالتخلص ونكران الجميل لشريعة رب العالمين، إن شكرها يقوم على تعظيم حدود الله وإقامة شرعه، والاعتزاز بما أعز الله به هذه الأرض، فإن الله أعز هذه البلاد بالإسلام، فمهما ابتغت العز بغيره أذلها الله، ليس هناك عز سوى هذا العز، لا يعني هذا ألا نأخذ بأسباب العز الأخرى، لكن ينبغي أن يعلم أن الذي ميز هذه البقعة هو ما فيها من إيمان وإسلام، وأنها مهبط الوحي، وأنها قبلة المسلمين، هذا هو مفتاح العز شاء من شاء وأبى من أبى، فإن من الناس من يجنب هذا ويهمله ويلغيه ويخفيه، ظنا منه أن العز يكون بكثرة المال، أو بما إلى ذلك من متاع الدنيا، تلك من أسباب القوة، ولا ريب أنه إذا اجتمع مع الدين مال ونمو ورقي، كان نورا على نور، لكن ينبغي عند اهتمامنا بكل أسباب العز والارتقاء الأخرى التي ترتقي بها البلدان، ألا يغيب الأصل الذي هو عز كل أحد في الدنيا ارتباطه بالله، العز الذي هو عز الإسلام، فمهما ابتغينا العزة بدونه أذلنا الله. أيها المؤمنون: إن حق هذه النعمة أن تشكر، وأن تظهر وأن تعرف، وأن تؤكد في نفوسنا وأجيالنا، فإن الله أعزنا بالإسلام، وكل شيء يأتي بعد ذلك فهو مزيد إنعام، نسعى إليه لنكون في الصدارة بين الأمم، ليس فقط بتقنيتنا ولا بمصانعنا ولا ببترولنا ولا بأموالنا، ولا بشاهق عماراتنا، كل ذلك نستوي فيه مع الناس والناس قد سبقونا إليه، لكننا نتميز عن الناس بدين جعله الله نورا أشرقت به الدنيا بعد ظلماتها، فلنحافظ عليه ولنضف إليه كل المكتسبات الأخرى، من مال، من عمار، من تنمية، من رقي، من اجتماع، من صناعة، من سائر أسباب الدنيا، فإن ذلك يزيد العز عزا، ويقيم الحق بوجه يقبله الناس، لكن الإشكالية أن منا من يريد أن يلغي أصل العز ويتمسك بقشوره، أن يلغي روح العز ويتمسك بمظاهره، ظنا منه أن العز في عمارات شاهقة أو طرق معبدة أو أموال كثيرة، كلا ليس في ذلك عز، إنما العز الحقيقي، هو طاعة الله تعالى، وتسخير ما أنعم الله تعالى به علينا من نعم، في سبيل ما يرضي الله جل وعلا. أيها المؤمنون: إن من شكر الله تعالى، أن نكون على ما يحب ويرضى، بعيدين عن كل مخالفة، ولهذا ما يفعله بعض الناس، في احتفائهم باليوم الوطني، من أنواع من الخروجات عن الهدي المستقيم والأخلاق الكريمة، في مظاهرهم أو ملابسهم أو شوارعهم أو أفعالهم، بالتأكيد أن  هذا ليس من شكر النعم بل هذا من أسباب زوالها، فإن الله لا يبقي النعم بمعصيته، ولا تستجلب الخيرات بالمعاصي والسيئات، إنما تستجلب الخيرات بطاعة الله تعالى، فلنكن على وعي من هذا الأمر، ولنبصر به أبناءنا وبناتنا وأهلينا وطلابنا وطالباتنا، فإن نعم الله لا تستبقى بالكفران، إنما تستبقى بالطاعة والإحسان. لهذا ينبغي أن نسعى إلى التنبيه على تلك الملاحظات والخروقات، التي يفعلها بعض الناس في ذلك اليوم، من مسيرات في الشوارع، وانتهاك لحرمات الناس، واعتداء على الأموال الخاصة والعامة، وإفساد في الشوارع، فذاك ليس من شكر الله في شيء، بل ذاك محادة لله ورسوله، ومعاندة لما أمر الله تعالى به من الهدي القويم الذي يكون عليه أهل الإسلام، فينبغي التنبه إلى هذا الأمر والتنبيه، فإن من أبنائنا من يخفى عليه ذلك، ففي طيش الفرح يغيب العقل، وفي طيش السرور يقع الخلل، فلننبه، والله تعالى يقول: ﴿واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة﴾+++سورة: الأنفال (25)--- فإن من التذكير الواجب الذي يتوقى به الفتن أن نقيم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبها تحفظ البلاد والعباد والإيمان والإسلام، ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾ +++سورة: آل عمران (110)--- اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، اسلك بنا سبيل الرشاد، وأعنا على الطاعة والإحسان، وارزقنا شكرك على الوجه الذي ترضى به عنا، اللهم آمنا في أوطاننا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا رب العالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا؛ لنكونن من الخاسرين، اللهم إنا نسألك أن تصلح حال إخواننا في سوريا، اللهم انصر المجاهدين الذي يجاهدون لإعلاء كلمتك، والدفع عن أنفسهم وأهليهم وأموالهم، يا رب العالمين، اللهم انصرهم نصرا عزيزا مؤزرا، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، اللهم اكفهم شر المتربصين بهم يا حي يا قيوم. اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين، في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، انصر من نصر الدين واخذل من خذل المسلمين والمؤمنين، يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

المشاهدات:3791

إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفِره، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسِنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلن تجد له وليَّاً مرشداً، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، ربُّ العالمين، لا إله إلا هو الرَّحمنُ الرَّحيم، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُ الله ورسولُه، جاء بالنُّور المبين، وهدى إلى الصِّراط المستقيم، وبلَّغ الدين القويم، فصلَّى الله عليه، وعلى آلِه وصحبِه، ومن اتَّبعَ سنَّتهُ بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله أيُّها المؤمنون، فإنَّ تقوى الله تعالى، تجلبُ كلَّ خير، وتدفعُ كلَّ سوءٍ وشرّ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة: آل عمران (102)
عبادَ الله، إنَّ الله تعالى خلقَنا من عدم، ومنَّ علينا بألوانٍ من النِّعَم والِمنَن، لا تُحصى ولا تُستوعب عدَّاً وحساباً، نِعَمُ الله على الجميعِ، وعلى الأفرادِ، لا يُمكن لأحدٍ أن يُحصيَها، ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ سورة: النحل (18) إنَّ نِعَم الله تعالى على عباده تستوجبُ شكره، ولذلك أمر الله تعالى بذكر نِعَمِه؛ لأنَّ تذكُّر الإنعام، يوجب شُكْر الواحد الدَّيَّان جلَّ في علاه، يقولُ الله سبحانه وبحمده: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ سورة: المائدة (7)، ويقول مخاطباً أهلَ الإيمان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾سورة: المائدة (11)، وإنما خَصَّ أهلَ الإيمان بالنِّداء، دون غيرهم من النَّاس، لأنَّ نِعَمَ الله تعالى على أهلِ الإيمانِ عظيمةٌ، بهداية قلوبهم، وشرح صدورهم إلى النُّور المبين، وإعانتِهِم على سلوك الصِّراط المستقيم، فضلاً عن سائر ألوان المِنَن التي يشتركون فيها مع سائر الخلق، من الإيجاد والإمداد، وسائر أنواع النِّعَم، في أنفسِهم وفي أهلِيهم وفي بلدانهم، فإنَّ تلك نِعَمٌ يشترك فيها كلُّ الخلق، إنما ميَّز اللهُ المؤمنينَ بنعمة الإيمان، ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ سورة: النساء (94)، ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾سورة: الحجرات (17) فلذلك أمرَ المؤمنين على وجه الخصوص بذكر نعمه، لأنَّ إنعامَ الله على المؤمنِ، يفوقُ كلَّ إنعامٍ: إنَّه إنعامٌ دينيٌّ دنيويٌّ أخرويٌّ، في المعاش والمعاد، في دينه ودنياه، في أُولاه وأُخراه، في كلِّ شأنٍ من شئونه، فلذلك كان حقُّ شُكْر النِّعمة على المؤمن أعظمَ من غيره، ذاك أنَّ المؤمن يشهد من إنعام الله تعالى عليه ما لا يُحصى ولا يُعدُّ، ولا يُقارن بسائر النِّعم، ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾سورة: النحل (18)، ذاك إنعامُ الكريم المنَّان ذو الفضل والإحسان، ما يفوق الحصرَ ويتجاوز كلَّ حسابٍ، وهو يُبيِّنُ عظيمَ فضل الله، وكبيرَ إحسانه، وعظيمَ الفضل الذي يجبُ له من الشُكْر سبحانه وبحمده، فحقُّه أن يُشكر فلا يُكفر، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُطاع فلا يُنسى جلَّ في علاه.
