الحمد لله حمدًا كثيرًا، طيبًا مباركًا فيه نحمده حق حمده، لا أحصي ثناءًا عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد ورسوله، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، أما بعد
فحياكم الله أيها الأخوة وبيض وجوهكم، وأنار قلوبكم، ويسر أموركم، وتولاكم بفضله، وجعلكم من حزبه وأوليائه، اللهم إنا نسألك من فضلك، علمًا راسخا وقلبًا خاشعا وعملًا صالحا، وأن تهدينا سبل السلام، وأن تأخذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى يا ذا الجلال والإكرام.
أيها الإخوة الكرام شرفني إخواني، وأسعدوني بهذا الاجتماع في هذه الليلة، في افتتاح هذا المنشر، وهذا المخيم ربيع الإيمان، هذا المخيم يحمل اسمًا هو مفتاح السعادة، إنه الإيمان الذي به تستنير القلوب، إنه الإيمان الذي به تصفو الحياة، إنه الإيمان، ذلك النور الذي إذا أطل على القلوب أشرقت بعد ظلماتها، إنه الإيمان الذي يهدي الله تعالى أهله سبل السلام، إنه الإيمان الذي يميز بين الحق والباطل، فيكشف المُلتبس ويهدي مواقع الهدى، ويدل على طرق الرشد، ويخرج من المضائق والأزمات، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}سورة الأنفال، الآية:29 ، إن الإيمان أعظم ما يمن الله تعالى به على العبد في الدنيا، ذاك أنه سبيل السعادة، ذاك أنه طريق الخروج من كل ظلمةٍ وشقاء، {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}سورة الأنعام, الآية: 125 ، والإسلام هو الإيمان، فإن الإيمان، أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله،وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان ليس قولًا باللسان، وتحليًا خاليًا من المعنى الذي يكون وراءه، الإيمان حقيقته وجماعه خضوع القلب لله عزَّ وجلَّ، اعتقادٌ بالله عزَّ وجلَّ، يحمل على قبول أحكامه، على قبول أخباره والالتجاء بأحكامه، الإيمان نعمة يصطفي الله تعالى بها من يشاء من عباده، فهو جلَّ وعلا الذي يصطفي، من هو أحق بالهداية، هو أعلم بالمهتدين جلَّ في علاه، هو أعلم بالمتقين سبحانه وبحمده، هو أعلم حيث يجعل رسالته أصلًا في الرسل، وفي أتباعه فجعل الرسالة ليست فقط في الرسل، بل حتى في أتباعهم، فإن الله تعالى أعلم بمن هو أهلاً لهذه المنة.
الإيمان نعمة يا إخواني، هو السبيل الذي به يدرك الإنسان، خير الدنيا وخير الآخرة.
ليس النعيم بمرتبٍ أو ملبسٍ إن النعيم حلاوة الإيمان
حقيقة الإيمان له حلاوة، وقد يقول قائل أين تلك الحلاوة، لم أذقها، من لا يرى الشمس، لا يعني أنه لا وجود لها، فالعين قد تعمى عن موجود، لا لأنه خفي، لكن البلاء في النظر خفافيش أعماها النهار بضوئه، ووافقها قطع من الليل، لذلك ليس الشأن في أن لا تجد تلك الحلاوة، الشأن أن تبحث عنها، أن تطلبها أن تسلك السبل التي توصلك إليها، كلنا يرجو أن يذوق هذه الحلاوة، أرأيتم لو أن صاحب بضاعة، روج لبضاعته، وقال هذه البضاعة فيها وفيها، و تَعَدَ من أوصافها ما يُشَوِقُ النفوس، ويلفت الأنظار، ويجذب القلوب، أتُرى ذاك كافيًا في أن تجد تلك الأوصاف؟ لا إنك لن تجدها حتى تسلك الطريق الموصل إليها.
بين الله عزَّ وجلَّ في كتابه الإيمان، وصفه بوصف واضح بين لا يلتبس، بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو النور الذي جاء به الدعوة التي جاء بها الرسل هي الدعوة إلى الإيمان، فلا نحتاج في معرفة الإيمان، إلى أكثر من بيان الله جلَّ في علاه، الداعي إلى الصراط المستقيم، ولا إلى أكثر ما جاء به النبي الأمين، صلى الله عليه وسلم نحن بحاجة إلى أن نسلك السبل لنصل إلى النتائج، فإن المقدمات إذا لم تسلك ولم تؤخذ، لن يصل الإنسان إلى النتائج.
ترجو النجاة ولا تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليابسة
من أراد شيئًا وطلبه دون أن يذكر له أسباب الوصول، دون أن يذكر له أسباب الحصول، فلن يدرك من تمنى ولد ولم يتزوج أنى يأتيه ولد، من تمنى الغنى ولم يعمل أنى يأتيه الغنى، من تمنى كل أمنية في الدنيا، سواء راشدة، أو غير راشدة، لم يعمل لإدراكها فإنه سيبقى مكانه واضح، لم يدرك مطلوباً إلا بالبذل، قضى الله في كونه أنه ما من شيء، إلا وله سبب، ما من نتيجة إلا ولها مقدمة فمن أخذ الأسباب، وصل إلى النتائج ومن بدأ بالمقدمات، أوشك أن يدرك مطلوبه، لذلك يا إخواني حلاوة الإيمان، ليست أمرًا خارجًا عن هذا القانون الإلهي، الذي نظم الله تعالى الكون عليه، من لم يجد حلاوة الإيمان فليراجع نفسه في بحثه عن الأسباب، التي يذوق بها الحلاوة.
