التعليق على كتاب
نواقض الإسلام
((الدرس السادس ))
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.. اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا عليم، اللهم فهِّمنا التنزيل وارزقنا العمل به يا ذا الجلّال والإكرام، أما بعد..
قد قرأنا في الناقض الثالث، وهو قول المصنف -رحمه الله- الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالة نواقض الإسلام يقول:
"الثالث: من لم يكفر المشركين أو شكَّ في كفرهم أو صحَّح مذهبهم"
هذا هو الناقض الثالث، وقوله -رحمه الله- "من لم يكفر" أي: من لم يعتقد كفر المشركين، والكفرُ ضد الإيمان، وهو حكم في الدنيا، وحكم في الآخرة، والمقصود به هنا أي: من لم يحكم لهم في الدنيا بما يُحكم للمشركين والكفار، فالمشركون والكفار يختلفون عن أهل الإيمان، لا يستوي أهلُ الإيمان والكفر بل بينهما فرق، ومن سوَّى بين أهل الإيمان وأهل الكفر في أحكام الدنيا أو في أحكام الآخرة فقد عارض القرآن، يقول جلّ وعلا: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)) استعجاباً واستغراباً لهذا الحكم أن يتساوى المسلم والكافر.
فقوله:"من لم يكفر المشركين" أي: من لم يحكم بكفرهم، وأنهم من أهل الكفر وأجرى عليهم أحكام الكفر، مما يتعلق بحكم الكافر في الدنيا، أما ما يتعلق بالحكم في النار في الآخرة، فهذا لم يتطرَّق إليه المصنف -رحمه الله- فالكلام عن الأحكام الدنيوية، أما الأحكام الأخروية فالمشركون بالجملة في النار بالتأكيد، قال تعالى: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) } المائدة/ 72{ ; (فريق في الجنة وفريق في السعير)، وأهل السعير هم الأشقياء الكفار والمشركون، فالحكم الأخروي في الجملة لأهل الكفر النّار بالتأكيد. أما ما يتعلق بالأعيان فهذه مسألة محل خلاف بين أهل العلم: هل يحكم للكافر المعين بالنار أو لا، فلا تدخل فيما نحن فيه من بحث، قوله: "من لم يكفر" أي: من لم يعتقد كفرهم وجريان أحكام الكفر عليهم في الدنيا وفي الآخرة بالجملة، لا على وجه التعيين.
وقوله-رحمه الله- :"المشركين" المشركين وصف مشتقٌّ من الشرك، والشرك هو التسوية والتعديل بين الله وغيره، وكلُّ من سوَّى اللهَ بغيره سواء في أسمائه أو صفاته أو فيما يجب له من الحقوق أو في ربوبيته؛ فإنه مشرك، لا فرق في ذلك بين أي نوع من أنواع الشرك، كل من سوى الله بغيره ولو في أمر واحد فإنه مشرك، فمن قال: رحمة الخلق كرحمة الله أو رحمة الله كرحمة الخلق وسوى الله بغيره في هذه الصفة فهو مشرك، من قال: أخلق كخلق الله فهو مشرك، فلا يلزم أن يكون الشرك في كل صوره، وأن يأتي به في كل أنواعه، بل يكفي واحد من صور الشرك.
فمن كان مشركاً، وهو من سوَّى اللهَ بغيره فهو كافر، وقوله-رحمه الله- "المشركون" يشمل جميع أنواع المشركين، سواء كانوا مشركين وثنيين أو مشركين مجوس، أو مشركين من أهل الكتاب، أو مشركين ملحدين، فكل هؤلاء يندرجون في قوله: من لم يكفر المشركين، أي: من لم يكفر غير المسلم، يشمل جميع الأصناف على اختلاف الطوائف، فإن الشرك يطلق ويراد به الكفر؛ لأن كل كافر فهو مشرك في الجملة، لكن الشرك قد يُطلق على فئة معينة من الكفار، وهم الوثنيون كما قال الله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ )}البينّة/1{ وهنا حكم بالكفر على فئتين أهل الكتاب والمشركين، فهذا تسمية لصنف من الكفار.
