الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فوصيتي لمن كانت هذه حاله أن يلزم تقوى الله تعالى، وألا يغتر بمثل هذا الأمر؛ فإن صدق الرؤيا لا يلزم منه صلاح الإنسان، فهو يحصل مع أناس كثر، صالحين وغيرهم، وإن كان صدق الرؤيا فرعًا عن صدق الحديث، وهو أيضًا من علامات قرب القيامة؛ لما روى مسلم (2263) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا صَالِحَةٌ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٍ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ».
وقد دلت السنة على جملة من الآداب المتعلقة بالرؤيا، وهي على قسمين:
القسم الأول: رؤيا صالحة، ويُستحَب لها جملة من الآداب، منها:
أولًا: أن يحمد الله تعالى عليها؛ لأنها من الله تعالى، وهي جزء من أجزاء النبوة، ولأنها بشرى للمؤمن، ويدل لذلك ما رواه البخاري (7045) عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ».
ولما رواه البخاري (3292) ومسلم (2261) عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ».
ثانيًا: ألا يحدث بها إلا من يحب؛ لما رواه البخاري (7044) ومسلم (2261) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ».
القسم الثاني: أن يرى ما يكره، فيستحب له جملة من الآداب؛ ليتوقى شر ما رأى، وهي:
أولًا: أن يتفل عن يساره ثلاثًا.
ثانيًا: أن يستعيذ بالله تعالى من الشيطان ثلاثًا.
ثالثًا: أن يتحول من الجنب الذي كان عليه إلى غيره.
ويدل على هذه الآداب الثلاثة، أحاديث في الصحيحين وغيرهما، منها ما رواه مسلم (2262) عن جابر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ».
رابعًا: أن يقوم فيصلي.
خامسًا: ألا يخبر بها أحدًا، سواء على وجه الإعلام، أو لطلب التعبير.
ويدل لهذين الأدبين الأخيرين حديث أبي هريرة السابق عند مسلم؛ حيث فيه «فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ»، والله تعالى أعلم.
أخوكم
أ.د. خالد المصلح
14 /6 /1429هـ