نعم.. الإيمان له حلاوة، وأنه لمن العجب، أن تكون تلك المعاني مصورة بهذا التصوير النبوي المقلد لحقيقة الإيمان، إن الإيمان له حلاوة، كتلك الحلاوة التي تذوقها بلسانك، وتجدها في فمك عندما تذوق ما تحبُ، وما تشتهي من الملذات والمشتهيات المطعومة، هذا المثال النبوي، ليس ذاك إلا تقريب، لحقيقة ما يجده الإنسان في تحقيق الإيمان، إن حلاوة الإيمان ثمرة لإيمان راسخ، اعتقاد صادق، وعمل راشد صالح، إن حلاوة الإيمان، ليست هبات توزع دون أسباب، إنها هبات لها موجبات، إنها هبات لها مقدمات، إنها هبات لها أسباب، كل من سلك الطريق مخلصًا، محققًا للأوصاف، لا بد أن يذوق تلك الحلاوة، فلا تقل أين الحلاوة، أصلي ولا أجد طعماً للإيمان، أقرأ القرآن ولا أجد له لذة، أصوم وأحج، وأفعل ما أفعل من أبواب الخير، ولا أجد لها أثرًا، هنا لا تتهم العبادة، فالعبادة خبر من لا ينطق عن الهوى، قول الحق الذي قوله حق، ولقائه حق، ووعده حق، الذي لا يخلف الميعاد، جلَّ في علاه سبحانه وبحمده.
ففتش عن الأسباب التي أفضت إلى عدم وجود هذه النتيجة، عندما يخبرك مخبر صادق، بأن ثمة حدث في مكان ما، ثم سلكت الطريق ولم تجد ذلك الحدث، وأنت متيقن أن المخبر لا يكذب، وليس متوهمًا، ولم يتطرق إلى قوله نوعٌ من الوهم، أو نوع من الخطأ عندما يكون هذا خبر إنسان، أو خبر مجموعة من الناس، عن حدث معين، في مكان معين، ذهبت لم تجده هنا، قد تتهم الخبر بكذب أو وهم، لكن ينبغي أن تراجع نفسك، وتتهم نفسك، في سلوك الطريق الموصل إلى النتيجة، عندما يتواطأ الناس على أن حدثًا، ما في المكان الفلاني، أو أن شيئًا ما في المكان الفلاني، فعندما لا تجد ذلك لابد أن تراجع نفسك لتتحقق هل أنت سلكت الطريق الموصل إلى النتيجة أو إلى موقع الحدث؟ أم أنك أخطأت، وكثيرًا ما نخطئ نصلي، ولا نجد لصلاتنا أثرًا في سلوكنا ولا في أخلاقنا، نقرأ القرآن ثم نبحث عن تلك اللذة، ونقول أين اللذة، التي جعلت عمر بن عبد العزيز يقيم ليلةً كاملة، يردد قول الله تعالى؛ "خافضة رافعة" في وصف القيامة في سورة الواقعة {إذَا وقَعَتِ الوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3) }سورة الواقعة، الآية: 1و2و3، قرأها عمر في المسجد، لما دخله فوقف عندها عمر بن عبد العزيز، حتى كاد الفجر أن ينشق، فقضى صلاته في ركعة كان راضيها هذه الآية، ثم انصرف قال: من شهد هذا الموقف فتبعته، فإذا هو يدخل دار الخلافة، وإذا هو عمر بن عبد العزيز.
هذه اللذة أتتصور أن عاقلًا، يوصف عبر التاريخ أنه من أعدل ملوك الإسلام، ومن أعدل من حكم بعد الخلفاء الراشدين، حتى عُد من جملة الخلفاء الراشدين، أنه خامسهم رضي الله عنه ورحمه، أيعقل أن يردد كلمة ليس لها أثرًا، إن لها أثرًا بالتأكيد.
عمر بن الخطاب، يقرأ قول الله تعالى: { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ }سورة المدثر، الآية: 8، فيمرض أيام فيها، أليس هذا لأمر وجدوه وخفي علينا،.
إن القرآن أعظم مفتاح، يدرك به الإنسان معارف الدنيا ومعارف الآخرة، ليس فقط معارف الأخرة، القرآن مفتاح العلوم كلها، {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}سورة الأنعام , الآية: 38، إنه الهادي ليس فقط في مصالح الأخرة، إنه الهادي في مصالح الدنيا، الله جلَّ في علاه يقول في محكم كتابه {إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}سورة الإسراء، الآية: 9 ، أقوم في ماذا عبادة الله؟ أقوم في سياسة الناس؟ أقوم في إصلاح النفس؟ لم يبين ذاك فأفاد هذا العموم في كل هداية يهدي إليها القرآن، إنه يهدي للتي هي أقوم، في مصالح الدنيا، ويهدي للتي هي أقوم في مصالح الأخرة، ويهدي للتي هي أقوم في صلة العبد بالله، ويهدي للتي هي أقوم، في صلة الإنسان بالخلق.
