بسم الله الرحمن الرحيم.
(( الحلقة الرابعة ))
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، أحمده لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، خصه الله بالكتاب الحكيم، ليكون للعالمين نذيرًا.
جعله الله داعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فأهل وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية".
الله جل في علاه أنزل الكتاب الحكيم هداية للناس، وبشَّر به الناس أجمعين فقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} سورة يونس:57. .
وقد أثنى الله تعالى على كتابه الحكيم، ووصفه جل في علاه بأنه هدى للناس، يقول سبحانه وبحمده فأهل وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية".
الله جل في علاه أنزل الكتاب الحكيم هداية للناس، وبشَّر به الناس أجمعين فقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} سورة يونس:57. .
وقد أثنى الله تعالى على كتابه الحكيم، ووصفه جل في علاه بأنه هدى للناس، يقول سبحانه وبحمده : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} سورة المائدة: 64..
هدى للناس يهديهم سبل السلام، هدى للناس يخرجهم من الظلمات إلى النور، هدى للناس يبين لهم سعادة الدنيا وفوز الآخرة.
القرآن جعله الله تعالى خطاباً للناس كافة، بل للعالمين، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} سورة الفرقان:1..
وقد جاء بأوضح بيان، وأفصح لسان، وأقوى حجة وبرهان، جاء هذا القرآن كالنور الساطع يدل على الله تعالى ويعرِّف به، ويعرّف بالطريق الموصل إليه.
وقد انقسم الناس في هذا القرآن والانتفاع به بعد وروده إليهم أو ورودهم إليه، إلى فريقين وقسمين، وقد بيَّن الله جل وعلا هذين القسمين في مواضع عديدة من كتابه.
يقول الله جل وعلا {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} سورة الإسراء: 82..
وهذا هو القسم الأول، ثم قال {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} سورة الإسراء: 82..
ويقول جل في علاه :{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} سورة فصلت:44.، وهذا هو القسم الأول، ثم قال جل وعلا {وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} سورة فصلت:44.، أعوذ بالله.
ثم قال جل وعلا :{ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} سورة التوبة : 124- 125..
وقد قال الله جل وعلا في محكم كتابه { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} المائدة : 64 . .
فهكذا هو قرآن الله جل وعلا، هكذا هو الكتاب الحكيم، انقسم الناس بعد ورودهم إليه، انقسموا إلى فريقين أو صنفين، فريق بلغ الذروة في الطاعة والإيمان، وفريق بلغ الحضيض في الكفر والطغيان، كما بيَّنت هذه الآيات، وهذا الانقسام في الدنيا عليه يجري الانقسام في الآخرة {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} سورة الشورى:7..
وإن الله جل وعلا قد أقام الحجج والبراهين في هذا الكتاب العظيم، وكان من أعظم ما في هذا الكتاب الحكيم من الآيات والبراهين، والروادع والزواجر والمرغبات والمنشطات للطاعة والإحسان ما ضربه الله جل وعلا فيه من الأشباه والأمثال.
وقد ضرب الله تعالى في محكم الكتاب الأمثال والأشباه لينتفع الناس بذلك بغاية وجازة وأفصح بيان، فكان ذلك من أعظم أمثال القرآن، ومن أعظم آياته وحججه وبراهينه، جلَّ الحقائق، وهدى إلى أقصر الطرائق، وسقى النفوس بقوة تأثيره إلى قبول الحقائق والإيمان بها.
يقول الله جل وعلا {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} سورة العنكبوت:43..
والحكمة من ضرب الأمثال أن يتفكر فيها الإنسان، وأن يقف فيها على المعاني بأمثلة شاهدة.
فَضرْب الأمثال له شأن ليس بخفي في كلام الناس، وهو كذلك في كلام رب الناس، في كلام رب الأرباب، في كلام العزيز الغفار جل في علاه.
فضرب الأمثال يبرز خفيات المعاني، ويرفع الأستار عن الحقائق، وهو في الحقيقة ينقل المتخيل إلى واقع وحقيقة، ويريك المتخيل في صورة المتحقق، والمتوهم في معرض المتيقن.
ولذلك تأتي الغائبات وكأنها مشاهدات، وبالأمثال تدحض الشبهات وترد الخصومات.
