السعداء عنوان لطيف، اختاره لكم فضيلة الشيخ الدكتور، خالد المصلح، ليكون مادة اجتماعنا بكم، في هذه الليلة فإلى المحاضرة، ومع الشيخ خالد المصلح، نعيش وقتًا رائعاً بإذن الله.
الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أحمده لا أحصي ثناءًا عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فحياكم الله، أيها الإخوة والأخوات، حياكم الله في هذه الليلة، من ليالي هذا الشهر المبارك، نتناول فيها موضوعًا، ما من أحد من البشر، من الأولين والأخرين، من الذكور والإناث، على كل الألسن، وعلى كل الاختلاف في الاهتمامات والتوجهات، وعلى كل الاختلافات في الزمان والمكان، كلهم يطلبون السعادة، فهذا مطلب بشري، لا يختلف فيه الناس، مهما تنوعت اهتماماتهم، واختلفت بقاعهم وأزمانهم، وأعراقهم وأجناسهم، الجميع من بني آدم، يسعون إلى إدراك السعادة، يسعون للحصول على الراحة، راحة البال، بهجة النفس، سكون القلب، دفع الهم، كل هذه مطالب لا يختلف فيها البشر،
جميعهم يسعى إليها، وجميعهم يعمل على إدراكها، أنا وأنت، وهو وهي، كلهم يسعون أن يكونوا من السعداء، ويسعون إلى نيل السعادة، لذلك قال الأصفهاني رحمه الله، ما من أحدٍ إلا وهو فازعٌ إلى السعادة، لكن الناس في تعريف السعادة، في تحديد معنى السعادة، يسلكون في ذلك مسالك مختلفة، ويطرقون في ذلك أبواب شتى، كما أنهم يسلكون إليها مسالك متنوعة، يطلبون وينشدون السعادة، فكل هؤلاء الذين تبصرونهم من الناس، على اختلافهم يسعون إلى مطلب واحد، وهو السعادة في معاشهم، لكنهم على ذلك الاختلاف قائمون، فليس هناك تعريف واحد للسعادة عند الناس لكن الاشكال أن أكثر بني أدم، على اتفاقهم في طلب السعادة، لا يدركونها، أرأيتم هؤلاء الذين في هذه الدنيا، على تنوع اهتماماتهم، واختلاف أفكارهم، و تنوع جنسياتهم وأديانهم، وألسنتهم إنهم إن يطلبوا السعادة لكنهم يختلفون في إدراكها، فمنهم من وفق إليها، ومنهم من يخطئ الطريق فلا يصل إليها، وللأسف أن أكثر الناس لا يصلون إليها، بل يخطئون في تعريفها، فلما أخطأوا في التعريف، أخطأوا في الطريق الموصل إليها، لهذا يا إخواني، الخطوة الأولى التي يجب أن نقف عندها، في قضية السعادة، أن نعرف ما هي السعادة في الحقيقة، إذا عرفنا ما هي السعادة في الحقيقة، استطعنا بعد ذلك أن نسلك الطريق الموصل إليها، لكن عندما لا نعرف السعادة، أو نخطئ في تعريفها، فإننا سنتعب في الوصول إليها، أولا وقد نصل إلى غير الهدف، أو نصل إلى ما نظنه سعادة، ويتبين لنا أنه شقاء وليس سعادة، لذلك من المهم أن يتضح معنى السعادة، الله تعالى لم يذكر السعادة في كتابه، إلا في موضع واحد، وقسمهم قسمين، سعداء وأشقياء، قال الله تعالى {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}سورة هود، الآية108، ويقابلهم الأشقياء، هذا الموضع الوحيد، الذي ذكر الله تعالى فيها السعادة باسمها، وذكر أصحابها، لكن القرآن كله، بأوامره ونواهيه، وأخباره وقصصه، كله جاء لتحقيق السعادة لبني البشر، الله خلق الناس، ليتفضل عليهم، خلق الناس ليكرمهم، خلق الناس ليميزهم، بما يعطيهم ولهذا لهم دون سائر الناس الله تعالى يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}سورة الإسراء، الآية:70، إذًا أنت لك خصوصية عند رب العالمين، تأمل هذا العطاء، وها هي تلك الهبات، التي منَّ الله جلَّ وعلا بها على الناس {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}سورة الإسراء، الآية:70 وأنت منهم{وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}سورة الإسراء، الآية:70، إن هذا التكريم لجنس الإنسان، إن من إكرام الله للإنسان، أن أسجد له أشرف خلقه، فأسجد الملائكة لأدم عليه السلام، وأبرز فضله عليهم، وميزه عليهم، فعلمه ما لم يعلمون، وكل ذلك توطئة وتمهيد، لبيان أن هذا المخلوق مصطفى، عند رب العالمين، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}سورة القصص، الآية:68 هذا الاصطفاء له غاية، وله هدف، وهو أن يكون الإنسان مفضلًا، أن يكون الإنسان ساميًا، أن يكون الإنسان سعيدًا، لكن الإشكالية في إن هذا الإنسان، سُلط عليه عدو، هذه العداوة كانت قبل أن يُخلق، الإنسان إنها عداوة، ذاك العدو المبين المرصد، الذي هو الشيطان أعاذنا الله وإياكم منه.
الله تعالى خلق آدم من صلصال، ولما خلقه جلَّ في علاه، مكث مدة من الدهر، إلى أن يستوي وإلى أن ينفخ الله تعالى فيه من روحه جلَّ في علاه، فكان الشيطان يطيف بالإنسان، وهو مخلوقٌ من صلصال من فَخّار، وينظر إليه ويرى ضعفه، كل ذلك استعداد وتهيئ للعداوة، التي أضمرها في نفسه، فلما أمر الله تعالى الناس، ما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، أبى البشر عليه الصلاة والسلام، أبى إبليس فظهرت العداوة علانية، بعد أن كانت خفية هذه العداوة، هي سر شقاء الإنسان فشقاء الإنسان، في دنياه وفي أُخراه، ناتجٌ عن طاعته لعدوه، ولذلك في مواضع عديدة يُخبر الله في كتابه الحكيم، بالنص المبين فيقول: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً}سورة فاطر، الآية:6، فالله تعالى يخبر في كتابه في عداوة الشيطان للإنسان، ويأمرنا بالاستعداد والتهيؤ لهذه العداوة، وأن نكون على حذر وتنبه من هذا الذي قال؛ {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ}سورة الأعراف، الآية: 16و17، كل هذا لماذا؟ {وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}سورة الأعراف، الآية:17، لإخراج الناس عن طريق السعادة، إن الشيطان هو السبب الأكبر للشقاء، لكن لا يعني هذا أن ليس هناك أسباب أخرى، بل هناك أسباب أخرى، تعين على تحقيق الشقاء لبني آدم، إن السعادة حقيقة في الدنيا هي انشراح النفس وبهجته، انشراح القلب وسروره، طمأنينة الفؤاد وانشراحه، فمن حصل له هذا فهو السعيد، مهما كان متخلفًا في سعادة بدنه، لكن مفتاح السعادة سعادة القلب، ولذلك من فقد هذا المفتاح، فلم يكن سعيد القلب، فإنه مهما تنوعت له الملذات، وتفننت له المرغوبات، وكثرت عنده الملهيات، لا يزال شقيًا، فإن السعادة تبتدئ في القلب انشراحًا وبهجة، ثم تنعكس على الجوارح، ولهذا تجد السعيد، لا يهمه القلة ذاتيًا لا يهمه قلة ذاتيته، ولا تعكس حاله في مسائل الدنيا، من المأكل أو المشرب أو الملبس، إذا كان سعيد القلب، طبعًا إذا انضم إلى هذا نعيم البدن، فإنه يكون عند ذلك تحقق له السعادة بوجهيه، برفاهية البدن وطمأنينة القلب، لكن السعادة الحقيقية، التي بها يبتهج الإنسان، هي أن يكون قلبه منشرحًا مطمئنًا، مبتهجًا، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا بمعرفة الله عزَّ وجلَّ، لا يمكن أن يسكن القلب، ولا يطمئن، ولا يبتهج، ولا يلتذإلا بمعرفة الله، فبقدر ما معه من معرفة الله بقدر ما يحصل من السعادة، بقدر ما يدرك من الطمأنينة، بقدر ما يبتهج في دنياه، وفي أخراه، لذلك يقول الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}سورة الأنعام، الآية:125،ولا تنظر بعد ذلك إلى ما يكون عليه حال الإنسان، من نعيم الدنيا، وعطاياها، وبهجتها، فإنها لا تساوي شيئًا، أمام ما في القلب من ضنك، أمام ما في القلب من ضيق، أمام ما في القلب من حرج، فإن ذلك كله لا يساوي شيء، وهذه حقيقة يدركها من فتح الله عليه في أول الدنيا، لكن قلبه لم يسكن إلى ربه، يجد حاجة لا يمكن أن يسدها نعيم الدنيا كلها، كل نعيم الدنيا، لا يمكن أن يسد هذه الحاجة، هذه الحاجة التي في القلب، وهي مفتاح السعادة، تكون بمعرفتك بالله، بقدر ما عندك من معرفة الله، بقدر ما تنال من السعادة، ولذلك يقول الله تعالى في محكم كتابه، {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}سورة الرعد، الآية:28 لأن ذكر الله به يعرف، ذكر الله به يتصل العبد ذكر الله، به يعرف العبد ما لله من الكمالات، فإذا قلت الحمد لله، ذكرت نعمه وعطاياه وأفعاله، وأسماءه الحسنى وصفاته العلا، وإذا قلت سبحان الله، عرفت ما لربك من الكمالات، سبحانه وبحمده، وأنه منزه عن كل عيب، متصف بكل كمال سبحانه وبحمده، فيكون ذلك سكوناً لقلبك، هذا معنى {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}سورة الرعد، الآية:28، ذكر الله باللسان الذي ينطق القلب قبل اللسان بتعظيم الرب، ومحبته وإجلاله، لذلك يا إخواني، لا يمكن أن يدرك الإنسان سعادة، إلا بمعرفة الله، وهذا قد يقول بعض الناس، طيب ولماذا نرى بعض الصالحين في شقاء؟ إن النبي صلى الله عليه، وسلم أسعد الناس أسعد الناس على مر البشرية، من أدم إلى أخر بني أدم، هو محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم وسعادته ناشئة عن كمال معرفته بربه، جلَّ في علاه فأكمل الناس معرفة بالله، محمد بن عبد الله صلى الله عليه، وعلى آله وسلم، ولذلك قال بلسانه، صلى الله عليه وسلم (أما والله إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له) (أما والله) يحلف صلى الله عليه وسلم، بأنه أعلم الأمة بالله، وأخشاها لله ،وهذا ليس خاصًا بأمة النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أعلم الناس بربه صلى الله عليه وسلم، فقد فتح الله له من المعارف، وفاض عليه من العطايا، ما بلغه نعيم القلب، على أعلى الدرجات، لأنه عرف ما لله من الكمالات، علم ما لله من صفات الجلال وأسمائه الحسنى، وأفعاله الجميلة، فكان عظيم السعادة، صلى الله عليه وسلم، عظيم العلم بالله، فأثمر ذلك أنه كان أكثر العباد عبادة لله، قام قومة حقق العبودية لله عزَّ وجلَّ، على وجه لم يكن للأولين والأخرين، فما في الأولين ولا في الأخرين، أعظم عبودية من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذا النبي وصفه الله تعالى، بأنه على خلق عظيم، وهو صفوة الله من الخلق، كما قال عُمر له بين يديه، أنت صفوة الله من خلقه، أي أنه الذي اصطفاه واختاره، من بين بني أدم كلهم، صلى الله عليه وعلى أله وسلم، هذا ما الذي كان معه من الدنيا، ما هو نصيبه من متع الدنيا، كان يربط على بطنه الحجر من الجوع، بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان لا يوقد في بيته نار ثلاثة أهلة، يعني ثلاثة أشهر، لا يوقد في بيته نار، صلى الله عليه وسلم، يعني ما يأكل إلا الماء والتمر، وخرج يومًا من الأيام