قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" وبالجملة لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها بل الوجوب بحسب الإمكان وكذلك ما لم يعلم حكمه فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه وبقي مدة لم يصل لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد .
وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان وأداء الزكاة وغير ذلك .
ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين وإنمااختلفوا في قضاء الصلوات . وكذلك لو عامل بما يستحله من ربا أو ميسر ثم تبين له تحريم ذلك بعد القبض : هل يفسخ العقد أم لا ؟ كما لا نفسخه لو فعل ذلك قبل الإسلام . وكذلك لو تزوج نكاحا يعتقد صحته على عادتهم ثم لما بلغته شرائع الإسلام رأى أنه قد أخل ببعض شروطه كما لو تزوج في عدة وقد انقضت . فهل يكون هذا فاسدا أو يقر عليه ؟ كما لو عقده قبل الإسلام ثم أسلم . وأصل هذا كله أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم ؟ أو يفرق بين الشرائع الناسخة والمبتدأة ؟ هذا فيه ثلاثة أقوال هي ثلاثة أوجه في مذهب أحمد ذكر القاضي أبو يعلى الوجهين المطلقين في كتاب له وذكر هو وغيره الوجه المفرق في أصول الفقه وهو : أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه الناسخ .
وأخرج أبو الخطاب وجها في ثبوته .
ومن هذا الباب من ترك الطهارة الواجبة ولم يكن علم بوجوبها أو صلى في الموضع المنهي عنه قبل علمه بالنهي : هل يعيد الصلاة ؟ فيه روايتان منصوصتان عن أحمد .
والصواب في هذا الباب كله : أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم وأنه لا يقضي ما لم يعلم وجوبه".
" مجموع الفتاوى" (19/225- 226).