بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء، والمرسلين، نبيِّنا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين أما بعد، فاللُّهم اغفر لنا، ولشيخنا، والحاضرين، وجميع المسلمين،
قال المؤلف رحمه الله تعالى: والأركان القولية من المذكورات: تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة على غير مأموم، والتشهد الأخير، والسلام. وباقي أفعالها أركان فعلية، إلا التشهد الأول فإنه من واجبات الصلاة، والتكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وقول سبحان ربي العظيم في الركوع، سبحان ربي الأعلى مرةً في السجود، رب اغفر لي بين السجدتين، مرة مرة، وما زاد فهو مسنون، وقول سمع الله لمن حمده للإمام، والمنفرد، ربنا لك الحمد للكل، فهذه الواجبات تسقط بالسَّهو، ويجبرها سجوده السَّهو، وكذا بالجهل.
والأركان لا تسقط سهوًا، ولا جهلًا، ولا عمدًا، والباقي سنن أقوال، وأفعال، مكمل للصلاة، ومن الأركان الطمأنينة في جميع أركانها، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا قُمْتَ إِلى الصَّلاةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، (ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا)، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا)) صحيح البخاري: 793، صحيح مسلم: 397 متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وصلوا كما رأيتموني أصلي)) متفق عليه صحيح البخاري:631ومسلم (674).
الحمد لله حمداً كثيرًا، طيبًا، مباركًا فيه، كما يحب ويرضى ربنا جلّ في علاه، وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، اللهُّم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد أما بعد..
فيقول المصنف رحمه الله في باب صفة الصلاة:
(والأركان القولية من المذكورات)، ثم عدَّها، بعد أن فرغ المصنف من ذكر صفة الصلاة إجمالًا، وراعى فيها الاختصار، عاد إلى ذكر مراتب تلك الأقوال، والأفعال، وهذا فائدته التَّمييز بين هذه الأقوال، فيما يجبره سجود السهو، وفيما لا يضر تركه، وفيما لا تصح الصلاة بدونه، فائدة هذا العدِّ هو التَّمييز بين مراتب الأفعال: ما لا تصح الصلاة إلا به، ما تصح الصلاة بدونه، ما يكون فقدُه نقصًا في الصَّلاة، لكنه يُجبر، أي بيَّنَ المصنف الأركان، والواجبات، والمستحبات، والمسنونات، يقول رحمه الله: أبتدئ بأركان لأنه أهمها وأخطرها أثرًا على الصلاة، يقول: (والأركان)، الأركان جمع ركن، والركن هو جزء الشيء، وماهيته، هكذا يعرفه أهل الأصول، الركن جزء الشيء، وماهيته فهو من حقيقة الشيء لا يتم الشيء، ولا يوجد إلا بأركانه، يقول رحمه الله: (والأركان القولية من المذكورات)، أي فيما تقدم من صفة تكبيرة الإحرام، هذا واحد، (وقراءة الفاتحة على غير المأموم) هذا الثاني، (والتشهد الأخير) هذا الثالث، والسلام هذا الرابع، إذًا الأركان القولية أربعة، وهي: افتتاح الصلاة، واختتامها، وقراءة الفاتحة، وهو في أولها، والتشهد في آخرها إذًا ركنان في الأول، وركنان في الآخر، ركنان في أول الصلاة، وركنان في آخرها، أما تكبيرة الإحرام فهي ركنٌ، باتفاق أهل العلم، لا تسقط جهلًا، ولا سهوًا، ولا عمدًا؛ لأنه لا يدخل الصلاة إلا بها، أما قراءة الفاتحة على غير المأموم، فهذا ما ذكره المصنف رحمه الله، جارٍ على ما عليه عامة أهل العلم، ودليل ذلك ما في الصحيحين من حديث عبادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) صحيح البخاري: بَابُ وُجُوبِ القِرَاءَةِ لِلْإِمَامِ وَالمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ, حديث رقم:756، صحيح مسلم: بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُحْسِنِ الْفَاتِحَةَ، وَلَا أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُهَا قَرَأَ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، حديث رقم: 394 ، وتقدم الكلام على الفاتحة، واستثناؤه المأموم؛ لأن المأموم اختلف في قراءته، والمصنف رجح أنها ليست ركنًا في حقه، ومعنى هذا أنه إذا تركها نسيانًا أو عجزًا، فإنه لا يؤثر على صحة صلاته، وأما العجز فيستوفيه الأركان، والواجبات فتسقط بالعجز.
قال رحمه الله: (والتشهد الأخير)، هذا ثالث ما ذكره من الأركان القولية، والتشهد الأخير، هو قول التحيات لله، والصلوات إلى آخر التشهد، وهو قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، ويدخل فيه أيضًا الصَّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنها ركن على ما ذهب إليه المصنف، وهو مذهب الحنابلة، وقيل إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست ركنًا، وإنما هي واجبة، وقيل هي سنة، ففيها ثلاثة أقوال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والأقرب من هذه الأقوال أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم واجبة، واجب من واجبات الصلاة، هذا أقرب ما يُقال، ودليل ذلك حديث فضالة بن عبيد أنّه قال: ((سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَجِلَ هَذَا " ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ: " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ)) سنن أبي داود1481، سنن الترمذي: 3477، قال المصنف: (والسلام) أي قول السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وقول السلام يشمل التسليمتين، على قول جماعة من أهل العلم، فكلا التسليمتين ركن، وقيل بل التسليم الأول هو ركن، والثاني واجب، وقيل التسليم الثاني سنة، ففي التسليم الثاني، ثلاثة أقوال منهم من قال إنه ركن، ومنهم من قال: إنه واجب، ومنهم من قال: إنه مستحب، والأقرب أن التسليم الذي يحصل به الخروج من الصلاة واحد، والثاني مستحب، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج من الصلاة بتسليمة واحدة، ولو كان ركنًا لما تركه صلى الله عليه وعل آله وسلم، ثم قال المصنف رحمه الله: وباقي أفعالها أركان فعلية، أي باقي ما ذكره فيما تقدم من القيام، والركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والسجود كلُّ ذلك أركان فعلية، يقول المصنف رحمه الله: (إلا التَّشهد الأول فإنه من الواجبات)، الآن عاد إلى ذكر ما خرج من الاستثناء السابق، ليس فقط من الأفعال بل الاستثناء من الأقوال والأفعال، فقوله: إلا هنا استثناء مما تقدم من الأركان، قولية، أو فعلية، قال: التشهد الأول فإنه من واجبات الصلاة، ودليله أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، سجد للسَّهو لما تركه وكان يلازم فعله صلى الله عليه وسلم، (والتكبيرات غير تكبيرة الإحرام)، والتكبيرات غير تكبيرة الإحرام استثناء من تكبيرة الإحرام، فالتكبيرات واجبة، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، واختاره المصنف، وقيل أن التكبيرات سنة، وليست واجبة، فلو لم يكبر، فإنه تصح صلاته، واستدلوا لذلك بأنه لم ينقل عنه الأمر بها، إنما نقل عنه فعلها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والقائلون بالوجوب قالوا: إن ملازمة فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله: ((وصلوا كما رأيتموني أصلي)) يدل على وجوبها، والأقرب من هذين القولين أن التكبيرات سنة، وليست واجبة، فلو تركها المصلي فإنه لا يحتاج إلى سجود سهو واجب، ويكون قد ترك سنة، لعدم الدليل على الوجوب، وهذا قول الجمهور، جمهور العلماء.
قال رحمه الله : (وقول سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى مرة في السجود)، هذا هو القدر الواجب من التسبيح في الركوع، والسجود، وهذا يتحقق بكل صيغة من صيغ التسبيح، ليس هذا على وجه التَّعيين، فلو قال: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، أو قال: سبوح قدوس رب الملائكة والروح في الركوع، أو قال: سجد وجهي للذي خلقه فصوره، وشق سمعه، وبصره تبارك الله أحسن الخالقين، أو قال غير ذلك من الأدعية، والأذكار، فإنه يتحقق به الواجب، وقيل: إنه يتعين أن يأتي بالتسبيح بهذه الصيغة، في الركوع، وفي السجود لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الصلاة، لكن الأمر بهما ورد في حديث ضعيف، فالصَّواب أنه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من تسبيح، أو دعاء يكفي في حصول المطلوب في الركوع، والسجود، وقول: (ورب اغفر لي بين السجدتين، مرة مرة)، وما زاد فهو مسنون، أيضاً هذا ملحق بما تقدم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك.
قال: (وقول سمع الله لمن حمده)، سمع الله لمن حمده للإمام، والمنفرد لفعل النبي، ومداومة لذلك، ويجري فيها الخلاف الذي يجري في التكبيرات، قال رحمه الله: (وربنا لك الحمد)، وذلك لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ((فَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ)) مسند أحمد:9385، قال: فهذه الواجبات أي المذكورة فيما تقدم، وهي واجبات قولية، فهذه الواجبات إلا التشهد الأول فإنه يجمع قولًا، وفعلًا، وهو الجلوس، أما الباقي فإنها أقوال قد تكون في أركان، فسبحان ربي العظيم، قول في ركن، وهو الركوع، سبحان ربي الأعلى، قول في ركن، وهو السجود رب اغفر لي، قول في ركن، وهو الجلوس بين السجدتين ربنا ولك الحمد، قول في ركن وهو الرفع من الركوع، فهذه الواجبات تسقط بالسهو أي بالغفلة عنها، تسقط أي بلا إثم، ولا طلب إعادة، ويجبرها أي: يقوم مقامها، ويعوض نقصها سجوده للسَّهو، أي سجود الناسي، الساهي للسهو، وكذا بالجهل، أي كذلك تسقط بالجهل، وفهم منه أنه لا تسقط الأركان بالجهل، وهذا فيما إذا كان في الوقت نعم، أما إذا كان في خارج الوقت فإنه يسقط بالجهل، كما دل عليه حديث المسيء في صلاته، فإنه أخلَّ بأركان في صلاته، ولم يطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد ما مضى من الصلوات، بل أمره بإعادة الصلاة الحاضرة التي لم يصلها على الوجه الصحيح، ((ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)) صحيح البخاري:757، صحيح مسلم: 397 ، ولم يطلب منه أن يعيد ما تقدم لعلمه بجهله، فالركن لا يسقط بالجهل إذا كان في وقت الصلاة، إذا علم الانسان بوقت الصلاة فإنها تسقط أما بعد ذلك فإنه يسقط قال رحمه الله: ونص على ذلك بقول: (والأركان لا تسقط لا جهلًا، ولا سهوًا، ولا عمداً) أي لا تسقط في حال من الأحوال لا تسقط سهوًا غفلة ونسيانًا، ولا جهلًا عدم علم، ولا عمدًا، ولا بتعمد الترك، خلافًا للواجبات فإنها تسقط سهوًا، وتسقط جهلًا، لكنها لا تسقط عمدًا، كذلك خلافًا للمسنونات فإنها تسقط سهوًا، وجهلًا، وعمدًا لا يترتب على تركها عمدًا شيء، لذلك قال: (والباقي سنن أقوال، وأفعال مكمل للصلاة)، وفي قوله مكمل للصلاة، أي أن نقصها لا يخل بالصلاة الشرعية، بل صلاته صحيحة.
ثم عاد فقال: ومن الأركان الطمأنينة في جميع أركانها الأركان التي ينبغي أن يستحضرها وأن يأتِي بها المصلي الطمأنينة، والطمأنينة هي السكون بأن يفعل الصلاة على حال مطمئنة، وقدر الطمأنينة هو أن يأتِي بكل ركن على وجه مستقل متميز عن غيره من الأفعال، ويبين هذا ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: « إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا» صحيح البخاري:6290، « إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ)) أي بلِّغ الماء جميع أعضاء الطهارة، الإسباغ هو تبليغ الماء إلى جميع أعضاء الطهارة، «ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ) هذا أول أركان الصلاة، استقبل القبلة يعني وجه وجهك شطر المسجد الحرام، «فَكَبِّرْ) وهذه تكبيرة الإحرام، ((ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن))، ثم جاء بيان ذلك في سائر الحديث أن أقل ما يكون في القراءة الواجبة في الصلاة، الفاتحة، ((ثم اركع حتى تطمئن راكعًا)) أي حتى تستقر في ركوعك، وأقل ذلك قدر قول: سبحان ربي العظيم مرة واحدة، هذا أقل قدر للاطمئنان الواجب في الركوع: أن يكون ذلك بقدر قول سبحان ربي العظيم مرة واحدة، ((ثم ارفع حتى تستوي قائمًا))، أي: يرجع كلُّ عظم إلى مكانه، ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها))، أي: ما تقدم من الإتيان بالقيام، والركوع، والرفع منه والسجود، والرفع منه، والسجدة الثانية، يفعل ذلك في صلاته كلها، على النحو الذي تقدم، ثم قال رحمه الله: وقال صلى الله عليه وسلم: ((وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) صحيح البخاري: باب رحمة الناس والبهائم, حديث رقم: 5662، وهذا الحديث أصل في الحرص على متابعة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، وقد تقدم أن قوله: ((وصلوا كما رأيتموني أصلي)) خطاب لمن ؟ للصحابة ومن بعدهم، كيف يحقق ذلك ؟ بأن يتابعه فيصلي كما وصفت له صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فإذا فرغ من صلاته أي قضى صلاته، وأتى بها على النحو الموصوف أركانا وواجبات، ومستحبات ما الذي يشرع ؟ قال رحمه الله:
(فإذا فرغ من صلاته استغفر ثلاثاً و قال: ((اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) صحيح مسلم: 591 ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، ((سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثًا وثلاثين، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، تمام المائة)) صحيح مسلم: 597.
والرواتب المؤكدة التابعة للمكتوبات عشر، وهي المذكورة في حديث ابن عمر ضي الله عنهما قال: ((حفظتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الفجر)) متفق عليه صحيح البخاري:1180، صحيح مسلم: 729
بعد أن فرغ المصنف من ذكر مراتب أفعال الصلاة من أركان وواجبات، ومستحبات، قال: فإذا فرغ من صلاته أي: قضى صلاته، شرع له ما يأتي أن يستغفر ثلاثًا، أي أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما في الصحيح من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: «اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: " كَيْفَ الْاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ)) صحيح مسلم: 591 ، انصرف من صلاته أي قضاها بالتسليم، والخروج من الصلاة بالتسليمتين، وهذا يدل على أنه يفعل ذلك إذا فرغ من صلاته مباشرة، فلا يفصل بين ذلك بسكوت، أو بوقت أو بعمل بل يأتي به مباشرة، يقول أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وظاهر السنة أنه كان يقولها صلى الله عليه وسلم مباشرة قبل غيرها من الأذكار، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يكبر بعد صلاته، استدلالا بما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس قال: ((كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بالتكبير) صحيح البخاري: 806، ومسلم (583) ، أي برفع الصوت بالتكبير، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا قضى صلاته كبر، قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لكن هذا خلاف قول الجمهور، والمقصود بالتكبير الذكر بعد الصلاة، الذي منه التكبير، وليس المقصود التكبير بذاته إنما المقصود جملة ما يُقال من الأذكار بعد الصلاة فكما لو قال كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر بعد الصلاة وأما تفصيل الذكر، فهو مأخوذ من مجموع الأحاديث، والأحاديث دلت على أنه كان يبتدئ بالاستغفار قبل غيره صلى الله عليه وسلم كما جاء عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ « اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ». قَالَ الْوَلِيدُ فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ كَيْفَ الاِسْتِغْفَارُ قَالَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّه) صحيح مسلم:1362، هذا جاء فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أَبِى الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ حِينَ يُسَلِّمُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ». وَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ) صحيح مسلم: 594، وجاء أنه كان يقول صلى الله عليه وسلم: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ثلاث مرات بعد السلام جاء ذلك في "الصحيح" والأمر في هذا قريب، فيحتمل أنه كان يكرر هذا الذكر ثلاث مرات لا اله الا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ومنها لفظ ما جاء في مسلم من حديث ابن الزبير، ويحتمل أنه جملة ما ذكر في هذا من التهليل ثلاث مرات فعدَّه القائل ثلاثًا « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» صحيح مسلم: 594، فهنا ذكر التهليل ثلاث مرات، الأمر في هذا قريب، والذي يظهر والله أعلم أنه يقولها مرة واحدة، هذا الأقرب إلى ظاهر السنة والله أعلم.
ثم يقول: ((سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثًا وثلاثين، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، تمام المائة)) صحيح مسلم: 597، كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا الذكر اليسير الذي يفرط فيه كثير من الناس، وهو التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثاً وثلاثين، والختم بمائة فيه فضل عظيم كبير، فيه ما ما رواه أبوهريرة، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)) صحيح مسلم: 597، تصوَّر هذا الفضل، وتجد كثيراً من الناس يقول الإمام، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، تجدهم عند الباب ما سبب تعجلهم؟ على أي شيء يركضون ؟ ماذا يريدون ؟ تجد واحد منهم يطلع يقف مع زميله، أو صاحبه ساعة عند المسجد، ولا يشعر بالوقت، لكنه في هذه الأذكار اليسيرة التي لا تستغرق أقل من خمس دقائق، يغفل عنها، مع أنها ذات فضل عظيم غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر يا الله ! عفوك، ومغفرتك الخطايا أثقلت كواهلنا، وهذه فرص لحط الخطايا، وهذا مما يتحقق به قول النبي صلى الله عليه وسلم، الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، هذه الصيغ هي إحدى الصيغ التي وردت في التسبيح في دبر الصلاة، وورد غير ذلك ورد التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير أربعًا وثلاثين، وورد التسبيح عشرًا، والتحميد عشرًا، والتكبير عشرًا، وورد التسبيح إحدى عشرة مرة، والتحميد إحدى عشرة مرة، والتكبير إحدى عشرة مرة، وورد أيضًا التسبيح خمسًا وعشرين، والتحميد خمسًا وعشرين، والتكبير خمسًا وعشرين، والتهليل خمسًا وعشرين، كل هذا مما جاءت به السنة فما فعله الإنسان من هذه الصيغ تنويعًا، أو لزم إحداها فإنه أصاب السنة أو بعضها.
ثم قال المصنف رحمه الله، (والرواتب المؤكدة التابعة للمكتوبات عشر)، الرواتب جمع راتبة، وسميت هذه الصلوات بالرواتب؛ لأنها دائمة، فالراتب هو الشيء الدائم، فإنها سنة دائمة مستقرة، لذلك سميت بالرواتب، ومنهم تسمية الإمام، الدائم في المسجد، الإمام الراتب لأنه دائم، و منه تسمية ما ينزل في الحسابات في آخر الشهر للموظفين، بأنه دائم مادام العمل، إذًا الرواتب المقصود بها السنن الدائمة المقارنة للصلاة المكتوبة، وصفها بالمؤكدة للزوم النبي صلى الله عليه وسلم فعلها، ولما ورد فيها من عظيم الأجر، وكبير الفضل، قال رحمه الله: (والرواتب المؤكدة التابعة للمكتوبات عشر وهي المذكورة في حديث ابن عمر) ذكره المصنف قال: ((حفظتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الفجر)) ، متفق عليه صحيح البخاري: 1180، صحيح مسلم: 729 . هذه هي الرواتب، وقيل الرواتب ثنتا عشرة ركعة، عملًا بما جاء في مسلم من حديث أم حبيبة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى الله له بيتا في الجنة) سنن النسائي:1809، وجاء تفصيل ذلك في رواية الترمذي حيث قالت: ((قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر) سنن الترمذي: 415، هذا ما ورد عن النبي في السنن الراتبة التابعة للمكتوبة.