×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / أمثال قرآنية / الحلقة (19) من برنامج أمثال قرآنية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (19) من برنامج أمثال قرآنية
00:00:01

بسم الله الرحمن الرحيم. ((الحلقة التاسعة عشر)) الحمد لله رب العالمين ، أحمد جل في علاه، لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه، أحق من حمد، وأجل من ذكر، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، له المحامد باللسان والجنان وسائر الأركان. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة من يرجو نجاة من النار وفوزا بالجنان. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، أشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، أنار به السبيل، هدى به إلى أقوم طريق، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.  أما بعد. فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية". في هذه الحلقة سنتناول ثاني مثل ذكره الله تعالى في سورة آل عمران. يقول الله جل وعلا:{مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون}+++ سورة آل عمران: 117.---. هذه الآية الكريمة، مثل الله تعالى فيها ما ينفقه المنفقون في هذه الحياة الدنيا، إلا أن هذه الآية أرادت بيان حال نفقة الكفار، فقد ذكر الله جل وعلا في الآية التي سبقتها {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}+++ سورة آل عمران: 116---، نعوذ بالله {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون}. هاتان الآيتان مرتبطتان، فالله تعالى أخبر عن حال الكفار، وأنهم لن تغني عنهم أموالهم، ولا أولادهم من الله شيئا.  فنفى الله تعالى أن ينتفع الكفار الذين كفروا بما يجب الإيمان به من أصول الإيمان بشيء من أموالهم، أو بشيء من أولادهم فليس ذلك نافعا لهم عند الله تعالى ولا مغن بين يديه جل وعلا شيء. قال تعالى {لن تغني عنهم} أي لن تجزي، ولن تنفع {أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا} بل مآلهم ومصيرهم إلى النار، الدار التي أعدها الله تعالى للكفرة والعصاة والفجار، {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}مقيمون إقامة دائمة غير منقطعة، ولا مرتفعة بل هي مستمرة ما دامت السماوات والأرض. يقول الله جل وعلا بعد أن ذكر هذا النفي لانتفاع الكفار يوم القيامة بشيء من أموالهم أو أولادهم {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا}، وهذا كالجواب على سؤال يمكن أن يرد: ما شأن أعمالهم الصالحة؟ هؤلاء الكفار، أليس لهم من الأعمال الصالحة ما ينفعهم يوم القيامة، ما يمكن أن يكون شافعا لهم عند الله تعالى، قال جل في علاه {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح}، وهذا المثل يبين أن النفقة، وهي نوع من أعمالهم التي يعملونها في الدنيا لن ينتفعوا منها بشيء. وينبغي أن يعلم أن أعمال الكفار ومنها النفقة، تنقسم إلى قسمين: - قسم فيه فساد وبغي وطغيان وظلم وفجور، فهذا لا يرجى نفعه، ولا يؤمل غناه، فهو على صاحبه وبال، قال الله جل وعلا في بيان حال هذا العمل في أعمال الكفار وغيرهم، وهي الأعمال الرديئة، النفقة في الفساد والشر {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}+++ سورة النور: 41.---. فهذه الظلمات وموبقات لا ينتفع بها أصحابها، بل سيحاسبون، ويجزون على ما كان من سيء عملهم. - القسم الثاني من نفقاتهم ومن أعمالهم: أعمال يظنون أنها تنفع، يظنون أنها تغني عنهم من الله شيء، كالصدقة والعتاق، وصلة الأرحام، وغير لك من صالح الأعمال، والإنفاق في سبل الخير، فهذا ضرب الله له مثلا في كتابه، قال جل وعلا:{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة}، وهذا مثل لثاني أعمال الكفار التي ترجى في الآخرة، وهي من الأعمال النافعة،{كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب}+++ سورة النور: 39.