×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / دروس / الفقه وأصوله / منهج السالكين / الدرس(7)تابع فصل إزالة النجاسة والأشياء النجسة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(7)تابع فصل إزالة النجاسة والأشياء النجسة
00:00:01

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين وجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومثله الدم المسفوح من الحيوان المأكول، دون الذي يبقى في اللحم والعروق، فإنه طاهر، ومن النجاسات بول وروث كل حيوان محرم أكله، والسباع كلها نجسة. كذلك الميتات، إلا ميتة الآدمي، وما لا نفس له سائلة، والسمك والجراد، لأنها طاهرة، قال تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم }+++ سورة : المائدة (3)---. إلى آخرها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا»+++ البخاري الغسل (279) ، مسلم الحيض (371) ، الترمذي الطهارة (121) ، النسائي الطهارة (269) ،أبو داود الطهارة (231) ، ابن ماجه الطهارة وسننها (534) ، أحمد (235/2)--- ، وقال: «أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال»+++ سنن ابن ماجة: باب الكبد والطحال ، حديث رقم(3439)--- رواه أحمد وابن ماجه. وأما أرواث الحيوانات المأكولة وأبوالها، فهي طاهرة، ومني الآدمي طاهر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل رطبه ويفركه يابسا، وبول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام لشهوة، يكفي فيه النضح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام»رواه أبو داود والنسائي  +++ سنن أبي داود: باب بول الصبى يصيب الثوب ، حديث رقم(376)سنن النسائي: باب بول الجارية ، حديث رقم(306)--- ، وإذا زالت عنه النجاسة طهر المحل، ولم يضر بقاء اللون والريح، لقوله صلى الله عليه وسلم لخوله بنت يسار في دم الحيض: «يكفيك الماء ولا يضرك أثره»+++ مسند أحمد(9001)---. الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،  أما بعد. يقول المصنف رحمه الله: (ومثله). مثله: الضمير يعود إلى دم الإنسان، الدم المسفوح من الحيوان المأكول، قوله (ومثله)، المثلية في ماذا؟، هل هو في النجاسة؟، أو في التخفيف؟، المثلية هنا فالنجاسة، فقوله: (الدم المسفوح من الحيوان المأكول). أي الدم الذي يخرج من الذبيحة عند زكاتها، هذا هو الدم المسفوح. ويلحق به أيضا الدم الخارج من الحيوان حال الحياة، هذا ضابط الدم المسفوح، الدم المسفوح هو الدم الخارج من الحيوان عند ذبحه، وما خرج منه حال حياته، فإذا جرحت شاة وخرج منها دم، هذا الدم دم مسفوح، وهو نجس. وكذلك ما إذا قطعت رجلها مثلا، وهي حية، فإن الدم النازف دم مسفوح، وهو نجس، وما أشبه ذلك بين الدماء الخارجة من الحيوان حال حياته، إذا الدم المسفوح يشمل نوعين: •النوع الأول: ما يخرج عند الذبح. • والثاني: ما يخرج من الحيوان، سواء أكان مأكولا، أو غير مأكول حال حياته. ودليل نجاسة الدم المسفوح، قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به } +++ سورة : الأنعام (145)--- . ثم قال رحمه الله: (دون الذي يبقى في اللحم والعروق، فإنه طاهر). هذا استثناء من دماء الحيوان المأكول لحمه، فالدم المسفوح الخارج من الحيوان عند ذبحه، نجس فما بقي في العروق من الدم، وما بقي في القلب، وما بقي في الأوعية، ما حكمه؟، حكمه أنه طاهر، فهذا يستثنى من نجاسة دم الحيوان، فما يبقى بعد الذبح فالعروق، طاهر، وهو طيب، حلال، يجوز أكله، لا خلاف بين العلماء في ذلك. فقد كانت البرمة تطبخ في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلوها الدم، ولا ينكر على أصحابها، ولا يمنع من أكلها، صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم قال: (بول وروث كل حيوان محرم أكله). هذا الرابع من النجاسات التي عدها المصنف، رحمه الله، (بول وروث كل حيوان محرم أكله). أي إن من الأشياء النجسة، الخارج من كل محرم الأكل، الخارج من كل محرم الأكل، بولا أو رجيعا، فإنه نجس. والدليل على ذلك، ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: (أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - الغائط ، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ، فوجدت حجرين ، والتمست الثالث فلم أجده ، فأخذت روثة ، فأتيته بها ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: «هذا ركس» +++ صحيح البخاري:(156)---، أي نجس، فلا يجزئ استعمالها، فالتطهير؛ لأنها نجسة. وقوله رحمه الله: (بول وروث كل حيوان محرم أكله). يخرج بول وروث الحيوان مأكول اللحم، وسيأتي الحديث عنه في كلام المصنف رحمه الله. الخامس من النجاسات، قال: (والسباع كلها نجسة). أي أن من الأشياء النجسة جميع السباع، والسباع جمع سبع، وهو نوع من الحيوان المتوحش، فالسباع جميع أجزائها وما يخرج منها نجس. لحديث ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن الماء يكون في الفلاة- يعني في الصحراء من الأرض- وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال: ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) +++ سنن أبي داود: باب ما ينجس الماء ، حديث رقم(63) سنن الترمذي: باب منه آخر، حديث رقم(67)---. استدل بهذا الفقهاء رحمهم الله، على أن السبع نجسة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد عدم تأثر الماء بورود السباع بأن يكون كثيرا، قال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث»+++ سنن أبي داود(63)سنن الترمذي(67)---. من أين الخبث جاء؟ ، من ورود السباع، هذا وجه الاستدلال في الحديث، وعلى هذا عامة العلماء. قال رحمه الله: (وكذلك الميتات). هذا سادس ما ذكره من النجاسات، (وكذلك الميتات). والميتات: جمع ميتة، والميتة هي كل ما مات حتف أنفه، أو زكي زكاة غير شرعية، أو مات بسبب لا يبيح أكله، كالمنخنقة، والموقوذة، والمتردية. إذا الميتة هي كل ما مات حتف أنفه، أو زكي زكاة غير شرعية، وإذا أردت البسط والتفصيل في التعريف: أو مات بسبب لا يبيح أكله، كالمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، وما أكل السبع، والنطيحة. والحيوانات التي ميتتها نجسة، نوعان: قوله (كذلك الميتات). هذه أفادنا أن جميع الميتات من الحيوان نجسة، لكن سيأتينا استثناء وأن الميتات تنقسم إلى قسمين: • ميتات نجسة. • وميتات طاهرة. وسيأتي ذكر الميتات الطاهرة، السمك والجراد. أما الميتات النجسة فهذا ميتة كل حيوان إلا ما سيستثنى؛ لأنو سيستثنى أشياء أخرى غير السمك والجراد، لكن قوله هنا (الميتات). يشمل كل الميتات التي تندرج في أنها إذا ماتت تنجست، وهي على نوعين، من حيث نجاستها، الميتات النجسة نوعان: • أحدها، ما لا تفيده الزكاة طهارة، كالكلب والخنزير، فهذا جميع أجزائه نجسة، هذا القسم الأول، فجلده، وشعره، وعظمه، وكل أجزائه نجسة، هذا ما لا تفيد فيه الزكاة. • القسم الثاني: ما تفيد فيه الزكاة، تطهيرا، كالإبل والبقر، كبهيمة الأنعام، والطيور، فهذا أجزاؤه على ثلاثة أقسام من حيث الطهارة: - القسم الأول: نجس مطلقا، كاللحم والشحم وما يؤكل منه. - قسم طاهر مطلقا: وهو الشعر والصوف والوبر والريش، فهذا لا ينجس بالموت، هذا القسم الثاني. - القسم الثالث: ما فيه خلاف، وهو الجلد، هل تفيد فيه الدباغة طهارة، أو لا تفيد؟. إذا أعيد الأقسام الآن، الميتات النجسة تنقسم إلى قسمين، ما لا تفيد فيه الزكاة، أو ما لا تجري فيه الزكاة، وهذا كل أجزائه نجسة، مثاله، الكلب والخنزير، القسم الثاني ما تفيد فيه الزكاة تطهيرا وتطيبا، وهذا كالإبل، كبهيمة الأنعام والطيور، وهذا أجزاؤه على ثلاثة أقسام من حيث الطهارة القسم الأول نجس، وهو كل ما يقصد أكله، من اللحم والشحم والمصران وغير ذلك، الثاني طاهر وهو الريش، والشعر، والوبر، والصوف، القسم الثالث، ما فيه خلاف وهو الجلد، إذا دبغ. فالعلماء في طهارته على قولين، الآن لما قال المصنف رحمه الله في القسم السادس من أقسام النجاسات قال: (الميتات). احتاج أن يستثني؛ لأن النجاسة ليست ثابتة لكل ميتة، بل الميتات فالجملة قسمان، منها ما ينجس بالموت، ومنها ما لا ينجس بالموت، الذي تحدثنا عنه قبل قليل، هو ماذا؟، ما ينجس بالموت. أما ما لا ينجس بالموت، فاستثناه المصنف رحمه الله بقوله: (إلا ميتة الآدمي). هذا واحد، أو لما استثناه المصنف من الميتات، ميتة الآدمي، أي ميتة الإنسان، مسلما كان أو كافرا، دليل ذلك قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم }+++ سورة : الإسراء (70)--- . وأيضا لما سيذكر المؤلف رحمه الله من حديث، فإنه سيذكر دليل طهارة ميتة الآدمي بعد قليل. أما الكافر فجمهور العلماء على أنه لا ينجس بالموت، وذلك أن النجاسة التي أضافها الله تعالى للكافر، نجاسة معنوية، وليست حسية، قال الله تعالى: {إنما المشركون نجس } +++ سورة : التوبة (28)---. ومعلوم أن هذه النجاسة ليست نجاسة حسية. لأن النبي صلى الله عليه وسلم، صافح المشركين، وأدخلهم المسجد، وربط منهم في المسجد من ربط، وأباح نكاح الكتابية، ولم يأمر في شيء من ذلك بتوقي الكافر، أو مخالطته، أو غسل اليدين، أو غسل البدن بعد مخالطته، فدل ذلك على أن الكافر ليس نجس العين. وقال بعض الفقهاء إنه يحتمل كما قال ابن قدامة، ويحتمل يعني أورد احتمالا أنه ينجس بعد موته، وأن نجاسته بعد موته نجاسة عين، لكن الأقرب والأظهر والله تعالى أعلم، أنه لا ينجس بالموت. هذا أول ما ذكره المؤلف رحمه الله، من المستثنيات من قوله: (وكذلك الميتات). ثم قال رحمه الله، ثاني ما ذكر من المستثنيات (وما لا نفس له سائلة). أي ما ليس فيه دم سائل من الحيوانات، فقوله: (ما لا نفس)، أي ما لا دم، فالدم يسمى نفسا، وحتى يميز النفس عن الروح قال: (ما لا نفس له سائلة). يعلم أنه لا دم له سائل، فهذا لا ينجس بالموت، جميع أجزائه طاهرة، كالعقرب والذباب ونحوهما. ودليل ذلك ما في الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم ، فليغمسه» +++ صحيح البخاري(5782)---. ولو كان نجسا لما أمر بغمسه، فدل على أن ميتته طاهرة. ثالث ما ذكر رحمه الله من المستثنيات، قال: (والسمك). أي ميتته السمك طاهرة، فالله تعالى صرح بحل حيوان البحر، في قوله: { أحل لكم صيد البحر وطعامه } +++ سورة : المائدة (96)---. وصيد البحر ما كان حيا منه، وطعامه ما كان ميتا منه، ولم يستثن شيئا، فدل ذلك على طهارته، ولو كان نجسا لما أحل أكله. الرابع مما ذكره من المستثنيات، الجراد، قال: (والجراد). زكي أو لم يزك، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح أكله، فقد أكله الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواتهم، فهو مما دل النص على إباحته، وأنه من الصيد، فميتته طاهرة، ومعلوم أنه لا يزكي، وتصعب تزكيته، أو لا تتأتى تزكيته. قال بعد ذلك: (لأنها طاهرة). هذا تعقيب على المستثنيات الأربعة، ما هي المستثنيات الأربعة؟ • ميتة الآدمي. • ما لا نفس له سائلة. • السمك. • والجراد. بعد ذلك عاد المصنف رحمه الله، إلى ذكر الاستدلال، قال: ( قال تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم}+++ سورة : المائدة (3)--- ). وهذا ذكر لدليل ما تقدم من المحرمات، فمن الخبائث المحرمة، الميتة، سوى ما استثني، (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا»+++ البخاري الغسل (279) ، مسلم الحيض (371)---. هذا دليل استثناء ميتة بني آدم، فهذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا. وبعد ذلك قال: "وقال:( «أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان، فالحوت والجراد»+++ ابن ماجه (3314) ، أحمد (97/2) --- . فهذا دليل طهارة ميتة السمك والجراد، فإن الشارع استثنى من هذا العموم، ميتة الجراد والسمك، فهو حلال طيب. «وأما الدمان، فالكبد والطحال». قال: (وأما أرواث الحيوانات). الآن فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر النجاسات، كم تلخص لنا من النجاسات التي عدها المصنف، ستة أصناف، ستة أصناف، بعد ذلك عاد إلى ذكر ما قد يلحق بما تقدم أو ما فيه خلاف، هذا هو نجس أو لا.  قال رحمه الله: (وأما أرواث الحيوانات المأكولة وأبوالها فهي طاهرة). أما أرواث، أرواث جمع روث، وهو رجيع الدابة، والحيوانات المأكولة سواء كانت دابة أو طائر، دابة أو طائرة، وأبوالها: أي ما يخرج من قبلها، فهي طاهرة. ودليل طهارتها، ما جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة العرنيين، فإنهم لما قدموا إلى المدينة، اجتووا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخرجوا للقاح الصدقة، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها. وأيضا مما استدلوا به على طهارة أرواث وأبوال الحيوانات التي يؤكل لحمها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة في مرابض الغنم. ومرابض الغنم: أي أماكن أويها ورجوعها واجتماعها، حظائرها، ومعلوم أنها لا تخلو من روثها وبولها، فلو كانت نجسة لمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة فيها. وقد سأله رجل، كما في حديث جابر بن سمرة، «قال أصلى في مرابض الغنم قال: نعم»+++ صحيح مسلم:(828)---. فإذنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في مرابض الغنم، دليل على طهارة أرواثها وأبوالها. قال رحمه الله: (ومني الآدمي طاهر). أي ومن الطاهرات ما يخرج من الآدمي ذكرا كان أو أنثى، مما يسمى بالمني، وهذا مما استثني من الخارج من السبيلين، فإنه طاهر، على الراجح من قولي العلماء. وعلة طهارته؛ أنه أصل خلقة الإنسان، هذا من حيث التعليل، وأما من حيث الدليل، فقد ذكر المصنف رحمه الله دليل ذلك، حيث قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسله رطبا، ويفركه يابسا). وجه الدلالة أنه (يفركه يابسا). ومعلوم أن الفرك لا يزيل الشيء بالكلية، إذا وقع الآن على ثوبك شيء وفركته، فإنه مهما بالغت في الفرك، فسيبقى بعض أجزاء الواقع على الثوب عالقا به، فلو كان نجسا لما كفى فيه الفرك، بل لوجب غسله، فدل ذلك على ماذا؟، على طهارته، وهذا أقوى ما استدل به القائلون بطهارة المني. طيب يقال كان يغسله رطبا، غسله له لا يدل على نجاسته، فإنه يغسل ما يستقذر ولو لم يكن نجسا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى نخامة في المسجد، تغير وجهه وحكها، وقال: «النخامة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها»+++ صحيح ابن حبان(1662)---. فدل هذا على أنها مما ينبغي أن تجنب المساجد هذه القاذورات، لكن ليس هذا دليلا على نجاستها. قال رحمه الله: (وبول الغلام الصبي الذي لم يأكل الطعام لشهوة، يكفي فيه النضح). هذا أيضا مما خفف، أو مما يستثنى مما تقدم، فقد تقدم أن بول الآدمي نجس، ويستثنى منه بول الغلام الصغير، فإنه نجس لكنه نجس نجاسة مخففة، ولذلك يكفي فيه النضح، قال: (وبول الغلام الصغير) فخرج به الجارية، وضابط الصغر، ما ضابط الصغر، قال: (الذي لم يأكل الطعام لشهوة). هذا ضابط الصغر، الذي (يكفي في بوله النضح)،  هو من (لم يأكل الطعام لشهوة). ويفيد هذا أنه لو أكل الطعام، لكن لغير رغبة، إنما أكله لأن والده أطعمه أو أعطاه، فإن هذا لا يعد مخرجا له عن وصف الغلام الصغير الذي ينضح من بوله، يكفي فيه النضح. وما المراد بالنضح؟، النضح: هو الرش، وهو تبليل المكان دون أن يقطر الماء، وهذا فرقه، الفرق بينه وبين الغسل، الغسل: يقطر الماء من المغسول، وأما النضح: فهو أن يشبع الموضع ماء لكن لا يلزم منه أن يقطر. (يكفي فيه النضح). كما قال النبي صلى الله عليه، هذا الذي استدل به المصنف رحمه الله: ( «يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام»+++ أبو داود (376)النسائي (306)---، وفي المسألة أحاديث أخر، ووجه التفريق بين بول الجارية وبول الغلام، تكلم عنه العلماء كلاما كثيرا، وأقرب ما يقال: إن طبيعة بول الغلام تختلف عن طبيعة بول الجارية، فلذلك فرق بينهما الشارع في وجوب الغسل، والاكتفاء بالنضح في بول الغلام. قوله: (وإذا زالت عين النجاسة). الآن فرغ المصنف رحمه الله من الأشياء النجسة وما يتعلق بها، وعاد إلى قضية التطهير تقدم فيما مضى، أنو يكفي في غسل جميع النجاسات على البدن أو الثوب أو البقعة أو غيرها، أن تزول عينها عن المحل. ثم عاد هنا قال: (وإذا زالت عين النجاسة طهر المحل). ما فائدة هذا الكلام مع أنه مستفاد فيما تقدم؟، الفائدة من تكرار المسألة، هو قوله: (ولم يضر بقاء اللون والريح). هذا القيد، فأعاد المسألة لتتميم ما يتعلق بها. قال: (وإذا زالت عين النجاسة طهر المحل). إذا زالت عين النجاسة من الثوب، أو من البقعة، أو من البدن، زال حكمها، قال: (ولم يضر بقاء اللون والريح). واستدل لذلك بقوله لخوله في دم الحيض «يكفيك الماء ولا يضرك أثره» +++مسند أحمد: (9001)---. وهذا في الحقيقة محل إشكال؛ لأن ما ذكره المصنف هنا ليس على إطلاقه بالاتفاق، فكل من ذكر هذه المسألة، يقيد ذلك بأن يكون في إزالة الريح واللون مشقة، أما إذا لم يكن في إزالة الريح واللون مشقة، فإنه يجب أن تذهب كل دلائل النجاسة، أو أوصاف النجاسة، لونا وطعما ورائحة. فالمصنف هنا يقول: (إذا زالت عين النجاسة طهر المحل، ولم يضر بقاء اللون والريح). هذا الإطلاق محل تأمل، فإنه مقيد بماذا؟، مقيد بما إذا شق إزالة اللون، إزالة اللون والريح، أو أن يترتب على الاستقصاء في إزالة اللون والريح تلف العين التي يراد إزالة اللون والريح منها. فمثلا إذا وقعت النجاسة على الثوب، فأراد أن يزيله، وترتب على إزالة الرائحة أو اللون، فساد أو شق أو تلف العين المتنجسة، فإن لا يجب عليه ذلك، بل يكفي أن تزول عين النجاسة، ولا يلزمه أن يزيل العين يعني اللون والريح. وإنما نصوا على اللون والريح؛ لأنهما قد يشق إزالتهما، ولم يذكر الطعم؛ لأن وجود الطعم علامة بقاء عين النجاسة، فبقاء طعمها علامة بقائها، لكن اللون والريح، قد تزول النجاسة ويبقى أثرها، لونا أو رائحة ويشق إزالة ذلك، فعند ذلك يكفي في تطهيرها إزالة عينها. واستدلوا لذلك بحديث خولة، وأولى منه بالاستدلال حديث أسماء الذي في الصحيح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم، لما سألته عن دم الحيض، قال: «تحته ، ثم تقرصه بالماء ، وتنضحه وتصلى فيه»+++ صحيح البخاري:(227)---. واكتفى بهذا، ولم يأمرها بالمبالغة في استقصاء ما يمكن أن يكون قد علق من لون في لباسها. أما هذا الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله، فالمحققون من أهل الحديث على ضعفه، فقد ضعفه الحافظ بن حجر، وجماعة من أهل العلم، وأقوى منه في الاستدلال الحديث الذي ذكرته حديث «تحته ، ثم تقرصه بالماء ، وتنضحه وتصلى فيه». والله تعالى أعلم.

المشاهدات:3130

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين وجميع المسلمين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومثله الدم المسفوح من الحيوان المأكول، دون الذي يبقى في اللحم والعروق، فإنه طاهر، ومن النجاسات بول وروث كل حيوانٍ محرمٍ أكله، والسباع كلها نجسة.

كذلك الميتات، إلا ميتة الآدمي، وما لا نفس له سائلة، والسمك والجراد، لأنها طاهرة، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } سورة : المائدة (3). إلى آخرها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن لا ينجس حيًّا ولا ميتًا» البخاري الغسل (279) ، مسلم الحيض (371) ، الترمذي الطهارة (121) ، النسائي الطهارة (269) ،أبو داود الطهارة (231) ، ابن ماجه الطهارة وسننها (534) ، أحمد (235/2) ، وقال: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» سنن ابن ماجة: باب الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ ، حديث رقم(3439) رواه أحمد وابن ماجه.

وأما أرواث الحيوانات المأكولة وأبوالها، فهي طاهرة، ومنيُّ الآدمي طاهر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل رطبه ويفركه يابسا، وبول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام لشهوة، يكفي فيه النضح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلاَمِ»رواه أبو داود والنسائي   سنن أبي داود: باب بَوْلِ الصَّبِىِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ ، حديث رقم(376)سنن النسائي: باب بَوْلِ الْجَارِيَةِ ، حديث رقم(306) ، وإذا زالت عنه النجاسة طهر المحل، ولم يضر بقاء اللون والريح، لقوله صلى الله عليه وسلم لخوله بنت يسار في دم الحيض: «يَكْفِيكِ الْمَاءُ وَلاَ يَضُرُّكِ أَثَرُهُ» مسند أحمد(9001).

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،

 أما بعد.

يقول المصنف رحمه الله: (ومثله). مثله: الضمير يعود إلى دم الإنسان، الدم المسفوح من الحيوان المأكول، قوله (ومثله)، المثلية في ماذا؟، هل هو في النجاسة؟، أو في التخفيف؟، المثلية هنا فالنجاسة، فقوله: (الدم المسفوح من الحيوان المأكول). أي الدم الذي يخرج من الذبيحة عند زكاتها، هذا هو الدم المسفوح.

ويلحق به أيضا الدم الخارج من الحيوان حال الحياة، هذا ضابط الدم المسفوح، الدم المسفوح هو الدم الخارج من الحيوان عند ذبحه، وما خرج منه حال حياته، فإذا جرحت شاةٌ وخرج منها دم، هذا الدم دمٌ مسفوح، وهو نجس.

وكذلك ما إذا قطعت رجلها مثلًا، وهي حية، فإن الدم النازف دمٌ مسفوح، وهو نجس، وما أشبه ذلك بين الدماء الخارجة من الحيوان حال حياته، إذًا الدم المسفوح يشمل نوعين:

•النوع الأول: ما يخرج عند الذبح.

• والثاني: ما يخرج من الحيوان، سواءً أكان مأكولًا، أو غير مأكول حال حياته.

ودليل نجاسة الدم المسفوح، قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } سورة : الأنعام (145) .

ثم قال رحمه الله: (دون الذي يبقى في اللَّحم والعروق، فإنه طاهر). هذا استثناء من دماء الحيوان المأكول لحمه، فالدم المسفوح الخارج من الحيوان عند ذبحه، نجس فما بقي في العروق من الدم، وما بقي في القلب، وما بقي في الأوعية، ما حكمه؟، حكمه أنه طاهر، فهذا يستثنى من نجاسة دم الحيوان، فما يبقى بعد الذبح فالعروق، طاهر، وهو طيبٌ، حلالٌ، يجوز أكله، لا خلاف بين العلماء في ذلك.

فقد كانت البرمة تطبخ في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلوها الدم، ولا ينكر على أصحابها، ولا يمنع من أكلها، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ثم قال: (بول وروث كل حيوانٍ محرمٍ أكله). هذا الرابع من النجاسات التي عدها المصنف، رحمه الله، (بول وروث كل حيوانٍ محرمٍ أكله). أي إن من الأشياء النجسة، الخارج من كل محرم الأكل، الخارج من كل محرم الأكل، بولًا أو رجيعًا، فإنه نجس.

والدليل على ذلك، ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: (أَتَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - الْغَائِطَ ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: «هَذَا رِكْسٌ» صحيح البخاري:(156)، أي نَجِس، فلا يجزئ استعمالها، فالتطهير؛ لأنها نجسة.

وقوله رحمه الله: (بول وروث كل حيوانٍ محرمٍ أكله). يخرج بول وروث الحيوان مأكول اللحم، وسيأتي الحديث عنه في كلام المصنف رحمه الله.

الخامس من النجاسات، قال: (والسباع كلها نجسة). أي أن من الأشياء النجسة جميع السباع، والسباع جمع سبع، وهو نوع من الحيوان المتوحش، فالسباع جميع أجزائها وما يخرج منها نجس.

لحديث ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن الماء يكون في الفلاة- يعني في الصحراء من الأرض- وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال: ((إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ) سنن أبي داود: باب مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ ، حديث رقم(63) سنن الترمذي: باب مِنْهُ آخَرُ، حديث رقم(67). استدل بهذا الفقهاء رحمهم الله، على أن السبع نجسة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد عدم تأثر الماء بورود السباع بأن يكون كثيراً، قال: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» سنن أبي داود(63)سنن الترمذي(67). من أين الخبث جاء؟ ، من ورود السباع، هذا وجه الاستدلال في الحديث، وعلى هذا عامة العلماء.

قال رحمه الله: (وكذلك الميتات). هذا سادس ما ذكره من النجاسات، (وكذلك الميتات). والميتات: جمع ميتة، والميتة هي كل ما مات حتف أنفه، أو زُكي زكاةً غير شرعية، أو مات بسببٍ لا يبيح أكله، كالمنخنقة، والموقوذة، والمتردية.

إذًا الميتة هي كل ما مات حتف أنفه، أو زكي زكاةً غير شرعية، وإذا أردت البسط والتفصيل في التعريف: أو مات بسبب لا يبيح أكله، كالمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، وما أكل السبع، والنطيحة.

والحيوانات التي ميتتها نجسة، نوعان: قوله (كذلك الميتات). هذه أفادنا أن جميع الميتات من الحيوان نجسة، لكن سيأتينا استثناء وأن الميتات تنقسم إلى قسمين:

• ميتات نجسة.

• وميتات طاهرة.

وسيأتي ذكر الميتات الطاهرة، السمك والجراد.

أما الميتات النجسة فهذا ميتة كل حيوان إلا ما سيستثنى؛ لأنو سيستثنى أشياء أخرى غير السمك والجراد، لكن قوله هنا (الميتات). يشمل كل الميتات التي تندرج في أنها إذا ماتت تنجست، وهي على نوعين، من حيث نجاستها، الميتات النجسة نوعان:

• أحدها، ما لا تفيده الزكاة طهارًة، كالكلب والخنزير، فهذا جميع أجزائه نجسة، هذا القسم الأول، فجلده، وشعره، وعظمه، وكل أجزائه نجسة، هذا ما لا تفيد فيه الزكاة.

• القسم الثاني: ما تفيد فيه الزكاة، تطهيرا، كالإبل والبقر، كبهيمة الأنعام، والطيور، فهذا أجزاؤه على ثلاثة أقسام من حيث الطهارة:

- القسم الأول: نجس مطلقا، كاللحم والشحم وما يؤكل منه.

- قسم طاهرٌ مطلقا: وهو الشعر والصوف والوبر والريش، فهذا لا ينجس بالموت، هذا القسم الثاني.

- القسم الثالث: ما فيه خلافٌ، وهو الجلد، هل تفيد فيه الدباغة طهارةً، أو لا تفيد؟.

إذًا أعيد الأقسام الآن، الميتات النجسة تنقسم إلى قسمين، ما لا تفيد فيه الزكاة، أو ما لا تجري فيه الزكاة، وهذا كل أجزائه نجسة، مثاله، الكلب والخنزير، القسم الثاني ما تفيد فيه الزكاة تطهيرًا وتطيبًا، وهذا كالإبل، كبهيمة الأنعام والطيور، وهذا أجزاؤه على ثلاثة أقسام من حيث الطهارة القسم الأول نجس، وهو كل ما يقصد أكله، من اللحم والشحم والمصران وغير ذلك، الثاني طاهر وهو الريش، والشعر، والوبر، والصوف، القسم الثالث، ما فيه خلاف وهو الجلد، إذا دبغ.

فالعلماء في طهارته على قولين، الآن لما قال المصنف رحمه الله في القسم السادس من أقسام النجاسات قال: (الميتات). احتاج أن يستثني؛ لأن النجاسة ليست ثابتة لكل ميتة، بل الميتات فالجملة قسمان، منها ما ينجس بالموت، ومنها ما لا ينجس بالموت، الذي تحدثنا عنه قبل قليل، هو ماذا؟، ما ينجس بالموت.

أما ما لا ينجس بالموت، فاستثناه المصنف رحمه الله بقوله: (إلا ميتة الآدمي). هذا واحد، أو لما استثناه المصنف من الميتات، ميتة الآدمي، أي ميتة الإنسان، مسلما كان أو كافرا، دليل ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } سورة : الإسراء (70) . وأيضا لما سيذكر المؤلف رحمه الله من حديث، فإنه سيذكر دليل طهارة ميتة الآدمي بعد قليل.

أما الكافر فجمهور العلماء على أنه لا ينجس بالموت، وذلك أن النجاسة التي أضافها الله تعالى للكافر، نجاسة معنوية، وليست حسية، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } سورة : التوبة (28). ومعلوم أن هذه النجاسة ليست نجاسة حسية.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم، صافح المشركين، وأدخلهم المسجد، وربط منهم في المسجد من ربط، وأباح نكاح الكتابية، ولم يأمر في شيءٍ من ذلك بتوقي الكافر، أو مخالطته، أو غسل اليدين، أو غسل البدن بعد مخالطته، فدل ذلك على أن الكافر ليس نجس العين.

وقال بعض الفقهاء إنه يحتمل كما قال ابن قدامة، ويحتمل يعني أورد احتمالا أنه ينجس بعد موته، وأن نجاسته بعد موته نجاسة عين، لكن الأقرب والأظهر والله تعالى أعلم، أنه لا ينجس بالموت.

هذا أول ما ذكره المؤلف رحمه الله، من المستثنيات من قوله: (وكذلك الميتات). ثم قال رحمه الله، ثاني ما ذكر من المستثنيات (وما لا نفس له سائلة). أي ما ليس فيه دمٌ سائل من الحيوانات، فقوله: (ما لا نفس)، أي ما لا دم، فالدم يسمى نفسا، وحتى يميز النفس عن الروح قال: (ما لا نفس له سائلة). يعلم أنه لا دم له سائل، فهذا لا ينجس بالموت، جميع أجزائه طاهرة، كالعقرب والذباب ونحوهما.

ودليل ذلك ما في الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ ، فَلْيَغْمِسْهُ» صحيح البخاري(5782). ولو كان نجسًا لما أمر بغمسه، فدل على أن ميتته طاهرة.

ثالث ما ذكر رحمه الله من المستثنيات، قال: (والسمك). أي ميتته السمك طاهرة، فالله تعالى صرح بحل حيوان البحر، في قوله: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } سورة : المائدة (96). وصيد البحر ما كان حيا منه، وطعامه ما كان ميتًا منه، ولم يستثنِ شيئا، فدل ذلك على طهارته، ولو كان نجسًا لما أحل أكله.

الرابع مما ذكره من المستثنيات، الجراد، قال: (والجراد). زُكِّي أو لم يُزكَّ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح أكله، فقد أكله الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواتهم، فهو مما دل النص على إباحته، وأنه من الصيد، فميتته طاهرة، ومعلوم أنه لا يزكي، وتصعب تزكيته، أو لا تتأتى تزكيته.

قال بعد ذلك: (لأنها طاهرة). هذا تعقيب على المستثنيات الأربعة، ما هي المستثنيات الأربعة؟

• ميتة الآدمي.

• ما لا نفس له سائلة.

• السمك.

• والجراد.

بعد ذلك عاد المصنف رحمه الله، إلى ذكر الاستدلال، قال: ( قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} سورة : المائدة (3) ). وهذا ذكر لدليل ما تقدم من المحرمات، فمن الخبائث المحرمة، الميتة، سوى ما استثني، (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن لا ينجس حيًا ولا ميتًا» البخاري الغسل (279) ، مسلم الحيض (371). هذا دليل استثناء ميتة بني آدم، فهذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا.

وبعد ذلك قال: "وقال:( «أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان، فالحوت والجراد» ابن ماجه (3314) ، أحمد (97/2) . فهذا دليل طهارة ميتة السمك والجراد، فإن الشارع استثنى من هذا العموم، ميتة الجراد والسمك، فهو حلال طيب. «وأما الدمان، فالكبد والطحال».

قال: (وأما أرواث الحيوانات). الآن فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر النجاسات، كم تلخص لنا من النجاسات التي عدها المصنف، ستة أصناف، ستة أصناف، بعد ذلك عاد إلى ذكر ما قد يلحق بما تقدم أو ما فيه خلاف، هذا هو نجس أو لا.

 قال رحمه الله: (وأما أرواث الحيوانات المأكولة وأبوالها فهي طاهرة). أما أرواث، أرواث جمع روث، وهو رجيع الدابة، والحيوانات المأكولة سواءً كانت دابة أو طائر، دابة أو طائرة، وأبوالها: أي ما يخرج من قبلها، فهي طاهرة.

ودليل طهارتها، ما جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة العرنيين، فإنهم لما قدموا إلى المدينة، اجتووا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخرجوا للقاح الصدقة، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها.

وأيضًا مما استدلوا به على طهارة أرواث وأبوال الحيوانات التي يؤكل لحمها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة في مرابض الغنم. ومرابض الغنم: أي أماكن أويها ورجوعها واجتماعها، حظائرها، ومعلوم أنها لا تخلو من روثها وبولها، فلو كانت نجسة لمنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة فيها.

وقد سأله رجل، كما في حديث جابر بن سمرة، «قَالَ أُصَلِّى فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَالَ: نَعَمْ» صحيح مسلم:(828). فإذنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في مرابض الغنم، دليل على طهارة أرواثها وأبوالها.

قال رحمه الله: (ومني الآدمي طاهر). أي ومن الطاهرات ما يخرج من الآدمي ذكرًا كان أو أنثى، مما يسمى بالمني، وهذا مما استثني من الخارج من السبيلين، فإنه طاهر، على الراجح من قولي العلماء.

وعلة طهارته؛ أنه أصل خلقة الإنسان، هذا من حيث التعليل، وأما من حيث الدليل، فقد ذكر المصنف رحمه الله دليل ذلك، حيث قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسله رطبا، ويفركه يابسا).

وجه الدلالة أنه (يفركه يابسا). ومعلوم أن الفرك لا يزيل الشيء بالكلية، إذا وقع الآن على ثوبك شيء وفركته، فإنه مهما بالغت في الفرك، فسيبقى بعض أجزاء الواقع على الثوب عالقًا به، فلو كان نجسا لما كفى فيه الفرك، بل لوجب غسله، فدل ذلك على ماذا؟، على طهارته، وهذا أقوى ما استدل به القائلون بطهارة المني.

طيب يقال كان يغسله رطبا، غسله له لا يدل على نجاسته، فإنه يغسل ما يستقذر ولو لم يكن نجسا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى نخامًة في المسجد، تغير وجهه وحكها، وقال: «النُّخامةُ في المسجدِ خطيئةٌ وكفَّارتُها دَفْنُها» صحيح ابن حبان(1662). فدل هذا على أنها مما ينبغي أن تجنب المساجد هذه القاذورات، لكن ليس هذا دليلا على نجاستها.

قال رحمه الله: (وبول الغلام الصبي الذي لم يأكل الطعام لشهوة، يكفي فيه النضح). هذا أيضا مما خفف، أو مما يستثنى مما تقدم، فقد تقدم أن بول الآدمي نجس، ويستثنى منه بول الغلام الصغير، فإنه نجس لكنه نجس نجاسة مخففة، ولذلك يكفي فيه النضح، قال: (وبول الغلام الصغير) فخرج به الجارية، وضابط الصغر، ما ضابط الصغر، قال: (الذي لم يأكل الطعام لشهوة). هذا ضابط الصغر، الذي (يكفي في بوله النضح)،  هو من (لم يأكل الطعام لشهوة). ويفيد هذا أنه لو أكل الطعام، لكن لغير رغبة، إنما أكله لأن والده أطعمه أو أعطاه، فإن هذا لا يعد مخرجا له عن وصف الغلام الصغير الذي ينضح من بوله، يكفي فيه النضح.

وما المراد بالنضح؟، النضح: هو الرش، وهو تبليل المكان دون أن يقطر الماء، وهذا فرقه، الفرق بينه وبين الغسل، الغسل: يقطر الماء من المغسول، وأما النضح: فهو أن يشبع الموضع ماءً لكن لا يلزم منه أن يقطر.

(يكفي فيه النضح). كما قال النبي صلى الله عليه، هذا الذي استدل به المصنف رحمه الله: ( «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلاَمِ» أبو داود (376)النسائي (306)، وفي المسألة أحاديث أخر، ووجه التفريق بين بول الجارية وبول الغلام، تكلم عنه العلماء كلامًا كثيرًا، وأقرب ما يقال: إن طبيعة بول الغلام تختلف عن طبيعة بول الجارية، فلذلك فرق بينهما الشارع في وجوب الغسل، والاكتفاء بالنضح في بول الغلام.

قوله: (وإذا زالت عين النجاسة). الآن فرغ المصنف رحمه الله من الأشياء النجسة وما يتعلق بها، وعاد إلى قضية التطهير تقدم فيما مضى، أنو يكفي في غسل جميع النجاسات على البدن أو الثوب أو البقعة أو غيرها، أن تزول عينها عن المحل.

ثم عاد هنا قال: (وإذا زالت عين النجاسة طهر المحل). ما فائدة هذا الكلام مع أنه مستفاد فيما تقدم؟، الفائدة من تكرار المسألة، هو قوله: (ولم يضر بقاء اللون والريح). هذا القيد، فأعاد المسألة لتتميم ما يتعلق بها.

قال: (وإذا زالت عين النجاسة طهر المحل). إذا زالت عين النجاسة من الثوب، أو من البقعة، أو من البدن، زال حكمها، قال: (ولم يضر بقاء اللون والريح). واستدل لذلك بقوله لخوله في دم الحيض «يَكْفِيكِ الْمَاءُ وَلاَ يَضُرُّكِ أَثَرُهُ» مسند أحمد: (9001).

وهذا في الحقيقة محل إشكال؛ لأن ما ذكره المصنف هنا ليس على إطلاقه بالاتفاق، فكل من ذكر هذه المسألة، يقيد ذلك بأن يكون في إزالة الريح واللون مشقة، أما إذا لم يكن في إزالة الريح واللون مشقة، فإنه يجب أن تذهب كل دلائل النجاسة، أو أوصاف النجاسة، لونًا وطعمًا ورائحةً.

فالمصنف هنا يقول: (إذا زالت عين النجاسة طهر المحل، ولم يضر بقاء اللون والريح). هذا الإطلاق محل تأمل، فإنه مقيد بماذا؟، مقيد بما إذا شق إزالة اللون، إزالة اللون والريح، أو أن يترتب على الاستقصاء في إزالة اللون والريح تلف العين التي يراد إزالة اللون والريح منها.

فمثلا إذا وقعت النجاسة على الثوب، فأراد أن يزيله، وترتب على إزالة الرائحة أو اللون، فساد أو شق أو تلف العين المتنجسة، فإن لا يجب عليه ذلك، بل يكفي أن تزول عين النجاسة، ولا يلزمه أن يزيل العين يعني اللون والريح.

وإنما نصوا على اللون والريح؛ لأنهما قد يشق إزالتهما، ولم يذكر الطعم؛ لأن وجود الطعم علامة بقاء عين النجاسة، فبقاء طعمها علامة بقائها، لكن اللون والريح، قد تزول النجاسة ويبقى أثرها، لونًا أو رائحةً ويشق إزالة ذلك، فعند ذلك يكفي في تطهيرها إزالة عينها.

واستدلوا لذلك بحديث خولة، وأولى منه بالاستدلال حديث أسماء الذي في الصحيح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم، لما سألته عن دم الحيض، قال: «تَحُتُّهُ ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ، وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّى فِيهِ» صحيح البخاري:(227). واكتفى بهذا، ولم يأمرها بالمبالغة في استقصاء ما يمكن أن يكون قد علق من لون في لباسها.

أما هذا الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله، فالمحققون من أهل الحديث على ضعفه، فقد ضعفه الحافظ بن حجر، وجماعة من أهل العلم، وأقوى منه في الاستدلال الحديث الذي ذكرته حديث «تَحُتُّهُ ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ، وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّى فِيهِ».

والله تعالى أعلم.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات19164 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات12340 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9882 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8428 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف