المقدم: صاحب الفضيلة: نريد أن نستهل هذه الحلقة بالحديث عن أمر مشاهد ملموس طاغي على الساحة، لم يعد أمرًا خفيًا يعني هو بلغ حدًا لا يطاق حقيقة، بل تجاوز ـ يا شيخ ـ كل الحدود سباب، شحناء، غيبة، تنابذ بالألقاب للأسف نريد أن نقف مع التعصب الرياضي يا شيخ.
الآن الكل لا أقول الكل؛ وإنما كثيرون ـ يا شيخ ـ يغذونه في مسائل إعلامنا، نلحظ هذا بمختلف أنواعها في مدارسنا؛ بل يا شيخ يعني في البيوت أحيانًا بعض البيوت بين بعض الإخوة تجد أحيانًا الأب أو الأخ الأكبر يغذون هذا يا شيخ جعلوا الكرة ـ يعني للأسف ـ محلًا ـ يا شيخ ـ للولاء والبراء، محلًا للحب والبغض تناسوا حق المسلم على أخيه المسلم يا شيخ ما توجيهكم؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فلا ريب أن أعظم ما جاءت به الشريعة إصلاح القلوب وإصلاح ذات البين، ولذلك الشريعة المطهرة جاءت بإبعاد كل ما يشوه شعائر القلب مما يشغله بسفاسف الأمور ويوقعه في الخروج عن المقصود من الوجود وهو تحقيق العبودية لله –عز وجل-﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات: 56]، ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك: 2] هذا هو المقصود فكل ما يشوش على ذلك جنبته الشريعة وأبعدته ونهت عنه وحذرت منه.
ومما يعيق مسيرة الإنسان تجاه هذا الهدف أن يشتغل قلبه بالخصومات، فإن القلوب المشمولة بالخصومات لا تتفرق لتحقيق العبودية لرب الأرض والسموات، ولهذا القلب إذا امتلأ خصومة انشغل عن العبادة، انشغل عن الطاعة، انشغل عن مصالح دنياه، انشغل عن مصالح دينه، أصبح ليس في همه إلا كيف ينال من خصمه هذا إذا كانت الخصومة في أمور حقوق حتى في الحقوق المالية، حتى في الحقوق المعنوية حتى في الأعراض، الدماء إذا امتلأت القلوب بهذا كان ذلك من دواعي التفرق والتشتت.
ولهذا كان الحسم في الشريعة بإصلاح ذات البين واضحًا جليًا حتى إذا استدعى الأمر القتال لتحقيق المصالحة والصلح كان ذلك مأمورًا به كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾[الحجرات: 9] فالقتال هنا ليس مقصودًا لذاته، إنما لإعادة من خرج عن النسق وخرج عن الجماعة وشذ بالفرقة إلى الجادة.
ولذلك يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾[الحجرات: 10] هذه المعاني ينبغي أن تكون حاضرة ولا تتزحزح مهما كان الخلاف محتدمًا بين الأطراف، ولهذا أشد ما يكون من المضارة بين الأطراف القتل ومع هذا ماذا يقول الله –جل وعلا-؟ ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾[البقرة: 178] الله –عز وجل-جعل الإخوة قائمة بين القاتل والمقتول قال: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ﴾[البقرة: 178] أي من حق أخيه المقتول شيء فإتباع بالمعروف فأثبت إخوة بين القاتل والمقتول مع أن أعظم ضرر يكون بين الطرفين هو القتل.
وبالتالي استحضار هذه المعاني الذي أشرت إليه حق المسلم على المسلم وهذا حق مبذول لكل من قال لا إله إلا الله وقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ: عِرضُهُ ومالُهُ ودمُهُ»صحيح مسلم (2564) وكذلك وصيته في أعظم مجمع قال –صلى الله عليه وسلم-: «ألَا إِنَّ دماءَكم وأموالَكم عليكم حرامٌ كحرمَةِ يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا»صحيح البخاري (67), وصحيح مسلم (1679) مما يدل على تعظيم الحرمة حرمة الدماء والاعراض والأموال.
ما تشير إليه من التعصب الرياضي حقيقة ومشكلة، لماذا هو مشكلة؟ لأنه مدعاة إلى انتهاك الحقوق ومدعاة إلى تشويش القلوب، ومدعاة إلى الخروج عن الصراط القويم، ومدعاة إلى الشحن للقلب الذي يمنع أصول الخير، فإن التشاحن مما يمنع صنوف الخير، ولذلك تعرض الأعمال على الله ـ تعالى ـ كل يوم اثنين وخميس فيغفر الله ـ تعالى ـ لكل مسلم إلا مشركًا أو مشاحنًا، والمشاحن هو اللي بينه وبين أخيه تشاد وفرقة ونوع من الغيظ والغل والحقد هذا بالتأكيد يعني مما نهى الله ـ تعالى ـ عنه ورسوله، ومما يمنع ويحجب الخير على الناس ونحن مقبولون على صيام عاشوراء الذي تكفر به الخطايا.
إذا كان عرض الأعمال الأسبوعي سبب لمنع الخير إذا كان هناك تشاحن، فكذلك هذه الخيرات تحجب وتسد هذه الأبواب بسبب هذه المشاحنات.
التعصب الرياضي هو من مداخل الشيطان على الناس في التحريش بينهم، وقد جاء في الصحيح من حديث أبي سفيان عن جابر أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «إنَّ الشَّيطانَ قد يَئِسَ أن تُعْبَدُه المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم»صحيح مسلم (2812) تبين له وظن أنه لا يمكن أن يعبده المصلون وهو حقيقة المصلون الصادقون في صلاتكم لا يمكن أن يعبدوه وأن يتوجهوا إليه بعبادة دون الله، فهم مصلون لله قلوبهم معلقة به ـ جل في علاه ـ لا يعبدون سواه، لكن ما الذي يمكن أن يدخل معه الشيطان للإفساد والتفريق وإيجاد الشر بين الناس هو التحريش، "ولكن في التحريش بينهم" هو يئس أن يعبده المصلون، لكنه لم ييأس من التحريش الذي يفضي إلى الفرقة، ويفضي إلى المنازعة، ويفضي إلى المشاقة، وكل هذه السيئات التي تذكر من السباب والشتائم والغيبة والنميمة والاتهامات وقد تصل أحيانًا إلى الاشتباك بالأيدي، قد يصل أحيانًا إلى التحريض على أعمال إساءة للآخرين سواء قولية أو عملية، كل هذا هو من عمل الشيطان الذي ينبغي أن يقطع طريقه النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وقِتَالُهُ كُفْرٌ»صحيح البخاري (48)، وصحيح مسلم (64) فالسباب بكل صوره سواء كان بالشتم سواء كان ذلك بالتعييب سواء كان ذلك بالتعيير بأي نوع من أنواع القبائح التي تلصق بالناس لأن السب هو إلصاق القبيح بالناس.
كل هذا مما يندرج فيما نهى الله ـ تعالى ـ عنه ورسوله، وأنا أقول يا إخواني يعني لنسمو عن هذه المنازعات وسفاسف الأمور التي لا تعود على الإنسان بالخير، وأنا أقول لو أن شخصًا أخرج نفسه من المشهد المعترك بين المختصمين بين نصر نادي أو ذم بتأييده أو القدح فيه لو أخرج نفسه وشاهد المشهد لوجد أنه نوع من العبث وفعلا يقول: سبحان الله اتصل بعقول الناس إلى مثل هذه المراحل من الإسفاف والتدني، وأقول: قد تصل الأمور إلى القتل يعني نحن لسنا ببعيد عما جرى في بلاد قريبة قبل سنة أو سنتين من قتل سبعين في الملعب يعني هذا شيء ما هو طبيعي، هذا شيء ناتج عن شحن والنفوس إذا غضبت عميت وبالتالي أنا أقول يجب أن يتحمل كل أحد مسئوليته في هذا الشأن أن تقول: إن هناك صحف، وهناك أصحاب تأثير يحرضون على هذا.