---، هذا شأن أعمالهم . أما النفقة على وجه الخصوص، فقد ذكر الله تعالى لها مثلا خاصا في قوله تعالى: {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر}، فالله تعالى مثل نفقتهم في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر. وهذا المثل للعلماء فيه أقوال+++ أورد هذه الأقوال ابن الجوزي في "زاد المسير"(1/401).---: فمنهم من قال: إن هذا مثل ضربه الله تعالى لمن أنفق ماله في غير طاعة الله تعالى، وفي غير مرضاته، فشبه سبحانه ما ينفقه هؤلاء من أموالهم في المكارم والمفاخر، وفي الرياء، وطلب الذكر لا يبتغون بذلك ثوابا ولا أحجرا من الله تعالى، وكذلك ما ينفقونه للصد عن سبيل الله، والصد عن اتباع الرسل، كل ذلك من النفقة التي كانوا ينفقونها، مثله الله تعال بريح فيها صر، والصر هو الريح الباردة الشديدة المحرقة. {أصابت حرث قوم} أي زرعهم،{فأهلكته} أي بسبب برودتها الشديدة المحرقة، وقد قال الله تعالى{الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}+++ سورة الأنفال:36.---. هكذا في نموذج من أنواع النفقة الباطلة، التي ينفقها هؤلاء. ومن أهل العلم من قال: إن النفقة في هذه الآية هي نفقة المشركين، لأموالهم في لذاتهم وجاههم ونشر سمعتهم وتأييد كلمتهم ، وغير ذلك من الأمور الباطلة. وفي الحقيقة المعنى الأول يجمع هذا كله، ويرجع إليه كل ما ذكره المفسرون من أنواع النفقة التي تندرج تحت هذه الآية. بل حتى الأعمال الصالحة التي أرادوا بها شيئا من الخير في الدنيا، تذهب عنهم يوم القيامة فلا يجدون لها نفعا ولا ثوابا ولا أجرا، وقد قال الله تعالى:{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}+++ سورة الفرقان:23.---. وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم  كما في "صحيح الإمام مسلم" عن عبد الله بن جدعان، فقالت: يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه قال:«لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»+++ أخرجه مسلم في الإيمان (214).---. ومراد النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يؤمن بالبعث والنشور. إن النفقة إذا لم تصدر عن إيمان، وعن صدق، وعن إخلاص فإنها لا تنفع صاحبها ولو كانت في أوجه البر والخير، لا تنفعه يوم القيامة بل تذهب هباء منثورا. وقد ذكر الله جل وعلا في محكم كتابه إبطال أعمال الكفار على أوجه كثيرة، فذكر أنها تكون كالرماد، كما قال تعالى {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد}+++ سورة إبراهيم :18.---. ووصفه بالهباء، قال تعالى{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}+++ سورة الفرقان:23.---. وقال تعالى واصفا له بالسراب:{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب}+++ سورة النور: 39.---. هكذا هي أعمالهم، حتى ما كان منها صالحا فإنهم لا ينتفعون منها بشيء. والله تعالى قد بين سبب ذلك، أي بين سبب حرمانهم من الانتفاع بتلك الأعمال أنهم ظلموا أنفسهم كما قال تعالى في هذه الآية {أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم} وأعظم الظلم الشرك كما قال جل في علاه: {إن الشرك لظلم عظيم}+++ سورة لقمان:13.---. وما دون الشرك من المعاصي والسيئات يوجب العقوبة بقدر الذنب وحجمه. {فأهلكته} قال جل في علاه نافيا أن يكون في هذا الإحباط، وفي هذا الإبطال، وفي هذا الإذهاب للسيئات أن يكون في ذلك ظلم لهم قال جل وعلا { وما ظلمهم الله} حاشاه جل في علاه، {وما ربك بظلام للعبيد}+++ سورة فصلت:46.---. بل هي الأعمال تحصى وتجمع ثم يوفاها أصحابها كما قال تعالى في الحديث الإلهي:«يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»+++ أخرجه مسلم(2577) من حديث أبي ذر.---. أكد الله تعالى أن سبب الإحباط هو ظلمهم لأنفسهم فقال:{وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون}. اللهم إنا نعوذ بك من الظلم كله، ظاهره وباطنه، دقيقه وجليله، صغيره وكبيره، خاصه وعامه. اللهم اجعلنا من أوليائك المتقين، وحزبك المفلحين، وعبادك الصالحين. وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "أمثال قرآنية" أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:2520
بسم الله الرحمن الرحيم.
((الحلقة التاسعة عشر))
الْحَمْدُ لِلَّهِ رب العالمين ، أحمد جل في علاه، لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه، أحق من حمد، وأجل من ذكر، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، له المحامد باللسان والجنان وسائر الأركان.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة من يرجو نجاة من النار وفوزاً بالجنان.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، أشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، أنار به السبيل، هدى به إلى أقوم طريق، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين. 
أما بعد.
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "أمثالٌ قرآنية".
في هذه الحلقة سنتناول ثاني مثل ذكره الله تعالى في سورة آل عمران.
يقول الله جل وعلا:{مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} سورة آل عمران: 117..
هذه الآية الكريمة، مثَّل الله تعالى فيها ما ينفقه المنفقون في هذه الحياة الدنيا، إلا أن هذه الآية أرادت بيان حال نفقة الكفار، فقد ذكر الله جل وعلا في الآية التي سبقتها {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} سورة آل عمران: 116، نعوذ بالله {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
هاتان الآيتان مرتبطتان، فالله تعالى أخبر عن حال الكفار، وأنهم لن تغني عنهم أموالهم، ولا أولادهم من الله شيئاً.
 فنفى الله تعالى أن ينتفع الكفار الذين كفروا بما يجب الإيمان به من أصول الإيمان بشيء من أموالهم، أو بشيء من أولادهم فليس ذلك نافعاً لهم عند الله تعالى ولا مغن بين يديه جل وعلا شيء.
قال تعالى {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ} أي لن تجزي، ولن تنفع {أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} بل مآلهم ومصيرهم إلى النار، الدار التي أعدها الله تعالى للكفرة والعصاة والفجار، {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}مقيمون إقامة دائمة غير منقطعة، ولا مرتفعة بل هي مستمرة ما دامت السماوات والأرض.
يقول الله جل وعلا بعد أن ذكر هذا النفي لانتفاع الكفار يوم القيامة بشيء من أموالهم أو أولادهم {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وهذا كالجواب على سؤال يمكن أن يَرِد: ما شأن أعمالهم الصالحة؟ هؤلاء الكفار، أليس لهم من الأعمال الصالحة ما ينفعهم يوم القيامة، ما يمكن أن يكون شافعاً لهم عند الله تعالى، قال جل في علاه {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ}، وهذا المثل يبين أن النفقة، وهي نوع من أعمالهم التي يعملونها في الدنيا لن ينتفعوا منها بشيء.
وينبغي أن يعلم أن أعمال الكفار ومنها النفقة، تنقسم إلى قسمين:
- قسم فيه فساد وبغي وطغيان وظلم وفجور، فهذا لا يرجى نفعه، ولا يؤمل غناه، فهو على صاحبه وبال، قال الله جل وعلا في بيان حال هذا العمل في أعمال الكفار وغيرهم، وهي الأعمال الرديئة، النفقة في الفساد والشر {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} سورة النور: 41..
فهذه الظلمات وموبقات لا ينتفع بها أصحابها، بل سيحاسبون، ويجزون على ما كان من سيء عملهم.
- القسم الثاني من نفقاتهم ومن أعمالهم: أعمال يظنون أنها تنفع، يظنون أنها تغني عنهم من الله شيء، كالصدقة والعِتاق، وصلة الأرحام، وغير لك من صالح الأعمال، والإنفاق في سبل الخير، فهذا ضرب الله له مثلاً في كتابه، قال جل وعلا:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ}، وهذا مثل لثاني أعمال الكفار التي ترجى في الآخرة، وهي من الأعمال النافعة،{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} سورة النور: 39.، هذا شأن أعمالهم .
أما النفقة على وجه الخصوص، فقد ذكر الله تعالى لها مثلاً خاصاً في قوله تعالى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ}، فالله تعالى مثَّل نفقتهم في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر.
وهذا المثل للعلماء فيه أقوال أورد هذه الأقوال ابن الجوزي في "زاد المسير"(1/401).:
فمنهم من قال: إن هذا مثل ضربه الله تعالى لمن أنفق ماله في غير طاعة الله تعالى، وفي غير مرضاته، فشبه سبحانه ما ينفقه هؤلاء من أموالهم في المكارم والمفاخر، وفي الرياء، وطلب الذكر لا يبتغون بذلك ثواباً ولا أحجراً من الله تعالى، وكذلك ما ينفقونه للصد عن سبيل الله، والصد عن اتباع الرسل، كل ذلك من النفقة التي كانوا ينفقونها، مثله الله تعال بريح فيها صر، والصر هو الريح الباردة الشديدة المحرقة.
{أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ} أي زرعهم،{فَأَهْلَكَتْهُ} أي بسبب برودتها الشديدة المحرقة، وقد قال الله تعالى{الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} سورة الأنفال:36..
هكذا في نموذج من أنواع النفقة الباطلة، التي ينفقها هؤلاء.
ومن أهل العلم من قال: إن النفقة في هذه الآية هي نفقة المشركين، لأموالهم في لذاتهم وجاههم ونشر سمعتهم وتأييد كلمتهم ، وغير ذلك من الأمور الباطلة.
وفي الحقيقة المعنى الأول يجمع هذا كله، ويرجع إليه كل ما ذكره المفسرون من أنواع النفقة التي تندرج تحت هذه الآية.
بل حتى الأعمال الصالحة التي أرادوا بها شيئاً من الخير في الدنيا، تذهب عنهم يوم القيامة فلا يجدون لها نفعاً ولا ثواباً ولا أجراً، وقد قال الله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} سورة الفرقان:23..
وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم  كما في "صحيح الإمام مسلم" عن عبد الله بن جدعان، فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ:«لاَ يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» أخرجه مسلم في الإيمان (214)..
ومراد النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يؤمن بالبعث والنشور.
إن النفقة إذا لم تصدر عن إيمان، وعن صدق، وعن إخلاص فإنها لا تنفع صاحبها ولو كانت في أوجه البر والخير، لا تنفعه يوم القيامة بل تذهب هباءً منثوراً.
وقد ذكر الله جل وعلا في محكم كتابه إبطال أعمال الكفار على أوجه كثيرة، فذكر أنها تكون كالرماد، كما قال تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} سورة إبراهيم :18..
ووصفه بالهباء، قال تعالى{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} سورة الفرقان:23..
وقال تعالى واصفاً له بالسراب:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} سورة النور: 39..
هكذا هي أعمالهم، حتى ما كان منها صالحاً فإنهم لا ينتفعون منها بشيء.
والله تعالى قد بيَّن سبب ذلك، أي بيَّن سبب حرمانهم من الانتفاع بتلك الأعمال أنهم ظلموا أنفسهم كما قال تعالى في هذه الآية {أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} وأعظم الظلم الشرك كما قال جل في علاه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} سورة لقمان:13..
وما دون الشرك من المعاصي والسيئات يوجب العقوبة بقدر الذنب وحجمه.
{فَأَهْلَكَتْهُ} قال جل في علاه نافياً أن يكون في هذا الإحباط، وفي هذا الإبطال، وفي هذا الإذهاب للسيئات أن يكون في ذلك ظلم لهم قال جل وعلا { وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} حاشاه جل في علاه، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} سورة فصلت:46..
بل هي الأعمال تحصى وتجمع ثم يوفاها أصحابها كما قال تعالى في الحديث الإلهي:«يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ» أخرجه مسلم(2577) من حديث أبي ذر..
أكد الله تعالى أن سبب الإحباط هو ظلمهم لأنفسهم فقال:{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون}.
اللهم إنا نعوذ بك من الظلم كله، ظاهره وباطنه، دقيقه وجليله، صغيره وكبيره، خاصه وعامه.
اللهم اجعلنا من أوليائك المتقين، وحزبك المفلحين، وعبادك الصالحين.
وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "أمثال قرآنية" أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات18627 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات11951 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9100 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات7993 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف