إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وقد أمركم الله في أصدق قول بالصدق والهدى والخير، قال الله جل في علاه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[التوبة:119]؛ فإن الصدق حقيقة الإيمان، الصدق سعادة الدنيا وفوز الآخرة، وضده الخبث والكذب الذي هو منبع كل شر وعنه يصدر كل فساد في الدنيا.
إن خصال الخير تصدق في سلوك المتقين الصادقين، وسلوك الشر يظهر في سلوك الكاذبين الأفّاكين، فبقدر ما معك من الصدق تصلح حالك، وبقدر ما معك من الكذب يسوء مآلك ويتعسر سيرك في حياتك الدنيا.
أيها المؤمنون عباد الله, سُئل النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: «أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: «أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا»؟ فَقَالَ: «لَا» أخرجه مالك في الموطأ ح(19)مرسلا عَنْ صَفْوَان بْنِ سُلَيْمٍ؛ ذاك أن الكذب ينافي الإيمان، فعمدة الكفر وأصله وصلب النفاق وروحه هو الكذب، فلا يكون الكذب إلا عند أهل الكفر، ولا يكون الكذب إلا عند أهل النفاق، وهذا هو أصل الكذب وأساسه، ولا يعني أن الكاذب كافر، أو أن من تَورط في كذبةٍ يكون منافقًا بل الكفر والنفاق شعبًا كما أن الإيمان خصال وشعب، فكلما زادت دائرة الكذب في حال الإنسان انضم إلى خصال أهل الكفر والنفاق والعصيان، وكلما ضاقت هذه الدائرة سلِم من خصال أهل الكفر والنفاق.
عباد الله, إن الكذب يهدي إلى الفجور، وليس في كلام الدنيا بيان لسوء الكذب، وشؤم عاقبته على الإنسان في الدنيا والآخرة كهذا الكلام الموجز النبوي المختصر: «إِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ»البخاري(6094) ومسلم(2607) أي يدل ويسوق الإنسان إلى كل سيئة ظاهرة أو باطنة، فالفجور هو الخروج عن الاستقامة سواء أن كان ذلك في الظاهر أو كان ذلك في الباطن فالمنافقون زكت ظواهرهم، وفسدت بواطنهم، والكفار فسدت عقائدهم، وتفسد أخلاقهم.
أيها المؤمنون, إن الخروج عن الصراط المستقيم أصله الكذب، فمن تورط في الكذب خرج إلى أنواع من الضلالات، «إِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ»البخاري(6094) ومسلم(2607) ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين العاقبة لهذا الفجور والمآل لهذا المسلك الخطير فقال: «وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّار» هذه عقوبة الكذابين المفترين بشتى صور الكذب وأنواعه، إنه خروج إلى الفجور الذي يؤول بأصحابه إلى النار، «ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» البخاري(6094) ومسلم(2607)يتحرى الكذب أي يتطلّبه ويطلب مظانه، ويركض وراءه حتى يكتب عند الله كذابًا.
أيها المؤمنون, إن الكذب له عقوبة بقدر حجمه؛ فكلما عَظم الكذب عظمت عقوبته، وكلما كبر وكان في حق كبير كان الكذب عظيم الإثم، فالكذب على الله ليس كالكذب على غيره، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على غيره، والكذب في الدين ليس كالكذب في الدنيا، فالكذب مراتب ودركات فليتق الله المؤمن في كل هذا وليتجنب الكذب.
روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص على أصحابه رؤيا طويلة رآها، ورؤيا الأنبياء حق، وكان من جملة ما رأى صلى الله عليه وسلم ما أخبر به ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: «فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى» هكذا أخبر صلى الله عليه وسلم فيما رأى، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المنظر البشع، وعن هذه العقوبة العظيمة فقيل له -وانتبه- قيل له في بيان سبب هذه العقوبة: «فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ»البخاري(7047).
هذه عقوبة الكذب عندما يشيع وينتشر؛ كلما شاع الكذب وانتشر كانت عقوبته على نحو انتشاره، هذا بالانتشار, وكذلك في مضمون الكذب: فإن كان في الدين، إن كان على الله، إن كان على الرسول، إن كان على أولياء الله، إن كان لأخذ الحقوق، إن كان لإظهار الفساد في الأرض، كلما عظم موضوع الكذب كبر خطره وعظمت عقوبته.
إن الكذب وظهوره من أسباب القلق في المجتمعات، ومن أسباب الضيق في النفوس فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ» أخرجه الترمذي(2518), وقال: صَحِيحٌ ، والريبة هي التردد والاتهام، والاضطراب، وسائر ما يكون من قلق النفوس وعدم سكونها، ولهذا كان الكذب من علامات الساعة فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»البخاري(2651), ومسلم(2535) ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ثمَّ يفشو الكذِبُ حتَّى يشهَدَ الرَّجُلُ ولَمْ يُستَشْهَدْ ويحلِفَ الرَّجُلُ ولَمْ يُستَحْلَفْ»الترمذي(2165), وقال: حسن صحيح.
وقد قال صلى الله عليه وسلم كما جاء فيما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ، يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخونُ الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ، قِيلَ : وما الرُّويْبِضةُ؟ قال: الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامةِ» أخرجه أحمد(8459) بإسناد حسن, وابن ماجة(4036) والتافه هنا ليس لنَسَبِه، ولا لوضعه الاجتماعي، ولا لماله، ولا لشيء من أمور الدنيا إنما التفاهة التي أرادها صلى الله عليه وسلم هنا هي أن يتكلم فيما لا يعنيه، أن يتكلم فيما لا يعلم، ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[الإسراء:36].
فكل من تكلم في شأن لا يُحسنه فهو تافه، كل من تكلم في أمر لا يعرفه وليس من أهله فهو تافه، الذي يتسور مِحراب الفتوى أو الأحكام الدينية أو سائر ما يتعلق بالشريعة فيتكلم وهو خال البال عنها، ليس من أهلها، ليس من أهل الذكر الذين أمرنا الله بالرجوع إليهم فإنه تافه ولو كان أعظم ما كان، ولو كتب في أعلى صحف، ولو تكلم في أعلى منابر، كذلك من تكلم في الطب وهو ليس من أهله فهو تافه، كذا في سائر شؤون الدنيا، والله تعالى قد قال: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[النحل:43].
والشاهد في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ، يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ» أخرجه أحمد(8459) بإسناد حسن, وابن ماجة(4036) فكونوا مع الصادقين، واتقوا الله ظاهرًا وباطنًا، واعلموا أن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، جعلنا الله وإياكم منهم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
* * *
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد الشاكرين، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[التوبة:119]، اللهم اجعلنا مع الصادقين، واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين، ارزقنا الصدق في القول والعمل، في الظاهر والباطن إنك على كل شيء قدير.
أيها المؤمنون, الصدق في المقال، والصدق في الحال، والصدق في القلب، والصدق في العمل كل ذلك مطلوب، فليس الصدق فقط في أن يتكلم الإنسان بما يطابق الحقيقة والواقع، إنما الصدق أعظم من ذلك فمبدأه صدق القلوب والنوايا، صدق المقاصد والخفايا، فعند ذلك يكون الإنسان على حال طيبة، أيكون الكذب في القلوب؟
نعم، واستمع إلى الثلاثة الذين تُسعر بهم النار يوم القيامة، أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة كلهم اجتمعوا في وصف واحد أنهم كاذبون، أولهم: «عالم تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
والثاني: رجل متصدق ـ صاحب إنفاق ومال وإحسان يريد الشهرة لكن في ظاهر حاله الناس لا يحكمون في هذه الدنيا إلا على ما ظهر ـ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
ثم الثالث: رجل قاتل في سبيل الله ـ بذل روحه أعلى ما يملك لكنه لم يكن خالصًا لله ـ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ» مسلم (1905), والترمذي(2382) فالجامع لهؤلاء كذب في المقال أو كذب في الحال، إنه كذب الحال، كذب المقاصد، كذب النوايا، كذب الإرادات، أن تظهر للناس شيئًا وتريد بذلك غير الله عز وجل، وهذا مفتاح فساد الدنيا وشر الآخرة.
فإن الدنيا إنما تصلح بالإخلاص، والعبودية تتحقق لله عز وجل بتمام الإقبال عليه، وأن لا تريد إلا هو جل وعلا: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾[الإنسان:9]، اجعلها قاعدة في كل عمل صالح، ارجو الثواب من الله في معاملتك له ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾[الإنسان:9]، لا تأمل ولا تنتظر من الناس عطاء ولا شكرًا فالشكر الذي ينفع، والحمد الذي يبقى هو حمد رب الأرض والسموات.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ»، يعني إذا مدحت صار مدحي في الآفاق، « وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ» وإذا ذممت؛ شَان من أذمه ذَمِّي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» الترمذي(3267), وقال: حسنأي أن الذي مدحه يزين هو الله، والذي ذمه يشين هو الله، ما عدا هذا من ذم الناس ومدحهم يتلاشى ويذهب، ويضمحل ولا يبقى، لا يبقى إلا من مدحه الله. كم مجد فرعون ممجد ثم ماذا كانت العاقبة؟! كم مجد كفار قريش ممجدون ثم ماذا كانت العاقبة؟! كم ذم الرسل والمصلحين والصادقين الذّامون تلاشى كل ذلك ولم يبقى إلا مدح الله وثناؤه أو ذمه وشينه.
فكن في عملك خالصًا لله، وهذا أول الصدق ومفتاحه ثم احرص على الصدق في القول؛ فإن الصدق في القول خير عظيم، وبر كبير، ومن عود نفسه الصدق فاز بأنواع من البر في الدنيا والحمد فيها كما فاز بخير عظيم «فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ» والبر هو السعة أوله الطمأنينة في القلب كما قال صلى الله عليه وسلم: «فإنَّ الصدقَ طمَأْنِينَةُ» ثم بعد ذلك تنفتح لك أبواب الخير فإن فتح باب الخير إنما يكون بالصدق، قيل: قد جمع الله تعالى الشر في بيت وجعل مفتاحه الكذب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ»البخاري(6094) ومسلم(2607).
ثم إن الصدق أيضًا يكون في الفعل فلا تزد عما في باطنك، ولا تتزين للناس بما ليس فيك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المُتشبِّعَ بما لم يُعْطَ كلابسِ ثوبَيْ زورٍ»البخاري(5219), ومسلم(2129) مامعنى هذا الحديث؟
المتشبع بما لم يعطى يعني الذي يظهر نفسه عند الناس أنه غني، وصاحب أموال وتجارات وهو ليس كذلك هذا تشبع بشيء ليس عنده، يقول صلى الله عليه وسلم: «كلابسِ ثوبَيْ زورٍ»، الذي يظهر عند الناس أنه عالم، وأنه عارف، وهو ليس كذلك هذا كذلك متشبع بما لم يعطى فهو لابس ثوبي زور، وهكذا في كل الأمور إياك أن تظهر نفسك لتروج على الناس باطنًا أو شرًا بخلاف ما أنت عليه، فكن صادقًا في قلبك ونيتك، كن صادقًا في حالك ومظهرك، كن صادقًا في قولك عند ذلك ستكون من الصادقين الذين أمرنا الله بأن نكون منهم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[التوبة:119].
إن الصدق منظومة تأتي بمجموعة أخلاق فاضلة، وسجايا طيبة كذلك الكذب، ومما ينبغي أن يحذره الإنسان حتى لا يكون من الكاذبين أن يمسك لسانه عن أن يحدث بكل ما سمع، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بحَسْبِ المَرْءِ مِنَ الكَذِبِ أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ»مسلم(5) أي يكفيك نصيبك من الكذب أن يحدث بكل ما سمع، وهذا شائع تجد الواحد منا يسمع طرفا ثالثا، ويجيء المجلس وإذا تكابر المجلس قال: سمعتم كذا؟ وهو لا يعرف عن حقيقة ما قيل، ولا يدري أهو حق أم لا، إنما يحدث بكل ما سمع يكفيه أن يكون من الكاذبين أن يتحلى بهذه الصفة
احفظ الحديث: «بحَسْبِ المَرْءِ مِنَ الكَذِبِ أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ» مسلم(5) أمسك لسانك، كف عليك هذا، فهل يكب الناس على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم. اللهم احفظنا بحفظك، اكلأنا برعايتك، وأعذنا يا ذا الجلال والإكرام من سيء القول والعمل، اللهم اجعلنا من الصادقين ظاهرًا وباطنًا، اللهم احشرنا في زمرتهم، وحَلِّنا بأخلاقهم، واجعلنا ممن فاز بالصدق في أعلى مراتبه، واحشرنا في زمرة الصديقين يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشاد والغنى، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا حي يا قيوم.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
اللهم أنجي إخواننا المستضعفين في سوريا، اللهم أنجي إخواننا المستضعفين في سوريا، اللهم أنجي أهل السنة والإسلام في كل مكان يا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك ممن أشاع فسادًا، أو نشر شرًا، أو سعى بضر على أهل الإسلام حيث كان.
اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، اللهم من أرادنا وأراد بلاد المسلمين بسوء أو شر فأشغله بنفسه، واكفناه بما شئت يا قوي يا عزيز، ندرأ بك في نحور أعداء الإسلام ونعوذ بك من شرورهم، أصلح قلوبنا، وزكي أعمالنا، واختم لنا ربنا بخير، واجعلنا من أسعد عبادك بك، واجعل خير أيامنا يا رب العالمين، اجعل خير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجعل خير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجعل خير أيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين.
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.