ويجب أن يقف مثل هذا، وأن تعامل هذه الرياضة ليست لتفريق المجتمع، ولا لإيجاد نكبات ومشاكل وشق للحمة الوطن، ولحمة الناس، إنما هي لأجل تسريتهم، ولأجل إدخال السرور عليهم، فإذا انتقلت عن هذا، فإنه عند ذلك يكون ينبغي أن يتخذ موقف حاسم، ويمنع كل من يكون محرضًا لأي نوع من أنواع هذا التعصب المقيت الذي يدخل فيه الجانب الاجتماعي قد يستثمر فيه الجانب الديني حتى في بعض الأحيان تستعمل الأقوال وفتاوى وآراء في نصر في جهة على جهة من جهة على حساب جهة كل هذا ينبغي أن يتسامى عنه الناس، وأن يضعوا الأمر في مساقه الذي يليق من أن هذا نوع من الترويح عن النفوس وتنشيط الأبدان لا يتجاوز ذلك إلى هذه المهاطرات وهذه المشاحنات التي تمزق لحمة المجتمع وتمزق الناس وتوجد بينهم الشحناء.
يا أخي أختم حديثي بموقف جرى بين يدي النبي –صلى الله عليه وسلم-اختصم رجلان في نوع من اللهو ضرب أحدهم الآخر فغضب فعاد فضربه فقال أحدهما: يا للمهاجرين وقال آخر: يا للأنصار المهاجرون والأنصار هم خيار هذه الأمة أثنى الله عليهم في كتابه وزكاهم –جل وعلا-وأخبر أنهم رضي عنهم ﴿وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾[التوبة: 117] إلى آخر ما ذكر الله –جل وعلا-من التزكية لهم وهو أنه رضي عنهم جل في علاه.
فرضاه عن هذه الأسماء لم يخون أصحابها بأن يجعلوها سببًا للفرقة، فلما استعمل هذا الاسم المهاجرين واسم الأنصار فيه مساق التفريق والتمزيق للحمة الأمة واجتماع المسلمين وإيجاد الضغائن بينهم ماذا قال –صلى الله عليه وسلم-قال: «دعوهَا فإنها مُنتَنةٌ أبِدَعْوَى الجاهليةِ وأنا بينَ أظهُرِكُم»مع أنهم يتنادون بماذا؟ بأسماء فرق أو بأسماء لاعبين لا، إنما يتنادون بأسماء شرعية يا للأنصار، يا للمهاجرين لكن لما جاءت في مسار التفريق والتمزيق وشق لحمة الأمة قال: «دعوهَا فإنها مُنتَنةٌأبِدَعْوَى الجاهليةِ»صحيح البخاري (4905)، وصحيح مسلم (2584)سمى دعوى الجاهلية.
ولهذا كل من حرض الناس ودعاهم إلى التعصب الرياضي بأي نوع من أنواع سواء مأجورًا، لأن بعض الناس يتكلم لنوع من الدعم المادي أو ما إلى ذلك، أو كان تعصبًا نابعًا من ذاته نقول: هذه دعوى جاهلية، فليتق الله وليعلم أنه موقوف، وأعراض الناس ليست يسيرة، بل هي من أشد ما يكون أول ما يفصل به يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء وكذلك الأعراض بعد ذلك.
فينبغي للمؤمن أن يحذر من أعراض الناس أنت لما تقول: فلان فيه كذا وتنال منه في مجلس أو تكتب ذلك في صحيفة أو تقوله في قناة وتتهكم عليه لا تظن أن هذه الكلمة راحت طارت في هواء ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق: 18] هذا مسجل ﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾[الانفطار: 11]، ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[الجاثية: 29]، ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾[الطارق: 4] فاتق الله في ألفاظك ولا يهيجنك المهيجون كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾[الروم: 60] لا يستفذونك الناس لتقول كلامًا تظن أنه يرفع قدرك وهو في الحقيقة إنما يخسف بك وينزل بك إلى الحضيض.
أسال الله أن يهدينا سواء السبيل، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يصلح ذات بيننا، وأن يرزقنا البصيرة وأن يرفع بشبابنا عن هذه السفاسف، وأن يرزقهم البصيرة في دينهم والاستقامة في أعمالهم.
المقدم:أحسن الله إليكم يا شيخ وجزاكم خيرًا على هذا التوجيه المبارك.