136- تحقيق النبي للتوحيد وحسم مواد الشرك. "وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد لأمته ويحسم عنهم مواد الشرك ؛ إذ هذا تحقيق قولنا لا إله إلا الله فإن الإله هو الذي تألهه القلوب ؛ لكمال المحبة والتعظيم والإجلال والإكرام والرجاء والخوف حتى قال لهم : « لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ؛ ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد» ، وقال له رجل : ما شاء الله وشئت . فقال :« أجعلتني لله ندا ؟ بل ما شاء الله وحده » وقال :« من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت » وقال : « من حلف بغير الله فقد أشرك » وقال لابن عباس : « إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله جف القلم بما أنت لاق ؛ فلو جهدت الخليقة على أن تنفعك لم تنفعك إلا بشيء كتبه الله لك ولو جهدت أن تضرك لم تضرك إلا بشيء كتبه الله عليك » وقال أيضا : « لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم وإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله » وقال : « اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد » وقال : « لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم » وقال في مرضه : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما صنعوا قالت عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره؛ ولكن كره أن يتخذ مسجدا . وهذا باب واسع ""مجموع الفتاوى (1/ 136 - 137). . 137 - ما يجب معرفته في الأسباب. "ومع علم المؤمن أن الله رب كل شيء ومليكه : فإنه لا ينكر ما خلقه الله من الأسباب كما جعل المطر سببا لإنبات النبات . قال الله تعالى : ﴿وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة﴾ وكما جعل الشمس والقمر سببا لما يخلقه بهما وكما جعل الشفاعة والدعاء سببا لما يقضيه بذلك مثل صلاة المسلمين على جنازة الميت ؛ فإن ذلك من الأسباب التي يرحمه الله بها ويثيب عليها المصلين عليه ؛ لكن ينبغي أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور : أحدها : أن السبب المعين لا يستقل بالمطلوب بل لا بد معه من أسباب أخر ومع هذا فلها موانع . فإن لم يكمل الله الأسباب ويدفع الموانع : لم يحصل المقصود وهو - سبحانه - ما شاء كان - وإن لم يشأ الناس - وما شاء الناس لا يكون إلا أن يشاء الله . الثاني : أن لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إلا بعلم فمن أثبت شيئا سببا بلا علم أو يخالف الشرع : كان مبطلا مثل من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء . وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن النذر وقال : «إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل » . الثالث : أن الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ منها شيء سببا إلا أن تكون مشروعة ؛ فإن العبادات مبناها على التوقيف ؛ فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله فيدعو غيره - وإن ظن أن ذلك سبب في حصول بعض أغراضه - وكذلك لا يعبد الله بالبدع المخالفة للشريعة - وإن ظن ذلك - فإن الشياطين قد تعين الإنسان على بعض مقاصده إذا أشرك وقد يحصل بالكفر والفسوق والعصيان بعض أغراض الإنسان فلا يحل له ذلك إذ المفسدة الحاصلة بذلك أعظم من المصلحة الحاصلة به إذ الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فما أمر الله به : فمصلحته راجحة وما نهى عنه : فمفسدته راجحة وهذه الجمل : لها بسط لا تحتمله هذه الورقة . والله أعلم"مجموع الفتاوى ( 1/137 - 138 ). . 144- حالات انتفاع الكفار بالدعاء لهم. "الكفار يتفاضلون في الكفر كما يتفاضل أهل الإيمان في الإيمان قال تعالى : ﴿إنما النسيء زيادة في الكفر﴾ . فإذا كان في الكفار من خف كفره بسبب نصرته ومعونته فإنه تنفعه شفاعته في تخفيف العذاب عنه لا في إسقاط العذاب بالكلية كما في صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه قال : قلت يا رسول الله فهل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال :« نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار » وفي لفظ : إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك فهل نفعه ذلك؟ قال :«نعم وجدته في غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح » وفيه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال:« لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منهما دماغه » وقال « إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه » . وكذلك ينفع دعاؤه لهم بأن لا يعجل عليهم العذاب في الدنيا كما كان صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يقول " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " . وروي أنه دعا بذلك أن اغفر لهم فلا تعجل عليهم العذاب في الدنيا ؛ قال تعالى : ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى﴾ . وأيضا فقد يدعو لبعض الكفار بأن يهديه الله أو يرزقه فيهديه أو يرزقه كما دعا لأم أبي هريرة حتى هداها الله وكما دعا لدوس فقال «اللهم اهد دوسا وأت بهم » فهداهم الله وكما روى أبو داود أنه استسقى لبعض المشركين لما طلبوا منه أن يستسقي لهم فاستسقى لهم وكان ذلك إحسانا منه إليهم يتألف به قلوبهم كما كان يتألفهم بغير ذلك " "مجموع الفتاوى (1 / 144 - 145 )..