من بيته في الظهيرة جائعًا، أخرجه الجوع، وهو سيد ولد أدم صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان أسعد الناس، فإن تخلف الدنيا بكل ما فيها من زخرف،لا ينقص من سعادتك شيئًا، إذا عرف قلبك الله، لكن الإشكالية، أنه يكون هناك عندنا قصور، في معرفتنا بالله عزَّ وجلَّ، من متع الدنيا، بالتأكيد أن متع الدنيا تعطي شيئًا من السعادة، فالمركب الطيب والمسكن الطيب، كله من سعادة المرء، ولذلك جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من سعادة المرء الزوجة الصالحة، خير متاع المرء في دنياه المرأة الصالحة، والمركب الهنيء والمسكن الواسع) لكن هذا كله أشياء تكميلية، أما الأساس والأصل، الذي إذا فقد النور، وإذا فقد فقدت السعادة، هو سعادة القلب بطاعة الله عزَّ وجلَّ.
يا إخواني لما غلبت المادية علينا، وأصبح الناس متعلقين بالدنيا، في بهرجها، وأصبح الضوء والنور والملاحقة، إنما هي لأصحاب المتع الدنيوية، اختل مفهوم السعادة، عند كثير من الناس، فأصبح كثيرٌ من الناس، يظن أن السعادة في المناصب، أو في الوظائف الكبيرة، أو في كثرة المال، أو في طيب المساكن، كل ذلك يكمل السعادة، لكنه ليس مفتاحها، مفتاحها الذي يدخل منه الإنسان إلى السعادة من أوسع الأبواب، سعادة الدنيا وسعادة الأخرة، هو معرفته بالله عزَّ وجلَّ، والمعرفة بالله جلَّ في علاه تثمر ذكاء القلوب، وصلاحها تثمر ذكاء القلوب، وصلاحها واستقامة الأعمال، وجودتها، تحمل الإنسان على البر، تنزعه عن السوء، تقربه إلى الله، تنير وجهه، تصلح عمله، تيسر له الخير، كل ذلك ثمنه صلاح القلب، (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله) ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم، يقوم الليل في مناجاة ربه، ألم يكن محتاج إلى راحة بدنه، بلى، لكنه صلى الله عليه وسلم، أبصر من نعيم مناجاة الله، ولذة الخلوة به، ما جعله يهجر وتير الفراش، ولذة النوم كما قال الله تعالى في وصف أولياءه؛ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}سورة السجدة، الآية:16 تصور هذا المعنى، لم يقل يقومون الليل قال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ}سورة السجدة، الآية:16، أي أن جنوبهم تنفر وتبعد، وتذهب بعيدًا عن مواضع النوم، رغبة فيما عند الله، ما الذي جعل ذلك عملهم، وطريقتهم، الذي جعل ذلك هو ما كانوا عليه من معرفة الله عزَّ وجلَّ، ماذا يقوم من لذة مناجاته سبحانه وبحمده، فلذلك كانوا يقومون فازعين متجانفين عن فروشهم، خوفًا من فوات هذه اللذة، كما يقوم أحدنا خوفًا من فوات موعد الدوام، أو خوفًا من التأخر على عمل، أو ما أشبه ذلك، كانوا يقومون فازعين، متجافين عن فروشهم، خوف فوات لذة مناجاة رب الأرض والسموات، هذه المعاني قد يتصورها الناس، معاني بعيدة، وليست حقيقية، لكن من جرب وجد، وكم من إنسانٍ يسلك هذا الطريق، فيجد من الانشراح والبهجة، في التعرف على الله، فيتبين له أن الدنيا بما فيها من ملذات، لا تعدل إقبالًا على الله، في لحظة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، (ركعتا الفجر) والمقصود بركعتي الفجر، السنة القبلية، (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) هذا ليس دعوة لتعطيل الدنيا، الدنيا نحن خلقنا لعمارتها، من مقاصد وجودنا عمارتها، فالله تعالى استعمرنا فيها، واستخلفنا فيها، لكن المقصود، أن لا ننصرف عن المقصود الأكبر، إلى مقصود جانبي، صلاح الدنيا تبع لصلاح الآخرة، فمن صلحت آخرته صلحت دنياه، لكن من فسدت آخرته تعثرت دنياه، ولو صلحت فإن صلاحها مؤقت، سرعان ما يهوي، ويكون صلاحًا ظاهريًا، لذلك ذكر الله تعالى في أمثال الأمم التي أهلكها، أن الله تعالى يعطيهم في الدنيا، حتى إذا رأوا بهرجها، وظنوا أنهم قادرون عليها، بما فيها من مُكنة وقدرة؛{أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداًكَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}سورة يونس، الآية:24، تحولت وزال ما فيها من بهجة، ونعيم لهذا السعادة، يا إخواني باختصار ودون تطويل، السعادة في أن يكون قلبك محبًا لله، أن يكون قلبك مقبلًا على الله، أن يكون قلبك معظمًا لله، فالقلب مضطرٌ إلى محبوبه الأعلى، لا يغنيه عنه حبه ثانٍ ، مهما اشتغل بمحبة سوى الله، إنه لا يغنيك عن محبة الله عزَّ وجلَّ، ومحبة الله فرع عن معرفته، فإنه من عرف الله وما له في الكمالات جلَّ في علاه، وما له من العظمة سبحانه وبحمده، وما له من بديع الأفعال جلَّ في علاه، كان ذلك حاملًا على محبته.
يا أخي تأمل ما في لحظة، ولا نبضة ولا ثانية في عمرك، إلا والله منعم عليك، بفضل، ففضله وإنعامه عليك، لا يتوقف جريان دمك في عروقك، هو من فضل الله عليك، كل ما فيك هو إنعام الله عليك، ألا يستحق هذا أن تحبه، الآن لو أحد منا مر بموقف صعب، وجاءه صاحب أو زميل، أو صديق أو غريب، ومد له يد العون ذكر إحسانه مددًا طويلًا، وكل ما ذكره أو لاقاه جزاك الله خير، وبش في وجهه، وقدم له ما يستطيع من إحسان، جزاء تلك الوقفة، فكيف والله هو قد أعاننا، في بطون أمهاتنا فأمدنا بالرزق، تكفل بنا في ظلمات ثلاث، ثم أخرجنا ويسر لنا من الرعاية والصيانة، ما لا حول لنا ولا قوة، ثم هو جلَّ في علاه، ينعم علينا وتتوالى أفضاله، سبحانه وبحمده علينا في كل نفس، وفي كل لحظة {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ}سورة النحل الآية: 53 ألن يستحق هذا الرب جل في علاه أن يشكر أن يذكر، فيشكر وأن يثن ِ عليه فيقبل عليه جلَّ في علاه، يا إخواني طريق السعادة واضح، طريق السعادة في أن نسلك ما كان عليه، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واحذروا!!! أن تظنوا أن السعادة صورة، أو ابتسامة أو منصب، أو مال أو وظيفة، أو امرأة جميلة، أو رجلاً وسيمًا بالنسبة إلى النساء، أو مما يعده الناس متاعًا، أو نعيمًا فكل ذلك سعادة صورية، لكن السعادة الحقيقية، تبتدأ بهذا الذي بين جنبيك بصدرك، بقلبك، فأملأه محبة لله، وأعمره ذكرًا له جلَّ في علاه، بذلك تنال السعادة، ولا تكن كمن قال الله تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ}سورة النور، الآية:39، الذين كفروا أعمالهم في دنياهم، على شتى صنوف العمل الذي يسعون فيه، {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ}، يعني كمن يرقد وراء سراب {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، فلذلك من المهم، أن نعرف أن الأعمال الصالحة، هي طريق السعادة والطمأنينة، والابتهاج ولهذا يقول الله تعالى للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}سورة الأنفال، الآية: 24، امتثالكم لطاعة الله عزَّ وجلَّ، قيامك بما أمرك الله تعالى به، تركك عما نهى الله تعالى عنه، كل ذلك حياة لك، والحياة ليست فقط حياة الدنيا.
وهذا معنى السعادة هذه الفلسفة الإسلامية، أو هذا الفكرة الإسلامية، التي جاء بها القرآن، أن حقيقة السعادة حقيقة السعادة، أنها مرتبطة سعادة في الدنيا، ترتبط بسعادة الآخرة، فلا يمكن أن يسعد الإنسان في أخراه، إذا لم يسعد في دنياه، لكن ماهي سعادة الدنيا، هي العلم بالله، وليس المقصود، أنه عندهما مال ومتاع في الدنيا، إذا سيكون في الآخرة كذلك، كما قال الذين أخطأوا في تعريف السعادة، فظنوا أن عطاء الله لهم في الدنيا، دليل محبته، وأنه سيسعدهم في الآخرة، {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً}سورة الكهف، الآية:36، ظن أن رجوعه إلى الله، على كفره بما أنه أعطاه في الدنيا، سيعطيه أيضًا في الآخرة، وهذا وهمٌ وضلالٌ وخطأ، فإن الله تعالى قال؛ {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كلا}سورة الفجر، الآيات؛ 15و16و17،يعني ليس الأمر كذلك، فالعطاء في الدنيا، ليس دليلًا على العطاء في الآخرة، لكن الصلاح في الدنيا، هو عربون السعادة في الآخرة، ولهذا قال العلماء في الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إن جنة الدنيا هي جنة تحقيق العبودية لله، أن يتذوق الإنسان لذة العبادة، لذة الإقبال على الله، طمأنينة القلب، أن يكون القلب لله محبًا، وله معظمًا، عند ذلك يبتغي الإنسان في عطايا عظيمة، ابتداؤها في الدنيا، ونهايتها في الآخرة فالسعادة الحقيقية، هي سعادة الآخرة وهذه السعادة الأخورية، تكون بالسعادة الدنيوية فإن الله تعالى، قد وعد من عمل صالـحًا، واتبع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، واتبع هدي القرآن بسعادة في الدارين، قال جلَّ في علاه {فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}سورة طه، الآية:123، أما من أعرض، فقد قال الله تعالى؛ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}سورة طه، الآية: 124،{لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}سورة طه، الآية: 124، شقاء في الدنيا،{وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}سورة طه، الآية: 124.
إذًا السعادة في الدنيا هي مفتاح سعادة الآخرة، والشقاء في الدنيا بالإعراض عن الله، ظلمة في القلوب، هي مفتاح شقاء الآخرة، ولهذا يقول الله جلَّ وعلا{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}سورة النحل، الآية:97، الحياة الطيبة مفتاحها، سعادة القلب، ابتهاجه، لذته، نعيمه، وليست الحياة الطيبة هي المراكب الحسنة، والمساكن الفارهة، والمناصب العالية ذاك كله مظاهر للسعادة، لكنها لا تعطي السعادة الحقيقية، إنما السعادة الحقيقية، سعادة الطاعة، والإقبال على الله.
أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يجعلنا وإياكم من السعداء، وأن يسلك بنا سبيل الرشاد، وأن يعنا وإياكم على خير الدنيا والآخرة، وأن يهدنا سبيله، وأن يجعلنا من أوليائه، وأن يجعلنا من السعداء، الذين هم عباد الله الأتقياء، الأنقياء، الأوفياء، الذين حققوا الإيمان في قلوبهم، والصلاح في أعمالهم، كما قال ربنا جلَّ في علاه {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}، اللهم إنا نسألك حياة السعداء، وموت الشهداء، وأن تحشرنا في زمرة الأولياء، وأن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأوليائك المتقين يا ربنا، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.