×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / أمثال قرآنية / الحلقة (29) من برنامج أمثال قرآنية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (29) من برنامج أمثال قرآنية
00:00:01

بسم الله الرحمن الرحيم. ((الحلقة التاسعة والعشرون)). الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، أحمده حق حمده، هو أحق من حمد، وأجل من ذكر لا إله إلا هو، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة من النار، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد. فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية"، في هذه الحلقة -إن شاء الله تعالى-، نتناول مثلا ذكره الله تعالى في سورة النحل، سورة النعم التي ذكر الله جل وعلا فيها ألوان النعم التي أنعم بها على عباده، وابتدأها بأعظم النعم وأجلها وأثبتها وأبقاها في الدنيا والآخرة، وهي نعمة الهداية،{ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون}+++ سورة النحل: 2.---، هذه أجل نعمة، وأعظم منة من الله تعالى بها على العباد، أن أرسل إليهم الرسل به معرفين، وإليه داعين، بهم أخرج الله تعالى الناس من الظلمات إلى النور، وأعظم الأنوار أنوار التوحيد  التي إذا أشرقت على العبد أضاءت لها النفس، وسكن لها الفؤاد، واطمئن لها القلب، وقد قرر الله تعالى حقه في أنه لا إله إلا هو جل وعلا، فحقه أن يعبده وحده لا شريك له سبحانه وبحمده، وقد أنكر الله تعالى على من سوى به غيره،{الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}+++ سورة الأنعام :1.---، أي يسوون به غيره سبحانه وبحمده. فحقه أن يعبد وحده لا شريك له، وقد ذكر الله تعالى مثلا يبين به سوءة من أشرك به، فالشرك أمر ذهني، قرب الله تعالى قبح صورته، وفداحة خطأ من تورط فيه، في بيان هذه السورة في مثلين ذكرهما الله تعالى في هذه السورة بعد أن أنكر تسويته بغيره سبحانه وبحمده {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}+++ سورة الشورى:11.---، فلا ند له ولا مثيل ولا نظير، لم يكن له كفوا أحد لا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، ولا في ما يجب له سبحانه وبحمده. لا يمكن أن يكون له مثيل في ما يجب له من إفراد العبادة فهو الله الذي لا إله إلا هو سبحانه وبحمده، لا معبود حق إلا هو. يقول الله جل وعلا منكرا على أهل الشرك:{ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون}+++ سورة النحل: 73.---.  كيف يعبدون هؤلاء، وهم لا يملكون لهم رزقا في السموات ولا في الأرض ولا يستطيعون أن يوصلوا إليهم شيئا ، يقول الله تعالى {فلا تضربوا لله الأمثال}+++ سورة النحل: 74.---،أي لا تجعلوا له أمثالا تسونهم به فالشرك كله يدور على تسوية غير الله بالله سبحانه وبحمده الذي ليس له نظير ولا مثيل {إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون}+++ سورة النحل: 74.---. ولبيان فداحة خطأ هؤلاء الذين سووا بالله غيره، وجعلوا له الأمثال والنظائر، فصرفوا العبادة للمخلوقين بشتى صورها وأنواعها، وأصل ذلك العبادة القلبية بمحبة سوى الله جل وعلا،بمحبة الأصنام أو الصالحين أو الملائكة أو الأخيار أو غير ذلك ممن تتعلق بهم القلوب، ونحن ينبغي أن نعلم أن الشرك في الأرض كثير فإن عباد الأصنام وعباد غير الله تعالى ليسوا بفئة قليلة انقرضت وزالت، بل هم أمم  لا يحصيهم إلا الله جل وعلا فئام من الناس كثير يعبدون غير الله تعالى، ويصرفون ألوانا من العبادات والقربات إليه، فلذلك جاء القرآن بتقرير التوحيد وأنه لا إله إلا هو جل في علاه، وأن لا إله إلا هو سبحانه وبحمده بألوان من التقرير وأنواع من التقريب من ذلك ضرب الأمثال. يقول الله تعالى:{ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون}+++ سورة النحل:75.---. هذا المثل ضربه الله تعالى لنفسه سبحانه وبحمده، ولمن عبد من دونه جل وعلا، فهو مثل يبين الفرق الشاسع، والخطأ الفادح، والضلال المبين الذي وقع فيه من سوى بالله غيره، الذين سووا بالله تعالى الأصنام فجعلوهم آلهة تعبد من دون الله. يقول الله جل وعلا{ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون}. هل يستوي هذان الرجلان وهما رجلان ذكر الله أوصافهما، فالأول عبد، وهو مملوك أي لا يملك من أمره شيئا يتصرف به سيده بيعا وشراء، وانتفاعا واستخداما،{لا يقدر على شيء} ليس له قدرة على شيء من التصرفات وليس له حول ولا طول، بل هو تحت أمر سيده يصرفه كيفما شاء. هل يستوي صاحب هذه الحال وحال ذاك الذي سلم من الرق فهو حر، ليس فيه رق ولا ملك لأحد بل يملك أمر نفسه وزيادة على أنه حر يملك التصرف في نفسه كيفما شاء ملكه الله تعالى رزقا حسنا يقول الله جل وعلا {ومن رزقناه منا رزقا حسنا}، والحسن هنا عائد إلى سعة الرزق وإلى نوعه، وإلى جنسه وإلى سائر ما يتعلق به من الأوصاف التي يتصف بها الرزق.  فكيف حاله مع هذا الرزق يقول الله تعالى{فهو ينفق منه سرا وجهرا}،أي هو صاحب تصرف واسع في كل الأحيان، وفي كل الأحوال، في الإسرار والإعلان{سرا وجهرا}، هل يستوي من يملك هذا التصرف، وهذا العمل الذي يشكر عليه بمن لا يملك من أمر نفسه شيئا وهو العبد المملوك، هل يستوي هذان الرجلان في أنظار الناس ومعاييرهم وأفكارهم؟ لا يمكن أن يستوي هذا وذاك، ولذلك قال الله جل وعلا { هل يستوون}، والاستفهام هنا ليس استخبارا ولا استعلاما، بل هو استنكار لأن يسوى بين هذين الرجلين اللذين يعلم بكل دقة وفكر ولو كان فكرا عابرا ونظرا سريعا أنه لا يمكن أن يسوى هذا بذاك، لا يسوى الحر المنفق المتصرف بأمواله كيفما يشاء، بالرقيق المملوك الذي لا يقدر على شيء، فإذا كنتم لا تسوون بين هذا وذاك، لا تسوون بين الحر والرقيق، بين من ينفق كيفما يشاء وبين من لا يستطيع شيئا ولا يقدر على شيء، فكذلك كيف تسوون بالله غيره سبحانه وبحمده، كيف تسوون الأصنام التي لا تملك لأنفسها ضرا ولا نفعا بالله الذي له الأمر كله جل في علاه الذي له ملك السموات والأرض سبحانه وبحمده، الذي يدبر أمر هذا الكون، الذي له القدرة الكاملة، والقوة التامة، والملك الذي لا ينازع، وله كمال الصفات، وله عالي الأسماء، يقول جل في علاه، {ولله الأسماء الحسنى}+++ سورة الأعراف:180.---، وله الصفات العلى سبحانه وبحمده، كيف يسوى هذا بتلك الأصنام وتلك العبيد من الصالحين الذي يصرف إليهم شيء من العبادات أو  من الملائكة الذي يصرف إليهم شيء من العبادات . كل من عبد من دون الله فهو عبد ذليل مقهور لا يخرج عن تقدير الله تعالى وسلطانه وقدرته سبحانه وبحمده {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا}+++ سورة مريم:93.---. {الحمد لله رب العالمين}+++ سورة الفاتحة:2.---، فهو رب كل شيء، فكل ما سوى الله عالم ونحن واحد من هذا العالم، فالصالحون ومن عبد من دون الله واحد من هذا العالم، فكيف يسوغ أن يسوى غير الله تعالى بالله.  أنتم يا من تدعون غير الله، فتهتفون بأسماء الملائكة، أو تستغيثون بالصالحين أو تستغيثون بمن تستغيثون به، ألا تعلمون أن ذلك من الشرك الذي يوقعكم في غضب الرب جل وعلا، ألم يقل الله جل في علاه، {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}+++ سورة الجن:18.---.  ألم يقل الله جل وعلا {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}+++ الأحقاف : 5.---. كيف يكون هذا في عقول راشدة، وأبصار نافذة، إنه لا يكون ذلك إلا من عمى البصيرة {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}+++ سورة الحج:46.---. ولذلك بعد أن بين ما بين جل وعلا من مثل فرق فيه بين عبد مملوك لا يقدر لا يقدر على شيء، وبين حر مالك يتصرف كيف يشاء، قال {هل يستوون} بعد ذلك قال:{الحمد لله}فهو المحمود جل وعلا المستحق للحمد لأنه ليس له نظير وليس له كفؤ ولا ند سبحانه وبحمده، ولهذا حمد نفسه واختص بالحمد بأنواعه ، فقال :{ الحمد لله }، فكأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فلما سوى المشركين آلهتهم جاء الجواب من رب العالمين {بل أكثرهم لا يعلمون}، فالله جل وعلا لا نظير له، ولا شريك له سبحانه وبحمده. ومن وقع في الشرك بالله جل وعلا إنما كان ذلك ناتجا عن جهله وعدم علمه، فحقيقة العلم تنفي عن القلب كل تعلق بسوى الرب جل في علاه، لا إله إلا هو سبحانه وبحمده. غاية العلم ومنتهاه هو أن يحقق العبد الإخلاص لله جل وعلا في قلبه فلا يكون في قلبه سوى ربه محبة له سبحانه وبحمده، وتعظيما له فشأن الله أعظم، وأمره جل و علا أجل من أن يسوى به خلق من خلقه سبحانه وبحمده ، مهما مكنهم الله تعالى به من القدرات وأعطاهم من الملكات فهم عبيد أذلاء مقهورون لا يجوز أن يسوون بالله الذي له الأمر كله جل وعلا.  فالحمد لله على نعمة التوحيد، نحمده جل وعلا أن هدانا لهذه الكلمة "لا إله إلا الله" ونسأله جل في علاه أن يرزقنا عقل معناها، ومعناها أنه لا معبود حق إلا الله، لا يستحق العبادة أحد سواه، فمن صرف العبادة لغيره لم يحقق هذه الكلمة . وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "أمثال قرآنية" أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:2871
بسم الله الرحمن الرحيم.
((الحلقة التاسعة والعشرون)).
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، أحمده حق حمده، هو أحق من حمد، وأجل من ذكر لا إله إلا هو، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة من النار، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية"، في هذه الحلقة -إن شاء الله تعالى-، نتناول مثلاً ذكره الله تعالى في سورة النحل، سورة النِّعَم التي ذكر الله جل وعلا فيها ألوان النعم التي أنعم بها على عباده، وابتدأها بأعظم النعم وأجلِّها وأثبتها وأبقاها في الدنيا والآخرة، وهي نعمة الهداية،{يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} سورة النحل: 2.، هذه أجلُّ نعمة، وأعظم منة منَّ الله تعالى بها على العباد، أن أرسل إليهم الرسل به معرفين، وإليه داعين، بهم أخرج الله تعالى الناس من الظلمات إلى النور، وأعظم الأنوار أنوار التوحيد  التي إذا أشرقت على العبد أضاءت لها النفس، وسكن لها الفؤاد، واطمئن لها القلب، وقد قرر الله تعالى حقه في أنه لا إله إلا هو جل وعلا، فحقه أن يعبده وحده لا شريك له سبحانه وبحمده، وقد أنكر الله تعالى على من سوى به غيره،{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} سورة الأنعام :1.، أي يسوون به غيره سبحانه وبحمده.
فحقه أن يعبد وحده لا شريك له، وقد ذكر الله تعالى مثلاً يُبين به سوءة من أشرك به، فالشرك أمر ذهني، قرَّب الله تعالى قبح صورته، وفداحة خطأ من تورط فيه، في بيان هذه السورة في مثلين ذكرهما الله تعالى في هذه السورة بعد أن أنكر تسويته بغيره سبحانه وبحمده {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سورة الشورى:11.، فلا ند له ولا مثيل ولا نظير، لم يكن له كفوا أحد لا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، ولا في ما يجب له سبحانه وبحمده.
لا يمكن أن يكون له مثيل في ما يجب له من إفراد العبادة فهو الله الذي لا إله إلا هو سبحانه وبحمده، لا معبود حق إلا هو.
يقول الله جل وعلا منكرا على أهل الشرك:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ} سورة النحل: 73..
 كيف يعبدون هؤلاء، وهم لا يملكون لهم رزقاً في السموات ولا في الأرض ولا يستطيعون أن يوصلوا إليهم شيئاً ، يقول الله تعالى {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} سورة النحل: 74.،أي لا تجعلوا له أمثالاً تسونهم به فالشرك كله يدور على تسوية غير الله بالله سبحانه وبحمده الذي ليس له نظير ولا مثيل {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سورة النحل: 74..
ولبيان فداحة خطأ هؤلاء الذين سووا بالله غيره، وجعلوا له الأمثال والنظائر، فصرفوا العبادة للمخلوقين بشتى صورها وأنواعها، وأصل ذلك العبادة القلبية بمحبة سوى الله جل وعلا،بمحبة الأصنام أو الصالحين أو الملائكة أو الأخيار أو غير ذلك ممن تتعلق بهم القلوب، ونحن ينبغي أن نعلم أن الشرك في الأرض كثير فإن عُبَّاد الأصنام وعباد غير الله تعالى ليسوا بفئة قليلة انقرضت وزالت، بل هم أمم  لا يحصيهم إلا الله جل وعلا فئام من الناس كثير يعبدون غير الله تعالى، ويصرفون ألواناً من العبادات والقربات إليه، فلذلك جاء القرآن بتقرير التوحيد وأنه لا إله إلا هو جل في علاه، وأن لا إله إلا هو سبحانه وبحمده بألوان من التقرير وأنواع من التقريب من ذلك ضرب الأمثال.
يقول الله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} سورة النحل:75..
هذا المثل ضربه الله تعالى لنفسه سبحانه وبحمده، ولمن عُبد من دونه جل وعلا، فهو مثل يبين الفرق الشاسع، والخطأ الفادح، والضلال المبين الذي وقع فيه من سوَّى بالله غيره، الذين سووا بالله تعالى الأصنام فجعلوهم آلهة تعبد من دون الله.
يقول الله جل وعلا{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ}.
هل يستوي هذان الرجلان وهما رجلان ذكر الله أوصافهما، فالأول عبد، وهو مملوك أي لا يملك من أمره شيئاً يتصرف به سيده بيعا وشراء، وانتفاعاً واستخداماً،{لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} ليس له قدرة على شيء من التصرفات وليس له حول ولا طول، بل هو تحت أمر سيده يصرفه كيفما شاء.
هل يستوي صاحب هذه الحال وحال ذاك الذي سلم من الرق فهو حر، ليس فيه رق ولا مُلك لأحد بل يملك أمر نفسه وزيادة على أنه حر يملك التصرف في نفسه كيفما شاء ملَّكه الله تعالى رزقا حسنا يقول الله جل وعلا {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا}، والحسن هنا عائد إلى سعة الرزق وإلى نوعه، وإلى جنسه وإلى سائر ما يتعلق به من الأوصاف التي يتصف بها الرزق.
 فكيف حاله مع هذا الرزق يقول الله تعالى{فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا}،أي هو صاحب تصرف واسع في كل الأحيان، وفي كل الأحوال، في الإسرار والإعلان{سِرًّا وَجَهْرًا}، هل يستوي من يملك هذا التصرف، وهذا العمل الذي يشكر عليه بمن لا يملك من أمر نفسه شيئاً وهو العبد المملوك، هل يستوي هذان الرجلان في أنظار الناس ومعاييرهم وأفكارهم؟ لا يمكن أن يستوي هذا وذاك، ولذلك قال الله جل وعلا { هَلْ يَسْتَوُونَ}، والاستفهام هنا ليس استخبارا ولا استعلاماً، بل هو استنكار لأن يسوى بين هذين الرجلين اللذين يعلم بكل دقة وفكر ولو كان فكرا عابرا ونظرا سريعاً أنه لا يمكن أن يسوى هذا بذاك، لا يسوى الحر المنفق المتصرف بأمواله كيفما يشاء، بالرقيق المملوك الذي لا يقدر على شيء، فإذا كنتم لا تسوون بين هذا وذاك، لا تسوون بين الحر والرقيق، بين من ينفق كيفما يشاء وبين من لا يستطيع شيئاً ولا يقدر على شيء، فكذلك كيف تسوون بالله غيره سبحانه وبحمده، كيف تسوون الأصنام التي لا تملك لأنفسها ضراً ولا نفعاً بالله الذي له الأمر كله جل في علاه الذي له ملك السموات والأرض سبحانه وبحمده، الذي يدبر أمر هذا الكون، الذي له القدرة الكاملة، والقوة التامة، والملك الذي لا ينازع، وله كمال الصفات، وله عالي الأسماء، يقول جل في علاه، {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} سورة الأعراف:180.، وله الصفات العلى سبحانه وبحمده، كيف يسوى هذا بتلك الأصنام وتلك العبيد من الصالحين الذي يصرف إليهم شيء من العبادات أو  من الملائكة الذي يصرف إليهم شيء من العبادات .
كل من عُبد من دون الله فهو عبد ذليل مقهور لا يخرج عن تقدير الله تعالى وسلطانه وقدرته سبحانه وبحمده {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} سورة مريم:93..
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سورة الفاتحة:2.، فهو رب كل شيء، فكل ما سوى الله عالم ونحن واحد من هذا العالم، فالصالحون ومن عبد من دون الله واحد من هذا العالم، فكيف يسوغ أن يسوى غير الله تعالى بالله.
 أنتم يا من تدعون غير الله، فتهتفون بأسماء الملائكة، أو تستغيثون بالصالحين أو تستغيثون بمن تستغيثون به، ألا تعلمون أن ذلك من الشرك الذي يوقعكم في غضب الرب جل وعلا، ألم يقل الله جل في علاه، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} سورة الجن:18..
 ألم يقل الله جل وعلا {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} الأحقاف : 5..
كيف يكون هذا في عقول راشدة، وأبصار نافذة، إنه لا يكون ذلك إلا من عمى البصيرة {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} سورة الحج:46..
ولذلك بعد أن بيَّن ما بيَّن جل وعلا من مثل فرَّق فيه بين عبد مملوك لا يقدر لا يقدر على شيء، وبين حر مالك يتصرف كيف يشاء، قال {هَلْ يَسْتَوُونَ} بعد ذلك قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ}فهو المحمود جل وعلا المستحق للحمد لأنه ليس له نظير وليس له كفؤ ولا ند سبحانه وبحمده، ولهذا حمد نفسه واختص بالحمد بأنواعه ، فقال :{ الْحَمْدُ لِلَّهِ }، فكأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فلما سوى المشركين آلهتهم جاء الجواب من رب العالمين {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، فالله جل وعلا لا نظير له، ولا شريك له سبحانه وبحمده.
ومن وقع في الشرك بالله جل وعلا إنما كان ذلك ناتجاً عن جهله وعدم علمه، فحقيقة العلم تنفي عن القلب كل تعلق بسوى الرب جل في علاه، لا إله إلا هو سبحانه وبحمده.
غاية العلم ومنتهاه هو أن يحقق العبد الإخلاص لله جل وعلا في قلبه فلا يكون في قلبه سوى ربه محبة له سبحانه وبحمده، وتعظيماً له فشأن الله أعظم، وأمره جل و علا أجل من أن يسوى به خلق من خلقه سبحانه وبحمده ، مهما مكنهم الله تعالى به من القدرات وأعطاهم من الملكات فهم عبيد أذلاء مقهورون لا يجوز أن يسوون بالله الذي له الأمر كله جل وعلا.
 فالحمد لله على نعمة التوحيد، نحمده جل وعلا أن هدانا لهذه الكلمة "لا إله إلا الله" ونسأله جل في علاه أن يرزقنا عقل معناها، ومعناها أنه لا معبود حق إلا الله، لا يستحق العبادة أحد سواه، فمن صرف العبادة لغيره لم يحقق هذه الكلمة .
وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "أمثال قرآنية" أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19194 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12366 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9957 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8466 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف