بسم الله الرحمن الرحيم
((الحلقة الخامسة والسبعون))
الحمد لله حمد الشاكرين، أحمده حمد عباده المقرين بفضله، المؤمنين بعظمته، المقرين له بالأسماء الحسنى والصفات العلى، أحمده لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله،صفيه وخليله، بعثه الله على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، وعماية من الطرق، فأخرج الله تعالى به الناس من الظلمات إلى النور، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد.
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم"أمثال قرآنية".
يقول الله جل وعلا في سورة الفتح :﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ سورة الفتح:29..
هذه الآية المباركة الكريمة تضمنت مثلين، هذان المثلان جاء فيهما وصف هذه الأمة في كتب من سبق من المرسلين، وقد ذكر الله كتابين عظيمين جليلين، هما أعظم ما أنزل الله تعالى من كتبه على رسله بعد القرآن، ولذلك يكثر ذكرهما، التوراة والإنجيل.
والإنجيل تابع للتوراة مكمل له، فالتوراة هو كتاب موسى، والإنجيل هو كتاب عيسى، صلوات الله وسلامه عليهما.
وموسى وعيسى كلاهما من رسل بني إسرائيل، وهما من أولي العزم من الرسل.
وذكر الله عز وجل مثل هذه الأمة في كتاب موسى، التوراة، وهو أعظم كتاب أنزله الله تعالى بعد القرآن.
ثم ذكر مثل هذه الأمة في كتاب الإنجيل، وهو آخر الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .
فليس بين الإنجيل والقرآن كتاب أنزله الله على رسول، لأنه ليس بين عيسى ابن مريم عليه السلام وبين خاتم النبيين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسول.
يقول الله جل وعلا:﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾، وهذا الافتتاح للآية بهذه الجملة بيان لحال النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله، ولذلك هناك عدة أقوال لأهل العلم في هذه الجملة.
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾، هل هي مبتدأ وخبر، أي يخبر الله عز وجل في افتتاح هذه الآية بأن محمدا رسوله.. هكذا قال جماعة من أهل العلم.
فتكون هذه الجملة اسمية مكتملة في مبتدأها وخبرها، افتتح الله عز وجل بها الآية.
وقال آخرون: بل ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾، هذه ليست مبتدأ وخبر، إنما محمد خبر لمبتدأ محذوف تقديره " هو محمد رسول الله".
وذلك لوصل هذه الآية بما تقدمها من آيات ذكر الله عز وجل فيها تصديق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه أرسله بالهدى ودين الحق، ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾، فيكون محمد رسول الله بيان للضمير الذي في قوله جل وعلا:﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ﴾، فمن هو الرسول؟ هو محمد رسول الله.
فيكون رسول الله وصف أو عطف بيان يبين من هو الرسول الذي أرسله الله جل وعلا بالهدى ودين الحق؟، محمد رسول الله.
وهذا هو الوجه الثاني من أوجه معاني قول الله عز وجل ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾.
هناك وجه آخر وهو أن قوله﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾، هذه مبتدأ، ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾، هذا عطف على محمد، والخبر قوله جل وعلا:﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾.
فيكون هذا الوصف في قوله ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، وصف للنبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه، هذا وصفهم ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾.
فيكون الكلام لم يكتمل فلا يوقف على رسول الله، بمعنى لا يقال:﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾،ويقف، لأنه لم يكتمل الكلام بعد، بل كمال الكلام في بقيته، ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ﴾، وهذا وجه ثالث من الأوجه التي ذكرها العلماء رحمهم الله في معنى هذه الآية.
وعلى كلٍ كل هذه الأوجه من التفسير والبيان لا تعارض بينها، ولا اختلاف، وإنما هي أوجه يصح حمل الكلام عليها.
والقاعدة أن الكلام إذا احتمل معنى صحيحاً يصح حمل الكلام عليه وفهمه بوجهه الذي احتمله ذلك المعنى.
فاللفظ إذا احتمل معنى حمل عليها جميعها دون أن يخص وجه من هذه الأوجه دون غيره.
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾، محمد هو محمد بن عبد الله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، وقد وصفه الله تعالى في هذه الآية الكريمة بوصف مميز ،فهو رسول الله الذي ختم الله به الرسالات كما قال جل وعلا:﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ سورة الأحزاب:40..
ولهذا أكمل أوصافه صلى الله عليه وسلم الذي يبلغ به أعلى مقاماته صلى الله عليه وسلم ، أنه رسول الله، وهذا مقترن بتحقيق العبودية لله.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله».
ولم يصل إلى مرتبة الرسالة إلا أن الله اصطفاه بأن جعله أكمل الناس عبودية.
والرسول صلى الله عليه وسلم يشترك مع غيره في وصف الرسالة، لكن ما له من هذا الوصف، والذي خصه الله تعالى به من هذا الصف لا يقارن بغيره، فله من هذا الوصف أعلاه وأكمله، فهو أكمل الرسل صلى الله عليه وسلم .
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾، أي الذي أرسله، فهو الواسطة بينه جل في علاه، وبين خلقه.
وبما تميزت به رسالته صلى الله عليه وسلم أنه بعث للناس كافة، فلم يبعث إلى قوم معينين، أو إلى قومه العرب، أو قريش، بل كانت بعثته ورسالته للجميع، لكافة الناس، بل لكافة الجن والإنس، فكلهم مخاطبون برسالته،﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ سورة الأنبياء:107..
والعالمين جمع عالم وهو كل ما سوى الله جل في علاه.
والمقصود بالعالمين هنا العوالم المكلفة وهي ثلاثة فيما نعلم: الملائكة، وهؤلاء خلق خلقهم الله للعبادة، فهم يحققون العبادة لله عز وجل يسبحونه ليلا ونهاراً، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
بقي صنفان من العوالم المكلفة، الإنس والجن، وهم ممن بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فهم داخلون في قول الله عز وجل ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
يقول الله تعالى:﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ سورة الأعراف:158..
ويقول الله تعالى:﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ سورة الكهف:1..
ويقول الله عز وجل :﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ سورة الفرقان:1. .
فرسالته عامة صلى الله عليه وسلم ، لا يخرج عنها أحد من الناس، وهذا مما تميزت به رسالته، كما أنها تميزت بأمر آخر، أنه لا رسول بعده، فهو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، وتميزت بأمور أخرى لكن هذا أبرز ما يميزها، أنها رسالة عامة، وأنها خاتمة، فصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة – إن شاء الله تعالى- من برنامجكم "أمثال قرآنية"، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.