الله جل وعلا ضرب الأمثال للناس رحمة بهم، ليدلهم على الطريق الحق ويبين لهم الصراط القويم.
والناس إيذاء هذه الأمثلة القرآنية التي جعلها الله تعالى بياناً وإيضاحاً للحق وهداية للخلق، انقسموا كما انقسموا في القرآن الحكيم، فمن الناس من كانت له هذه الأمثال سبب هداية لقلبه ودلالة له وإرشاد، وإعانة لهم على سلوك الطريق المستقيم والخروج من الظلمات إلى النور.
ومنهم من تكون هذه الأمثال سبباً لضلاله وشدة كفره وطغيانه.
وقد ذكر الله تعالى هذين القسمين بعد أن ذكر أنه لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها.
قال سبحانه وبحمده {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}وهذا هو القسم الأول {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} سورة البقرة :26.وهذا هو القسم الثاني من أقسام الناس في أمثال القرآن العظيم.
وقد ذكر الله جل وعلا أن من الناس من يعقل هذه الأمثال، ومنهم من لا يعقلها، قال جل وعلا {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} سورة العنكبوت: 43. .
العالمون أولئك الذين عقلوا عن الله تعالى غايته، وأدركوا من نصوص كتابه ما يفهمون به صفاته، وما يعرفون به ربهم ، وما يستدلون به على الطريق الموصل إلى الله جل وعلا.
أيها لأخوة والأخوات.
الأمثال شأنها في كتاب الله جل وعلا عظيم، هي من أجلِّ البينات وأعظم البراهين، لذلك جعلها الله تعالى في كتابه، جلية بينة، فالله تعالى إنما ضرب الأمثال لإيضاح المعنى الخفي، ضرب الله تعالى الأمثال في كتابه لتقريب الشيء المعقول الذي في الأذهان إلى الشيء المحسوس الذي تدركه الأعين.
ضرب الله تعالى الأمثال لعرض الغائب في صورة الحاضر، فيكون المعنى الذي ضرب الله له المثل أوقع في القلوب وأثبت في النفوس.
ولهذا كان السلف رحمهم الله يجدون حزناً شديداً ، وألماً كبيراً على عدم عقل وفهم معاني كلام الله تعالى وإدراك مقاصد الأمثال.
قال بعض السلف :"إذا سمعت المثل في القرآن ولم أفهمه بكيت على نفسي لأن الله تعالى يقول {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} سورة العنكبوت: 43، وانظر "تفسير ابن كثير" (1/208). .
إدراك معاني الأمثال، وفهم تلك الأشباه هو من أجل العلوم وأعلى المطالب، ولهذا كان إدراك الأمثال ومعانيها مما يدل على عظيم المنقبة، وكبير المنزلة، وسعة العلم ورجاحة العقل.
روى الإمام أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه :" عَقَلْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَ مَثَلٍ" رواه أحمد في "المسند" (4/203) وإسناده ضعيف..
وهذه منقبة عظيمة كما يقول ابن كثير، هذه منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه، حيث يقول الله جل وعلا {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} سورة العنكبوت: 43. .
وقد سُمِعَ من كثير من الأئمة والعلماء تحسرهم على خفاء شيء من أمثال القرآن، أو عدم فهمهم لشيء من آيات القرآن.
إن الأمثال القرآنية لها شأن كبير ينبغي للمؤمن أن يحرص على فهمها، وعلى إدراك معانيها، وعلى الوقوف على أسرارها، وأن يكون هذا في كلما يطرق سمعه من أمثال القرآن العظيم، فإن ذلك مما يحيى به القلب، إن ذلك مما يصلح به الفؤاد، وتستقيم بعد ذلك به الأعمال، لأن القرآن أول ما يطرق القلوب، فإذا صلحت واستقامت واستنارت واستضاءت بضياء هذا القرآن ونوره كان ذلك منعكساً على الجوارح «أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ» رواه البخاري في الإيمان (52)، ومسلم في المساقاة (1599)..
وأعظم ما يصلح القلوب، كتاب رب العباد.
اللهم إنا نسألك أن تصلح قلوبنا بكتابك، وأن تجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.