×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / أمثال قرآنية / الحلقة (5) من برنامج أمثال قرآنية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (5) من برنامج أمثال قرآنية
00:00:01

بسم الله الرحمن الرحيم. (( الحلقة الخامسة )) الحمد لله ذي الجلال والإكرام، علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان، أحمده لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأبرار ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد. فأهل وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات، أهلا بكم في هذه الحلقة الجديدة من حلقات برنامجكم " أمثال قرآنية". إن الله تعالى أنزل الكتاب الحكيم، وامتن على عباده بأن ضرب لهم فيه الأمثال، ليقيم الحجة ويتضح السبيل، وقد قال الله جل وعلا {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} +++ سورة الزمر: 27- 28.---. وقال سبحانه وبحمده: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون * كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون}+++ سورة الروم: 58 -59.---. وقال جل في علاه {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا}+++ سورة الإسراء:89---. وقال سبحانه وبحمده {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} +++ سورة الكهف: 54.---. ضرب الله تعالى في كتابه الأمثال، وجعل هذا الضرب للناس كافة، ليس لأحد دون أحد، فالضرب للأمثال هو من عناية الله ولطفه، وإيضاحه وبيانه لتقريب المراد وتفهيم المعنى، وإيصال المقصود إلى ذهن السامع، دون مشقة وعناء، فكانت هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان لتقريب الحق وإيضاحه، وكشف المستور وبيانه، وهداية الخلق إلى ما فيه رشدهم، وإلى ما فيه صلاحهم، فكان هذا القرآن في غاية الجلاء والبيان والوضوح والظهور تبيانا لكل شيء، {ما فرطنا في الكتاب من شيء}+++ سورة الأنعام:38. ---. هذا الذي جعله الله تعالى وصفا لكتابه إنما هو لإقامة الحجة على الخلق وهدايتهم ودلالتهم إلى ما فيه رشدهم، وما فيه سعادة دنياهم وأخراهم {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}+++ سورة الإسراء:9.---. وهذه الأمثال التي ذكرها الله تعالى في كتابه هي من أجل ما ينبغي أن يعتني به الإنسان من الأمثال، ذلك أنها تدل على الله تعالى، تعرف به، تهدي إلى الطريق المستقيم.  ولهذا قال الشافعي رحمه الله :" إن الأمثال مما تجب معرفته للمجتهد في علوم القرآن"+++ انظر "الإتقان في علوم القرآن" (2/343).---.  لأن ما ضرب من الأمثال دال على طاعة الله تعالى مثبت لاجتناب معاصيه وترك الغفلة عن الحفظ والازدياد من النوافل والفضل. وإن العلم بالأمثال وفهمها وإدراك مقاصدها من أجل العلوم وأشرفها، ولذلك جعله الله تعالى من نصيب أهل العلم فقال جل في علاه {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}+++ سورة العنكبوت:43.---. أيها الإخوة والأخوات. إن فهم هذه الأمثال ومعرفة المقصود منها، هو مما ينبغي أن توفر له الهمم، وأن تجتمع عليه القلوب، ولكن ذلك الإدراك، وحصول ذلك العلم بهذه الأمثال التي ذكرها الله تعالى في كتابه، يتحقق ويحصل بأمور عديدة من أهمها وأجلها وأعظمها الاستماع ، الذي أمر الله تعالى به في حق كتابه الحكيم، قال جل وعلا {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } +++ سورة الأعراف:204.---. إن الله جل وعلا أمر عباده بالاستماع إلى القرآن إذا قرأ، وأمرهم بمزيد عناية وهو الإنصات، فالسماع والإنصات هو رسول الأثر لهذا القرآن إلى القلب، فإن القلب يتأثر إذا أصغى السمع إلى كلام الله تعالى.  ولهذا كم في القرآن من قوله تعالى {أفلا يسمعون} +++ سورة السجدة: 26.---. وقد قال الله تعالى : {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها} +++ سورة الحج: 46.---. فالسماع أصل العقل، وأساس الإيمان الذي بني عليه، وهو قائده، وهو جليسه ووزيره كما قال ابن القيم رحمه الله+++ انظر "إعلام الموقعين" (1/133).---. فالقرآن إنما ينفع ويؤثر بآذان صاغية، وقلوب حاضرة ، يقول الله جل وعلا في أمثال كتابه {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له}+++ سورة الحج: 73.---. فأمر الله تعالى عموم الناس أن يستمعوا لما ضربه من مثل دال على كمال قدرته، واستحقاقه الألوهية جل في علاه. إذا من أراد أن يكون في سلك العالمين الذين ذكر الله تعالى في قوله {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}+++ سورة العنكبوت:43.---. ينبغي له أن يستمع إلى القرآن، ينبغي له أن يكثر من الإنصات إليه، فإن ذلك هو الوسيلة والمفتاح الذي يدرك من خلاله العلم بتلك الأمثال. وإن ثاني ما ينبغي أن يأخذه الإنسان للحصول على هذه المرتبة العالية وهي العلم بالأمثال أن يكون ذا قلب حاضر، فإن حضور القلب من أعظم أسباب الانتفاع بالمسموع، يقول الله جل وعلا { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}+++ سورة ق:37.---. إن هذه الآية قسمت الناس إلى قسمين في الانتفاع بكتاب الله تعالى ، فالقسم الأول هم أصحاب القلوب الزاكية أصحاب القلوب التي من الله عليها بنور الفطرة، الذي انضاف إليه نور الوحي فكان كأنما قال جل في علاه {نور على نور}+++ سورة النور: 35.---. وأما القسم الثاني فأولئك الذين يحتاجون إلى معاناة ومكابدة لحصول الذكرى، وحصول التذكر ألا وهو السماع مع حضور القلب، ولهذا قوله { وهو شهيد}+++ سورة ق:37.---، أي شاهد القلب حاضر، فهو ذو قلب حاضر غير غائب. وقد قال ابن قتيبة رحمه الله :" استمع كتاب الله: وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه"+++ انظر "غريب القرآن " لابن قتيبة ص(419).---. وهو إشارة إلى أن من أعظم الموانع التي تحول بين الناس، وفهم كلام الله تعالى ومعرفة هذه الأمثال أن يغيب القلب عن الحضور، وأن يسهى القلب عن تفهم كلام الله تعالى ، وإدراك معاني هذا الكتاب الحكيم. إن من الأسباب التي يدرك بها الإنسان العلم بهذه الأمثال التي ذكرها الله تعالى في كتابه، أن يتدبر هذه الأمثال، وأن يستحضر معانيها، وأن يجدد النظر فيها، وأن يحدق البصر فيما تضمنته من الأشباه والنظائر، من تمثيل الغائب بالحاضر، فإن الأمثال قصدها وغايتها تقريب أمر ذهني بأمر مشاهد محسوس، وذلك يستلزم أن يستحضر الإنسان الصورة المطلوبة التي تشاهد وتحس، ثم يقيس عليها ما ذكر الله تعالى من المعاني. وهذا من التدبر الذي يصل به الإنسان إلى العلم والمعرفة، وتدبر القرآن كفيل لصاحبه بكل خير. فتدبر القرآن إن رمت الهدى  *** فالعلم تحت تدبر القرآن+++"متن القصيدة النونية" لابن القيم ص(49).  ---.   ولذلك ليس شيء أنفع للعبد في إدراك معاني هذه الأمثال والحصول على مقاصدها والانتفاع بها من تدبر القرآن وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معاني هذه الأمثال فإنها تكشف للعبد المستور، وتطلعه على معالم الخير والشر، ويتحقق له بها فهم كلام الله تعالى. التدبر هو مفتاح حياة القلوب، وهو الطريق الذي يدرك به الإنسان فهم كلام الله تعالى وينتظم بذلك في سلك العالمين الذين قال الله جل وعلا فيهم {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}+++ سورة العنكبوت:43.---. إن من أعظم الأسباب التي يدرك بها العبد فهم هذا النور المبين ، وفهم هذا الكتاب العظيم أن يتزود إلى التقوى، إضافة إلى ما تقدم من الخصال، من الاستماع ، ومن حضور القلب، ومن التدبر، يضيف إلى هذا خصلة أساسية في إدراك معاني كلام الله تعالى وانكشاف أنواره، وهداياته، وهي خصلة التقوى التي قال الله فيها جل وعلا { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا}+++ سورة الأنفال: 29.---. وقد قال الله تعالى في محكم كتابه لما ذكر الأمثال وضربها { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون *  قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}+++ سورة الزمر: 27- 28.---. فأشار إلى التقوى في سياق ذكره للأمثال، والانتفاع من هذا القرآن العظيم الواضح الجلي. فلذلك ينبغي للمؤمن أن يتزود من خصال التقوى حتى يكون من المنتفعين بآيات القرآن، من المنتفعين بهذه الأمثال. فالتقوى وخصالها هي السبب الأكبر لحصول هداية القرآن. روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  لما تلا قوله تعالى {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}+++ سورة العنكبوت:43.---، قالصلى الله عليه وسلم :«العالم من عقل عن الله تعالى وعمل بطاعته واجتنب سخطه»+++ أخرجه داود بن المحبر في كتاب "العقل"، ومن طريقه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (بغية الباحث برقم 1030) من حديث جابر، والثعلبي والبغوي في التفسير، والواحدي من طريق الحارث. وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" وابن عراق في "تنزيه الشريعة عن الأخبار الشنيعة والموضوعة". وذكره الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" (3 / 215) في أحاديث من كتاب العقل لداود بن المحبر وقال: أودعها الحارث ابن أبي أسامة في مسنده، وهي موضوعة كلها، لا يثبت منها شيء. انظر: الكافي الشافي ص (127)، المطالب العالية: 3 / 213 و214 و216، الفتح السماوي للمناوي: 2 / 896-897، تنزيه الشريعة لابن عراق: 1 / 214.---. ولقد أنزل الله تعالى هذا الكتاب، وجعل فيه من الأمثال ما تتعظ به القلوب {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين} +++ سورة النور: 34.---. وحقيقة التقوى التي تنكشف بها الأنوار، ويدرك الإنسان بها الهداية أن يجعل بينه وبين ما يسخط ربه ومولاه وقاية بامتثال أمر الله تعالى وترك ما نهى عنه، فيهتدي بهداه ويأخذ بكتابه، ويعمل بما أمر به جل في علاه، ليكون من عباد الله المتقين. أسأل الله العظيم، أن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين، وحزبه المفلحين، وأولياءه الصالحين، وإلى ان نلقاكم في حلقة قادمة أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3298
بسم الله الرحمن الرحيم.
(( الحلقة الخامسة ))
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، علَّم القرآن خلق الإنسان علمه البيان، أحمده لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد.
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأبرار ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فأهل وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات، أهلاً بكم في هذه الحلقة الجديدة من حلقات برنامجكم " أمثال قرآنية".
إن الله تعالى أنزل الكتاب الحكيم، وامتن على عباده بأن ضرب لهم فيه الأمثال، ليقيم الحجة ويتضح السبيل، وقد قال الله جل وعلا {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} سورة الزمر: 27- 28..
وقال سبحانه وبحمده: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} سورة الروم: 58 -59..
وقال جل في علاه {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} سورة الإسراء:89.
وقال سبحانه وبحمده {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} سورة الكهف: 54..
ضرب الله تعالى في كتابه الأمثال، وجعل هذا الضرب للناس كافة، ليس لأحد دون أحد، فالضرب للأمثال هو من عناية الله ولطفه، وإيضاحه وبيانه لتقريب المراد وتفهيم المعنى، وإيصال المقصود إلى ذهن السامع، دون مشقة وعناء، فكانت هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان لتقريب الحق وإيضاحه، وكشف المستور وبيانه، وهداية الخلق إلى ما فيه رشدهم، وإلى ما فيه صلاحهم، فكان هذا القرآن في غاية الجلاء والبيان والوضوح والظهور تبياناً لكل شيء، {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} سورة الأنعام:38. .
هذا الذي جعله الله تعالى وصفاً لكتابه إنما هو لإقامة الحجة على الخلق وهدايتهم ودلالتهم إلى ما فيه رشدهم، وما فيه سعادة دنياهم وأخراهم {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} سورة الإسراء:9..
وهذه الأمثال التي ذكرها الله تعالى في كتابه هي من أجلِّ ما ينبغي أن يعتني به الإنسان من الأمثال، ذلك أنها تدل على الله تعالى، تُعرِّف به، تهدي إلى الطريق المستقيم.
 ولهذا قال الشافعي رحمه الله :" إن الأمثال مما تجب معرفته للمجتهد في علوم القرآن" انظر "الإتقان في علوم القرآن" (2/343)..
 لأن ما ضرب من الأمثال دال على طاعة الله تعالى مثبت لاجتناب معاصيه وترك الغفلة عن الحفظ والازدياد من النوافل والفضل.
وإن العلم بالأمثال وفهمها وإدراك مقاصدها من أجل العلوم وأشرفها، ولذلك جعله الله تعالى من نصيب أهل العلم فقال جل في علاه {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} سورة العنكبوت:43..
أيها الإخوة والأخوات.
إن فهم هذه الأمثال ومعرفة المقصود منها، هو مما ينبغي أن توفر له الهمم، وأن تجتمع عليه القلوب، ولكن ذلك الإدراك، وحصول ذلك العلم بهذه الأمثال التي ذكرها الله تعالى في كتابه، يتحقق ويحصل بأمور عديدة من أهمها وأجلِّها وأعظمها الاستماع ، الذي أمر الله تعالى به في حق كتابه الحكيم، قال جل وعلا {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } سورة الأعراف:204..
إن الله جل وعلا أمر عباده بالاستماع إلى القرآن إذا قُرأ، وأمرهم بمزيد عناية وهو الإنصات، فالسماع والإنصات هو رسول الأثر لهذا القرآن إلى القلب، فإن القلب يتأثر إذا أصغى السمع إلى كلام الله تعالى.
 ولهذا كم في القرآن من قوله تعالى {أَفَلَا يَسْمَعُونَ} سورة السجدة: 26..
وقد قال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} سورة الحج: 46..
فالسماع أصل العقل، وأساس الإيمان الذي بني عليه، وهو قائده، وهو جليسه ووزيره كما قال ابن القيم رحمه الله انظر "إعلام الموقعين" (1/133)..
فالقرآن إنما ينفع ويؤثر بآذان صاغية، وقلوب حاضرة ، يقول الله جل وعلا في أمثال كتابه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} سورة الحج: 73..
فأمر الله تعالى عموم الناس أن يستمعوا لما ضربه من مثل دالٍ على كمال قدرته، واستحقاقه الألوهية جل في علاه.
إذاً من أراد أن يكون في سلك العالمين الذين ذكر الله تعالى في قوله {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} سورة العنكبوت:43..
ينبغي له أن يستمع إلى القرآن، ينبغي له أن يكثر من الإنصات إليه، فإن ذلك هو الوسيلة والمفتاح الذي يدرك من خلاله العلم بتلك الأمثال.
وإن ثاني ما ينبغي أن يأخذه الإنسان للحصول على هذه المرتبة العالية وهي العلم بالأمثال أن يكون ذا قلب حاضر، فإن حضور القلب من أعظم أسباب الانتفاع بالمسموع، يقول الله جل وعلا { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} سورة ق:37..
إن هذه الآية قسمت الناس إلى قسمين في الانتفاع بكتاب الله تعالى ، فالقسم الأول هم أصحاب القلوب الزاكية أصحاب القلوب التي منَّ الله عليها بنور الفطرة، الذي انضاف إليه نور الوحي فكان كأنما قال جل في علاه {نُورٌ عَلَى نُورٍ} سورة النور: 35..
وأما القسم الثاني فأولئك الذين يحتاجون إلى معاناة ومكابدة لحصول الذكرى، وحصول التذكر ألا وهو السماع مع حضور القلب، ولهذا قوله { وَهُوَ شَهِيدٌ} سورة ق:37.، أي شاهد القلب حاضر، فهو ذو قلب حاضر غير غائب.
وقد قال ابن قتيبة رحمه الله :" استمَعَ كتاب الله: وهو شاهدُ القلبِ والفهمِ ليس بغافلٍ ولا ساهٍ" انظر "غريب القرآن " لابن قتيبة ص(419)..
وهو إشارة إلى أن من أعظم الموانع التي تحول بين الناس، وفهم كلام الله تعالى ومعرفة هذه الأمثال أن يغيب القلب عن الحضور، وأن يسهى القلب عن تفهم كلام الله تعالى ، وإدراك معاني هذا الكتاب الحكيم.
إن من الأسباب التي يدرك بها الإنسان العلم بهذه الأمثال التي ذكرها الله تعالى في كتابه، أن يتدبر هذه الأمثال، وأن يستحضر معانيها، وأن يجدد النظر فيها، وأن يحدق البصر فيما تضمنته من الأشباه والنظائر، من تمثيل الغائب بالحاضر، فإن الأمثال قصدها وغايتها تقريب أمر ذهني بأمر مشاهد محسوس، وذلك يستلزم أن يستحضر الإنسان الصورة المطلوبة التي تشاهد وتحس، ثم يقيس عليها ما ذكر الله تعالى من المعاني.
وهذا من التدبر الذي يصل به الإنسان إلى العلم والمعرفة، وتدبر القرآن كفيل لصاحبه بكل خير.
فتدبر القرآن إن رمت الهدى  *** فالعلم تحت تدبر القرآن"متن القصيدة النونية" لابن القيم ص(49).  .
 
ولذلك ليس شيء أنفع للعبد في إدراك معاني هذه الأمثال والحصول على مقاصدها والانتفاع بها من تدبر القرآن وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معاني هذه الأمثال فإنها تكشف للعبد المستور، وتطلعه على معالم الخير والشر، ويتحقق له بها فهم كلام الله تعالى.
التدبر هو مفتاح حياة القلوب، وهو الطريق الذي يدرك به الإنسان فهم كلام الله تعالى وينتظم بذلك في سلك العالمين الذين قال الله جل وعلا فيهم {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} سورة العنكبوت:43..
إن من أعظم الأسباب التي يدرك بها العبد فهم هذا النور المبين ، وفهم هذا الكتاب العظيم أن يتزود إلى التقوى، إضافة إلى ما تقدم من الخصال، من الاستماع ، ومن حضور القلب، ومن التدبر، يضيف إلى هذا خصلة أساسية في إدراك معاني كلام الله تعالى وانكشاف أنواره، وهداياته، وهي خصلة التقوى التي قال الله فيها جل وعلا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} سورة الأنفال: 29..
وقد قال الله تعالى في محكم كتابه لما ذكر الأمثال وضربها { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ *  قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} سورة الزمر: 27- 28..
فأشار إلى التقوى في سياق ذكره للأمثال، والانتفاع من هذا القرآن العظيم الواضح الجلي.
فلذلك ينبغي للمؤمن أن يتزود من خصال التقوى حتى يكون من المنتفعين بآيات القرآن، من المنتفعين بهذه الأمثال.
فالتقوى وخصالها هي السبب الأكبر لحصول هداية القرآن.
روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  لما تلا قوله تعالى {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} سورة العنكبوت:43.، قالصلى الله عليه وسلم :«العالم من عقلَ عنِ الله تعالى وعمِل بطاعتِه واجتنبَ سَخَطَه» أخرجه داود بن المحبر في كتاب "العقل"، ومن طريقه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (بغية الباحث برقم 1030) من حديث جابر، والثعلبي والبغوي في التفسير، والواحدي من طريق الحارث. وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" وابن عراق في "تنزيه الشريعة عن الأخبار الشنيعة والموضوعة". وذكره الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" (3 / 215) في أحاديث من كتاب العقل لداود بن المحبر وقال: أودعها الحارث ابن أبي أسامة في مسنده، وهي موضوعة كلها، لا يثبت منها شيء. انظر: الكافي الشافي ص (127)، المطالب العالية: 3 / 213 و214 و216، الفتح السماوي للمناوي: 2 / 896-897، تنزيه الشريعة لابن عراق: 1 / 214..
ولقد أنزل الله تعالى هذا الكتاب، وجعل فيه من الأمثال ما تتعظ به القلوب {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} سورة النور: 34..
وحقيقة التقوى التي تنكشف بها الأنوار، ويدرك الإنسان بها الهداية أن يجعل بينه وبين ما يسخط ربه ومولاه وقاية بامتثال أمر الله تعالى وترك ما نهى عنه، فيهتدي بهداه ويأخذ بكتابه، ويعمل بما أمر به جل في علاه، ليكون من عباد الله المتقين.
أسأل الله العظيم، أن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين، وحزبه المفلحين، وأولياءه الصالحين، وإلى ان نلقاكم في حلقة قادمة أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19194 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12366 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9957 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8466 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف