السؤال:
بعض الناس يجتهد في الأضحية ويترك خطوطا عريضة في الدين، مثل الفرائض كالصلوات، فما التوجيه لهم؟
الجواب:
الذي يفرز مثل هذه النتيجة واحد من أمرين:
الأول: هو ضعف التدين، وأخذ العبادات على وجه الاعتياد، فتكون العبادة كنوع من العادة، هو نشأ على أنه في يوم العيد يذبح عندهم شاة، غائب عن باله أنها قربة وعبادة {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}[الحج:37]، والتقوى عمل قلبي ليس شيئا حسيا، وتقوى القلب يبلغ بها العبد مراتب عليا، ومنزلة كبرى، إذًا الإشكالية الأولى أن بعض الناس يأخذون العبادات والطاعات على وجه الاعتياد الذي يخلو عن جانب التدين، وهنا أقول لهؤلاء: أحسنوا نياتكم؛ لتعظم أجوركم، فإن عظم الأجر بقدر ما في القلب من نية صالحة خالصة، فالعملان قد يكونان على صورة واحدة، بينهما كما بين السماء والأرض، في الفضل وفي الرجحان، والسبب هو ما قام في القلوب، يقول ابن القيم رحمه الله في نونيته:
وتفاضل الأعمال يتبع ما يقوم بقلب صاحبها من البرهان
فتفاضل أعمال العاملين بحسب ما يقوم في القلب من الإيمان والبرهان والتصديق، وليس صورة العمل، فالعمل قد يقوم به من يتقي الله ومن لا يتقيه، لكن الشأن في أن يصدق هذا العمل ما في القلب من الإيمان.
الأمر الثاني: أن من الناس من عنده خلط فيظن أن العمل الصالح المندوب إليه في مثل أيام عشر ذي الحجة، هو فقط النوافل، ويغفل عن أن أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى الفرائض، وانظر إلى هذا الحديث الإلهي العظيم، الذي هو من أعظم الأحاديث في بيان مقام تحقيق العبودية لله، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته» رواه البخاري (6502).، فأحب ما تتقرب به إلى الله تعالى في هذه الأيام الصلاة المفروضة، صلاة الفجر في هذه الأيام أفضل من صلاة الفجر في غيرها من الأيام، وهكذا بقية الفرائض، وكل الفرائض أفضل من غيرها من الفرائض في سائر الأيام، ثم بعد هذا «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»، بعد الفرائض تأتي النوافل، ولذلك ينبغي لنا أن نفهم أنه من الأولى بنا أن نبادر إلى الفرائض، ثم نتبعها النوافل.
وهنا أنبه الذين يحرصون على صيام هذه الأيام، ويكثر السؤال هل أصوم وعلي قضاء من رمضان؟ أقول: قضِ في هذه الأيام، هو أفضل من أن تشتغل بالنافلة، قضاؤك لصومك الواجب في هذه الأيام أعظم أجرًا، كم يدل عليه هذا الحديث، وكان عمر رضي الله عنه يأمر بصيام القضاء في العشر، فاجتمع عندنا نص نبوي وقول عمر رضي الله عنه، ولو أن إنسانا صام النفل وقال: أقضي بعد ذلك، فهذا جائز، لكن الأفضل المبادرة للفرائض، والله أعلم.