السؤال:
عندنا فِرَقٌ من الصوفية تزعُم بأنَّ الرسولَ صلى الله وعليه وسلم مخلوقٌ من نور، فما رأي الشيخ في ذلك؟
الجواب:
لا شكَّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيِّدُ ولد آدم، وأنه خيرُ الخلق، وعلى هذا اتفق أهل العلم، إلَّا أن هذا كلَّه لا يخرجه عن كونه من بني من آدم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ»رواه أحمد (10987)، والترمذي (3148)، وعندهما بزيادة (يوم القيامة)، وابن ماجه (4308)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وصححه ابن حبان (6242) عن واثِلَةَ بن الأسقَعِ رضي الله عنه، والحاكم (82) عن عُبادَةَ بن الصامت رضي الله عنه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وإثبات الولادة له تجعله كسائر الخلق من حيث إن أصله مما ذكر الله تعالى في خلق بني آدم، وقد أمر الله جلَّ وعلا في مُحكَمِ كتابه رسولَه صلى الله وعليه وسلم أنْ يبلِّغ ذلك للناس: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}سورة الكهف: الآية رقم (110)،فهو بشرٌ مثلنا في كل ما تقتضيه البشرية من أصل الخلقة ومنتهاها، إلا ما خصَّه الله تعالى به من أنه لا تأكل جسده -صلى الله عليه وسلم- الأرض، كسائر النبيين، ثم بيَّن ما ميَّزَه به عن سائر الناس فقال: {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}سورة الكهف: الآية رقم (110)، فالذي تميَّز به رسولُنا -صلى الله عليه وسلم- أنه يوحَى إليه، أمَّا ما يتعلَّق بالعوارض البشرية من أصل الخلقة، ومن الحمل به، ومن وضعه، ومن حاجته للطعام والشراب، وحاجته إلى النوم، وسائر الحاجات البشرية، كل ذلك لا فرق فيه بين النبي-صلى الله عليه وسلم- وبين غيره من الناس، وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ}سورة الأنبياء: الآية رقم (7)، فهو رجلٌ من الرجال، لا فرق بينه وبين سائر البشر، ولو كان مخلوقًا من نور -كما يزعم من يزعم- كان من الملائكة، وقد امتنَّ الله تعالى على الناس أن جعل الرسول مِنْ جِنْسِهم ومن أنفسهم في الخِلْقَة، وفي سائر الأحوال البشرية.
والقول بأنه خُلِقَ مِن نور نوعٌ من أنواع الغلو، وقد ذكر بعضهم لذلك حديثًا رواه جابر، إلا أنه حديث لا إسناد له، وحكم عليه جماعات من أهل العلم بأنه موضوعٌ مكذوب، وتضمن معانيَ منكرةً لا يمكن أن يقبلها مسلم، ولا أن يؤمن بها من يؤمن بالله واليوم الآخر، فلهذا الواجب على المؤمن الإعراض عن هذه الأقوال؛ لأن النبي -صلى الله وعليه وسلم- جاء بأعظم الأنوار، وهو القرآن الذي أشرقت به الأرض بعد ظلماتِها، وأشرقت به القلوب بعد ظُلمَتِها وخَوائها، وهو -صلى الله وعليه وسلم- يهدي به الله إلى سُبُلِ السلام، ويُخرِج به المؤمنين من الظلمات إلى النور، فالنبيُّ -صلى الله وعليه وسلم- نوره معنويٌّ، لكنه من حيث أصل الخِلقة كسائر بني آدم، والله تعالى أعلم.