ما هي مفسدات الصوم؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / الصوم / ما هي مفسدات الصوم؟
ما هي مفسدات الصوم؟
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإجابة على سؤالك نقول وبالله تعالى التوفيق:
مفسدات الصيام ورد بها النص من كلام الله جلَّ وعلا في قوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، فدلَّت الآية الكريمة على أن الصائم يمتنع من ثلاثة أمور: مباشرة النساء، والأكل، والشرب. وهذه الآية تضمنت أصول المفطرات، أي: ما يرجع إليها ما يجب على الصائم أن يمتنع منه، وقد جاء هذا في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به، يَدَعُ طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»، فدلَّ هذا الحديث على أن الصائم ممنوع من هذه الأمور الثلاثة، وهذا محل اتفاق، ولا خلاف بين العلماء في أنه يحرم على الصائم الأكل والشرب والجماع.
وإضافة إلى هذه الأمور الثلاثة -وهي أمور متفقق عليها- أمر رابع وهو ما يتصل بتعمد إخراج ما في الجوف، وهو ما يُعرف بالقيء أو الاستقاءة، وقد ورد فيه حديث في السنن وعند أحمد من حديث هشام، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن ذَرَعه القيء فلا قضاء عليه»، فقوله: «مَن ذرعه» يعني: خرج من غير اختياره فلا قضاء عليه. «ومن استقاء» يعني: ومن طلب إخراج ما في جوفه «فليقض»، فهذا يدل على التفريق بين الحالين، وقد حكى ابن المنذر وابن عبد البر وجماعة من العلماء الإجماع على أن مَن أخرج ما في جوفه مُتعمِّداً فإنه يفطِر، وبهذا تكون المفطرات المتفق عليها أربعة.
أضف إلى هذا المُفطِّر الرابع مفطراً خامساً، وهو خاص بالمرأة: وهو الحيض والنفاس، فالمرأة إذا أصابها الحيض سواء في ذلك ما كان في أول النهار أو ما كان في آخره أو في أي جزء منه، فإنه من المفطرات، أي: يجب عليها قضاء هذا اليوم، ولا يصح صومها فيه ولو مضى ما مضى من الوقت. ويُلحق بالحيض: النفاس، فإن النفاس من المفطرات.
فهذه المُفطِّرات الخمسة هي من المفطرات المتفق عليها بين أهل العلم.
وهناك مُفطِّرات أخرى اختلف فيها العلماء،، واختلافهم رحمهم الله بين قوي وضعيف، فممّا ذكره العلماء -على سبيل المثال- من المفطرات: الحجامة، فذهب جمهور العلماء إلى أنها لا تُفطِّر، وذهب الإمام أحمد وإسحاق وجماعة من أهل العلم إلى أنها من المفطرات، ومستند خلافهم في هذا هو تعارض ما جاء في الحجامة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان وغيره: «أفطر الحاجم والمحجوم»، وجاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم. فتعارض الخبر مع الفعل، فمن أهل العلم من قال: إن الفعل ناسخ للقول، ومنهم من قال: إن الفعل مخصص للقول ودالٌّ على أن قوله: (أفطر) أي: أوشك، وليس المقصود أنه فَسَد صومه، بل إن صومه صحيح وحجامته مكروه.
ومن أهل العلم من قال: إن رواية ابن عباس التي فيها «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم» غير محفوظة، وبالتالي أخذ بالأحاديث المتعددة التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفطر الحاجم والمحجوم».
وهذا نموذج للمفطرات التي اختلف فيها العلماء.
ومن أمثلة المفطرات أيضاً التي وقع فيها الخلاف: إنزال المني بشهوة من غير جماع، فمن أهل العلم مَن يرى أنه لا يفطر، وهذا قول ابن حزم من الظاهرية، والذي عليه سواد علماء الأمة وهو قول عامة أهل العلم وجماهير فقهاء الإسلام: أن إخراج المني بشهوة من المُفَطِّرات؛ استناداً إلى ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: الصيام لي وأنا أجزي به، يَدَع طعامه وشرابه وشهوتَه من أجلي»، فقوله: «وشهوتَه» يشمل الجماع -بالإجماع- ويدخل فيه أيضاً استفراغ الشهوة بما دون الجماع، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقبِّل وهو صائم ويباشر وهو صائم، ثم قالت: ولكنه كان أملككم لِأَرَبِه» وهذا يدل على أن الصيام يتأثر بالإنزال، لو قبَّل فأنزل ولو باشر فأنزل ولو لم يجامع، لكنها بيّنت رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يملك نفسه أن يحصل معه ما يفسد صومه، بسبب التقبيل أو بسبب المباشرة، وإلى هذا ذهب جماهير علماء الأمة.
وهذان نموذجان من المسائل التي تُعدُّ من مفسدات الصوم، وهي من مسائل الخلاف بين العلماء، ولهم فيها قولان.
فإذا أردنا أن نفتح الباب لما وراء ذلك، انفتح علينا مسائل كثيرة يسأل عنها الناس اليوم: هل هي من المفطرات أو ليست من المفطرات، كحقن الدم والإبر المغذية والإبر العلاجية واستعمال البخاخات واستعمال المناظير سواء كانت مناظير من الفم أو مناظير من الدبر أو ما يكون من التحاميل التي يستعملها الرجل سواءٌ كان في القبل أو الدبر، كل هذه من المسائل التي تثير استفهامات هل هي من المفطرات أو ليست من المفطرات.
لكن نقول في الإجمال: ما من شيء يُحكم عليه بأنهه مفطِّر، إلا ولا بد فيه من دليل.