إن الخلاصة التي أريد أن أصل إليها، في مقدمة حديثي، أن فقداننا للنتائج، للوعود، للموعود، ليس ذلك طعنًا فيها، ولا مصوغًا لاتهامهاـ
إننا لنحتاج أن نراجع أنفسنا عندما لا نجد لذة القرآن، عندما لا نجد حلاوة الإيمان، عندما لا نجد ما أُخبرنا به من الثمار والفوائد القريبة لطاعة الله تعالى، وعبادته، فهل نراجع أنفسنا ،ومفتاح المراجعة مراجعة ما في القلوب، فإن السير إلى الله جلَّ في علاه، ليس سير الأقدام، ولا ركوب المراكب، بأنواعها وصورها القديم والحديث.
إنه سير القلوب قطع المسافة بالقلوب إليك لا بالسير فوق مقاعد الركبان
قطع المسافة إلى الله، بالقلب وليس بمركب، ولا بصورة، ولا بشكل، ولا بقول إنه القلب الذي يسير إلى الله، فإذا صدق في سيره إلى الله برا، ولو كان عاجزًا عن كل امتثال لأمر الله تعالى في الظاهر.
فالقلوب هي التي تسير إلى الله، متى صلحت متى زكت متى استقامت، أشرق عليها النور وخرج منها الخير، وبلغ بها صاحبها أعلى المنازل، ألا وإن في الجسد مضغة، كما في حديث الصحيحين النعمان بن بشير، (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، وقفة مع قلوبنا، ما الذي يشغلها؟ ما الذي عمرها؟ ما هي أمراضها؟ ما هي علامات صحتها؟ أفيها شركٌ فينقى؟ أم فيها نفاقٌ فيصفى؟ أم فيها آفاتٌ؟ فتهذب وتُغسل من تلك الآفات للتوبة والرشد إلى الله عزَّ وجلَّ، إنا إلى حاجة في وقفة مع قلوبنا، من قرأ القرآن بقلبه، أدرك من أنوار هذا القرآن وعلومه، ما لا يدركه ذاك الذي قرأ القرآن بلسانه، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }سورة ق، الآية: 37أي حاضر، ففي كلا الحالين، هناك حضور حضور القلب، ابتداءًا أو السمع الذي يستدعي حضور القلب، الإنصات الذي يستدعي حضور القلب. فهي مرتبتان قلوب متهيئة لسماع الحق، تنتظر إشراق نور الإيمان عليها، تنتظر نور القرآن ليتحقق الإيمان، وهذا ما كان من الصحابة، فأنزل الله في قلوبهم الإيمان، ثم أنزل بعد ذلك القرآن، فكان كما قال الله عزَّ وجلّ {نُورٌ عَلَى نُورٍ}سورة النورة، الآية: 35، وقلوب أخرى فيها نوع من البعد تحتاج إلى أن تنصت، تحتاج إلى أن تحضر، فإذا انصتت وحضرت بإخلاص وصدق، انفتحت لها الأنوار، وأدركت من المعارف والعلوم ما تشرق به، وتهتدي به سبل السلام.
أيها الأحباب أيها الإخوة، إن حلاوة الإيمان التي ذكرها النبي، صلى الله عليه وسلم لا تُذاق بالألسن، إن ذوق تلك الحلاوة في القلوب، وهي أعظم ما تذوقه القلوب من اللذات، إنه شيء لا يمكن أن يحيط به بيان، ولن يدركه وصف فتلك حلاوة لا يعبر عنها لسان، إنها حلاوة الإيمان بالله عزَّ وجلَّ، هذه الحلاوة الناشئة عن خضوع القلب لله عزَّ وجلَّ، المقترن بقبول أخباره، والإذعان لأحكامه، تنعكس على الجوارح، وهنا نعرف عمق كلام سلفنا الصالح، عندما قالوا الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، تلك الكلمات التي قد نرددها، ولا نعي مضامينها إنها مفاتيح السعادة، إنها مفاتيح الوصول إلى تلك المعاني العظيمة، التي تضمنتها تلك الأحاديث الشريفة، إن حلاوة الإيمان مطلب، وهي مشروع حياة لمن أراد نجاته، من مضائق الدنيا ومهالكها، ومن أراد سعادة أخرى وفوزًا، لا ينال ذلك حتى يذوق حلاوة الإيمان، لذلك فقال من قال من السلف إن في الدنيا لجنة، من لم يدخلها لن يدخل جنة الأخرة، إن الله تعالى أخبر في كتابه، {إِنَّالْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}سورة الانفطار، الآية: 13، وهذا النعيم ينطلق في أذهاننا، عندما نسمع هذه الآية، أو نقرأها، أنه ما أعده الله لعباده الصالحين، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لكن الأمر أبعد من ذلك يا إخوتي، إن النعيم يكون في الدنيا، كما يكون في البرزخ، ويكون في الآخرة أول النعيم، وغايته وذروته وقمته، لكن لا تدرك ذلك النعيم، وأنت في شقائق الدنيا، وليس الشقاء المقصود به شقاء الأبدان، لما يلحقها من الأذى وسائر ألوان القذى، الذي يصيب الناس، لا إن الشقاء الحقيقي، هو أن ينعزل هذا القلب عن الله عزَّ وجلَّ، أن يكون هذا القلب معرضًا عن الله أن يكون هذا القلب في وحشة عن ربه وخالقه، عن محبوبه الذي لا هناء له ولا سعادة، ولا طمأنينة، ولا لذة، ولا سرور، ولا ابتهاج، ولا نعيم إلا بأن تقبل عليه، القلوب نادرة، متشعبة مشتتة، إذا أعرضت عن الله عزَّ وجلّ عندما تقبل على الله، يجمع الله القلوب على كل خيرٍ في الدنيا والآخرة فيدرك الإنسان لذةً سكينةً طمأنينةً، لا يجدها بغير طاعة الله، فمهما بذل ومهما سلك، ومهما دفع من المال، ليدرك تلك اللذة، إنه لن يجدها. ولهذا قال؛ من قال من السلف كما قال الحسن البصري وغيره: "إننا لفي سعادة لو علم بها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف"
تلك السعادة ليست شيء يدرك، ببذل مالٍ أو بعملٍ من أعمال الدنيا، إنها سعادة الإيمان بالله، إنها سعادة معرفة الله، إنها سعادة رؤية آيات الله الدالة عليه، في السماء وفي الأرض، في الآفاق وفي الأنفس، الذي يدرك به علم أن الله حق، وأن وعده حق، وأن قوله حق، وأن ما جاءت به الرسل حق، فيمتثل طاعة الرحمن انتظارًا لموعده جلَّ في علاه فيكون محققًا للعبودية لله عزَّ وجلّ.
إن حلاوة الإيمان، أيها الأحباب أيها الإخوة، هي ثمرة أمرين، من حققهما ذاق حلاوة الإيمان، ومن فقدهما غاب عن قلبه حلاوة الإيمان.
الأمر الأول: وهو المفتاح الذي به يدرك حلاوة الإيمان، صدق المحبة صدق محبة الله جلَّ في علاه، هذا شيء لا تكلف فيه عند أصحاب النفوس السوية، والقلوب المستقيمة، فالقلوب مفطورة على محبة الله، القلب مفطور على محبة الله، ومهما طلب سكنًا، و بدلا عن تلك المحبة، فإنه محروم محجوب، لا يدرك طمأنينةً ولا هناءً إلا بتحقيق هذه المحبة، والعجيب أن من ذاق هذا لا يجد لها عوضًا، لذلك يترك كل شيء لمحبة الله، من آثار محبة الله أن يخرج من كل شيء حتى من نفسه، فيبذلها له طوعًا ورضًا به، ومحبةً له جلَّ في علاه.
أيها الأخوة محبة الله عزَّ وجلّ، طريقها بين واضح هي:
أولًا فطرة الرحمن، التي فطر القلوب عليها.
ثانيًا هي أسباب وطاعات وعبادات، وأعمال متى استحضرها الإنسان؛ كان ذلك مُبلغا له بمحبة الله.
محبة الله فرعٌ عن معرفته، فكل من عرف الله أحبه، ليس ثمة قلب يعرف الله حق معرفته ثم يعرض عنه، لا يستطيع لا يقوى القلب أن يعرض عن الله بعد معرفته، إلا أن تتكالب عليه الذنوب، وتخطفه الشياطين، عند ذلك يهلك، لا لعدم معرفته، لكن لوجود الموانع المؤدية إلى الثمرة، وهي أن تلك المعارف حجبها ما حجبها، أرأيتم زجاج السيارة الجديد، تبصر به ما وراءه، فتدرك القريب والبعيد، فإذا جاء غبار، وغطى مقدمة السيارة، حتى غطى زجاجها، هل بلى في الزجاج أو ما علاه واعتراه من غبار حال دون الرؤية؟ إنها الذنوب والمعاصي والخطايا، إذا حجبت الرؤية عن القلب، بعد معرفته احتجبت تلك المعارف، فلم تثمر ذكاةً ولم تثمر استقامةً، لذلك كانت كل طاعة جلاء للقلب، وكل معصية تُذكر في القلب، تحجبه عن الرؤية، وتحول بينه وبين الوصول إلى الله تعالى ومعرفته ومحبته.
محبة الله ليست شيئًا صعب المنال، إنه أمر يسير بينه النبي، صلى الله عليه وسلم في حديث الولاية الشريف، ما رواه البخاري في صحيحه، من حديث أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب)هكذا يبرز الله تعالى، مكانة أوليائه، وأوليائه هم أحبابه هم من تكفل بنصرهم، هم من تكفل بنصرهم، وتأييدهم وإعانتهم من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب، ثم قال في طريق تحصين الولاية (وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه) هذا الطريق الأول، هذا السبب الأول، لإدراك محبة الله، التي هي مفتاح إدراك ماذا؟ حلاوة الإيمان، الأول هو القيام بما فرضه الله تعالى، وهنا عندما نقول ونقرأ هذا الحديث غالبنا
، ينصرف ذهنه إلى ماذا؟ عندما نقول يقول الله تعالى في الحديث الإلهي (وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه) يعني مما افترضته عليه؟ ما الذي ينصرف إليه ذهننا؟ دائمًا ينصرف مباشرة إلى الأعمال ، إلى الأعمال الظاهرة إلى الصلاة، وهذا صحيح إلى الصوم، إلى الصدق, إلى الزكاة، هذا كذلك إلى سائر الأعمال التي تتعلق بالجوارح، لكننا نغفل أن أفضل ما تقرب به العبد إلى الله، أن يكون قلبه خالصًا لله تعالى لن يكون في قلبه سوى الله محبة تعقبهًا هذا من المفترض علينا لكننا نغفل عنه يقول الله جل في علاه {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوااللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}سورة البينة، الآية: 5، إنه دين الاستقامة، دين الصلاح في الدنيا والآخرة، لكننا عندما نسمع كل هذه الأحاديث، ننشغل دائمًا، بصورنا وأشكالنا، وأعمالنا الظاهرة، ويغيب عنا ما هو المهم؟ ما هو الأهم؟ ما الذي ينبغي أن تكون العناية به؟ وهو عمل القلب، يعني أن يكون لله خالصًا وأن يكون له محبًّا، وأن يكون له معظمًا وعبادة الرحمن غاية حبه منتهى محبته.
مع ذل عابده, هما قطبان هذان هما قطبان تحقيق العبودية أن تكون محبًّا له ليس في قلبك أحد غير الله جلَّ وعلا، وبقدر تفاوت الناس في هذه المحبة بقدر ما يحققون من العبودية أيضًا التعظيم الذي مقتضاه الذل والخضوع لله جلَّ وعلا، فإن ذاك تحصيل العبودية له، وتحقيق العبادة لله عزَّ وجلَّ.
إذًا الطريق الأول الذي من خلاله ندرك حلاوة الإيمان، (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه).
ففتش في نفسك عند الفرائض نبتدأ أولا بفرائض القلوب من محبة الله وتعظيمه، والاخبات إليه والذل بين يديه والافتقار له جلَّ في علاه، والخشوع وسائر أعمالكم، فتش نفسك عن هذه المعاني، فإن غابت عنك؛ فإنك محروم، إن غابت عنك فثمة مشكلة، ابحث عنها وعالجها، فإن مفتاح الصلاح من صلاح القلوب، وصلاحها؛ يكون بتحقيق الاخبات والإقبال على الله عزَّ وجلَّ.
الأمر الثاني: ننتقل إلى شعائر الصيام وأركانه، وفتش نفسك في الصلاة التي هي طريق حب الله عزَّ وجلَّ، فإن الصلاة نور، ينير الله بها القلوب ، وانظر كيف أنت في صلاة الجماعة، كيف أنت في الفرائض، كيف أنت في خشوعك في صلاتك، ليس فقط الصورة بأن تضع يدك على الصدر، وتراعي في الاستراحة، أن تنزل يديك قبل الركبتين، ليس الأمر هذا فحسب، الأمر هذا وما وراءه وما قبله، وما هو أهم، أن يكون القلب في صلاتك مقبلًا على الله، فشتان بين مصليٍ وضع قلبه بين يديه، ووجه وجهه إليه، فليس في قلبه إلا محبة الله، وتعظيمه وذكره وإجلاله، وبين شخص قام في قالبه، وصورته بين يدي الله، وقلبه في كل واد يهيم فمهما كانت الصورة حسنة، فالشأن كل الشأن فيما وراء الصورة، من قلب مقبل مخبت لله عزَّ وجلّ، فإن تفاضل الأعمال يتبع ما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان، حتى يكون العاملان كلاهما في رتبة واحدة، يعني كلا المصلين في رتبة واحدة، تبدو لنا (00:29:03) وبينهما كما بين السماء والأرض في فضل وفي رجحانهم هذا التفاوت بين المصليين، في صف واحد، وعلى صورة واحدة، ما سره؟ سره سير القلوب إلى الله، فمتى كان القلب لله معظما، وله محبا، وعليه مقبلًا، وله مخلصًا، فليبشر بعطاء عظيم، وأجر جزيل لا (00:29:33) ولا يتخيله متخيل إن صلاح القلوب مفتاح السعادة، إنه الطمأنينة بالله عزَّ وجلَّ، وتسأله التلذذ بتحقيق العبودية له جلَّ في علاه، بعد هذا أداء الفرائض بشتى واجباتها في حقوق الله، وفي حقوق الخلق، انظر إلى الميدان المفتوح، ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل، هنا يأتي الثمرة هنا تأتي البشارة، ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)والشأن العظيم والمرتبة الكبرى، في أن يحبك الله، كم من محب لله، لكن الله لا يحبه، محب لله، لكنه أخطأ الطريق الموصل إليه، فلم يحبه الرب جلَّ وعلا، لأن الله بين لنا الطريق الموصل إليه، فالرسل جاءت إليه داعية به معرفه؛ فعرفتنا به لكن لم يقتصر الأمر على ذلك، بل بينت الطريق الموصل إليه، فمن سلك طريق غير هذا الطريق، فإنه لن يصل مهما كان حبًّا له، وإخلاصًا وتعظيمًا ،لن يصل كما يصل ذاك الذي جمع إلى المحبة والتعظيم، سلوك الصراط المستقيم، { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ لله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}سورة الأحزاب، الآية: 21، اتباع {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}سورة آل عمران، الآية:10، فليس الأمر شاعر غيام، كما ظن به من ظن ممن ضل من الصوفية وغيرهم، الذين اقتصروا على محبة القلب، و أغفلوا جانبًا، مهمًّا أنه لابد من سلوك الطريق الموصل إليه، وإلا فلن يصل سيقع بينك وبينه، ويُحال بينك وبينه، (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحبه) إذًا فإذا أحبه ماذا يكون؟ هنا تأتي حلاوة الإيمان (فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها) وإن استعان بالتوفيق، والتسديد والهداية، والتوفيق، طيب ما يصيب الإنسان من غلطات، وأزمات وحاجات، فكيف الله له (وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعيذهن)والله الذي لا أخاف هكذا هو الله مع محبيه، هكذا هو الله، مع أوليائه، هكذا هو الله مع من أقبل عليه بصدق، فبادر واغتنم الفرصة قبل الفوات، فما دام في البدن عرقٌ، ينبض وعين تلحظ فلك فرصة، لك في أن تقبل على الله، ولا تقل مضى ما كان ولا سبيل إلى ربه هدم كل سيئة بتوبة صادقة فالتوبة الصادقة تهدي من مكان ما كان قبلها، وكم من إنسان رشد في آخر المساء، فكان من الموفقين، في الصحيح من حديثين عن أبي هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الزمن الطويل كذا الزمن الطويل ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار الزمن الطويل وقطعه تصور هذا الطول ستين سنة أو أربعين سنة خمسين سنة في معصية الله ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) هذا السبق ليس خاص بعشواء، ولا وفق عمياء، إنه وفق علم خبير حكيم جلَّ في علاه، هو أعلم بذلك يوفق من يشاء من عباده فالعباد يتقلبون بين فضله وعدله سبحانه وتعالى، فلذلك يا إخواني لا نقل قد فات الأوان، بل حلاوة الإيمان، يمكن أن تتذوقها في أخر لحظة، فتتغير حياته، وفي قصة الذي قتل مائة نفس، عبرة وعظة، كيف لما ذاق حلاوة الإيمان وأدركه الأجل، في طريقه إلى بلد الصلاح، لم يجد سبيلًا لترجمة ذلك الذي وجده بقلبه من محبة الله والاقبال عليه إلا أن يدفع بنفسه بصدره إلى جهة الصلاح محله, فحضره الأجل فكان ذلك الدفع سببًا لنجاته، كما في الخبر الشهير في قصة الذي قتل مائة نفس، أيها الأخوة إننا بحاجة إلى أن ندرك أننا في فرصة مهلة كل صباح، وكل مساء وكل لحظة، أنت في منحة أنت في منة من الله الكريم، فلا تفوتها الله، يملي لك يفتح لك الطريق يعطيك الفرصة، فلا تتأخر، فقد يأتي الوقت الذي تتمنى فيه أن ترجع، فيُحال بينك وبينه عند حضور الأجل وغرغرة الروح، {لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً}سورة الأنعام, الآية: 158 فإنه يغلق عند ذلك باب التوبة، يقبل من العبد توبته حتى ما لم يغر، كما في الصحيح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (في بيان عظيم فضل الله أن يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) حلاوة الإيمان يا إخواني، قائمة على صدق المحبة، يبينها ويترجمها ذاك الحديث الذي في الصحيحين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه وجد)كيف وجد كأنه شيء مفقود، يُبحث عنه وليس شيء متناول يدركه الإنسان، هكذا صدفة خط عشواء، بل لا بد من بذل وسعي لإدراكه، وجد به حلاوة الإيمان، تأمل هذه الثلاث خصال حديث أنس رضي الله عنه،(أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)غاية الحب محبة الله، وهي أصل كل فلاح ونجاح، هي الحامل على كل طاعة ورشد، هي التي جعلت إبراهيم يقبل أن يُرمى بالمنجنيق في النار، والتي حملت الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلقى ما يلقى، ويصبر على ما لقي، لتحقيق حبه الله عز وجل وكان خليل الرحمن إبراهيم, كان محمد صلى الله عليه وسلم خليل الله جل وعلا حب غايته وكماله يحمل العبد أن يقدم روحه، وكل ما يملك، لمن يحب، فأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، زد في قلبك محبة الله طريق محبة الله، ذكرته قبل قليل، زد معارفك بالله يا أخي انظر إلى نعم الله عليك كم بالله عليك (36:47) الآن أنت في هذا المجلس، وأنت في هذا الانتظار والسماع، من ذا الذي يجري الدم في عروقك، هل أنت تتحكم في قلبك، الذي يسرب الدم في بدنك، ثم يوصل كل ما يحتاجه البدن من أكسجين وطعام وشراب، إلى بقية الأعضاء، هذا السمع وهذا البصر، من الذي بصرك؟ إنه الله، وفي أنفسكم أفلا تبصرون كم العديد من النعم، حتى الأعمى الذي لا يبصر، ولا يسمع يدرك من نعم الله عليه، ما يستوجب أن يشبعه ورضى فما بنعمة فمن الله، تأمل كل ما يحبب الله إليك، الله تحبب إلينا بنعمه، تحبب إلينا بإرسال رسله، تحبب إلينا بالتعريف بنفسه، أي شيء وكرم أعظم من خلق رب العالمين الغني أنه يتحبب إلينا سبحانه وبحمده، بذكر كل ما يحبب القلوب إليه، سامعين ما يجرى في الآفاق، وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه حق، فليست صعبة هذه القضية، احرص على معرفة الله، كم في أسمائه من خير، أنت عندما تقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فقط لو قرأت هذا لوجدت فيها التمعن، والتدبر، وجدت فيها من موجبات محبته، ما يأثر قلبك لربك جلَّ في علاه، فلا تجد مناصًا عن أن تحبه، أو أن تنقاد إليه سبحانه وتعالى، فهو الله المعبود بمحبة عظيمة، وهو الرحمن الرحيم، الذي من رحمته وصلك كل خير، ومن رحمته، أندفع عنك كل شر، ومن رحمته أن عرفك به، ومن رحمته أن هداك إليه، ومن رحمته أن وفقك إلى العمل الصالح، ومن رحمته أنه يتقبل عملك، ومن رحمته أنه يثيبك على العمل، ومن رحمته أنه يدخلك الجنة فهو الذي قال للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، من عبادي، ومن رحمته أن يتجلى إلى أهل الجنة، فينظرون إليه جلَّ في علاه.
إن رحمة الله موجبة لمحبته، من الناس من إذا أحسنت إليه إحسانًا عارضًا، أثرته لو وجدت شخص قد تعطلت سيارته، ووقفت وساعدته في إصلاح سيارته، لن ينساها لك وسيذكرك في كل موقف، فلان في ذلك الوقت أعانني على إصلاح سيارتي، وساعدني في الموقف الفلاني، أعانني في المعاملة الفلانية وتذكره بالخير الله جلَّ في علاه، كل سعادة وخير أنت فيها هو منه جلَّ في علاه، أليس هو الله؟ بلى هو الله نعمة البصر أنت الآن إذا مرضت، من الذي يشفيك؟ هو الله، من الذي يقويك؟ الله من الذي وهبك هذه الحواس وهذه القدرات؟ وهذه القوة الله ألا يستحق المحبة جلَّ في علاه، هذا الذي يتعلق بالنعم فكيف إذا دخلت على باب عظيم في عرفة صفاته وأسمائه، وما له من الكمالات سبحانه وبحمده، وجدت ما لك به إلا أن تقول ربنا سبحانك ربنا ما قدرناك حق قدرك، وما قدروه حق قدره الله محبته كثيرة، بادروا إليه وهي اللذة والله يا إخواني، إن المحبين في سعادة إن الذين منّ الله عليهم بمعرفته، ومحبته في نعيم مقيم {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً}سورة الكهف الآية: 108 إنها جنة الدنيا أنه من فقدها؛ يُخشى عليه ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم إن المحبة ليست محبة سلبية، ليست محبة جامدة، لا أثر لها ولا ثمر، إنها محبة ترتضي محبة رسوله، ولذلك قال أن (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) ثم بعد ذلك محبة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، والرسول على قمتهم، ورسولنا ونحن المختصون به، بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم، بناء العلاقات والصلات، يراعى فيها حق الله، أن يحب الرجل لا يحبه إلا لله،ليس له دافع هناك محبة الصحبة، محبة القرابة لا يتكلم عنها، الحديث يبين كيف تذوق حلاوة الإيمان، إذا أردت حلاوة الإيمان، فأجعل علاقاتك أن تحب الرجل ما تحبه إلا لله
ليس لقرابة ولا لنسبه، ولا لمعرفة إنما أحبه لما أشاهده عليه من طاعة الله عزَّ وجلّ، ليس لشيء غير ذلك، ولولا ذاك، ما كان بيني وبينه مشاعر ومحبة، نحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نحب أصحابه المفضلة، نحب الأئمة وعلماء أهل الإسلام، نحب أهل الإيمان في القديم والحاضر، ونقول في كل صلاة السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، ما الذي يربطنا فيهم؟ عبادة الصالحين في السماء وفي الأرض، وفي القديم وفي الحديث ومن جاءوا ومن لم يأتي بعد، من الذي ربطنا فيهم؟ عباد الله والذي ربطنا فيهم هو الله فاجتمعنا، أننا عبادٌ له والعبادة الاختيارية، التي بها يتفاضل الناس، أن نحب الرجل لا نحبه إلا لله، لا يعني هذا إلقاء بقية المحبات، قد تحب شخص لقرابة، أنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء، قد تحب شخصًا لعقد زوجية { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}سورة الروم، الآية: 21،مودة ولو كانت الزوجة كتابيًّا هي طبيعية، نتيجة عن هذا العقد لا شأن لنا بهذه الأنواع من المحابر، لنا شأن في محبة يدرك بها الإنسان حلاوة الإيمان .
الأمر الأخير هو أن يكره ظالمه، يكره أن يعود إلى الكفر، كما يكره أن يلقى في النار، والكفر هنا عنوان عريض، لكل ما يكرهه الله عزَّ وجلَّ من الشرك ابتداءًا والنفاق وسائر المعاصي ليس فقط ذاك، بل وأهل هذه الأعمال، أن يكره أن يعود في الكفر، هو كراهية كل من يغضب الله عزًّ وجلّ، من الكفر الشرك والنفاق، وسائر المعاصي، يقول قائل كل أهل المعصية، نعم كلنا أهل المعصية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن قتادة عن أنس (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) لكن لا كلام في أنه غالب عليه الصلاح والاستقامة، فله من محبة بقدر ما معه من صلاح واستقامة، وإن كان له أن ندفا له من النقص في المحبة، بقدر ما يحصل معه نقص في الإيمان، هكذا عقدٌ متوازن، دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله، وصار عليه الأئمة من أهل القرون من الصحابة، ومن بعدهم ثم بعد ذلك وصار عليه علماء الأمة، على مر العصور وإلى يومنا هذا، هذه المعاني التي نقرأها في كتب الاعتقاد، ليس نظرية ليست معلومات جامدة، إنها تراجم وعناوين لمعاني عملية قلبية وبدنية، هكذا يحقق الإنسان، يحقق الإنسان حلاوة الإيمان، إذا توافرت لديه هذا الخصال الثلاثة: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، أن يحب الرجل كل من يحبه لله، أن يكره أن يعود إلى الكفر، كما يكره أن يلقى في النار. هذا هو الباب الأول تمام المحبة، يورث كما لم يدعه فمن أحب شيئًا طبعيًا، كما قال القائل "وعن أم عيب صغر كبيرًا كما أن عين الصغر ترضي المساوئ" المحبة هي ثمرة الرضا، هنا تأتي إلى حديث عباس في الصحيح قال صلى الله عليه وسلم (ذاق طعم الإيمان) هناك حلاوة وهنا طعم الطعم والحلاوة الذي في حديث أنس، من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا.
هذه المحاور الثلاثة هي غاية الإيمان، غاية الإسلام، غاية العمل الصالح، أن تبلغ منزلة الرضا عن الله، كيف لا نرضي عنه!! وما من خير إلا جاءنا منه، كيف لا نرضى عنه!! وهو المتصف بصفات الكمال له الأسماء الحسنى، والصفات العلا أن ترضى بالله ربًا، معناه أن ترضى به خالقًا رازقًا مدبرًا مالكًا متسلطًا جلَّ في علاه، أن ترضى به إلهًا، فلا تعبد سواه، أن ترضى بأحكامه القدرية، التي طالما قدر، فما من شيء إلا بقضاء وقدر، أن ترضى بأنه لا إله إلا الله، هذا معنى أن ترضى بالله، ربًا أن ترضى بالنبي، صلى الله عليه وسلم رسولًا، أن تحبه بقلبك، محبة، اختيارية كيف لا تحبه؟ وقد أنقذك الله به من النار، كيف لا تحبه؟ وقد كابد أعظم مكابدة ليخرجنا من الظلمات إلى النور، صلى الله عليه وسلم، كيف لا تحبه ولم يجد خيرًا إلا دلك عليه .
اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، كيف لا تحبه؟ وهو الذي يحبك، شفيقٌ، رفيقٌ، رحيم، بهذه المعاني من معاني كما وصفه الله تعالى، بالمؤمنين رؤوف رحيم، إنه أولى وأحق من توجه إليه المحبة من بني أدم، اللهم صلى وسلم عليه محبة الرسول تقتضي إتباعه، فليس للمؤمن دعاوى وأن المدعون بالفضل لكن عربون المحبة أو برهان المحبة صادق (47:48) أن تقدم هديه على كل هذا إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، صلى الله عليه وسلم، ثم ثالثًا ما يكون من أسباب، ذوق طعم الإيمان، الرضى بالإسلام دينا، وأن يشغل الرضى بالقرآن، مصدر التشريع كلام رب العالمين، الرضى بالسنة، الذي هي قرينة القرآن، أما وإني قد أوتيت القرآن ومثله معي.
الرضا هو قبول كل ما شاع به الخبر عن الله، فلا يجعل خبر الله، وخبر رسوله محل اختبار وتجربة، كما يقول القائل "لعل نقبل حتى نقتنع لا نقبل حتى نفعل" لا هنا مش حقيقي، هنا لم تكن عابدًا لله، إنما عابدًا للهوى الإيمان، أن تنقاد لأمره، وأن تقبل خبره، ولو لم تطمئن إليه نفسك في البداية، مع المقصد في الإيمان، سيزول عنك كل هاجس من هواجس الشيطان، وينقشع عنك ذاك الشك والريب، فتدعي وتعلم أن ربك حكيم خبير، وأن ما قاله حقٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يحقق الرضا بالإسلام ومن الرضا بالإسلام، أنه صالح مصلح، في كل زمان ومكان ليست الدنيا، لم يترك العالم شريعة أكمل من شريعة الإسلام، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}سورة المائدة، الآية: 3، هنا وقد تحقق أركان محبة الله، وتحققت لك الرضا، وتحقق لك الرضا بالله ربًا وبالإسلام، دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم، نبيًّا أبشر فما أكرمك من حلاوة الإيمان، أبشر فما أكرمك إلى ذوق ذاك الطعم، الذي إذا أذقته لن تصبر عنه، بل ستجده في زيادة وبذل، وسعي للتقرب إلى الله تعالى بما يرضيه.
اللهم قنا من شر أنفسنا، وخذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وأصرف عنّا السوء والفحشاء، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، وحزبك المفلحين، وأوليائك الصالحين، يا رب العالمين، اللهم أعمر قلوبنا بمحبتك واملأها بتعظيمك واجعلها خالصة لله، أعنا يا ربنا من زيغ القلوب، وانصرافها اللهم اجعلنا من المخلصين، المخلصين، وسددنا في الأقوال والأعمال، واختم لنا بالصالحات، وأعذنا من شرور أنفسنا، ومن كل شر ذي شر، أنت أخذٌ بناصيته، اللهم صلّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.