يسأل عن أن العلماء نصُّوا على أنَّ مَنْ يُنكِر حدًّا من حدود الشريعة، ومن يُنكِر عُلوَّ الله عزَّ وجلَّ أنه يكفُر، يقول: هل يُطبَّق هذا في كل وقت؟
الأصل أنه ينبغي أن نُفرِّق بين الحكم على القول، وبين الحكم على القائل، فما جاء من كلام العلماء أن مَنْ أنكر عُلوَّ الله فهو كافرٌ، مَنْ أنكر استواء الله على العرش فهو كافرٌ، ومن أنكر حدًّا من حدود الله فهو كافرٌ، هذا حكم على القول، وهنا يقع إشكالٌ عند بعض الناس، حيث يبادِر إلى تطبيق هذا القول، وترتيب الأحكام المتعلقة على كل من قاله، وهذا ليس بصحيح، عمل الأئمة واضحٌ وجليٌّ، وقد نبَّه على ذلك جماعاتٌ من أهل العلم؛ على التفريق بين القول والقائل، وأن الحكم على الأقوال لا يستلزم الحكم على القائلين، بل القائل لا بد فيه من النظر في الشروط التي يتنزَّل الحكم عليه، فلا بدَّ من توافر الشروط، والنظر في الموانع، فقد يوجد مانعٌ من جهلٍ، من خطأ، من دهشةٍ، من تأويلٍ، كل هذه الأمور لا بد من مراعاتها.
ولذلك أحيانًا يلتبس الأمر على مَنْ لا معرفة له بطريقة العلماء فينبغي التوضيح في مثل هذه المقامات؛ لأن هذا حكم على القول وليس حكمًا على القائل، فلا بد من التحقُّق من توافر الشروط وانتفاء الموانع، وهذا ما يمكن يكون من جاهل يعني ليس شيئًا يطبقه كل إنسان بنفسه، لا بد من الرجوع إلى أهل العلم والبصيرة الذين لهم معرفة بالشروط، ولهم معرفة بالموانع حتى يُنزَّل هذا الحكم على العيان.
وأذكر في هذا شاهدًا؛ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهو من الأئمة الذين نظَّروا، وكثُر في قوله من قال كذا فهو كافر، لكنه لما ذهب إلى مصر وكان الذين في مصر جهمية كثير منهم، قال لهم، وقد جاءه القضاة والأمراء: "أنتم تقولون قولًا لو قلتُ به لكفرتُ ولستم عندي من الكفار".
"أنتم تقولون قولًا لو قلت به.."؛ لأن عنده المعرفة أن هذا القول مجافٍ للكتاب والسنة، "لكفرت ولستم بالكفار"، فهذا يعني أنه ليس كل قَوْلٍ يُطلَق عليه من حيث التصنيف بأنه كُفر يلزم منه أن يكون القائل به أو المعتقِد له كافرًا، فلا بد من التفريق، وهذه قضية مزلة قدم، وهي التي أوجبت هذا النوع من التساهل في التكفير ممن لا يعرف بدايات العلم، لا يعرف أبجدياته، لا يعرف أَوَّليَّاته، تجده يكفِّر الحكَّام، والعلماء، والدول والناس، حكمًا عامًّا، بناءً على مقدِّمات يجهل أوَّلًا أبعادها، وهل هي كما يظن؟ ثم يجهل تنزيلها على الواقع وهل هي مطابقة؟ ثم يجهل توافر الشروط وانتفاء الموانع.