×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة : حقيقة التقوى

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:5833

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ, لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ في آياتٍ عَظِيمَةٍ كَثِيرَةٍ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102، ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَالنساء:131 فَتَقْوَى اللهِ تَعالَى أَمَرَ بِها الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِها السَّابِقينَ وَاللَّاحِقينَ، أَمَرَ بِها النَّبِيِّينَ وَمَنْ سِواهُمْ، وَالفائِزُمَنْ عَرَفَ التَّقْوَى وَحَقَّقَها في سُلُوكِهِ وَعَمَلِهِ وَظاهِرِهِ وَباطِنِهِ.

إِنَّ تَقْوَى اللهِ تَعالَى حَقِيقَتُها الْتِزامُ ما أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ، وَتَرْكُ ما نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْهُ إِيمانًا بِهِ وَرَجاءً لِثوابِهِ وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعالَى في أَوَّلِ ما بَيَّنَ مِنْ كِتابِهِ ما هِيَ صِفاتُ المتَّقِينَ، فَإِنَّ اللهَ تَعالَى في أَوَّلِ القُرْآنِ في سُورَةِ البَقَرَةِ ذَكَرَ أَقْسامَ النَّاسِ وَبيَّنَ صِفاتِهِمْ، وَذَكَرَ مِمَّنْ ذَكَرَ في أَوَّلِ مَنْ ذَكَرَ المتَّقِينَ، قالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: ﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)البقرة:1-2، مَنْ هُمُ المتَّقُونَ؟ يَقُولُ اللهُ تَعالَى في بَيانِ صِفاتِهِمْ وَخِلالِهِمْ: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)البقرة:3-4 هَذِهِ صِفاتُهُمْ، هَذِهِ أَعْمالُهُمْ، هَذَا وَصْفٌ إِجْماليٌّ لِلمُتَّقِينَ، وَقَدْ بَسَطَ اللهُ تَعالَى ذَلِكَ في كِتابِهِ، فَبَيَّنَ مِنْ خِصالِ التَّقْوَى وَصِفاتُها ما ذَكَرَهُ في مَواضِعِ عَدِيدَةٍ، وَمِنْ أَوْسِعِ ذَلِكَ ما ذَكَرَهُ اللهُ تَعالَى في سُورَةِ آلش عِمْرانَ، وَفِي سُورَةِ البَقَرَةِ؛ يَقُولُ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَالبقرة:177، هَكَذا يُبَيِّنُ اللهُ تَعالَى عَلَى وَجْهِ البَسْطِ صِفاتِ المتَّقِينَ وَما تَحَلَّوْا بِهِ مِنْ جَمِيلِ البواطِنِ وَالقُلُوبِ، وَمَنْ جَمِيلِ الظَّواهِرِ في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ.

إِنَّ التَّقْوَى لَيْسَتْ مُفْرَدَةً مِنَ العَمَلِ، إِنَّها أَعْمالٌ وَخِصالٌ  يَصْطَبِغُ بِها الإِنْسانُ ظاهِرًا وَباطِنًا ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَالبَقَرَةُ:138، إِنَّ التَّقْوَى حَقِيقَتُها صَلاحُ القَلْبِ وَاسْتِقامَتُهُ، عِمارَتُهُ بِمَحَبَّةِ اللهِ وَتَعْظِيمِهِ.

 وَلِذَلِكَ ذَكَرَ اللهُ تَعالَى في أَوَّلِ ما ذَكَرَ مِنْ صِفاتِ المتَّقِينَ طِيبَ قُلُوبِهِمْ وَإِيمانَهَمْ بِالغَيْبِ، إِيمانَهُمْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، ذَكَرَ ذَلِكَ لِيُبِيِّنِ أَنَّهُ لَنْ يَسْتَقِيمَ إِيمانٌ وَلَنْ تَصْلُحَ تَقْوَى إِلَّا بِطِيبِ القَلْبِ، «التَّقْوَى ها هُنا، التَّقْوَى ها هُنا، التَّقْوَى ها هُنا»مُسْلم(2564), وَأَشارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إِذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ القَلْبُ»البُخارِيُّ(52), وَمُسْلِمٌ(1599), فَمَنْ عَمَّرَ قَلْبَهُ بِالإيمانِ الصَّادِقِ بِمَحَبَّةِ اللهِ وَتَعْظِيمِهِ صِدْقُ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالعِلْمِ بِهِ جَلَّ في عُلاهُ، كُلِّ ذَلِكَ يُحِقِّقُ لِلقَلْبِ التَّقْوَى، وَإِذا عَمَّرَ القَلْبُ بِالتَّقْوَى ظَهَرَ ذَلِكَ في مُعامَلَةِ الخالِقِ وَفي مُعامَلَةِ الخَلْقِ.

 وَلِهَذا ذَكَرَ اللهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ عَنوانينَ مِنَ الأَعْمالِ الَّتي بِها تُعْرَفُ التَّقْوَى، فَذَكَرَ إِقامَ الصَّلاةِ ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةالبقرة آية: 3 الصَّلاةُ عُنْوانُ صَلاحِ ما بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ، فَبِقَدْرِ عِنايَةِ الإِنْسانِ بِها وَإِقامَتِهِ لَها يُعْطِي دِلالَةً عَلَى حُسْنِ صِلَتِهِ بِاللهِ في العَمَلِ وَالظَّاهِرِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْطِفُ عَلَيْهِ صَلاحَ ما بَيْنَ الِإْنْسانِ وَالخَلْقِ فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ هَكَذا يَكُونُ المؤْمِنُ مُكَمِّلًا لَحَقِّ اللهِ، مُكَمِّلًا لِحَقِّ الخَلْقِ، وَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ التَّقْوى لَيْسَتْ صَلاحَ ما بَيْنِكَ وَبَيْنَ اللهِ، إِنَّما هِيَ صَلاحُ ما بَيْنِكَ وَبَيْنَ اللهِ وَصَلاحُ ما بَيْنَك َوبَيْنَ الخَلْقِ لأَداءِ الحُقُوقِ وَإِعْطاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَاالنساء:58.

إِنَّ التَّقْوَى عُنْوانُ سَعادَةِ العَبْدِ في الدُّنْيا وَهِيَ سَبَبُ فَلاحِهِ في الآخِرَةِ، فَالمتَّقُونَ هُمْ أَوْلِياءُ اللهِ الَّذينَ قالَ فِيهِمْ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)يونس:62-63، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ، أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

***

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ العالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى, وَتَدَبَّرُوا ما ذَكَرَهُ اللهُ تَعالَى في مُحْكَمِ كِتابِهِ مِنْ خِصالِ أَهْلِ التَّقْوَى، مِنْ صِفاتِهِمْ وَما ذَكَرَهُ مِنْ طِيبِ سَرائِرِهِمْ وَجَمِيلِ ظَواهِرِهِمْ يَقُولُ جَلَّ في عَلاهُ: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِالبقرة:177، فَلا تَقْصُرُ التَّقْوَى عَلَى عَمَلِ وَلا عَلَى صُورَةِ وَلا عَلَى مُفْرَدَةٍ مِنْ تَصَرُّفاتِكَ، التَّقْوَى صِبْغَةٌ يَصْطَبِغُ بِها الإِنْسانُ في كُلِّ مَناحِيهِ وَفي كُلِّ أَحْوالِهِ، فَإِذا قامَ بِعَمَلٍ صالحٍ كانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى التَّقْوَى، لَكِنَّهُ لا يُمْكِنُ حَصَرَ التَّقْوَى في هَذِهِ المفْرَدَةِ، كَما أَنَّ الِإنْسانَ إِذا وَقَعَ في مَعْصِيَةٍ أَوْ في خَطَأٍ أَوْ في مُخالَفَةٍ، فَإِنَّهُ لا يَنْفِي عَنْهُ التَّقْوَى بِالكُلِّيَّةِ، بَلْ هَذا خَلَلٌ في التَّقْوَى وَنَقْصٌ فِيها، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّقْويمُ عَلَى مُجْمَلِ حالِ الإِنْسانِ ظاهِرًا وَباطِنًا.

إِنَّ التَّقْوَى خِلالٌ وَخِصالٌ رَأْسُها صَلاحُ القُلُوبِ، قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ ثُمَّ ذَكَر اللهُ تَعالَى طِيبَ مُعامَلَةِ الخَلْقِ فَقالَ: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ﴾ وَهُنا لَيْسَ المقْصُودُ هُوَ الإِنْفاقُ؛ لأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ بَعْدَ قَلِيلٍ، إِنَّما المقْصُودُ أَنْ يَكُونَ ما يُحِبُّهُ اللهُ في قَلْبِهِ مُقَدَّمًا عَلَى ما يُحِبُّهُ وَتَهْواهُ نَفْسُهُ، لِذَلِكَ قالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ يَعْنِي رَغْمَ تَعَلُّقِهِ بِهِ وَشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَيْهِ، ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾ فَهَذا عَمَلٌ قَلْبِيٌّ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّمَ ما يُحِبُّهُ اللهُ عَلَى ما يُحِبُّهُ الخَلْقُ، ما يُحِبُّهُ اللهُ عَلَى ما تُحِبُّهُ نَفْسُهُ، فَشَأْنُهُ وَأَمْرُهُ كُلُّهُ في تَقْدِيمِ مَحابِّ اللهِ عَلَى محابِّ نَفْسِهِ.

 ثُمَّ عادَ إِلَى الأَعْمالِ قائِلًا، وَهِيَ أَعْمالُ الظَّواهِرِ فَقالَ: ﴿وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ وَبِهِما صَلاحُ ما بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في العَمَلِ الظَّاهِرِ وَصلاحِ ما بَيْنَ الِإنْسانِ وَالخَلْقِ، فَالصَّلاةُ تُصْلِحُ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ، وَالزَّكاةُ تُصْلِحُ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ الخَلْقِ؛ لأَنَّها عُنْوانُ إِعْطاءِ الحُقُوقِ وَأَداء الأَماناتِ.

ثُمَّ يُقولُ جَلَّ في عُلاهُ في ذِكْر صِفاتِ هَؤُلاءِ الأَبْرارِ: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾ عَهْدِهِمْ مَعَ اللهِ وَعَهْدِهِمْ مَعَ الخَلْقِ، ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ﴾ فَهُمْ يَصْبِرُونَ عَلَى أَقْضِيَةِ اللهِ وَأَقْدارِهِ، يَصْبِرونَ عَلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَالصَّبْرُ خَصْلَةٌ أَساسٌ في التَّقْوَى لا يَقُومُ وَصْفُها وَلا تَوجَدُ في القُلُوبِ وَالأَعْمالِ إِلَّا بِها، ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَالبقرة: 177.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ مِنْ صِفاتِ المتَّقِينَ تَرْكَ المشْتَبَهاتِ وَالملْتَبَساتِ، وَما أَكْثَرَ المشْتَبَهاتِ وَالملْتَبِساتِ في حَياةِ الإِنْسانِ اليَوْمِ، فالتَّقْوَى تَحْمِلُ صاحِبَها عَلَى النَّأْيِ بِنَفْسِهِ عَنْ الشُّبُهاتِ وَالملْتَبَساتِ الَّتي لَمْ يَتَّضِحْ أَمْرَها، «فالحَلالُ بَيِّنْ وَالحَرامُ بَيِّنْ، وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ فَقَدْ وَقَعَ في الحَرامِ كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ»البُخارِيُّ(52), وَمُسْلِمٌ(1599),فَاسْتَبْرِؤُوا لِدِينِكُمْ وَلِأَنْفُسِكُمْ بِتَوَقِّي كُلِّ ما فِيهِ شُبْهَةٌ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَبْلُغَ العَبْدُ حِقيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ كُلَّ ما حاكَ في الصَّدْرِ كَما قالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.البخاري(1/10)معلقافـ«لا يَبْلُغُ العَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ ما لا بَأْسَ بِهِ خَوْفًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ«أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ(2451), وَقالَ:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ» وَضَعَّفَهُ الأَلْبانِيُّ .

فالمتَّقُونَ يَتَوَرَّعُونَ عَنِ الشُّبُهاتِ، يَتْرُكُونَها رَغْبَةً فِيما عِنْدَ اللهِ تَعالَى، طَلَبًا لِسلامَةِ قُلُوبِهِمْ، طَلَبًا لِسَلامَةِ دِينِهِمْ، طَلَبًا لحسْنِ صِلَتِهِمْ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ تَرَكَ ما شَبُهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ كانَ لما اسْتَبانَ أَتْرَكُ» وَهَذا مِعْيارٌ دَقِيقٌ يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ كُلَّ مَنِ اتَّقَى الشُّبْهَةَ كانَ عَنِ الحرامِ أَبْعَدْ، وَكُلُّ مَنْ أَقْبَلَ عَلَى الشُّبُهاتِ وَتَوَرَّطَ فِيها فَهُوَ إِلَى الحَرامِ أَقْرَبُ، «فَمَنْ تَرَكَ ما شَبُهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ كانَ لِما اسْتَبانَ أَتْرَكُ«البخاري(2051).

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ حِزْبِكَ المتَّقِينَ وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ وَأَوْلِيائِكَ الصَّالِحينَ، اعْمُرْ قُلُوبَنا بِطاعَتِكَ وَارْزُقْنا القِيامَ بِحَقِّكَ، وَأَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ ظاهِرًا وَباطِنًا يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا.

رَبُّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا وَلِإخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ انْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنا، اللَّهُمَّ آثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا لَكَ ذَاكِرينَ شاكِرينَ رَاغِبينَ رَاهِبينَ أَوَّاهِينَ مُنِيبينَ يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَنا وَأَرادَ بلِادَنا وَالمسْلِمينَ بِشَرٍّ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَى الظَّالمينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَى المعْتَدِينَ، اللَّهُمَّ اكْفِنا شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ يا حَيُّ يا قَيُّومُ.

اللَّهُمَّ أَنْجِ إِخْوانَنا المسْتَضْعِفينَ في سُورِيَّا وَفي العِراقِ وَاليَمَنِ وَفي سائِرِ البُلْدانِ، اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ المؤْمِنينَ وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنَهُمْ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ وَأَذِلَّ الكُفْرَ وَمِلَلَهُ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى الخَيْراتِ وَخُذْ بِنواصِينا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى مِنَ الصَّالحاتِ.

رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ

 

المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف