قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" الشريعة بل قد تسقط الشريعة التكليف عمن لم تكمل فيه أداة العلم والقدرة تخفيفا عنه وضبطا لمناط التكليف وإن كان تكليفه ممكنا كما رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وإن كان له فهم وتمييز ؛ لكن ذاك لأنه لم يتم فهمه ؛ ولأن العقل يظهر في الناس شيئا فشيئا ؛ وهم يختلفون فيه ، فلما كانت الحكمة خفية ومنتشرة قيدت بالبلوغ .
وكما لا يجب الحج إلا على من ملك زادا وراحلة عند جمهور العلماء ؛ مع إمكان المشي لما فيه من المشقة وكما لا يجب الصوم على المسافر مع إمكانه منه تخفيفا عليه وكما تسقط الواجبات بالمرض الذي يخاف معه زيادة المرض وتأخر البرء وإن كان فعلها ممكنا. لكن هذه المواضع هي مما تختلف فيها الشرائع ؛ فقد يوجب الله في شريعة ما يشق ، ويحرم ما يشق تحريمه : كالآصار والأغلال التي كانت على بني إسرائيل وقد يخفف في شريعة أخرى كما قال المؤمنون : {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} وكما قال الله تعالى : {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقال تعالى {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} وقال : {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وقال : { يريد الله أن يخفف عنكم }.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في قصة الأعرابي :« إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين » وقال لمعاذ وأبي موسى : «يسرا ولا تعسرا » وقال : «إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه »وقال : « لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن أقواما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم » وقال : « لا رهبانية في الإسلام » وقال « لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني » وقال : « إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته » وروي عنه أنه قال : « بعثت بالحنيفية السمحة » . وأما كون الإنسان مريدا لما أمر به أو كارها له فهذا لا تلتفت إليه الشرائع بل ولا أمر عاقل بل الإنسان مأمور بمخالفة هواه .
"مجموع الفتاوى" ( 10/345- 346).