الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
لأهل العلم في التعامل مع مَن يغلب على ماله الحرام عدة أقوال أظهرها الجواز، ومن ذلك قبول هداياهم، يدل لهذا قبول النبي صلى الله عليه وسلم للهدية من اليهود، ففي صحيح البخاري (2933) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه لما فُتِحَت خيبر أُهْدِيَت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، والْمُهْدِي يهودية، فقَبِلَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن يهود أهل ربا وأَكَلَة سُحْت، وهو غالب أموالهم.
ويُعَضِّد هذا ما رواه عبد الرزَّاق في مصنفه بسند جيد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن رجلًا سأله فقال: إن لي جارًا يأكل الربا، وإنه لا يزال يدعوني، فقال: مَهْنَأَة لك وإثِمُه عليه.
وقد جاء مثل ذلك عن سلمان، وقد سئل الحسن عن طعام الصيارفة فقال: قد أخبركم الله عن اليهود والنصارى، وأنهم يأكلون الربا، وأَحَلَّ لكم طعامهم، وهذا فيما إذا جاءتك الهدية من صاحب المعاملة المحرَّمة مباشرة، أما إذا جاءتك بواسطة مَن تملَّكَها بطريق مباح ثم أعطاك إياها هدية أو بمعاملة كما هو الحال في سؤالك فقبولها جائز، ولا شيء عليك في ذلك، لكن إن كان أَخْذ مثل هذه الهدايا يتضمن ترويجًا للمحرَّمات أو دعاية لها، أو يُفْضِي إلى أن يشتبه حكمها على الناس، فلا أرى لك قبولها، والله تعالى أعلم.