كيف يكون للصوم أثر على تهذيب النفوس؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / الصوم / كيف يكون للصوم أثر على تهذيب النفوس؟
كيف يكون للصوم أثر على تهذيب النفوس؟
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإجابة على سؤالك نقول وبالله تعالى التوفيق:
أسأل الله الإعانة على الخير، وأن يسدد في الجواب، وأن يلهمنا الرشد والصواب.
وفيما يتعلَّق بتأثير الصوم: فالصوم بالتأكيد أنه يؤثِّر على النفس، لا لمجرد الكفِّ عن الأكل والشرب، بل لما يصاحب هذا من نية صادقة في التقرب إلى الله عز وجل بامتثال أمره وطاعته والتزام ما شرع جل في علاه، فهذا العمل بباطنه وظاهره- بباطنه: النية الصادقة والرغبة الجازمة فيما عند الله، وظاهره وهو الكف عن الأكل والشرب والمفطرات- يعكس على النفس سلوكاً من السمو والارتقاء، ما يصدق به قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصيام جُنة»، فالصوم حصن ووقاية، ولذلك قال: «جُنَّة»، وليس جُنة بمعنى أنه وقاية من عذاب الله وسخطه فقط، بل هو أوسع من هذا، وهو أنه وقاية من عذاب الله وسخطه، وهذا غاية المطلوب، لكن ذلك بمقدمات كصلاح العمل وتوقي السوء والشر في القول وفي المظهر والعمل وفي سائر الحال، فالله عز وجل يقول في غاية الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
إذاً: المقصود من هذه العبادة وهذه الطاعة، هو تحقيق التقوى لله عز وجل، والتقوى ليست أمراً غائباً، بل التقوى كمال بشري، فإذا حققه الإنسان فإنه يبلُغ به أعلى مقامات الإحسان في سلوكه وأخلاقه ومعاملته وسائر شأنه، ولذلك ينبغي أن يُفتِّش الإنسان عن آثار صومه في سلوكه، وأن لا يُفسِّر الخطأ والخلل والقصور والتقصير بأنه صائم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال في الصحيحين من حديث أبي هريرة: «الصيامُ جُنَّة، فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يَرفُث ولا يصخَب»، والرفث يشمل الفعل المحرم فيما يتعلق بالنساء، وأيضاً القول البذيء الذي يتعلَّق بالنساء وغيرِهنَّ، مما هو في هذا المعنى.
أما ما يتعلق بالصخب، فالصخب هو رفع الصوت في المخاصمات والمشاتمات والمنازعات، فلا يصخَب أي: لا يرفع صوته في حال الصخب، بل ينبغي أن يكون الصوم يوماً مميزاً بهدوئه وسكينته وطمأنينته وراحة الإنسان، فإن ذلك مما يقصد بالصوم، ولهذا تسمو النفس حتى تتنازل عن المقابلة بالمثل في حال الصيام؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فلا يرفُث ولا يصخَب»، ثم قال: «فإن امرؤ شاتَمه أو قاتلَه -وفي رواية- سابَّه فليقل: إني امرؤ صائم»، يعني: لا يقابل الإساءة بالإساءة، بل يقابله بالمانع من الردِّ بالمثل وهو الصوم، فالصوم ارتقاء وسمو وارتفاع عن سفاسف الأخلاق وسيئاتها.
وأنا أقول لنفسي ولإخواني: ينبغي أن نفتِّش عن هذه الخصال في صومنا، فإذا كان صومنا خالياً منها فإننا منقوصون الأجر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري وأبي داود من حديث أبي هريرة: «مَن لم يدعْ قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، فكل يوم هو مرحلة نقضيها من هذا الشهر، فينبغي أن نستزيد فيها من الصالحات، وأن نستكثِر فيها من الطاعات، وأن نجافي كل السيئات، فالشرور في هذه الأيام متنوعة والفتن صنوف وأشكال وأنواع، ولذلك من المهم أن يتزوَّد الإنسان من الطاعة ما استطاع وبالأخلاق الفاضلة ما أمكنه، حتى التبسم في وجه أخيك هذا مما تؤجر عليه في صيامك وتؤجر عليه في غيرك، وفي الصوم يكون أعلى أجراً؛ لأنه يقترن بزمان مبارك فاضل وحال وهيئة صالحة.
هذا ما أوصي به نفسي وإخواني، وبه يتبيَّن الارتباط الوثيق بين الأخلاق وبين الصوم، وأن الصيام ينعكس على النفس هدوءاً وطمأنينة وسكينة ويضعُف ويضيق على الشيطان تسلطه، وبالتالي ينعكس هذا في الممارسة والسلوك والأخلاق.
فأسأل الله أن يُعينَنا على أنفسنا.