×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

المكتبة المقروءة / محاضرات / انظر إلى قلبك

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:6932

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ، لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ، أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، ظاهِرُهُ وَباطِنُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلىَ يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَحَيَّا اللهُ هَذِهِ الوُجُوهَ الطَّيِّبَةَ، وَأَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ، رَبَّ العَرْشِ الكَرِيمِ، أَنْ يَجْعَلَها وُجُوهًا مُسْفِرَةً ضاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً يَوْمَ العَرْضِ عَلَيْهِ، يَوْمَ العَطاءِ وَالجَزاءِ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقادِرُ عَلَيْهِ.

أَيُّها الأَحْبابُ، أَيُّها الإِخْوَةُ، أَيُّها الأَخَواتُ الكَرِيماتُ:

الحَجُّ عِبادَةٌ، جَمَعَ اللهُ تَعالَى فِيها أَنْواعًا مِنَ القُرُباتِ، هِيَ دَوْرَةٌ تَدْرِيبِيَّةٌ يَلِجُها المؤْمِنُ وَيَخْرُجُ مِنْها بِفَوائِدَ عَدِيدَةٍ، وَالنَّاسُ في هَذا مُخْتَلِفُونَ، اللهُ تَعالَى يَقُولُ: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} سُورَةُ البَقَرَةِ، الآية: 197 ، وَالنَّاسُ في هَذا الزَّادِ مُتَفاوِتُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْرِفُ وَيَأْخُذُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَقِلُّ في أَخْذِهِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، لَكِنِ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، السَّابِقُونَ إِلَى التَّزَوُّدِ مِنْ خَيْرِ زَادٍ في هَذِهِ الدُّنْيا هُمُ السَّابِقُونَ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ، يَوْمَ العَرْضِ وَالنُّشُورِ، يَوْمَ الوُقُوفِ بِلا دِرْهَمٍ وَلا دِينارٍ، وَلا جاهٍ وَلا سُلْطانٍ، كَما قالَ اللهُ تَعالَى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} سُورَةُ الأَنْعامِ، الآيَة: 94، هَذا شَأْنُنا الآنَ، انْظُرُوا كَيْفَ نَحْنُ جالِسُونَ في هَذِهِ الأَسِرَّةِ المتَجاوِرَةِ، مِنَّا الكَبِيرُ، وَمِنَّا الغَنِيُّ، وَمِنَّا الفَقِيرُ، وَمِنَّا مُتَوَسِّطُ الحالِ، حالٌ وَاحِدَةٌ، وَانْظُرُوهُمْ في الأَرْصِفَةِ كَيْفَ يَجْلِسُونَ، وَانْظُرْهُمْ في الأَبْراجِ كَيْفَ يَجْلِسُونَ، كُلُّهُمْ سَواءٌ مُتَقارِبُونَ مَهْما كانَ هُناكَ تَفاوُتٌ في التَّرَفِ وَالأَخْذِ وَالمتَعِ، هُمْ مُتَقارِبُونَ، كُلُّهُمْ تَرَكُوا أَمْوالَهُمْ وَأَوْلادَهُمْ وَأَوْطانَهُمْ، وَتَرَكُوا كُلَّ نَعِيمٍ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ، وَجاءُوا إِلَى هَذا المكانِ.. وَيَوْمَ العَرْضِ لَيْسَ هُناكَ سُرُرٌ، وَلا ثِيابٌ، وَلا سُلْطانَ، {وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ} كُلُّ ما مَلَّكْناكُمْ {وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ}، لَيْسَ مَعَنا شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ، أَتَدْرُونَ ما هُوَ؟ إِنَّهُ العَمَلُ الصَّالِحُ، إِنَّهُ حصائِدُ أَعْمالِنا.

رَوَى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس؛ أنَّ النَّبي صلّى الله عليه وسلم قال: «يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاَثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ» أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ (6514)، وَمُسْلِمٌ (2960) .