أيُّها المؤمنون، إن تذكير الله تعالى عباده بألوان نعمه، تذكير لهم بأن يشكروه، وقد أمر الله تعالى بشكره، فقال جلَّ في علاه: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ سورة: البقرة (152)، وقد قال جلَّ في علاه: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ سورة: لقمان (14)، والشُّكرُ يوجبُ المزيدَ، شُكر الله على نِعَمه يستجلبُ مزيدَ إنعام، ويستدعي مزيدَ فضلٍ وإحسانٍ من الكريم المنَّان جلَّ في علاه، ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ سورة: إبراهيم (7).
 فاشْكُرُوا الله أيُّها المؤمنون، اشْكُرُوه على نِعَمه فهو موجبٌ لمزيد إعطائه وفضله، واحذروا كفر النِّعَم، فإن كفر نِعَم الله عز وجلَّ يوجب العقوبة، قد قال الله في محكم كتابه: ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ سورة: إبراهيم (7)، وقال جلَّ في علاه: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً﴾ وهذا أمن القلوب والأنفس والأرواح، ﴿كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ وهذا الأمن الغذائيُّ والكفائيُّ الَّذي يُغني النَّاس عن الالتفات إلى أيِّ جهةٍ أخرى، في كفاية حوائجهم، وإقامة أبدانهم ومعاشهم، ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ فماذا كان؟ ﴿فكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾سورة: النحل (112) فزال الأمنُ النفسيُّ القلبيُّ الروحيُّ، حلَّ مكانه خوفٌ وقلق، حلَّ مكانه اضطرابٌ وجزَع، حلَّ مكانه ما ذكرَ الله تعالى في كتابه: ﴿فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾ لباساً كاللباس الذي على أبداننا يَغشى جميع أحوالها، يُغطي كل شئونها، ليس في جزءٍ من معاشها، ليس فقط خوف في اقتصادها ولا في أمنها ولا في اجتماعها ولا في سياستها، بل خوف يشمل كل أحوالها وشئونها، كذلك الجوعُ لباسٌ يغطِّي معاشَ الناس وأرزاقهم ومآكلهم ومكاسبَهم واقتصادَهم وسائرَ شئونهم، لا يترُك شأناً من شئونِهم، إلا ويصيبه الجوع، ﴿فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾،سورة: النحل (112) جزاءً على ما كان منهم من كفر، عقوبةُ ما كانوا فيه من كُفران النِّعَم، أن بدَّل الله تعالى حالهم، وهذا مثلٌ يضربُه الله تعالى للناس يشاهدونه في حياتهم، أو يسمعونه فيما يُنقل إليهم من أخبار الأمم السَّالفة التي كانت على حال مستوية، فبدَّل الله تعالى حالها لما بدَّلت شُكْر نِعَم ربها، ونحن نشهدُ من حولنا من تحوُّل أحوال الأمم وتغيُّرها من أمن إلى خوف، ومن شبع إلى جوع، ومن كفاية إلى حاجة، ومن اجتماع إلى فرقة، رأينا ذلك وسمعناه، ولازال قائماً ماثلاً في كثير من البلدان حولنا، فهلا كان هذا المثلُ القائمُ الذي نشهدُه بأعيننا، رادعاً لنا عن أن نكفر نِعَم الله، حاملاً لنا على أن نبادر إلى شُكْر نعم الله التي أنعم بها علينا، خوفَ زوال نعمته وقياماً بحقِّه، واستجلاباً لمزيد فضله وإحسانه.
أيُّها المؤمنون: إنَّ نِعَم الله لا تُستدام بالمعاصي، لا تُستبقى بالكفران، إنما تُستدام بالشكر، وتُستبقى بالإقرار بفضل الله تعالى وإحسانه.
أيُّها المؤمنون: إنَّ شُكْر الله تعالى منزلته عظيمة، فالمؤمن بين أمرين: بين صبرٍ على ما يكره، وشُكْرٍ على ما يُحِبُّ، فأنت لا تخلو من أن يَمُنَّ الله عليك بما تحبُّ أو يُصيبك بما تكره، وكلاهما يستوجبُ صبراً وشكراً، ولذلك كان الشُّكر عبادةً سمَّى الله تعالى بها حقَّه، فقال: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾  سورة: سبأ (13) أي قليلٌ من عبادي من يقوم بحقِّي، فالقيامُ بحق الله شُكْرٌ له جلَّ في علاه.
 أيُّها المؤمنون: إنَّ الله تعالى قسم الناس إلى قسمين، فضع نفسك حيث تختار، فقد قال جلَّ في علاه: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ سورة: الإنسان (3) هكذا هو كلُّ إنسان، فالإنسانُ خلقه الله من أمشاجٍ فابتلاه، فحاله بعد الابتلاء، إما أن يشكر، وإما أن يكفُرَ، فكن حيث تشاء، وقد ذكر الله لك منقلبَ الفريقين، منقلبَ الشَّاكرين ومآلَهم ومصيرَ الكافرين ومنتهى حالهم، فاخترْ لنفسك ما تشاءُ من هاتين النِّهايتين.
أيُّها المؤمنون: إنَّ شُكْر الله تعالى، يبدأ أول ما يبدأ بالقلب، إقراراً بإنعام الله، إقراراً بفضله، إقراراً بإحسانه، إقراراً بجوده، وإيَّاك أن يقتصرَ نظرُك إلى لحظةٍ يفوتُك فيها إنعامٌ، أو تخسرُ فيها شيئاً من متاع الدُّنيا، فإنَّ نِعَم الله عليك، لا تقفُ لحظةً من عمرك، بل هي سابقةٌ لاحقةٌ، فنِعَمُ الله علينا في كلِّ لحظة، أنتم الآن جالسون، تستمتعون وتُنصتون، مَن الذي أجرى الدِّماءَ في عروقكم؟ من الَّذي وزَّع الهواء إلى أجسادكم وأجسامكم؟ من الذي منَّ عليكم بالسَّمع؟ من الَّذي رزقكم البصر؟ من الذي أحسنَ إليكم بأن أتيتُم إلى هذا المكان باختياركم، على أقدامكم ومراكبكم؟ من الَّذي منَّ عليكم بالإيمان الذي حملكم على ترك بيوتكم وأماكنكم؛ لتسعَوا إلى ذكر الله؟ إنه الله جلَّ في علاه، فكم لله علينا من نعمةٍ! ونحن ساكنون جالسون، في كلِّ أحوالنا، نِعَمُ الله علينا تترى، ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ سورة: النحل (53) فضلُ الله علينا كبيرٌ وإحسانُه جليلٌ، لا يُبصِره إلا من نوَّرَ الله قلبه فأبصر بعينِ قلبِه، إنعام الله عليه، فمهما كان العبدُ في حالٍ من أحوال الدُّنيا، عُلُوَّاً أو نُزولاً، غنىً أو فقراً، شَرَفاً أو وَضَاعة، نسباً أو عدمه، مهما كانت حالُك، فلله عليك من النِّعَم ما لا يُحصى، فاشكُر اللهَ على نِعَمه، وإياك وأن تجحدَ إحسانَ الله، بعثرةٍ تُصيبك، أو نعمةٍ تفوتُك، فما من لحظة إلا وفيها من نِعَم الله ما لا يُحصى، اللهمَّ لك الحمدُ على نعمك، نسألك الإقرارَ بفضلك، ما أصبحنا به وما أمسينا به من نِعَم، فهي منك وحدك، لا شريك لك.
 هكذا تُشكر النِّعَم، تُشكر بالإقرار بالقلب، بنعم الله كثرة إجمالاً وإفراداً، ثم بعد ذلك أن يلهجَ الإنسان بذكر نعمة الله تعالى عليه كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ سورة: الضحى (11) حدِّثْ بنعمة الله، كم للهِ عليكَ من نعمةٍ! قل: أنعم الله عليّ بكذا، الحمدلله على نعمته عليَّ بكذا، فهو الَّذي منَّ عليك:
واللهِ لولا اللهُ ما اهتدَينا ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا
فاجأر واهتف بنعم الله، شكراً بها، وإثباتاً للمُنعم بها، فضلاً وإنعاماً وإحساناً.
 ثمَّ بعد هذه الثَّانية، وهي نطقُ اللِّسان بنعم الله، يأتي الامتثالُ الثالث لنعم الله، وهو: أن تُسخِّر تلك النِّعَم والمنن، فيما يقرِّبك لله عز وجل، أن تستعمل نِعَم الله في طاعته، بصرك لا تنظر فيه حراماً، اُنظُر فيه إلى آلائه وإنعامه وإحسانه، سمعُك لا تُعمله فيما يغضب ربَّك، فإنَّ ذلك من كُفران النِّعمة، مالُك اصرفه في طاعة الله، ولا تضعه حيث يُعصى الله عز وجل، قوتك ضعها فيما يحب ويرضى؛ فإن الله تعالى أنعم عليك بذلك لتشكره، وإيَّاك والكُفران فإنَّ من كفران النِّعمة أن تستعمل نِعَم الله في مغاضبه، أن تضع ما منَّ الله عليك من إحسان فيما يكره، عندها قد تورَّطتَ بكفر النِّعَم، وكفر النِّعم موجبٌ لزوالها، ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾سورة: إبراهيم (7).
اللَّهمَّ إنَّا نسألُك الهدى والتُّقى والعفاف والرَّشاد والغنى، نسألك يا رب العالمين أن ترزُقَنا ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أقولُ هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرَّحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدَ الشَّاكرين، أحمدُه حقَّ حمده، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ، إنَّك حميدٌ مجيد.
أمَّا بعد:
اتَّقوا الله أيُّها المؤمنون، فاتَّقوا الله تعالى، عبادَ الله حقَّ التَّقوى، وقوموا بما أمركم الله تعالى به من شكره والقيام بحقِّه، فإنَّ نِعَم الله تعالى إنما تدوم بالشُكْر وتزول بالكفر، وليس بيننا وبين الله نسبٌ، ليس بيننا وبين الله جلَّ في علاه خصيصة دون الناس، فإنَّ من أطاع الله أعلاه وأعزَّه وحفظه ورفعه، ومن عصاه أذلَّه وأهانه.
 أيُّها المؤمنون، إنَّ شُكْرَ نِعَم الله تعالى ليس شعاراً، ولا كلماتٍ تردَّد دون معناها، بل إنَّ شُكْر الله تعالى عبادةٌ يتقرَّبُ بها المؤمنُ إلى الله جلَّ في علاه، يستجلبُ بها فضله، ويستمطرُ بها عطاءَه، ويستكثرُ بها إحسانه، ويقوم بها بما أمره الله تعالى، منضمَّاً إلى أولئك القليلِ من عباد الله الشَّاكرين، سالكاً الصِّراط المستقيم، ساعياً فيما يُرضي ربَّ العالمين، فكن لله شاكراً في كلِّ أمر، وإيَّاك وجحودَ النِّعَم، بإضافتها إلى غير الله، أو إسنادها إلى نفسك، كما قال قارون: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ سورة: القصص (78)، فإنَّه ادَّعى أنَّ ما أتاه الله تعالى من المال، إنما هو من قبل نفسه وقوته وقدرته، فخسفَ الله به وجعله عبرةً للمعتبرين.
نِعَمُ الله هو المتفضِّل بها، جلَّ في علاه فاشكره عليها، وأقبِلْ على كلِّ سببٍ من أسباب الطَّاعة، فإنَّ كلَّ أسباب الطَّاعة، وكلَّ صور الإحسان مما يُشكر به ربُّ العالمين، ذو الفضل والإحسان جلَّ في علاه.
أيُّها المؤمنون: إنَّ الله تعالى منَّ علينا، في هذه البلاد المباركة بنعم عظيمة، فهي مهبطُ الوحي، وفيها أوَّلُ بيتٍ وُضع للنَّاس، وفيه مُهاجَر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومنها شعَّ نور الهداية إلى الأرض كلها، هي منبع الإسلام ومأرزه، فالله تعالى جعل هذه الجزيرة المباركة حصنَ الإسلام، فلا يزال فيها دينُ ربِّ العالمين قائماً مرفوعاً، إلى أن يرث الله الأرضَ ومن عليها، وهذه من النِّعَم الجليلة التي خَصَّ الله بها هذه البقعة، وهي تستوجبُ شكراً لله تعالى على إحسانه، وإقراراً بفضله وإنعامه، وإنَّ من شُكْر نعمة الله تعالى، أن نعرفَ قدر ذلك الإنعام العظيم، وهذا إنعامٌ دينيٌّ قَدَريٌّ ليس لنا فيه كسبٌ، فالله يخلق ما يشاء ويختار، فاصطفى هذه البقعة، وكان من نِعَم الله علينا أن جعلَنا من أهل هذه البلاد التي فيها هذه البقعة، التي هي قبلةُ المسلمين، وجعل الله لها من الخصائص ما هو معروف ومشهودٌ في كلام الله وكلام رسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم.
أيُّها المؤمنون: حفَّ الله هذه النِّعمة بألوان من النِّعَم، فإنَّ الله تعالى فتح في هذا الزمان، على أهل هذه البلاد، من كنوز الأرض ما أغناهم عن غيرهم من النَّاس، بعد فقرٍ وحاجةٍ ليست ببعيدةٍ عنَّا في سنواتها، فنحمدُه جلَّ في علاه على ما أنعم، وحقُّ هذه النِّعَم أن تُشكر، وإنَّ شكرَها لا يكون بالتَّخلُّص ونُكران الجميل لشريعة ربِّ العالمين، إنَّ شكرَها يقومُ على تعظيم حدودِ اللهِ وإقامةِ شرعه، والاعتزازِ بما أعزَّ الله به هذه الأرضَ، فإنَّ الله أعزَّ هذه البلادَ بالإسلام، فمهما ابتغت العزَّ بغيرِه أذلَّها الله، ليس هناك عزٌّ سوى هذا العزِّ، لا يعني هذا ألا نأخذَ بأسباب العزِّ الأخرى، لكن ينبغي أن يُعلمَ أنَّ الذي ميَّز هذه البقعةَ هو ما فيها من إيمانٍ وإسلام، وأنها مهبطُ الوحي، وأنها قبلةُ المسلمين، هذا هو مفتاحُ العزِّ شاء من شاء وأبى من أبى، فإن من الناس من يجنب هذا ويهمله ويلغيه ويخفيه، ظناً منه أن العز يكون بكثرة المال، أو بما إلى ذلك من متاع الدنيا، تلك من أسباب القوة، ولا ريب أنَّه إذا اجتمع مع الدِّين مالٌ ونموٌّ ورقيٌّ، كان نوراً على نور، لكن ينبغي عند اهتمامنا بكل أسباب العزِّ والارتقاء الأخرى التي ترتقي بها البلدان، ألا يغيبَ الأصلُ الذي هو عزُّ كلِّ أحد في الدُّنيا ارتباطه بالله، العزُّ الذي هو عزُّ الإسلام، فمهما ابتغينا العزَّة بدونه أذلَّنا الله.
أيُّها المؤمنون: إنَّ حق هذه النِّعمة أن تُشكَر، وأن تُظهر وأن تُعرف، وأن تُؤكد في نفوسنا وأجيالنا، فإنَّ الله أعزَّنا بالإسلام، وكل شيء يأتي بعد ذلك فهو مزيد إنعام، نسعى إليه لنكون في الصدارة بين الأمم، ليس فقط بتقنيتنا ولا بمصانعنا ولا ببترولنا ولا بأموالنا، ولا بشاهق عماراتنا، كل ذلك نستوي فيه مع الناس والناس قد سبقونا إليه، لكننا نتميز عن الناس بدين جعله الله نوراً أشرقت به الدُّنيا بعد ظُلُماتها، فلنُحافِظ عليه ولنُضِف إليه كلَّ المكتسبات الأخرى، من مالٍ، من عمار، من تنمية، من رُقيٍّ، من اجتماع، من صناعة، من سائر أسباب الدنيا، فإن ذلك يزيد العز عزاً، ويقيم الحقَّ بوجه يقبله الناس، لكنَّ الإشكالية أنَّ منَّا من يُريد أن يُلغي أصل العزِّ ويتمسَّك بقشوره، أن يُلغيَ روح العزِّ ويتمسَّك بمظاهره، ظناً منه أن العزَّ في عماراتٍ شاهقة أو طرقٍ معبَّدة أو أموالٍ كثيرة، كلا ليس في ذلك عزٌّ، إنما العزُّ الحقيقيُّ، هو طاعة الله تعالى، وتسخيرُ ما أنعم الله تعالى به علينا من نِعَم، في سبيل ما يرضي الله جلَّ وعلا.
أيُّها المؤمنون: إنَّ من شُكْر الله تعالى، أن نكون على ما يُحبُّ ويرضى، بعيدين عن كلِّ مخالفةٍ، ولهذا ما يفعلُه بعضُ النَّاس، في احتفائهم باليوم الوطنيِّ، من أنواع من الخروجات عن الهدي المستقيم والأخلاق الكريمة، في مظاهرهم أو ملابسهم أو شوارعهم أو أفعالهم، بالتأكيد أنّ  هذا ليس من شُكْر النِّعَم بل هذا من أسباب زوالها، فإنَّ الله لا يبقي النِّعَم بمعصيته، ولا تُستجلب الخيرات بالمعاصي والسيئات، إنما تُستجلب الخيرات بطاعة الله تعالى، فلنكن على وعيٍ من هذا الأمر، ولنُبصِّر به أبناءَنا وبناتنا وأهلينا وطلابنا وطالباتنا، فإنَّ نِعَم الله لا تُستبقى بالكفران، إنما تُستبقى بالطَّاعة والإحسان.
لهذا ينبغي أن نسعى إلى التَّنبيه على تلك الملاحظات والخروقات، التي يفعلها بعضُ النَّاس في ذلك اليوم، من مسيراتٍ في الشَّوارع، وانتهاكٍ لحرُمات النَّاس، واعتداءٍ على الأموال الخاصَّة والعامَّة، وإفساد في الشَّوارع، فذاك ليس من شُكْر الله في شيء، بل ذاك محادَّة لله ورسوله، ومعاندةٌ لما أمر الله تعالى به من الهدي القويم الذي يكون عليه أهل الإسلام، فينبغي التنبه إلى هذا الأمر والتنبيه، فإن من أبنائنا من يخفى عليه ذلك، ففي طيش الفرح يغيب العقل، وفي طيش السرور يقع الخلل، فلننبه، والله تعالى يقول: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾سورة: الأنفال (25) فإن من التذكير الواجب الذي يُتوقى به الفتن أن نقيم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبها تُحفظ البلادُ والعباد والإيمان والإسلام، ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ سورة: آل عمران (110)
اللَّهُمَّ ألهِمنا رُشدَنا، وقِنا شرَّ أنفسِنا، اسلُك بنا سبيل الرَّشاد، وأعِنَّا على الطَّاعة والإحسان، وارزُقنا شكرَك على الوجه الذي ترضى به عنَّا، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافك واتَّقاك واتَّبع رضاك، يا ربَّ العالمين.
ربَّنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا؛ لنكونَّن من الخاسرين، اللَّهمَّ إنَّا نسألُك أن تُصلح حال إخواننا في سوريا، اللَّهُمَّ انصر المجاهدين الذي يجاهدون لإعلاء كلمتك، والدَّفع عن أنفسِهم وأهليهم وأموالهم، يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ انصُرهم نصراً عزيزاً مؤزَّراً، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألِّف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، اللَّهُمَّ اكفِهم شرَّ المتربِّصين بهم يا حيُّ يا قيُّوم.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألُك أن تُصلح أحوالَ المسلمين، في كلِّ مكان، اللَّهُمَّ انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كلِّ مكان، انصُر من نصر الدِّين واخذل من خذل المسلمين والمؤمنين، يا ربَّ العالمين، اللَّهُمَّ إنَّا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدَّائمة، اللهمَّ اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنَّك رؤوفٌ رحيم.

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19191 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12365 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9955 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8464 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف