وجوب إعفاف الرجل زوجته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / نكاح / وجوب إعفاف الرجل زوجته
وجوب إعفاف الرجل زوجته
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإجابة عن سؤالك نقول وبالله تعالى التوفيق:
روى البخاري (3237) ومسلم (1436) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ». وفي هذا الوعيد الشديد على امتناع المرأة من زوجها إذا طلبها للفراش؛ وذلك لأن منع الحقوق مما يوجب سخط الله تعالى، إلا إن كان امتناعها لعذر، كأن تكون حائضًا أو مريضة تتأذى بالجماع، ونحو ذلك من الأعذار، فإنها لا تدخل حينئذ في الحديث لعذرها.
ومن جملة ما ذكره بعض أهل العلم في أعذار المرأة التي تخرجها من هذا الحديث، ما لو كان الزوج ظالِمًا لها بهجرها، فامتنعت عنه عقوبةً له على ظلمه، فإن الحديث لا يشملها، قال ابن حجر في الفتح (9/294): "أما لو بدأ هو بظلمها فلا" أي: فلا يتجه عليها اللوم الوارد، وهذا مقتضى العدل الذي قامت به السماوات والأرض، قال الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، وقال سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40].
ويمكن أن يُستدل لعدم مؤاخذتها بسبب ظلمه، بما رواه البخاري (5204) من حديث عبد الله بن زَمْعَة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ». فالحديث دال على قبح اجتماع هذين الأمرين: الظلم، وطلب الاستمتاع؛ فإن الظلم والأذى يوجبان التنافر والبغضاء، والجماع والاستمتاع إنما يكونان مع ميل النفس وداعي الرغبة إلى المعاشرة.
وأما امتناع الرجل عن امرأته إذا دعته فالذي يظهر أنه لا يجوز له ذلك إذا كان قادرًا، وبالزوجة حاجة؛ لأنه خلاف ما أمر الله به من العشرة بالمعروف {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]. وقد قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، فدل ذلك على أن للزوجة من الحقوق نظير ما عليها، إلا ما دل الدليل على تخصيص أحد الزوجين به. ويدل لذلك أيضاً ما ختم الله به آية الإيلاء، وهو حلف الرجل على ترك وطء زوجته، فقد قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226]. ووجهه أن ختم الآية بذكر المغفرة (يقتضي أنه قد تقدم ذنب، وهو الإضرار بالمرأة في المنع من الوطء. ولأجل هذا قلنا: إن المضارة دون يمين توجب من الحكم ما يوجب اليمين إلا في أحكام المرأة) (أحكام القرآن لابن العربي 1/ 250).
ومما يؤيد ذلك أن عدم إعفاف الرجل لزوجته، وهي راغبة محتاجة، من أعظم أسباب تعريضها للفتن، بطلب ذلك ممن لا يحل لها، لا سيما وأن أسباب الفساد ودواعيه متوافرة كثيرة، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، أما شمول الوعيد الوارد في حديث أبي هريرة فمحل نظر؛ لأن النص جاء خاصًّا في امتناع المرأة من زوجها، والقياس في مثل هذا ممتنع، والله أعلم.