العَمَلُ ما هُوَ؟ العَمَلُ هُوَ سَعْيِي وَسَعْيُكَ، هُوَ ما أَقُومُ بِهِ وَما أَنْتَ تَقُومُ بِهِ، ما يَرْصُدُهُ الحاسِبُونَ وَما يَكْتُبُهُ الحافِظُونَ، قالَ تَعالَى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} سُورَةُ الطَّارِق، الآيةُ: 4 يَحْفَظُ عَمَلَها وَيَحْفَظُ ما يَكُونُ مِنْها، الدَّقِيقُ وَالجَلِيلُ، لا يَغِيبُ ظاهِرٌ وَلا باطِنٌ، هَذا هُوَ الَّذِي سَتَلْقاهُ يَوْمَ القِيامَةِ، وَهَذا هُوَ الَّذِي بِهِ تَتَفاوَتُ الدَّرَجاتُ، وَيَعْلُو بِهِ النَّاسُ في المنازِلِ يَوْمَ القِيامَةِ، إِنَّما هِيَ الأَعْمالُ، قالَ تَعالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} سُورَةُ الزُّخْرِفِ، الآية: 72 ، فَلا تَسْتَقِلّ شَيْئًا؛ فَإِنَّ اللهَ يُعْطِي عَطاءً جَزِيلًا عَلَى العَمَلِ القَلِيلِ، فَجِدَّ وَأَرِ اللهَ مِنْ قَلْبِكَ خَيْرًا، وَمِنْ عَمَلِكَ صالحًا، وَأَبْشِرْ؛ فَإِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلا لا يُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فالشَّأْنُ كُلُّ الشَّأْنِ أَنْ نَسْتَحْضِرَ مِنْ هَذِهِ الرِّحْلَةِ ذَلِكَ الموْقِفَ العَظِيمَ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الخَلْقُ.

أَرَأَيْتُمُ الآنَ لَوْ أَنَّهُ حَصَلَ أَيُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْواعِ المفْزِعاتِ لِهَذا الجَمْعِ، كَيْفَ سَتَكُونُ حالُ النَّاسِ؟ في أَمْرٍ مَرِيجٍ، الكُلُّ يَقُولُ: نَفْسِي نَفْسِي.. فَذاكَ اليَوْمُ أَعْظَمُ وَأَشَدُّ، فَتَذَكَّرْ هَذِهِ الجُمُوعَ، وَاذْكُرْ أَنَّكَ سَتَقِفُ في مِثْلِها يَوْمًا ما بَيْنَ يَدَيِ اللهِ جَلَّ في عُلاهُ، لا يَنْفَعُكَ جاهٌ، وَلا سُلْطانَ، وَلا مالٌ، وَلا نَسَبٌ، وَلا شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيا كُلِّها، إِلَّا ما يَكُونُ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ.

فَجَوِّدْ مِرْكِبَكَ، فَالسَّيْرُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّما هُوَ سَيْرُ القُلُوبِ الصَّالِحَةِ الصَّادِقَةِ، وَلَيْسَ بِسَيْرِ الصُّوَرِ وَالأَشْكالِ.

وَقَطْعُ المسافَةِ إِنَّما يَكُونُ بِالقُلُوبِ، لا بِالسَّيْرِ فَوْقَ مَقاعِدِ الرُّكْبانِ.

فانْتَبِهْ لِقَلْبِكَ؛ فَإِنَّهُ مَطِيَّتُكَ.. انْتَبِهْ لِقَلْبِكَ؛ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ نَظَرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

كَمْ مِنْ بَهِيِّ الصُّورَةِ، جَمِيلُ الشَّكْلِ، حَسَنِ المنْطِقِ، لا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ.

وَكَمْ مِنْ إِنْسانٍ يَتَلَعْثَمُ فِي قَوْلِهِ، وَلا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ، إِذا شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ، وَإِذا قالَ لَنْ يَسْمَعَ، لَكِنَّهُ عِنْدَ اللهِ بِمَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ.

الفارِقُ لَيْسَ في الصُّوَرِ، اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ في المنافِقِينَ: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} سُورَةُ المنافِقُونَ، الآية: 4، جَمالُ في الشَّكْلِ وَالصُّورَةِ، وَإِنْ يَقُولُوا في المنْطِقِ تَسْمَعُ لِقَوْلِهِمْ، لجِمالِ أَلْفاظِهِمْ وَكَلِماتِهِمْ، لَكِنْ كُلُّ هَذا يَطِيرُ وَيَتَبَدَّلُ، وَلا قِيمَةَ لَهُ، إِذا كانَ القَلْبُ عَنِ اللهِ غافِلاً، وَإِذا كانَ القَلْبُ عَنِ اللهِ صادًّا.

أَنْتُمْ جِئْتُمْ إِلَى هَذِهِ البُقْعَةِ للهِ، لا لِغَيْرِهِ، لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلا في مُقَدِّمَةِ الآيَةِ الَّتِي فَرَضَ فِيها الحَجَّ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ العَمَلَ، حَيْثُ ذَكَرَ المقْصُودَ؛ قالَ جَلَّ في عُلاهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} سُورَةُ آلِ عِمْرانَ، الآيَةُ: 97، للهِ لَيْسَ لِغَيْرِهِ، فَأَخْلِصُوا قَصْدَكُمْ للهِ، وَاعْلَمُوا - وَاللهِ - أَنَّ السَّبْقَ بِالقُلُوبِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ آخَرَ، لَكِنَّ القَلْبَ وِعاءٌ يَحْتاجُ إِلَى تَطْهِيرٍ وَتَنْظِيفٍ وَتَطْييبٍ وَعِنايَةٍ، فَالَّذِي يُهْمِلُ وِعاءَهُ يَتَّسِخُ، وَالَّذِي يُهْمِلُ لِباسَهُ وَإِنْ كانَ أَجْدَدَ ما يَكُونُ، وَأَنْظَفَ ما يَكُونُ، وَأَجْمَلُ ما يَكُونُ، إِذا لَمْ يَتَعَهَّدْهُ بِالتَّنْظِيفِ يَتَّسِخُ، كَذَلِكَ القُلُوبُ إِذا لَمْ نَتَعاهَدْها بِالتَّطْييبِ وَالتَّطْهيرِ وَالرِّعايَةِ وَالنَّظَرِ فَإِنَّها تَمْرَضُ، وَإِذا مَرِضَتْ وَلَمْ تُتَدَارَكْ تَهْلِكْ وَتَمُوتُ.

فأَدْرِكُوا قُلُوبَكُمْ وَانْتَبِهُوا لَها.

وَأَعْظَمُ ما يُحْيِي القُلُوبَ ذِكْرُ اللهِ جَلَّ في عُلاهُ، وَلِهَذا كانَتْ هَذِهِ الرِّحْلَةُ مُقْتَرِنَةً بِالذِّكْرِ، فَالذِّكْرُ فِيها شَكْلٌ غَيْرُ عادِيٍّ، فَفِي أَوَّلِها ذِكْرٌ، وَفِي ثَناياها ذِكْرٌ، فَأَوَّلُ ما تَدْخُلُ تَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَآخِرُ ما تَفْعَلُ، حَتَّى تَتَحَلَّلَ؛ تَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، فَتَفْرُغَ مِنْ ذِكْرٍ وَتَبْدَأُ بِذِكْرٍ، فَتَنْقَطِعُ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ رَمْيِ الجِمارِ، وَمَعَ أَوَّلِ تَكْبِيرٍ تَشْرَعُ في الذِّكْرِ، وَاللهُ تَعالَى في مَواضِعَ عَدِيدَةٍ مِنْ آياتِ الحَجِّ يَذْكُرُ الذِّكْرَ، وَيَقُولُ جَلَّ وَعَلا: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} سُورَةُ البَقَرَةِ، الآية: 189.

وَقالَ تَعالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} سُورَةُ البَقَرَةِ، الآيَةُ: 200

ثُمَّ في النِّهايَةِ يَقُولُ جَلَّ في عُلاهُ: {وَاذكُرُوا اللهَ في أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ} سُورَةُ البَقَرَةُ، الآية: 203.

هِيَ هَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي نَحْنُ فِيها أَيُّها الإِخْوَةُ وَالأَخَواتُ، فَهَذِهِ الأَيَّامُ هِيَ الأَيَّامُ المعْدُوداتُ، إِنَّها أَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلاثَةُ: الحادِي عَشَر، الثَّانِي عَشَر، الثَّالِثُ عَشَر.

فاذْكُرُوا اللهَ فِيها بِقُلُوبِكُمْ، فَهَذا أَصْلُ الذِّكْرِ، وَهَذا مَنْبَعُ الذِّكْرِ؛ أَنْ يَكُونَ القَلْبُ ذاكِرًا.. وَكَيْفَ يَكُونُ القَلْبُ ذاكِرًا للهِ؟ أَنْ يَتَأَمَّلَ عَظِيمَ قَدْرِ هَذا الرَّبِّ جَلَّ في عُلاهُ، فَإِذا سَمِعَ آياتِهِ وَقَرَأَ أَسْماءَهُ وَصِفاتِهِ، تَدَبَّرْ عَظَمَةَ هَذا الإِلَهَ، لا إِلَهَ غَيْرُهُ، كَما إِذا قَرَأَ مَثَلًا: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} سُورَةُ البَقَرَةِ، الآيَةُ: 255 قِفْ عِنْدَ هَذِهِ المقاطِعِ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ، قِفْ عِنْدَ هَذِهِ المعانِي لِتَرَىَ عَظِيمَ الجَلالِ وَكَبِيرَ البَهاءِ وَعالِي الأَسْماءِ وَالصِّفاتِ، لِتَقِفَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْ عَظَمَةِ الرَّبِّ الكَبِيرِ جَلَّ في عُلاهُ، عِنْدَ ذَلِكَ سَتَكُونُ ذاكِرًا، وَسَيَكُونُ قَلْبُكَ للهِ مُحِبًّا، وَلَهُ مُعَظِّمًا، وَبِهَذا يَتَحَقَّقُ التَّوْحِيدُ، وَتَتَحَقَّقُ كَلِمَةُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ لأَنَّها الكَلِمَةُ القائِمَةُ عَلَى كَمالِ الحُبِّ للهِ، وَكَمالِ التَّعْظِيمِ لَهُ جَلَّ في عُلاهُ.

تَأَمَّلُوا هَذِهِ المعانِيَ، وَاذْكُرُوا اللهَ بِقُلُوبِكُمْ، وَتَأَمَّلُوا بَدِيعَ صُنْعِهِ.. وَاللهُ لَفَتَ أَنْظارَكُمْ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِلَى أَنْفُسِكُمْ، قالَ تَعالَى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} سُورَةُ الذَّارِياتِ، الآية: 21

حَتَّى الأَعْمَى يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَدَبَّرَ وَيُنْظَرُ في كَفِّهِ؛ كَيْفَ أَبْدَعَ اللهُ هَذا الصُّنْعَ بِهَذِهِ الأَصابِعِ، وَكَيْفَ يَجْرِي الدَّمُ؟ لَيْسَ هُناكَ أَحَدٌ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْظُرَ وَيَتَأَمَّلَ إِلَّا مَنْ أَغْلَقَ اللهُ عَلَيْهِ الطُّرُقَ وَأَغْفَلَ قَلْبَهُ، قالَ تَعالَى:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} سُورَةُ المجادَلَةِ، الآيَةُ: 19

إِنَّ المؤْمِنَ يَرَىَ فِي كُلِّ شَيْءٍ عِبْرَةٌ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ آيَةٌ، تُذَكِّرُهُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَعْكِسُ عَلَى قَلْبِهِ تَعْظِيمًا للهِ، فَقُلُوبُنا هِيَ حالُنا في الآخِرَةِ، فَإِذا كانَ قَلْبًا سَلِيمًا فَأَبْشِرْ، فَإِنَّ القِيامَةَ يَوْمٌ لا يَنْفَعُ فِيهِ مالٌ وَلا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

وَسَلامَةُ القَلْبِ مِحْوَرُها وَأَساسُها تَوْحِيدُ اللهِ وَتَعْظِيمُهُ، وَحُبُّهُ وَإِجْلالُهُ، وَهَذا لا يَأْتِي إِلَّا بِالعِلْمِ بِهِ، لِذَلِكَ كانَ العِلْمُ بِاللهِ رَأْسَ العِلْمِ، وَيَتَبْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ العِلْمِ بِالطَّرِيقِ الموصِلِ إِلَيْهِ.

فَأَقْبِلُوا عَلَى اللهِ إِخْوانِي.. وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهِ بِقُلُوبِكُمْ، تَأَمُّلًا فِيما ذَكَرْتُ، في أَسْمائِهِ وَصِفاتِهِ، وَأَفْعالِهِ وَآلائِهِ، وَآياتِهِ في السَّماواتِ وَالأَرْضِ، فَأَبْصِرْ بِقَلْبِكَ يا أَخِي وَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الآياتِ الَّتِي تُحِيطُ بِكَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ، وَتَذَكَّرْ المدَبِّرَ رَبَّ العالَمِينَ، وَسَيَكُونُ لِذَلِكَ أَثَرٌ كَبِيرٌ في قَلْبِكَ.

أَمَّا أَنْ يَكُونَ الإِنسانُ ذاكِرًا بِلِسانِهِ: اللهُ أَكْبَرُ .. اللهُ أَكْبَرُ .. وَما إِلَى ذَلِكَ مِنَ الأَذْكارِ؛ وَهُوَ غافِلٌ، فَهَذا عَلَى خَيْرٍ وَيُؤْجَرُ، لَكِنْ شَتَّانَ بَيْنَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ ذِكْرِ اللِّسانِ وَحَياةِ القَلْبِ، وَبَيْنَ مَنَ اقْتَصَرَ ذِكْرُهُ رَبَّهُ عَلَى لِسانِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كانَ المنْطِقُ حَسَنًا، لَكِنَّ القَلْبَ غافِلٌ بَعِيدٌ.

إِخْوانِي؛

الحَجُّ فُرْصَةٌ لأَنْ نُراجِعَ أَنْفُسَنا، وَأَهَمُّ ما نُراجِعَ قُلُوبَنا؛ لِنَرْجِعَ إِلَى أَهْلِنا وَدُورِنا بِقُلُوبٍ غَيْرِ الَّتِي جِئْنا بِها.. وَالأَمْرُ يَسِيرٌ وَلَيْسَ بِعَسِيرٍ، لِمَنْ صَدَقَ مَعَ اللهِ، وَضَرَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُخْلِصًا.

يا اللهُ، يا رَبُّ، يا حَيُّ، يا قَيُّومُ، أَصْلِحْ قَلْبِي.. فادْعُ اللهَ وَأَلِحَّ عَلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَ قَلْبَكَ، وَأَبْشِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُ مَنْ قَصَدَهُ، فَما خابَ مَنْ قَصَدَ اللهَ وَسَأَلَهُ.. أَبَدًا وَاللهُ ما يَخِيبُ.

وَالَّذِي يَسْأَلُ الِهدَايَةَ سَيُوفَّقُ لَها، لَكِنْ اسْأَلْها بِصِدْقٍ، وَأَمِّلْ عَطاءَ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُ مَنْ قَصَدَهُ.

هَذِهِ مَعانٍ يا إِخْوانِي يَسِيرَةٌ، وَالبابُ وَاسِعٌ في تَدَبُّرِ مَعانِي وَفَوائِدَ هَذا النُّسُكِ العَظِيمَ، وَأَثَرِ ذَلِكَ في السُّلُوكِ.. وَمَبْدَأِ الصَّلاحِ هُوَ أَنْ تُصْلِحَ هَذِهِ المضْغَةَ، وَالعَجِيبُ أَنَّنا نَهْتَمُّ كَثِيرًا بِأَشْكالِنا وَمَظاهِرِنا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الإِنْسانِ أَدْنَى خَلَلٍ في الظَّاهِرِ وَالشَّكْلِ فَتَراهُ يَسْأَلُ عَنْهُ، لَكِنَّ القَلْبَ الَّذِي هُوَ مَناطُ النَّجاحِ وَالفَلاحِ قِلَّةٌ مِنْ يَعْتَنُونَ بِهِ، وَنوادِرُ مَنْ يَهْتَمَّوُنَ بِهِ.

هَلْ في قَلْبِكَ غِلٌّ؟ طَهِّرْ قَلْبَكَ.

هَلْ في قَلْبِكَ حَسَدٌ؟ طَهِّرْ قَلْبَكَ.

هَلْ في قَلْبِكَ عُجْبٌ؟ طَهِّرْ قَلْبَكَ.

هَلْ في قَلْبِكَ كِبْرٌ؟ طَهِّرْ قَلْبَكَ.

وَاذْكُرِ أَنَّ آفةَ القَلْبِ خَطِيرَةٌ، قالَ فِيها النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (91) بِمَعْنَى وَزْنِ الذَّرِّ الصَّغِيرِ، فَإِذا كانَ في قَلْبِكَ وَزْنٌ أَقَلَّ ما يَكُونُ مِنَ النَّمْلِ مِنَ الكِبْرِ، فَهَذا يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ دُخُولِ الجَنَّةِ حَتَّى يَطْهُرَ قَلْبُكَ، فَطَهِّرَ قَلْبَكَ وَاعْتَنِ بِهِ وَاسْأَلِ اللهَ صَلاحَهُ، وَأَلِحَّ عَلَيْهِ فَهُوَ الكَرِيمُ جَلَّ في عُلاهُ، يُعْطِي عَلَى القَلِيِلِ الكَثِيرَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ العَظِيمِ، يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، أَنْ تُصْلِحَ قُلُوبَنا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنا قُلُوبًا سَلِيمَةً صالِحَةً، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ حِزْبِكَ وَأَوْلِيائِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجَّنا مَبْرُورًا، وَسَعْيَنا مَشْكُورًا، اللَّهُمَّ أَحْسِنْ لَنا المنْقَلَبُ وَالعاقِبَةُ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ انْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنا، اللَّهُمَّ آثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ اهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَى لَنا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا لَكَ ذَاكِرينَ شاكِرينَ، لَكَ رَاغِبِينَ رَاهِبينَ، إِلَيْكَ أَوَّاهِينَ مُنِيبِينَ ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنا، وَثَبِّتْ حُجَّتَنا، وَاغْفِرْ زَلَّتَنا، وَأَقِلْ عَثَرَتَنا، رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ، رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوانَنا المجاهِدِينَ في سُورِيا، اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ مُعِينًا وَظَهِيرًا، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ نَصْرًا عَزِيزًا، اللَّهُمَّ قَيِّضْ لَهُمْ مِنْ لَدُنْكَ ناصِرًا وَوِليًّا يا حِيُّ يا قَيُّومُ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِهِمْ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِماءَهُمْ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْراتِهِمْ، وَآمِنْ رَوْعاتِهِمْ، اللَّهُمَّ أَعْطِ مِثْلَ ذَلِكَ لأَهْلِ السُّنَّةِ حَيْثُ كانُوا، اللَّهُمَّ اكْتُبْ مِثْلَ ذَلِكَ لأَهْلِ الإِسْلامِ حَيْثُ كانُوا، اللَّهُمَّ رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ صلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدُ مَجِيدٌ.

: جَزَى اللهُ عَنَّا شَيْخَنا خَيْرَ الجَزاءِ، وَجَعَلَ ما قَدَّمَهُ في مَوازِينِ حَسناتِهِ.. شَيْخَنا الفاضِلَ، هُنا سائِلٌ يَقُولُ:

لَقَدْ تَعَلَّمْتُ في فَرِيضَةِ الحَجِّ الصَّبْرَ، وَالصَّلاةَ في وَقْتِها، وَقِراءَةَ القُرْآنِ مَعَ النَّاسِ، وَلَكِنْ كَيْفَ أَسْتِمَرُّ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الحَجِّ؟ وَآخَرُ يَقُولُ: كَيْفَ أَبْتَعِدُ عَنْ أَصْدِقاءِ السُّوءِ بَعْدَ الحَجِّ؟

ج: الحَجُّ بِدايَةٌ جَدِيدَةٌ، كَصَفْحَةٍ جَدِيدَةٍ بَيْضاءَ، حَتَّى لَوْ كانَتِ الصَّفْحَةُ امْتَلَأَتْ بِكِتاباتٍ أَوْ أَيِّ شَيْءٍ، فَأَنْتَ تَبْدَأُ صَفْحَةً جَدِيدَةً، فالحَجُّ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالحَجُّ هَدَمَ، وَهُوَ أَعْظَمُ هَدْمٍ في الدُّنْيا؛ لأَنَّهُ هَدَمَ السَّيِّئاتِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ (1521)، وَمُسْلِمٌ (1350)

وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرو بْنِ العاصِ؛ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» أخرجه مسلم (121) .

يهدم ماذا؟ يهدم بنيان السوء والشر، فاحرص على أن تبدأ صفحة جديدة، وأن يكون البناء صالحًا راشداً، فأكثر من الاستغفار. وهذه الصالحات التي اعتدت عليها وألِفتها في هذه الأيام المباركة، الزمها فإن فيها الصلاح.

إن الصحبة الطيبة، والصلاة، وذكر الله عزَّ وجلَّ، هي مفاتيح نجاة، وسفن وقوارب يخرج بها الإنسان من أمواج السوء والشر والفساد، فاستمسك بها، واعلم أنك غريق، وإن لم يتداركك الله برحمته، ويشملك بلطفه، فإنك ستغرق في هذا البحر المتلاطم من الفتن ومن الشهوات والشبهات، فطوق النجاة هو صلاتك، وطوق النجاة هو ذكرك لربك، وطوق النجاة هو لزومك للصحبة الطيبة، التي تعينك على الخير، وتبعدك عن الشر.

وأبشر فإن من صدق الرغبة فيما عند الله، لا يخيبه الله، لكن الإشكالية أننا قد ننشط في فترة ثم نكسل، ونظن أن هذا الكسل أمر طبيعي، وهو جزء منه طبيعي، لكن عندما يكون الكسل حاملًا على الوقوع في السيئات والتورط في ترك الواجبات، فهنا الخطر، فليس هذا طبيعيًّا، فإذا كان كسلك يحملك على ترك الصلوات، وعلى التورط في ألوان السيئات، فهذا جرس إنذار، إن لم تتداركه بالتوبة والاستغفار، فإنك على خطر، ويوشك أن يحاط بك فتهلك، فلذلك احرص على الصحبة الطيبة، وحافظ على الصلوات، والصلاة خط أحمر، من أضاعها أضاع الصلة بالله، والصلاة نور.

أرأيتم يا إخواني لو أغلقت الأنوار، فمن يستطيع أن  يتحرك من مكانه! فالذي يترك الصلاة فكما لو أطفئت أنوار هذه القاعة، لا يستطيع الحركة، ولا يستطيع الوصول إلى ما يريد.. وهذا ليس كلامي، بل هو  كلام من لا ينطق عن الهوى، قال صلى الله عليه وسلم: «الصَّلاةُ نُورٌ» أخرجه مسلم (223). .

وهذا النور مبدؤه في القلب، فإذا أشرق النور في القلب، انعكس الضياء على الجوارح، ولذلك كان من دعاء النبي في خروجه لصلاته: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَمِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ نُورًا، وَمِنْ خَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي نَفْسِي نُورًا، وَأَعْظِمْ لِي نُورًا». أخرجه البخاري (6316)، ومسلم (763) أي: أعطني نورًا عظيمًا.

ما أفقرنا إلى هذا النور، لولا النور ما أدركنا خيرًا لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا النور ليس مصباحًَا ولا مشكاة، فهذا النور هو نور النبوة، ونور القرآن، وأول ما يشرق في القلوب فينعكس على الجوارح، ولهذا ترى الذين يداومون على الطاعة والإحسان تضيء وجوههم، وليس ضياء الوجوه من جمال البشرة وما إلى ذلك مما تعالج به البشرة، حيث يذهب الواحد ليستخدم أنواعًا من معالجات البشرة حتى تطيب، بل هو أمر آخر غير التحسينات، إنه نورٌ إلهي يكون في أكثر الناس دمامة  في خلقته، فترى في وجهه النور.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وكلما طال عهد الإنسان بالطاعة أشرق وجهه ولو كان أقبح الخلق منظرًا وشكلاً، وإذا كان أبهى الناس صورةً في شبابه، فأسرف على نفسه، ظهر عليه من القبح والدمامة ما لا يُرى نظيره في أمثاله، بسبب السيئات والظلمة.

هذا النور الذي في القلب ينعكس على الجوارح، فاحرص على أن تنير قلبك بطاعة ربك، وأهم ذلك الصلاة، ولزوم أمر الله، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. ولا يعني هذا ألا نخطئ، فكل ابن آدم خطاء، ولا يعني هذا ألا نخفق في طاعة، لكن يعني هذا أن نجاهد ونبذل الطاقة في البعد عن السيئ والخطأ، وإذا وقعنا في خطأ أو سيئ قلنا كما قال ذاك الرجل: ربِّ إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي، بصدق وتضرع وانكسار بين يدي الله، وأن تخاطب الله فتقول: يا ربِّ أذنبت ذنبًا فاغفره لي، صادقًا في مناجاتك لله.. وأبشر فإن الله عز وجل سمع عبدًا يقول: ربِّ إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي، فقال الله رب العالمين -كما في صحيح مسلم رقم (2758) في حديث أبي هريرة- قال: اغفروا لعبدي، فوقع الرجل في سيئة أخرى، فقال: ربِّ إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي، فقال الله: اغفروا لعبدي، قال في الثالثة: ربِّ إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي، فقال الله: اغفروا لعبدي، وجاءت البشارة: اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ.

فإذا كانت هذه سيرته، إذا أخطأ استغفر وإذا أخفق تاب، فإنه لا خطر عليه؛ لأن الله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وأتى بقومٍ يذنبون ويستغفرون، فليست الإشكالية في الخطيئة فقط، بل الإشكالية في الإصرار عليها، والاستمرار والتسويف في الرجوع إلى الله عزَّ وجلَّ.

فبادر بالتوبة واستغفر، وما دمت على هذه الحال، فأبشر فإنك على خير.  

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86255 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80688 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74962 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62201 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56496 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53474 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات51181 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50929 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46183 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45720 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف