×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / أمثال قرآنية / الحلقة (53) من برنامج أمثال قرآنية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (53) من برنامج أمثال قرآنية
00:00:01

 بسم الله الرحمن الرحيم. (( الحلقة الثالثة والخمسون )) الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده حق حمده، له الحمد كله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه. وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد. فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات، وحياكم الله في حلقة الجديدة من برنامجكم"أمثال قرآنية". في هذه الحلقة سنتناول ما ذكره الله جل وعلا في خبر ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لنذارة قومه، وتحذيرهم مما هموا به من إيقاع العذاب الأليم، والرجم للمرسلين، حيث قال لقومه ﴿اتبعوا المرسلين (20) اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون﴾، ثم قال﴿وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون﴾. هذا الكلام البين الفصيح الواضح الجلي، المتضمن لكمال النصح مع تمام البيان لصحة ما جاءت به الرسل، وبيان ما دعت إليه من عبادة الله وحده، وموجبات قبول هذه الرسالة، وأسباب ودواعي الاستجابة للرسل، قال في ذلك بإيجاز واختصار، ﴿وما لي لا أعبد الذي فطرني﴾، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له جل وعلا، لأنه الفاطر الخالق الموجد من العدم، وهو المستحق للعبادة. وهذا ما قاله إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه كما قال جل وعلا ﴿وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون﴾، أي متبرأ من كل ما تعبدونه، ﴿إلا الذي فطرني﴾، أي الذي خلقني، وابتدأ خلقي ، ﴿فإنه سيهدين﴾+++ سورة الزخرف:26.---. وقال إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو إمام الحنفاء، ﴿ إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين﴾+++ سورة الأنعام:79.---. فاستدل على صحة العبادة، وصحة دعوة الرسل بأنهم دعوهم إلى عبادة الفاطر الذي فطر السماوات والأرض، وفطر الناس، وخلق الخلق جل وعلا، ﴿ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض﴾+++ سورة الأنعام:1.---. ثم ذكر أمرا آخر يستدعي قبول دعوة الرسل، وهو أن المرجع إلى مرسل هؤلاء إلى الله الذي أرسلهم. وهذا فيه ترهيب وتخويف من عدم الاستجابة، وعدم القبول من الرسل، كما أن فيه تخويفا من أن يمس هؤلاء بسوء أو شر، لأنه راجعون إلى مرسلهم، فالجميع إلى الله صائر، فإلى الله تصير الأمور، وهو  جل وعلا الوارث الذي يرث الأرض ومن عليها. فالجميع إليه راجع  سبحانه وبحمده، ولذلك قال هذا الناصح لقومه ﴿وإليه ترجعون﴾، أي لماذا لا أعبد هذا الذي له المبدأ، وإليه المعاد. فمبدأنا منه، ومصيرنا إليه، وهذا يوجب علينا الانصياع لأمره، والقبول لرسالاته، والانقياد لما جاءت به رسله صلوات الله وسلامه عليهم. بعد هذا التقرير لأصل العبادة والجزاء عليها في هذه العبارة وهذه الجملة المختصرة ﴿ وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون﴾، عاد إلى إبطال دعوة هؤلاء وعبادتهم، وما كانوا عليه من عبادة غير الله عز وجل. هنا يتبين لنا أنه في مقام المناقشات ومقام إقامة الحجة على المخالفين نحتاج إلى مرحلتين: المرحلة الأولى: إقامة الدليل على صحة ما ندعو إليه، وإلى صحة ما نبين. والمقام الثاني: الإجابة عن شبه أو حجة من يستدل أو يحتج، أو يشبه بما يشبه به على الحق والهدى.  فلابد من إقامة الدليل على صحة الطريق، والرد على من خالف هذا الطريق بما يناسب من أدلة وإيضاحات وبيان. هذا ما سار عليه هذا الناصح، فقد أقام الحجة على قومه في وجوب قبوله رسالة الرسل، وذلك من خلال صدق الرسل، وعدم قبولهم لعوض عن الرسالة، واهتدائهم لما دعوا إليه، وأيضا أن ما جاءوا به حق واضح مبين.  ثم بعد ذلك قال في بيان بطلان ما عليه قومه من عبادة غير الله :﴿أأتخذ من دونه آلهة﴾، يعني أتريدون منا أن نوافقكم على هذا الذي أنتم عليه من عبادة غير الله عز وجل؟!، هذا استفهام يستنكر به على قومه ما كانوا عليه، وما دعوا إليه، وما دعا الرسل من أجله. ﴿أأتخذ من دونه﴾، أي من دون فاطري الذي ابتدأ خلقي، وهو إلهي الذي أفرده بالعبادة ﴿آلهة﴾، أي معبودات سواء كانت هذه المعبودات أصناما، أو كانت أحجارا، أو كانت أشجارا، من الجمادات أو كانت من الأحياء، من الملائكة، أو من الجن، أو من الرسل والنبيين، أو من الصالحين والشهداء والمتقين، أو كان ما كان من خلق الله عز وجل.  