وكما قال الله جلّ وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) [الحج/ 17] ثم قال والذين أشركوا جعلهم صنفا مستقلا وهم الوثنيون الذين كانوا يعبدون الأصنام، لكن الشرك موجود في غيرهم، حتى في أهل الكتاب الشرك موجود كما قال الله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة/31] فوصف فعلهم بأنه شرك لكنه ليس علما عليهم، العلم الذي يخصُّهم أنهم أهل كتاب فوجود الشرك فيهم لا يُلغي هذا الوصف الغالب وهو أنهم أهل كتاب، لكن مراد المصنف هنا في قوله"من لم يكفر المشركين" يشمل جميع طوائف الكفر، سواء كان ذلك بالشرك أو سواء كان ذلك بغيره من المكفرات فالشرك اسم جامع لكل من كفر بالله وثنياً كان أو كتابياً ملحداً أو مجوسياً أو غير ذلك من الملل والنحل التي تخرج عن دعوة الإسلام.
هذا معنى قوله: "من لم يكفر المشركين" اختصرتُها بعبارة من لم يكفر غير أهل الإسلام، "أو شكَّ في كفرهم" أي تردَّد في كفرهم، ولم يتيقن الكفر، وذلك أنَّ الشكَّ فيما يجب اعتقادُه كفر، قال الله جلّ وعلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا)أي لم يقعوا في شك، وقال تعالى في وصف أهل الشرك (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة: 45] أي: في شكهم يتردَّدون، فالشك فيما يجب اعتقاده من الإيمان كفر، ولذلك قال: "أو شك في كفرهم" والشك هو التردد، قال: لا أدري هل هم كفار؟ هل يحكم بكفرهم أم لا يحكم بكفرهم. لا بد أن يعتقد المؤمن أن كل من ليس من أهل الإسلام كافر.
ودليل الأمر الثالث الذي ذكره -رحمه الله- قال: "أو صحَّح مذهبهم" وهذه مرتبة ثالثة من المراتب التي ذكرها المصنف-رحمه الله- وهذا أشدُّ ما ذكر من صور الكفر، وهو أن يعتقد صحة عبادة غير الله تعالى، وأن غير أهل الإسلام على دين صحيح، وأنه يُقبل منهم، وهذا كفر باتفاق أهل العلم، لا خلاف بينهم في ذلك، تصحيح غير الإسلام كفر باتفاق أهل العلم، ذاك أن الله تعالى أخبر في محكم كتابه أنّ الدين عنده هو الإسلام: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )} آل عمران/19{ وقال: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) }آل عمران/85{ فقضى الله تعالى حكماً لا ريب فيه ولاتردُّد: أن ما سوى الإسلام مردود، وأنَّ ما سواه غير مقبول، وقد قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3] فما رضي الله فهو الدين، وما لم يرضه فإنه كفر، قال الله تعالى في عدم رضاه عن الكفر: (وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ)}الزمر /7{ والكفر هو كل ما يقابل الإسلام، فمن صحح الكفر فإنه رضي مالم يرضه الله جلّ وعلا، وقبِل ما ردَّه الله -سبحانه وبحمده-، ولهذا فالإجماع منعقد على أنه لا يصح دينٌ غيرُ دين الإسلام، وأن تصحيح غير دين الإسلام كفر.
وقد يقول قائل: هذا موجود أم غير موجود: تصحيح مذاهب الكفار وأديانهم؟
الجواب: إنه موجود وليس شيئاً حادثاً، بل هذا شيء قديم، فأهل الحلول والاتحاد من ثمار انحرافهم وشؤم عقائدهم الفاسدة، أنهم صححوا الدين بغير دين الإسلام، وقالوا: كل من عبد الله على أي صفة كانت هذه العبادة، فكل من عبد شيئاً على أي صفة فهو يعبد الله.