((الحلقة الثالثة)) الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أحمده لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه، أهل الثناء والمجد، أحق ما ذكر العبد وكلنا له عبد، جل في علاه سبحانه وبحمده. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من النار، والفوز بالجنان، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، خيرته من خلقه، بعثه الله بين يدي الساعة بالحق بشيراً ونذيراً، فصلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد. فمرحباً بكم وأهلاً وسهلاً - أيها الإخوة والأخوات- واسأل الله أن يجعلني وإياكم من المباركين. هذه الحلقة من برنامج " أحكام" تأتيكم ضمن منظومة مباركة تشرف عليها وتنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، لتوعية حجاج بيت الله الحرام. وفي هذه الحلقة سنتناول بيان شيء من الأمور المتعلقة بأيام فاضلة شريفة هي خير أيام الزمان ، يوم التروية، ويوم عرفة، وما يكون في ليلة مزدلفةـ هذه الليالي وهذه الأيام المباركة. * أيام الحج - أيها الإخوة والأخوات - ستة أيام، أولها يوم التروية، وبالمناسبة أيام الحج تسمى في كلام العلماء وفي كلام الناس في سالف الزمان بالأعمال التي تكون في هذه الأيام. فيوم عرفة : هو يوم الوقوف بعرفة. يوم النحر : هو يوم الذبح. فيوم التروية ما هو؟. إن يوم التروية هو اليوم الذي كان المتقدمون في الزمن السابق في عهد النبوة وقبلها وبعدها إلى عهد قريب، يروي الحجاج الماء إلى منازلهم في منى، أي يستعدون لأيام التشريق، فكانوا يجلبون الماء معهم إلى منى لأنه وادٍ ليست فيه ماء، فكانوا يأتون بالماء فيرووه، ولذلك سمي يوم التروية، لأنه يوم يروي فيه الحجاج الماء لإقامتهم بعد عرفة في منى، وإقامتهم بعد ذلك في أنساكهم في الأيام الوالية ليوم عرفة . إذاً: يوم التروية هو أول أيام الحج، وهو يوم الثامن من ذي الحجة. النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم هو وأصحابه رضي الله عنهم قدموا إلى مكة في اليوم الرابع، الذين قد خرجوا معه، وإلا فالناس كانوا يتوافدون إلى مكة قبل وبعد ذلك بأعداد شهدت حج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووافقته في أعمال النسك في ذلك العام . رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكث بعد أن طاف وسعى وخرج بأصحابه إلى الأبطح، وهو ما يعرف بالششة أو قريب منها، بقي إلى اليوم الثامن. يقول ابن عباس: "لم يأت الكعبة بعد أن طاف وسعى حتى قضى حجه"، يعني بعد أن انتهى من أعمال يوم عرفة. النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكث في الأبطح وخرج بأصحابه ضحى يوم الثامن، وقد أمرهم بالإحرام وأحرم من كان قد تحلل منهم، وصلى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم التروية ظهر يوم الثامن والعصر والمغرب والعشاء من ذلك اليوم، ومن ليلة عرفة، وأصبح فصلى الفجر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منى. وبهذا يكون قد اكتمل ما يكون من الأعمال قبل الوقوف بعرفة. وهذا المجيء إلى هذه البقعة المباركة هو مجيء مسنون باتفاق أهل العلم. بمعنى أنه من لم يدرك هذا، أو حال ونه ودون الوصول إليه عدم المكان أو تنظيم أفواج الحجاج أو ما إلى ذلك من الأسباب التي حالت بينه وبين ما يشتهي من موافقة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمجيء إلى هذه البقعة المباركة في اليوم الثامن فهو موفور الأجر، حجه صحيح ولا نقص فيه إلا ما يكون من نقص هذه السنة، التي إذا ما كان نقصها لمصلحة أو لحاجة فإن الله تعالى يعطيه أجر ما أمَّل وما نوى من الخير ولو لم يأت إلى هذه البقعة لوجود المانع. المقصود أن المجيء إلى هذه البقعة المباركة سنة يؤجر عليه الإنسان ويدرك بها الفضل والأجر من الله تعالى. هل هناك أعمال يعملها الحجاج في اليوم الثامن؟ الجواب. ليس هناك أعمال سوى الإحرام بالحج قبل صلاة الظهر، فيصلي الظهر من اليوم الثامن وهو محرم بالحج. وماذا يصنع في منى؟ هل يرمي جماراً؟ هل يقصد مكاناً؟ الجواب . لا ، يمكث في مكان إقامته ذاكراً لله تعالى، مكثه في مكان إقامته في منى هو مما يجري الله تعالى الأجر عليه في كل لحظة وفي كل ثانية، وفي كل دقيقة يمضيها الإنسان في هذه البقعة يدرك أجراً وفضلاً من الله تعالى. ولذلك ينبغي أن نستشعر هذا المعنى أننا نأتي إلى هذه البقعة لا لنمضي الوقت بلا فائدة، بل نحن في عبادة منذ أن تلبسنا بهذا النسك، وتنقلنا وارتحلنا إلى هذه البقعة فانتقالنا وذهابنا ومجيئنا كله طاعة لله تعالى. فإذا أحرم الإنسان من مقر إقامته وتوجه إلى منى ينبغي أن يشتغل بالتلبية والذكر وإذا وصل إلى منى فإنه يشتغل بالذكر ويصلي الصلوات المكتوبات في منى، يصليها في أوقاتها قصراً إن كان مسافراً، وغير قصر إن لم يكن مسافراً. المقصود أنه يشتغل بالطاعات والعبادات في هذا اليوم في هذه البقعة المباركة. من لم ييسر له المجيء فليبقى في مكانه ويسن له أن يحرم . أعني أولئك الذين يقولون ليس لنا مكان، ترتيب حملاتنا أن نتوجه إلى عرفة مباشرة، فهؤلاء هل يسن لهم أن يحرموا؟ نقول نعم، لأن السنة في يوم الثامن أمران: الأمر الأول : أن يحرم في هذا اليوم قبل صلاة الظهر. الأمر الثاني: أن يأتي إلى منى، فإذا فاتته سنة المجيء إلى منى لأي سبب من الأسباب فإنه ينبغي له أن يحرص على السنة الثانية، وهي سنة الإحرام وأن يتقرب إلى الله تعالى بالإحرام الذي يرجو ثوابه وأجره عند الله تعالى. هذا ما يتصل بالأعمال المباركة التي تكون في هذا اليوم، وهو يوم التروية، وهو يوم شريف ينبغي أن يعرف المسلم قدره ومكانته، فهذا من جملة الأيام التي قال فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في "الصحيح" "صحيح البخاري" (969). من حديث ابن عباس «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ»، يعني الأيام العشر. وفي رواية ابن عمر في "مسند الإمام أحمد"«مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» "المسند" (2/131).. فينبغي الإكثار من العمل الصالح والاجتهاد في هذا، سواء كان الإنسان في مكة أو كان في منى حسب حاله وحسب استطاعته. وأنبه إخواني الذين لا يستطيعون المجيء إلى هذه البقعة المباركة لكون ترتيب الحج يستلزم أن يتوجه مباشرة إلى عرفة لا حرج عليهم وليس عندهم إشكال فليتوجهوا إلى عرفة وفق تنظيم الحجاج. ما ذكره العلماء المتقدمون من أن المجيء إلى عرفة ليلة عرفة بدعة كما ذكر ذلك النووي، وذكر ذكر ذلك جماعة من الفقهاء على اختلاف مذاهبهم نقول "إن هذا لمن قصد تلك البقعة للتعبد بالتقدم. أما من قصد تلك البقعة لكون هذه البقعة هي المكان المتيسر له إقامة، ولأجل أن لا يفوته الوصول إليها في اليوم الذي يشرع له أن يجيء، أو غير ذلك من الأسباب فإنه لا حرج عليه، وهو مأجور كما ذكرنا. فالله تعالى يعطي على النية الصادقة إذا حال دونها حائل خارج عن اختيار الإنسان يعطيه أجر من عمل العمل ، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة العُسرة فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس وجابر «إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا ، وَلاَ وَادِيًا إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» "صحيح البخاري" (2839) من حديث أنس، ومسلم (1911) من حديث جابر.. فالذين يريدون هذه البقعة ولا يستطيعون الوصول إليها نقول لمن يريدوا منى ولا يتمكنوا من المجيء إليها في اليوم الثامن أنتم على خير ولكم الأجر أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم. * يوم عرفة يوم مشهود، ويوم عظيم، بل من العلماء من فسر قوله تعالى {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} سورة البروج: 3.، فسر ذلك بيوم عرفة ، فإنه يوم مشهود يشهده الله جل وعلا، وتشهده الملائكة، ويشهده الخلق في محفل عظيم ، واجتماع كبير يجتمع الناس فيه من أقطار الأرض للوقوف في هذه البقعة المباركة الطيبة التي اصطفاها الله تعالى واختارها. عرفة بالمناسبة هي خارج الحرم، ليست داخل حدود الحرم، بل هي مشعر محرم معظم لكنه خارج حدود الحرم الذي قال فيه تعال:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} سورة التوبة: 28.، وما إلى ذلك من الآيات التي ذكر الله تعالى فيها المسجد الحرام. فهي خارج حدود الحرم، لكن عرفة اصطفاها الله تعالى للوقوف، وجعل الوقوف فيها أعظم أركام الحج، وبه نفهم ما جاء في حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ وهو في "مسند الإمام أحمد" وغيره أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال « الحج عرفة»"المسند" (4/309)، وأخرجه الترمذي (898). معناه أن الوقوف بعرفة هو أعظم أركان الحج. يفسر هذا أيضاً ما جاء في الحديث من أن أقواماً سئلوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مجيئهم وقد تأخروا في المجيء فقال:«من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر ووقف بعرفة فقد أدرك الحج» أخرجه أحمد (4/310)، والترمذي (898) من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي. . وهذا نظيره ما جاء في حديث عروة بن مضرس، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» أخرجه أحمد (4/15)، والترمذي (900).. هذا ما يتصل بمنزلة الوقوف بعرفة ، هو ركن الحج الأعظم. من فاته الوقوف بعرفة فاته الحج، ولا حج له، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قال «الحج عرفة». * فيما يتصل بفضيلة هذا اليوم. فضيلة هذا اليوم لا تقتصر على أهل هذا المكان، أي لا تقتصر على من وقف بعرفة، بل فضيلة عرفة يدركها ناس كثر، ولذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضل صيام عرفة في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي قتادة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» أخرجه مسلم (1162).، وهذا فضل عظيم وأجر كبير في بيان فضيلة صيام هذا اليوم. وهذا في غير الحاج، أما الحاج فإن الحاج لا يسن له الصيام ، ولا يستحب له، بل لما التبس الأمر على الناس، هل كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صائماً أو لا، بعثت له أم الفضل بنت الحارث ميمونة رضي الله عنها زوجه بعثت له إناء فيه لبن فشربه وهو واقف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على دابته. ويوم عرفة يوم لو أردنا أن نتكلم عن فضائله لطال بنا المقام، لكنه يوم عظيم يكفي في فضله وميزته أن إدراكه هو إدراك فضيلة الحج، وبه يتأدَّى هذا الركن العظيم الذي جعله الله تعالى فرضاً على المستطيعين من المسلمين،{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} سورة آل عمران :97.. من فضائل هذا اليوم المبارك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء فيه ووقف متضرعاً بين يدي ربه، وقف بعد أن جاء وقد أقام يوم الثامن إلى فجر يوم عرفة في منى، حتى ارتفعت الشمس تحرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاء إلى نمرة. ونمرة منطقة قبل عرفة، وادي بين الحرم وعرفة، ضربت له قبة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نمرة، وجلس فيها حتى زالت الشمس ثم ركب بعيره وخطب الناس في نمرة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثم أتى الجبل، وجعل بطن ناقته إلى الصخرات واستقبل الكعبة ، استقبل البيت صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقف على دابته كل هذا الوقت، من بعد خطبته، وصلاته الظهر والعصر في نمرة إلى أن غربت الشمس ثم دفع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مزدلفة. ماذا فعل في كل هذا الوقت؟ كان واقفاً يدعو الله تعالى. هذا اليوم يوم عظيم، يدنو الله تعالى فيه لأهل الموقف، وهذه فضيلة خاصة لأهل الموقف أن الله يطلع عليهم وينزل إلى السماء الدنيا جل في علاه فيقول : "ما أراد هؤلاء" أخرجه مسلم (1348) من حديث عائشة. يباهي بهم الملائكة، وقول الله الباري جل في علاه المنعم المتفضل، "ما أراد هؤلاء" هذا إيذان بأن لهم كل ما سألوه، وأن لهم كل ما أمَّلوه من المغفرة والعطاء وجزيل الثواب. ولذلك جاء في الصحيح" من حديث عائشة رضي الله عنها «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ» أخرجه مسلم (1348) . فهو يوم فاضل شريف تكثر فيه الهبات. وليس هذا العتق خاصاً بأهل عرفة، ولكن أهل عرفة هم أولى الناس، وأجدر الناس بالفوز بهذا العطاء الكبير، والأجر العظيم الجزيل من رب يعطي على القليل الكثير . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. بعد غروب الشمس، نفر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أفاض من عرفة إلى مزدلفة، وهذا الذي ذكره الله تعالى {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} سورة البقرة:199. وإفاضة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو خروجه من عرفة إلى مزدلفة، ومزدلفة هي ليلة جمع، وهي من المشاعر المباركة، وهو أول مشعر في داخل الحرم، يقصده الحاج، فإن مزدلفة داخل الحرم. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « وَوَقَفْتُ هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»، كذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَوَقَفْتُ هَا هُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» أخرجه مسلم (1218) من حديث جابر. النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء إلى المزدلفة فصلى فيها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ثم نام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أصبح، وكان قد بكَّر في الصلاة حتى اشتبه الأمر على بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى قبل الوقت أو لا، والصواب أنه صلى في وقتها. لكنه في أول وقتها ليتفرغ للدعاء بعد صلاته، فإنه بعد أن صلى وقف على المشعر الحرام يذكر الله تعالى ويمجده ويدعوه ويقدسه جل في علاه إلى أن أسفر جداً، أي انتشر السَّفَر انتشارا واسعاً بيِّناً قبل شروق الشمس، ثم دفع من مزدلفة إلى منى ، وهذا هو السنة. ولكن من احتاج إلى الدفع قبل ذلك فإنه قد أرخص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للظعن من النساء، وقد أرخص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للضعفة أن يتقدموا. وقد اختلف العلماء في الحد الذي يجوز فيه التقدم للضعفة ،والأمر في هذا واسع، من منتصف الليل أو غروب القمر، كله مما يجوز فيه الدفع. المقصود أن يشتغل الإنسان بالذكر والدعاء وأن يستغفر الله تعالى في هذه المواطن المباركة لعل الله أن يغفر له وأن تصيبه تلك النفحات المباركة في هذه الشعائر، وهذه المشاعر الجليلة العظيمة. أسأل الله العظيم أن لا يخيب سعي الساعي وأن يتقل من المؤمنين، وأن يوفق الحجاج والمعتمرين إلى ما يحبه ويرضاه. وفي هذه الحلقة تناولنا شيئاً مما يتصل بيوم التروية، ويوم عرفة، وليلة مزدلفة. وإلى لقاء متجدد ضمن هذه المنظومة المباركة التي نتناول فيها شيئاً من الأحكام المتصلة بالحج وقصد هذا البيت المبارك، وهو "برنامج أحكام "، الذي تنظمه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أسأل الله أن يجزيهم خيراً، وأن يوفق القائمين على هذه البرامج خير الجزاء. وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.