كل أولئك لا يستحقون شيئا من العبادة، وعبادتهم من أعظم الجور وأكبر الظلم، كما قال جل وعلا ﴿ إن الشرك لظلم عظيم﴾+++ سورة لقمان:13.---. فتسوية غير الله بالله عز وجل ظلم  مبين، وجور عظيم إذا تورط فيه الإنسان فقد أفسد عليه دنياه وأخراه. ﴿ أأتخذ من دونه﴾، أي سواه، وغيره، ﴿ آلهة﴾ للعبادة، وصرف ألوان القربات والمحبة القلبية، والتعظيم القلبي، والعبادات الظاهرة، هل يسوغ هذا؟!، هل يقبل هذا؟!.  كيف يكون هذا، والشأن أن الله عز وجل إذا أراد عبده بضر لم تغن عنه أسباب ولا وسائل، ولا شفعاء ولا وسطاء، ولذلك قال ﴿إن يردن الرحمن﴾، كيف يكون هذا والحال أنه إن أرادني الرحمن بضر ﴿لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون﴾، وهذا استدلال على بطلان عبادة هؤلاء أنهم لا يملكون لعابديهم ضرا ولا نفعا، لا يملكون خيرا ولا شرا، بل لا يستطيعون أن يوصلوا إلى عابديهم شيئا من النفع. قال الله تعالى ﴿ أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون﴾+++ سورة الأعراف:191.---، فهم محتاجون ومضطرون إلى من يخلقهم وإلى من يدبر شؤونهم. ثم قال:﴿ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون﴾، هم لا يستطيعون نصر من يعبدهم، والأمر أبعد من ذلك، فهم لا يستطيعون نصر أنفسهم، لا يستطيعون أن يحققوا تقدما أو فوزا أو كسبا لأنفسهم، فكيف بغيرهم، ﴿وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون (193) إن الذين تدعون من دون الله﴾، مهما كانوا، وبأي صورة كانوا، وعلى أي حال كانوا ﴿عباد أمثالكم﴾، هم عباد لله يرجون منه القربى، ويسألونه جل وعلا حوائجهم، فلا تقضى حوائجهم إلا من جهته جل وعلا ﴿فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين﴾، هكذا يبين الله تعالى أن هؤلاء لا ينفعون من يتوجه إليهم بالقصد، ولا بالطلب، كما قال تعالى ﴿ والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون (197) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون﴾+++ سورة الأعراف.---. وكما قال جل وعلا﴿ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير﴾+++ سورة فاطر:13.---، هو أقل ما يملك، وملكه لا يغني، ولكن مع هذا قال جل وعلا ﴿إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم﴾+++ سورة فاطر:14.---، ولذلك قال جل وعلا ﴿ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون﴾+++ سورة الأعراف:5.---. فالأدلة متوافرة في الكتاب والسنة على أن كل من عبد من دون الله لا ينفع معبوده بشيء لا في الدنيا ولا في الآخرة، ﴿قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا﴾+++ سورة الرعد:16. ---. وقد بين الله تعالى نهاية عجز هذه المعبودات من دونه، وأنها ضعيفة حيث قال:﴿واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا﴾+++ سورة الفرقان:3. ---، فكيف يكون من هذه حاله صالحا لأن يكون إله معبودا مع الله جل وعلا. ﴿أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم﴾، أي لا تنفعني ولا تكفيني، ولا تغنيني شفاعتهم فتدفع عني ما أراد بي الله تعالى من ضر أو من مكروه أو من سوء. ﴿ولا ينقذون﴾، أي ولا ينفعونني في رفع ذلك بعد نزوله. فالإنقاذ إنما يكون للشيء بعد نزوله في الغالب، وقد يكون بعد حلول واستحكام أسباب نزوله. فهم لا ينفعون في كشف الضر، ولا في رفعه، ولا في الوقاية منه ودفعه. وهذا كله يدل على أن عبادة هؤلاء ليست محل قبول، ولا لها مسوغ، ولا لها من النظر دليل، ولا من المعقول حجة، لذلك قال:﴿أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون﴾. وتأمل حيث قال :﴿ إن يردن الرحمن بضر﴾، فذكر هذا الاسم بعد هذا المقام بعد ذكر الفاطر لأن الله جل وعلا الغالب فيما يفعله بعباده الرحمة جل وعلا، سبقت رحمته غضبه جل في علاه، وما يكون من ضر فإنه مضمن لنفحات من الرحمات لا يقف عليها إلا أولوا البصائر. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يبصرنا وإياكم بما ينفعنا، وأن يجعلنا وإياكم من الفقهاء في كلامه. وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "أمثال قرآنية"، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:2633
 بسم الله الرحمن الرحيم.
(( الحلقة الثالثة والخمسون ))
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده حق حمده، له الحمد كله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات، وحياكم الله في حلقة الجديدة من برنامجكم"أمثال قرآنية".
في هذه الحلقة سنتناول ما ذكره الله جل وعلا في خبر ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لنذارة قومه، وتحذيرهم مما هموا به من إيقاع العذاب الأليم، والرجم للمرسلين، حيث قال لقومه ﴿اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، ثم قال﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
هذا الكلام البيِّن الفصيح الواضح الجلي، المتضمن لكمال النصح مع تمام البيان لصحة ما جاءت به الرسل، وبيان ما دعت إليه من عبادة الله وحده، وموجبات قبول هذه الرسالة، وأسباب ودواعي الاستجابة للرسل، قال في ذلك بإيجاز واختصار، ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له جل وعلا، لأنه الفاطر الخالق الموجد من العدم، وهو المستحق للعبادة.
وهذا ما قاله إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه كما قال جل وعلا ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾، أي متبرأ من كل ما تعبدونه، ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾، أي الذي خلقني، وابتدأ خلقي ، ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ سورة الزخرف:26..
وقال إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو إمام الحنفاء، ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ سورة الأنعام:79..
فاستدل على صحة العبادة، وصحة دعوة الرسل بأنهم دعوهم إلى عبادة الفاطر الذي فطر السماوات والأرض، وفطر الناس، وخلق الخلق جل وعلا، ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ سورة الأنعام:1..
ثم ذكر أمرا آخر يستدعي قبول دعوة الرسل، وهو أن المرجع إلى مُرسل هؤلاء إلى الله الذي أرسلهم.
وهذا فيه ترهيب وتخويف من عدم الاستجابة، وعدم القبول من الرسل، كما أن فيه تخويفاً من أن يمس هؤلاء بسوء أو شر، لأنه راجعون إلى مرسلهم، فالجميع إلى الله صائر، فإلى الله تصير الأمور، وهو  جل وعلا الوارث الذي يرث الأرض ومن عليها.
فالجميع إليه راجع  سبحانه وبحمده، ولذلك قال هذا الناصح لقومه ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، أي لماذا لا أعبد هذا الذي له المبدأ، وإليه المعاد.
فمبدأنا منه، ومصيرنا إليه، وهذا يوجب علينا الانصياع لأمره، والقبول لرسالاته، والانقياد لما جاءت به رسله صلوات الله وسلامه عليهم.
بعد هذا التقرير لأصل العبادة والجزاء عليها في هذه العبارة وهذه الجملة المختصرة ﴿ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، عاد إلى إبطال دعوة هؤلاء وعبادتهم، وما كانوا عليه من عبادة غير الله عز وجل.
هنا يتبين لنا أنه في مقام المناقشات ومقام إقامة الحجة على المخالفين نحتاج إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: إقامة الدليل على صحة ما ندعو إليه، وإلى صحة ما نبين.
والمقام الثاني: الإجابة عن شبه أو حجة من يستدل أو يحتج، أو يشبه بما يشبه به على الحق والهدى.
 فلابد من إقامة الدليل على صحة الطريق، والرد على من خالف هذا الطريق بما يناسب من أدلة وإيضاحات وبيان.
هذا ما سار عليه هذا الناصح، فقد أقام الحجة على قومه في وجوب قبوله رسالة الرسل، وذلك من خلال صدق الرسل، وعدم قبولهم لعوض عن الرسالة، واهتدائهم لما دعوا إليه، وأيضاً أن ما جاءوا به حق واضح مبين.
 ثم بعد ذلك قال في بيان بطلان ما عليه قومه من عبادة غير الله :﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾، يعني أتريدون منا أن نوافقكم على هذا الذي أنتم عليه من عبادة غير الله عز وجل؟!، هذا استفهام يستنكر به على قومه ما كانوا عليه، وما دعوا إليه، وما دعا الرسل من أجله.
﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِه﴾، أي من دون فاطري الذي ابتدأ خلقي، وهو إلهي الذي أفرده بالعبادة ﴿آلِهَةً﴾، أي معبودات سواء كانت هذه المعبودات أصناماً، أو كانت أحجاراً، أو كانت أشجاراً، من الجمادات أو كانت من الأحياء، من الملائكة، أو من الجن، أو من الرسل والنبيين، أو من الصالحين والشهداء والمتقين، أو كان ما كان من خلق الله عز وجل.
 كل أولئك لا يستحقون شيئاً من العبادة، وعبادتهم من أعظم الجور وأكبر الظلم، كما قال جل وعلا ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ سورة لقمان:13..
فتسوية غير الله بالله عز وجل ظلم  مبين، وجور عظيم إذا تورط فيه الإنسان فقد أفسد عليه دنياه وأخراه.
﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ﴾، أي سواه، وغيره، ﴿ آلِهَةً﴾ للعبادة، وصرف ألوان القربات والمحبة القلبية، والتعظيم القلبي، والعبادات الظاهرة، هل يسوغ هذا؟!، هل يقبل هذا؟!.
 كيف يكون هذا، والشأن أن الله عز وجل إذا أراد عبده بضر لم تغن عنه أسباب ولا وسائل، ولا شفعاء ولا وسطاء، ولذلك قال ﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ﴾، كيف يكون هذا والحال أنه إن أرادني الرحمن بضر ﴿لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ﴾، وهذا استدلال على بطلان عبادة هؤلاء أنهم لا يملكون لعابديهم ضراً ولا نفعاً، لا يملكون خيراً ولا شراً، بل لا يستطيعون أن يوصلوا إلى عابديهم شيئاً من النفع.
قال الله تعالى ﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ سورة الأعراف:191.، فهم محتاجون ومضطرون إلى من يخلقهم وإلى من يدبر شؤونهم.
ثم قال:﴿وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾، هم لا يستطيعون نصر من يعبدهم، والأمر أبعد من ذلك، فهم لا يستطيعون نصر أنفسهم، لا يستطيعون أن يحققوا تقدما أو فوزاً أو كسباً لأنفسهم، فكيف بغيرهم، ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، مهما كانوا، وبأي صورة كانوا، وعلى أي حال كانوا ﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾، هم عباد لله يرجون منه القربى، ويسألونه جل وعلا حوائجهم، فلا تقضى حوائجهم إلا من جهته جل وعلا ﴿فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، هكذا يبين الله تعالى أن هؤلاء لا ينفعون من يتوجه إليهم بالقصد، ولا بالطلب، كما قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ سورة الأعراف..
وكما قال جل وعلا﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ سورة فاطر:13.، هو أقل ما يملك، وملكه لا يغني، ولكن مع هذا قال جل وعلا ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ سورة فاطر:14.، ولذلك قال جل وعلا ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ سورة الأعراف:5..
فالأدلة متوافرة في الكتاب والسنة على أن كل من عبد من دون الله لا ينفع معبوده بشيء لا في الدنيا ولا في الآخرة، ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا﴾ سورة الرعد:16. .
وقد بيَّن الله تعالى نهاية عجز هذه المعبودات من دونه، وأنها ضعيفة حيث قال:﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾ سورة الفرقان:3. ، فكيف يكون من هذه حاله صالحا لأن يكون إله معبودا مع الله جل وعلا.
﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ﴾، أي لا تنفعني ولا تكفيني، ولا تغنيني شفاعتهم فتدفع عني ما أراد بي الله تعالى من ضر أو من مكروه أو من سوء.
﴿وَلَا يُنْقِذُونِ﴾، أي ولا ينفعونني في رفع ذلك بعد نزوله.
فالإنقاذ إنما يكون للشيء بعد نزوله في الغالب، وقد يكون بعد حلول واستحكام أسباب نزوله.
فهم لا ينفعون في كشف الضر، ولا في رفعه، ولا في الوقاية منه ودفعه.
وهذا كله يدل على أن عبادة هؤلاء ليست محل قبول، ولا لها مسوغ، ولا لها من النظر دليل، ولا من المعقول حجة، لذلك قال:﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ﴾.
وتأمل حيث قال :﴿ إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ﴾، فذكر هذا الاسم بعد هذا المقام بعد ذكر الفاطر لأن الله جل وعلا الغالب فيما يفعله بعباده الرحمة جل وعلا، سبقت رحمته غضبه جل في علاه، وما يكون من ضر فإنه مضمن لنفحات من الرحمات لا يقف عليها إلا أولوا البصائر.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يبصرنا وإياكم بما ينفعنا، وأن يجعلنا وإياكم من الفقهاء في كلامه.
وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "أمثال قرآنية"، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19142 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12318 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9786 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8398 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف