×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / أمثال قرآنية / الحلقة (69) من برنامج أمثال قرآنية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (69) من برنامج أمثال قرآنية
00:00:01

بسم الله الرحمن الرحيم (( الحلقة التاسعة والستون )) الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه،كما يحب ربنا ويرضى، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، أحمدوه فهو أحق من حمد، وأجل ما من ذكر، وما بكم من نعمة فمن الله. وأشهد أن لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا معبود حق سواه، فهو إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، سيد ولد آدم يوم القيامة، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره، بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد. فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم"أمثال قرآنية". ضرب الله تعالى مثل أصحاب القرية، وتكلمنا على معاني ذلك المثل، وعلى بعض فوائده، وهداياته، وما يستنبط منه، وفي هذه الحلقة – إن شاء الله تعالى – نتناول شيئا من ذلك، فهذا المثل هو أطول مثل ذكره الله تعالى في كتابه، وفيه من الفوائد والعبر ما ينبغي أن يقف عندها أهل العقول والبصر، لينتظموا في سلك العالمين، الذين أثنى عليهم رب العالمين فقال:﴿وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون﴾+++ سورة العنكبوت:43.---. الله تعالى بعث الرسل إليه داعين، وبه معرفين، بعثهم بأحسن قول، وأجمل بيان، وأكمل هدي ورسالة، فكانوا صلوات الله وسلامه عليهم في أحسن الصور، وأحسن الأحوال دعوة لأقوامهم، صدقهم من صدقهم ممن من الله عليهم بالهداية وشرح صدره، وكذبهم آخرون، وكان من أساليب المكذبين في رد دعوة الرسل التهديد والوعيد. وهذا ما جرى عليه عمل المكذبين من الرسل، لكنهم يتفقون في أساليبهم في كثير من الأحيان، ومن اتفاقهم أنهم يتوعدون الرسل بالرجم والعذاب الأليم. وقد ذكر أصحاب القرية لرسلهم لما جاءوهم داعين، وإليه معرفين، جاءوا بالتهديد نفسه، فقالوا لأقوامهم:﴿لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم﴾. والرجم عقوبة هدد بها المشركون والمكذبون رسلهم، فهذا أبو الأنبياء نوح عليه السلام، يقول له قومه﴿لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين﴾+++ سورة الشعراء:116.---. وإبراهيم عليه السلام، خليل الرحمن، قال له أبوه مهددا﴿ لئن لم تنته لأرجمنك﴾+++ سورة مريم:46.---. فأعداء الرسل يكررون وعيدهم وتهديدهم، ويتفقون في أساليبهم، فمن المفيد أن تقرأ دعوات النبيين، وأن ينظر بماذا أجابوا أقوامهم فيما عارضوهم به، فإن المكذبين على مر العصور وتعاقب الدهور تتفق أساليبهم وإن تنوعت بعض صورها وأشكالها، لكنها تتواطئ على تكذيب الرسل والنيل منهم، وتتفق في كثير من طرائقها، وصورها. فلذلك قراءة ذلك مما يفيد في مواجهة المكذبين المعارضين للرسالات. من فوائد هذا المثل قوة الرسل في رد الباطل، فإن الله تعالى قال في جواب هؤلاء الرسل لقومهم لما تهددوهم وتطيروا بهم، قالوا:﴿طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون﴾. فرد الرسل بوضوح وجلاء أن القضية ليست قضية تشاؤم، الشؤم إنما هو في تكذيبكم للرسالات، وفي ردكم لما قامت الأدلة عليه، وفي إسرافكم، وتجاوزكم للحد الذي أوقعكم في هذا الانحراف، وفي هذا الضلال. ولذلك  شخص الرسل المشكلة بكلمات مختصرة واضحة جلية تضع النقاط على الحروف﴿بل أنتم قوم مسرفون﴾، هذا هو السبب الذي جعلكم تكذبون، الذي حملكم على رد هذه الهدايات، وتلك البراهين والآيات التي جاءت بها الرسل. من فوائد هذا المثل قصة ذلك الرجل الناصح لقومه، المشفق على قومه، ففي خبره، وموقفه مع قومه من العبرة والعظة ما يتبين به كمال نصحه، وعظيم شفقته على قومه، وكبير سعيه في استنقاذهم وهدايتهم. وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان مع الأقربين، ناصحا لهم، باذلا الخير لهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا. فهذا الرجل قد بلغ في نصحه أن سعى إلى قومه سعيا حثيثا لاستنقاذهم من الهلكة لما رآهم لرسلهم مكذبين، ولآيات الله تعالى رادين، وعن القيام بالحق معرضين. قال الله جل وعلا في وصف حاله:﴿وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى﴾. فبعد المكان لم يمنعه من المجيء، وكونه غير معروف، ولا مشهور في قومه لم يمنعه من المجيء، حيث قال الله تعالى ﴿رجل﴾، وهذا نكرة في سياق هذا الوصف لبيان أنه من سائر الناس، وليس فيه ما يميزه على قومه بسيادة أو شرف أو مكانة أو منزلة، فلا يمنع أن أحد نزول مقامه، ووضاعة حاله، أن يقوم بالحق. فهذا الرجل جاء من أقصى المدينة، وجاء على صفة تدل على غاية الحرص. جاء يسعى، والسعي هو بذل الوسع في إدراك ما يخشى فواته، فإنه لا يسعى إلى شيء يمكن أن يدرك بالتمهل والأناة. إنما جاء يسعى يحث الخطى، ويسابق الوقت ليدرك القوم قبل أن تحل بهم المثلات. وهذا يدل على كمال نصحه، فعلا وعملا. وأما كمال نصحه قولا وبيانا، فذاك شيء بين واضح فيما قصه الله تعالى، حيث اختصر إلى قومه المطلوب، أتاهم مباشرة بذكر حاجته، لم يأتي يستنصرهم، أو يسترزقهم أو يطلب منهم نفعا، بل جاء ومباشرة دخل في موضوع القضية التي من أجلها جاء على هذه الصفة فقال:﴿يا قوم اتبعوا المرسلين﴾، هذه هي قضيته، وهذا سبب مجيئه على هذه الصفة، أنه جاء يطلب من قومه أن يتبعوا المرسلين. وابتاع المرسلين يقتضي قبول رسالتهم، قبول أخبارهم، والانقياد لأحكامهم، والتسليم لما جاءوا به من رب العالمين. ومن كمال نصحه أن عطف على طلبه الواضح البين دليل صحة هذا الطلب، فأقام الحجة، وأتى بالبرهان المسوغ لهذا الطلب الذي طلبه من قومه، فقال:﴿اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون﴾. وهنا نستفيد فائدة، وهو عندما نطلب من الناس طلبا أو نأمرهم بأمر ينبغي أن نعطف على ذلك ما يقنعهم. يعني إذا أمرت بأمر أو نهيت عن نهي في أمر صلاح في دين أو في دنيا، فاحرص على أن تذكر علة ذلك، وأن تبرهن ذلك بالأدلة والحجة، لأن هذا يحمل ويدفع عن الامتثال، ولهذا في غالب ما يذكره الله تعالى في قصص المرسلين، يذكر مسوغات القبول وحجج صحة الرسالة، ولا يذكر فقط الرسالة بالأمر مجردا عن أدلة ذلك، بل أيد الله رسله بالحجج والبراهين المصدقة لما جاءوا به. وهنا هذا الرجل لم يقل لقومه اتبعوا المرسلين فقط، بل ذكر لهم من مسوغات وبراهين صحة هذا الطلب فقال:﴿اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون﴾. وهذا مسوغ يتعلق بصفة المرسل، ولذلك إذا جاءت رسالة فإنه ينظر في صدقها إلى مضمونها، وإلى المرسل بها، فالمرسل إذا كان صادقا لا يعرف عنه كذب، ولا مطمع له، كان ذلك من دواعي قبول رسالته. لهذا قال هنا:﴿اتبعوا من لا يسألكم أجرا﴾، هم لا يسعون إلى كسب دنيوي، ولا إلى أمر ومصلحة تعود إليهم، ثم من حيث مسلكهم هم على أكمل المسالك هدى وصلاحا. ومن هنا نستفيد أنه ينبغي لمن دعا الناس إلى الحق، إلى الخير، إلى الصلاح، بأن يخلص النية والقصد أنه لا يريد من ذلك إلا وجه الله جل وعلا. فإن طلب الدنيا بالدين هو من مسوغات وأسباب ترك الناس لهذه الدعوة، ولهذا ذكر العلماء فيما يتعلق من مسألة أخذ المصالح المالية على الأعمال الدينية ما ذكروه من تفصيل وبيان لما يحل وما يحرم. والقاعدة أن كل ما وجب بيانه وتبليغه فإنه لا يجوز أن يؤخذ عليه أجر من أجور الدنيا، ولا يقصد بأجر من أجور الدنيا، فالدنيا ليست مقصودة في تبليغ الشريعة. بل نفى الله عن رسله أن يقصدوا من الناس أجرا، أو أن يطلبوا منهم عوضا في آيات كثيرة، وقد تقدم هذا. الأمر الثاني الذي ينبغي أن يلاحظ من يدعو الناس إلى الحق ، أن يعمل بما علم، وأن يستقيم في سيرته، وأن يصلح في عمله، فإن ذلك من دواعي القبول، لأن هذا الرجل لما قال لقومه﴿ اتبعوا المرسلين ﴾، ذكر من مسوغات قبول دعوتهم، من أسباب وجوب الاستجابة لهم، قال:﴿وهم مهتدون﴾، والهداية تتعلق بالقول، تتعلق بالعمل، تتعلق بالاعتقاد. فالتزام الإنسان بالاستقامة هو من دواعي القبول. ولذلك قال الله تعالى:﴿أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم﴾+++ سورة البقرة:44.---. من الضروري يا إخواني ويا أخواتي أن نحرص على أن نرتسم ما نأمر به من خير، وأن ننتهي عما ننهى الناس عنه، وأن نكون على سيرة حسنة حتى يقبل الناس منا، فإن من دواعي القبول استقامة الداعي، وإذا كان الإنسان يدعو إلى شيء ويخالفه كان هذا من أسباب رفض ما يدعو إليه، ومن أسباب الزهد في كلامه. ولذلك كان السلف الصالح رحمهم الله يحرصون على امتثال كل أمر يأمرون به الناس، فإذا أرادوا نصحا في صدقة، قدموا بين أيدي نصحهم صدقة، وإذا أرادوا نصحا في صلاح، قدموا بين يدي ذلك عملا، وكانوا يستعينون بالعمل على قبول دعوتهم. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا البصيرة في الدين، وأن يجعلنا من عباده المتقين، وحزبه المفلحين، وأوليائه الصالحين. وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "أمثال قرآنية"، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3037
بسم الله الرحمن الرحيم
(( الحلقة التاسعة والستون ))
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه،كما يحب ربنا ويرضى، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، أحمدوه فهو أحق من حمد، وأجل ما من ذكر، وما بكم من نعمة فمن الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا معبود حق سواه، فهو إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، سيد ولد آدم يوم القيامة، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره، بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم"أمثال قرآنية".
ضرب الله تعالى مثل أصحاب القرية، وتكلمنا على معاني ذلك المثل، وعلى بعض فوائده، وهداياته، وما يستنبط منه، وفي هذه الحلقة – إن شاء الله تعالى – نتناول شيئا من ذلك، فهذا المثل هو أطول مثل ذكره الله تعالى في كتابه، وفيه من الفوائد والعبر ما ينبغي أن يقف عندها أهل العقول والبصر، لينتظموا في سلك العالمين، الذين أثنى عليهم رب العالمين فقال:﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ سورة العنكبوت:43..
الله تعالى بعث الرسل إليه داعين، وبه معرفين، بعثهم بأحسن قول، وأجمل بيان، وأكمل هدي ورسالة، فكانوا صلوات الله وسلامه عليهم في أحسن الصور، وأحسن الأحوال دعوة لأقوامهم، صدقهم من صدقهم ممن منَّ الله عليهم بالهداية وشرح صدره، وكذبهم آخرون، وكان من أساليب المكذبين في رد دعوة الرسل التهديد والوعيد.
وهذا ما جرى عليه عمل المكذبين من الرسل، لكنهم يتفقون في أساليبهم في كثير من الأحيان، ومن اتفاقهم أنهم يتوعدون الرسل بالرجم والعذاب الأليم.
وقد ذكر أصحاب القرية لرسلهم لما جاءوهم داعين، وإليه معرفين، جاءوا بالتهديد نفسه، فقالوا لأقوامهم:﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
والرجم عقوبة هدد بها المشركون والمكذبون رسلهم، فهذا أبو الأنبياء نوح عليه السلام، يقول له قومه﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ سورة الشعراء:116..
وإبراهيم عليه السلام، خليل الرحمن، قال له أبوه مهدداً﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ سورة مريم:46..
فأعداء الرسل يكررون وعيدهم وتهديدهم، ويتفقون في أساليبهم، فمن المفيد أن تقرأ دعوات النبيين، وأن ينظر بماذا أجابوا أقوامهم فيما عارضوهم به، فإن المكذبين على مر العصور وتعاقب الدهور تتفق أساليبهم وإن تنوعت بعض صورها وأشكالها، لكنها تتواطئ على تكذيب الرسل والنيل منهم، وتتفق في كثير من طرائقها، وصورها.
فلذلك قراءة ذلك مما يفيد في مواجهة المكذبين المعارضين للرسالات.
من فوائد هذا المثل قوة الرسل في رد الباطل، فإن الله تعالى قال في جواب هؤلاء الرسل لقومهم لما تهددوهم وتطيروا بهم، قالوا:﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾.
فرد الرسل بوضوح وجلاء أن القضية ليست قضية تشاؤم، الشؤم إنما هو في تكذيبكم للرسالات، وفي ردكم لما قامت الأدلة عليه، وفي إسرافكم، وتجاوزكم للحد الذي أوقعكم في هذا الانحراف، وفي هذا الضلال.
ولذلك  شخَّص الرسل المشكلة بكلمات مختصرة واضحة جلية تضع النقاط على الحروف﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾، هذا هو السبب الذي جعلكم تكذبون، الذي حملكم على رد هذه الهدايات، وتلك البراهين والآيات التي جاءت بها الرسل.
من فوائد هذا المثل قصة ذلك الرجل الناصح لقومه، المشفق على قومه، ففي خبره، وموقفه مع قومه من العبرة والعظة ما يتبين به كمال نصحه، وعظيم شفقته على قومه، وكبير سعيه في استنقاذهم وهدايتهم.
وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان مع الأقربين، ناصحاً لهم، باذلاً الخير لهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
فهذا الرجل قد بلغ في نصحه أن سعى إلى قومه سعياً حثيثاً لاستنقاذهم من الهلكة لما رآهم لرسلهم مكذبين، ولآيات الله تعالى رادين، وعن القيام بالحق معرضين.
قال الله جل وعلا في وصف حاله:﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾.
فبعد المكان لم يمنعه من المجيء، وكونه غير معروف، ولا مشهور في قومه لم يمنعه من المجيء، حيث قال الله تعالى ﴿رَجُلٌ﴾، وهذا نكرة في سياق هذا الوصف لبيان أنه من سائر الناس، وليس فيه ما يميزه على قومه بسيادة أو شرف أو مكانة أو منزلة، فلا يمنع أن أحد نزول مقامه، ووضاعة حاله، أن يقوم بالحق.
فهذا الرجل جاء من أقصى المدينة، وجاء على صفة تدل على غاية الحرص.
جاء يسعى، والسعي هو بذل الوسع في إدراك ما يخشى فواته، فإنه لا يسعى إلى شيء يمكن أن يدرك بالتمهل والأناة.
إنما جاء يسعى يحث الخطى، ويسابق الوقت ليدرك القوم قبل أن تحل بهم المثلات.
وهذا يدل على كمال نصحه، فعلا وعملا.
وأما كمال نصحه قولا وبياناً، فذاك شيء بيِّن واضح فيما قصه الله تعالى، حيث اختصر إلى قومه المطلوب، أتاهم مباشرة بذكر حاجته، لم يأتي يستنصرهم، أو يسترزقهم أو يطلب منهم نفعاً، بل جاء ومباشرة دخل في موضوع القضية التي من أجلها جاء على هذه الصفة فقال:﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾، هذه هي قضيته، وهذا سبب مجيئه على هذه الصفة، أنه جاء يطلب من قومه أن يتبعوا المرسلين.
وابتاع المرسلين يقتضي قبول رسالتهم، قبول أخبارهم، والانقياد لأحكامهم، والتسليم لما جاءوا به من رب العالمين.
ومن كمال نصحه أن عطف على طلبه الواضح البيِّن دليل صحة هذا الطلب، فأقام الحجة، وأتى بالبرهان المسوغ لهذا الطلب الذي طلبه من قومه، فقال:﴿اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.
وهنا نستفيد فائدة، وهو عندما نطلب من الناس طلباً أو نأمرهم بأمر ينبغي أن نعطف على ذلك ما يقنعهم.
يعني إذا أمرت بأمر أو نهيت عن نهي في أمر صلاح في دين أو في دنيا، فاحرص على أن تذكر علة ذلك، وأن تبرهن ذلك بالأدلة والحجة، لأن هذا يحمل ويدفع عن الامتثال، ولهذا في غالب ما يذكره الله تعالى في قصص المرسلين، يذكر مسوغات القبول وحجج صحة الرسالة، ولا يذكر فقط الرسالة بالأمر مجرداً عن أدلة ذلك، بل أيد الله رسله بالحجج والبراهين المصدقة لما جاءوا به.
وهنا هذا الرجل لم يقل لقومه اتبعوا المرسلين فقط، بل ذكر لهم من مسوغات وبراهين صحة هذا الطلب فقال:﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.
وهذا مسوغ يتعلق بصفة المرسل، ولذلك إذا جاءت رسالة فإنه ينظر في صدقها إلى مضمونها، وإلى المرسَل بها، فالمرسَل إذا كان صادقاً لا يعرف عنه كذب، ولا مطمع له، كان ذلك من دواعي قبول رسالته.
لهذا قال هنا:﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا﴾، هم لا يسعون إلى كسب دنيوي، ولا إلى أمر ومصلحة تعود إليهم، ثم من حيث مسلكهم هم على أكمل المسالك هدى وصلاحاً.
ومن هنا نستفيد أنه ينبغي لمن دعا الناس إلى الحق، إلى الخير، إلى الصلاح، بأن يخلص النية والقصد أنه لا يريد من ذلك إلا وجه الله جل وعلا.
فإن طلب الدنيا بالدين هو من مسوغات وأسباب ترك الناس لهذه الدعوة، ولهذا ذكر العلماء فيما يتعلق من مسألة أخذ المصالح المالية على الأعمال الدينية ما ذكروه من تفصيل وبيان لما يحل وما يحرم.
والقاعدة أن كل ما وجب بيانه وتبليغه فإنه لا يجوز أن يؤخذ عليه أجر من أجور الدنيا، ولا يقصد بأجر من أجور الدنيا، فالدنيا ليست مقصودة في تبليغ الشريعة.
بل نفى الله عن رسله أن يقصدوا من الناس أجراً، أو أن يطلبوا منهم عوضاً في آيات كثيرة، وقد تقدم هذا.
الأمر الثاني الذي ينبغي أن يلاحظ من يدعو الناس إلى الحق ، أن يعمل بما علم، وأن يستقيم في سيرته، وأن يصلح في عمله، فإن ذلك من دواعي القبول، لأن هذا الرجل لما قال لقومه﴿ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾، ذكر من مسوغات قبول دعوتهم، من أسباب وجوب الاستجابة لهم، قال:﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، والهداية تتعلق بالقول، تتعلق بالعمل، تتعلق بالاعتقاد.
فالتزام الإنسان بالاستقامة هو من دواعي القبول.
ولذلك قال الله تعالى:﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ سورة البقرة:44..
من الضروري يا إخواني ويا أخواتي أن نحرص على أن نرتسم ما نأمر به من خير، وأن ننتهي عما ننهى الناس عنه، وأن نكون على سيرة حسنة حتى يقبل الناس منا، فإن من دواعي القبول استقامة الداعي، وإذا كان الإنسان يدعو إلى شيء ويخالفه كان هذا من أسباب رفض ما يدعو إليه، ومن أسباب الزهد في كلامه.
ولذلك كان السلف الصالح رحمهم الله يحرصون على امتثال كل أمر يأمرون به الناس، فإذا أرادوا نصحاً في صدقة، قدموا بين أيدي نصحهم صدقة، وإذا أرادوا نصحاً في صلاح، قدموا بين يدي ذلك عملاً، وكانوا يستعينون بالعمل على قبول دعوتهم.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا البصيرة في الدين، وأن يجعلنا من عباده المتقين، وحزبه المفلحين، وأوليائه الصالحين.
وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "أمثال قرآنية"، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19194 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12366 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9957 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8466 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف