×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / أمثال قرآنية / الحلقة (48) من برنامج أمثال قرآنية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (48) من برنامج أمثال قرآنية
00:00:01

بسم الله الرحمن الرحيم. ((الحلقة الثامنة والأربعون)) الحمد لله  رب العالمين، أنزل على عبده القرآن ولم يجعل هل عوجا. أحمده جل في علاه، لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، رب العالمين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد. فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية". ونحن في هذه الحلقة لازلنا في المثل الذي ضربه الله تعالى في سورة "يس" في قصة أصحاب القرية التي افتتحها الله تعالى بأمر رسوله فقال:{واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون}.  جاء هؤلاء الرسل الكرام إلى قومهم، فكذبوهم، فأيد الله تعالى هؤلاء الرسل برسول ثالث، فكانوا ثلاثة رسل إلى قومهم. فلما جاءوهم كذبوهم، وأوغلوا في التكذيب فقالوا في الاحتجاج في تكذيبهم، {قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون}. فرد عليهم رسل الله ردا جميلا مفحما، كما قال الله تعالى{قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون}. ولما أكدوا أولئك التكذيب، أكد الرسل رسالتهم بمؤكدات فقالوا {ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون}، وهذا تأكيد معنوي ولفظي. فالمعنوي: هو اطلاع الله تعالى، وعلمه، وشهوده جل وعلا لهؤلاء الذين يخبرون عنه بما يخبرون، ولا يمكن أن يكون هؤلاء كاذبين، وهم يخبرون عن الله عز وجل بما يخبرون ثم هو يمليهم ويمدهم ويمهلهم. فأكدوا بمؤكد عظيم وهو علم الله تعالى واطلاعه. ثم أكدوا بمؤكدات لفظية يعرفها البلاغيون من "إن" المشددة، تفيد التوكيد، و"اللام" في قوله {لمرسلون}. بعد ذلك أعلن الرسل أنهم لا يتضررون بتكذيب هؤلاء، وأن مهمتهم  ووظيفتهم التبليغ، فإذا استجاب لهم الناس سعدوا، ونجوا جميعا، وإذا لم يستجيبوا وكذبوا فإنه ليس عليهم هداية الناس، فالهداية إلى الله جل وعلا، كما قال جل وعلا {ليس عليك هداهم}+++ سورة البقرة:272.---. فالهداية هي شأن الله عز وجل، الرسل يدلون على الطرق الموصلة إلى الله عز وجل يبينون السبيل الذي يصل به الناس إلى سعادة الدنيا وفوز الآخرة، لكنهم لا يملكون قدرة على حمل الناس على سلوك هذا الطريق. هذه الهداية وهي هداية التوفيق والإلهام هي إلى الله جل وعلا، ليست إلى غيره. ولذلك قالت رسل الله جل وعلا في هذه الآيات وفي هذا المثل المضروب، قالوا لقومهم لما كذبوهم ولما أمعنوا في التكذيب، قالوا:{وما علينا إلا البلاغ المبين}، فهذا الذي كلفنا به، وأمرنا الله تعالى به، والوظيفة التي جئنا من أجلها هي البلاغ. والبلاغ هو إيصال العلم والرسالة إلى المرسل إليه. وظيفتهم التبليغ. والتبليغ إما أن يكون مبينا، واضحا، ظاهرا، وإما أن يكون خفيا ملتبسا، لكن البيان الذي جاءت به الرسل كان في غاية الوضوح والبيان. ولهذا قال جل وعلا في وصف مهمة الرسل :{وما على الرسول إلا البلاغ المبين}+++ سورة النحل:35.---، أي البين الظاهر الواضح الذي لا يلتبس ولا يخفى ولا يكون فيه شيء من الخفاء الذي لا يتبين به الطريق، بل هو في غاية الوضوح والجلاء لمن أراد الهداية، لمن أراد الوصول إلى رحمة الله جل وعلا، وإلى تحقيق والعبودية في الدنيا والفوز بالآخرة. وهذا الإخبار عن مهمة الرسل تكرر في كلام الله عز وجل فيما قصه في محكم كتابه، ففي بيان حكاية الرسل لقومهم، يقول الله تعالى:{وما على الرسول إلا البلاغ المبين}، وقال جل وعلا:{فهل على الرسل إلا البلاغ المبين}+++ سورة النحل:35.---. فهذه وظيفة الرسل تبليغ الرسالات، وهداية الخلق إلى الطريق المستقيم، لكن حملهم على العمل، وحملهم على الاستجابة، فليست إليهم إنما هي على الله جل وعلا، فإن أجابوا كان فضل الله، وإن أبوا فإنما ينالون ما قدموا من أعمال، {كل نفس بما كسبت رهينة}+++ سورة المدثر:38.---، {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}+++ سورة الصف:5.---. لم تنقطع المحاجة بين الرسل وأقوامهم، بل لما أكد الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أنهم مرسلون إلى هذه القرية وأنهم جاءوا بالبلاغ المبين، قابلهم قومهم بكلام قبيح، وتهديد ووعيد، {قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم}. هذه الآية الكريمة بينت ما في قلوب هؤلاء المشركين من أمراض وآفات من جهة فساد الاعتقاد، ومن جهة فساد النوايا والمقاصد، والهموم والإيرادات. أما فساد الاعتقاد حيث اعتقدوا أن مجيء الرسل شؤم عليهم، فقالوا:{إنا تطيرنا بكم}، أي تشائمنا، فالتطير هو التشاؤم. فالتشاؤم يكون بالمسموع، ويكون بالمرئي، ويكون بالمعلوم. وهنا تشاءموا بسماع هذه الدعوة، وبرؤية هؤلاء الرسل، وبالعلم بحالهم وما جاءوا به. فقال هؤلاء المكذبون لرسلهم {إنا تطيرنا بكم}، ما مناسبة هذه المقولة مع ما قبلها؟. قال بعض المفسرين: لما أكد الرسل أنهم مرسلون، وأنه عليهم البلاغ المبين، قال هؤلاء :إنا تطيرنا بكم، لأنكم تكذبون، أي تشائمنا بكم لكذبكم على الله بأنكم رسل منه، أن ينزل بنا عقوبة، أو أن تنزل بنا نازلة، أو فاقرة، أو بلية. والذي يظهر والله أعلم أن هذا التشاؤم لازم للمشركين في أعمالهم، حيث يضيفون إلى أنفسهم كل فضيلة، ويضيفون إلى رسل الله عز وجل كل سيئة ورذيلة، كما قال الله جل وعلا في المشركين الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك}+++ سورة النساء:78.---، فأضافوا السيئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أيضا فيما قصه عن موسى وقومه وما كان من فرعون، قال جل وعلا{وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه}+++ سورة الأعراف:137.---. فالتطير والتشاؤم بالرسل من أقوامهم ليس فقط في حال رد دعوتهم، وتكذيب رسالتهم، وخوف وقوع العقوبة عليهم بسبب زعم الرسل وأنهم يكذبون على الله. إنما هو لازم لهؤلاء حيث إنهم يعتمدون مثل هذه المعاني من التطير والتشاؤم، وما إلى ذلك من أمور الجاهلية يعتمدونها، ويجعلونها عمدة في مسلكهم وفي ردهم على رسلهم. يقول الله جل وعلا في خبر هؤلاء بعد أن أغلظوا للرسل في المقال، فأضافوا إليهم السيئة والسوء والشر، {قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم}. فإن لم تنتهوا أي إن لم تتوقفوا عن هذا الكذب الذي تقولونه من أنكم رسل، ولم تنزجروا عن هذه الدعوة التي تزعمون فيها أنكم من الله مرسلون فإن العقوبة ستحل بكم،{لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم}. فهددوهم بالرجم، وأن يصيبهم منهم عذاب أليم. أما الرجم فهدد فيه هؤلاء أنبيائهم بقولهم {لنرجمنكم}، فقد تنوعت عبارات أهل العلم في المقصود به. فمنهم من قال: إن الرجم هو القتل، فقولهم {لنرجمنكم}، أي لنقتلنكم. ومنهم من قال: إن الرجم هو الرمي بالحجارة تعذيبا وإلاما. ومنهم من قال: إن الرجم هنا هو الشتم والسب+++ انظر هذه الأقوال في" النكت والعيون"(5/12).---. وعلى كل حال، سواء قيل بهذا أو ذاك، هو عقوبة للرسل لصدهم عن سبيل الله، ومنعهم من تبليغ رسالات الله عز وجل. وقد جرى هذا من الأمم مع أنبيائهم. فهؤلاء قوم نوح مهددين، فقالوا:{ لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين}+++ سورة الشعراء:116.---. وفي قول أبي إبراهيم لإبراهيم عليه السلام:{لئن لم تنته لأرجمنك}+++ سورة مريم:46.---. فالتهديد بالرجم الذي الأصل فيه الرمي بالحجارة، كلام معهود في تهديد هؤلاء المعاندين للرسل الكرام، صلوات الله وسلامه عليهم. ثم إن الله عز وجل ذكر أن هؤلاء لم يقتصروا على التهديد بالرجم بل أضافوا إلى ذلك عقوبة ثانية، وهي قولهم {وليمسنكم منا عذاب أليم}، أي لينزلن بكم، ويحل بكم عذاب مؤلم.  ولم يبينوا هذا العذاب، إنما وصفوه بأنه مؤلم، وهو الشديد الذي يتأذى به الإنسان مما ينافي طبيعته، ويخالف مقتضى جبلته. هكذا هددوا الرسل بهاتين العقوبتين بعدما أغلظوا لهم القول، وأساءوا لهم في الوصف، حيث قالوا:{تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم}. وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "أمثال قرآنية"، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:2844
بسم الله الرحمن الرحيم.
((الحلقة الثامنة والأربعون))
الحمد لله  رب العالمين، أنزل على عبده القرآن ولم يجعل هل عوجاً.
أحمده جل في علاه، لا أحصي ثناءً عليه كما أثنى على نفسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، رب العالمين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية".
ونحن في هذه الحلقة لازلنا في المثل الذي ضربه الله تعالى في سورة "يس" في قصة أصحاب القرية التي افتتحها الله تعالى بأمر رسوله فقال:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ}.
 جاء هؤلاء الرسل الكرام إلى قومهم، فكذبوهم، فأيد الله تعالى هؤلاء الرسل برسول ثالث، فكانوا ثلاثة رسل إلى قومهم.
فلما جاءوهم كذبوهم، وأوغلوا في التكذيب فقالوا في الاحتجاج في تكذيبهم، {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ}.
فرد عليهم رسل الله رداً جميلاً مفحماً، كما قال الله تعالى{قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}.
ولما أكدوا أولئك التكذيب، أكَّد الرسل رسالتهم بمؤكدات فقالوا {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}، وهذا تأكيد معنوي ولفظي.
فالمعنوي: هو اطلاع الله تعالى، وعلمه، وشهوده جل وعلا لهؤلاء الذين يخبرون عنه بما يخبرون، ولا يمكن أن يكون هؤلاء كاذبين، وهم يخبرون عن الله عز وجل بما يخبرون ثم هو يمليهم ويمدهم ويمهلهم.
فأكدوا بمؤكد عظيم وهو علم الله تعالى واطلاعه.
ثم أكدوا بمؤكدات لفظية يعرفها البلاغيون من "إنَّ" المشددة، تفيد التوكيد، و"اللام" في قوله {لَمُرْسَلُونَ}.
بعد ذلك أعلن الرسل أنهم لا يتضررون بتكذيب هؤلاء، وأن مهمتهم  ووظيفتهم التبليغ، فإذا استجاب لهم الناس سعدوا، ونجوا جميعاً، وإذا لم يستجيبوا وكذَّبوا فإنه ليس عليهم هداية الناس، فالهداية إلى الله جل وعلا، كما قال جل وعلا {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} سورة البقرة:272..
فالهداية هي شأن الله عز وجل، الرسل يدلون على الطرق الموصلة إلى الله عز وجل يبينون السبيل الذي يصل به الناس إلى سعادة الدنيا وفوز الآخرة، لكنهم لا يملكون قدرة على حمل الناس على سلوك هذا الطريق.
هذه الهداية وهي هداية التوفيق والإلهام هي إلى الله جل وعلا، ليست إلى غيره.
ولذلك قالت رسل الله جل وعلا في هذه الآيات وفي هذا المثل المضروب، قالوا لقومهم لما كذبوهم ولما أمعنوا في التكذيب، قالوا:{وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، فهذا الذي كلفنا به، وأمرنا الله تعالى به، والوظيفة التي جئنا من أجلها هي البلاغ.
والبلاغ هو إيصال العلم والرسالة إلى المرسل إليه.
وظيفتهم التبليغ.
والتبليغ إما أن يكون مبيناً، واضحاً، ظاهراً، وإما أن يكون خفياً ملتبساً، لكن البيان الذي جاءت به الرسل كان في غاية الوضوح والبيان.
ولهذا قال جل وعلا في وصف مهمة الرسل :{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} سورة النحل:35.، أي البيِّن الظاهر الواضح الذي لا يلتبس ولا يخفى ولا يكون فيه شيء من الخفاء الذي لا يتبين به الطريق، بل هو في غاية الوضوح والجلاء لمن أراد الهداية، لمن أراد الوصول إلى رحمة الله جل وعلا، وإلى تحقيق والعبودية في الدنيا والفوز بالآخرة.
وهذا الإخبار عن مهمة الرسل تكرر في كلام الله عز وجل فيما قصه في محكم كتابه، ففي بيان حكاية الرسل لقومهم، يقول الله تعالى:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، وقال جل وعلا:{فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} سورة النحل:35..
فهذه وظيفة الرسل تبليغ الرسالات، وهداية الخلق إلى الطريق المستقيم، لكن حملهم على العمل، وحملهم على الاستجابة، فليست إليهم إنما هي على الله جل وعلا، فإن أجابوا كان فضل الله، وإن أبوا فإنما ينالون ما قدموا من أعمال، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} سورة المدثر:38.، {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} سورة الصف:5..
لم تنقطع المحاجة بين الرسل وأقوامهم، بل لما أكد الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أنهم مرسلون إلى هذه القرية وأنهم جاءوا بالبلاغ المبين، قابلهم قومهم بكلام قبيح، وتهديد ووعيد، {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
هذه الآية الكريمة بيَّنت ما في قلوب هؤلاء المشركين من أمراض وآفات من جهة فساد الاعتقاد، ومن جهة فساد النوايا والمقاصد، والهموم والإيرادات.
أما فساد الاعتقاد حيث اعتقدوا أن مجيء الرسل شؤم عليهم، فقالوا:{إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ}، أي تشائمنا، فالتطير هو التشاؤم.
فالتشاؤم يكون بالمسموع، ويكون بالمرئي، ويكون بالمعلوم.
وهنا تشاءموا بسماع هذه الدعوة، وبرؤية هؤلاء الرسل، وبالعلم بحالهم وما جاءوا به.
فقال هؤلاء المكذبون لرسلهم {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ}، ما مناسبة هذه المقولة مع ما قبلها؟.
قال بعض المفسرين: لما أكد الرسل أنهم مرسلون، وأنه عليهم البلاغ المبين، قال هؤلاء :إنا تطيرنا بكم، لأنكم تكذبون، أي تشائمنا بكم لكذبكم على الله بأنكم رسل منه، أن ينزل بنا عقوبة، أو أن تنزل بنا نازلة، أو فاقرة، أو بلية.
والذي يظهر والله أعلم أن هذا التشاؤم لازم للمشركين في أعمالهم، حيث يضيفون إلى أنفسهم كل فضيلة، ويضيفون إلى رسل الله عز وجل كل سيئة ورذيلة، كما قال الله جل وعلا في المشركين الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} سورة النساء:78.، فأضافوا السيئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال أيضاً فيما قصه عن موسى وقومه وما كان من فرعون، قال جل وعلا{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} سورة الأعراف:137..
فالتطير والتشاؤم بالرسل من أقوامهم ليس فقط في حال رد دعوتهم، وتكذيب رسالتهم، وخوف وقوع العقوبة عليهم بسبب زعم الرسل وأنهم يكذبون على الله.
إنما هو لازم لهؤلاء حيث إنهم يعتمدون مثل هذه المعاني من التطير والتشاؤم، وما إلى ذلك من أمور الجاهلية يعتمدونها، ويجعلونها عمدة في مسلكهم وفي ردهم على رسلهم.
يقول الله جل وعلا في خبر هؤلاء بعد أن أغلظوا للرسل في المقال، فأضافوا إليهم السيئة والسوء والشر، {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فإن لم تنتهوا أي إن لم تتوقفوا عن هذا الكذب الذي تقولونه من أنكم رسل، ولم تنـزجروا عن هذه الدعوة التي تزعمون فيها أنكم من الله مرسلون فإن العقوبة ستحل بكم،{لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فهددوهم بالرجم، وأن يصيبهم منهم عذاب أليم.
أما الرجم فهدد فيه هؤلاء أنبيائهم بقولهم {لَنَرْجُمَنَّكُمْ}، فقد تنوعت عبارات أهل العلم في المقصود به.
فمنهم من قال: إن الرجم هو القتل، فقولهم {لَنَرْجُمَنَّكُمْ}، أي لنقتلنكم.
ومنهم من قال: إن الرجم هو الرمي بالحجارة تعذيباً وإلاماً.
ومنهم من قال: إن الرجم هنا هو الشتم والسب انظر هذه الأقوال في" النكت والعيون"(5/12)..
وعلى كل حال، سواء قيل بهذا أو ذاك، هو عقوبة للرسل لصدهم عن سبيل الله، ومنعهم من تبليغ رسالات الله عز وجل.
وقد جرى هذا من الأمم مع أنبيائهم.
فهؤلاء قوم نوح مهددين، فقالوا:{ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} سورة الشعراء:116..
وفي قول أبي إبراهيم لإبراهيم عليه السلام:{لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ} سورة مريم:46..
فالتهديد بالرجم الذي الأصل فيه الرمي بالحجارة، كلام معهود في تهديد هؤلاء المعاندين للرسل الكرام، صلوات الله وسلامه عليهم.
ثم إن الله عز وجل ذكر أن هؤلاء لم يقتصروا على التهديد بالرجم بل أضافوا إلى ذلك عقوبة ثانية، وهي قولهم {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}، أي لينزلن بكم، ويحل بكم عذاب مؤلم.
 ولم يبينوا هذا العذاب، إنما وصفوه بأنه مؤلم، وهو الشديد الذي يتأذى به الإنسان مما ينافي طبيعته، ويخالف مقتضى جبلته.
هكذا هددوا الرسل بهاتين العقوبتين بعدما أغلظوا لهم القول، وأساءوا لهم في الوصف، حيث قالوا:{تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "أمثال قرآنية"، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19194 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12366 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9957 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8466 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف