إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنََّتهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ، إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ؛ فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ تَعالَى، تَجْلِبُ السَّعاداتِ، وَتَدْفَعُ البَليَّاتِ، قالَ اللهُ تَعالَى: {ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} سُورَةُ الطَّلاقِ، الآية 1 ،2.
عَبادَ اللهِ، إِنَّ تَقْوَى اللهِ تَعالَى، هِيَ أَنْ تَلْزمَ شَرْعَهُ، فتُطِيعَهُ فِيما أَمَرَ، وَتَنْتَهِي عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَجْنِي ثِمارَ التَّقْوَى، وَيُحَصِّلُ فَوائِدَها، هُوَ المتَّقِي نَفْسُهُ؛ فَإِنَّ المتَّقِيَ يَعِيشُ سَعادَةً وَطُمَأْنِينَةً، وَفُسْحَةً وَسُرُوراً، وَبَهْجَةً وَانْشِراحاً، لا يَجِدُها غَيْرُه، قالَ الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} سورة النحل: الآية 97.
أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ كُلَّ ما أَمَرَنا اللهُ تَعالَى بِهِ، إِنَّما هُوَ لإِسْعادِنا، وَكُلَّ ما نَهانا عَنْهُ، إِنَّما هُوَ لِدَفْعِ الشَّقاءِ عَنَّا، فَما مِنْ شَيْءٍ أَمَرنا اللهُ بِهِ، إِلَّا وَالمصْلَحَةُ عائِدَةٌ فِيهِ إِلَيْنا، وَما مِنْ شَيْءٍ نَهانا اللهُ تَعالَى عَنْهُ، إِلَّا وَشَرُّهُ وَضُرَرُهُ عائِدٌ إِلَيْنا، قالَ تَعالَى: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} سورة يونس، الآية 108.
عِبادَ اللهِ، خُلِقَ الإِنْسانُ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، صُورَةً وَعَقْلاً، قالَ اللهُ تَعالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]. وَقَدِ امْتَنَّ عَلَيْنا بِذَلِكَ، إِعانَةً لَنا عَلَى تَحْقِيقِ العُبُودِيَّةِ لَهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَلِأَجْلِ عِمارَةِ الأَرْضِ، عَلَىَ الوَجْهِ الَّذِي يَرْضاهُ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ، كَرَّمَ اللهُ تَعالَى بَني آدَمَ، كَما قالَ تَعالَى: {ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} سورة الإسراء، الآية 70، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ ما أَكْرَمَ اللهُ بِهِ تَعالَى الإِنْسانَ، العَقْلَ الَّذِي بِهِ تُدْرَكُ مَصالِحُ الأُمُورِ وَمَنافِعِها، وَتُتَوقَّى الشُّرورُ وَالأَضْرارُ وَتُجْتَنَبُ، فَبِالعَقْلِ تَصْلُحُ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، لِذَلِكَ كانَ مِنْ مَقاصِدِ الشَّرِيعَةِ الكُبْرَى: حِفْظُ العُقُولُ، بِصِيانَتِها مِنْ كُلِّ ما يُنْقِصُها أَوْ يُضْعِفُها. فَحَرَّمَتِ الشَّرِيعَةُ كُلّ ما يَُذْهِبُ بِالعُقُولِ أَوْ يُضْعِفُها، قالَ اللهُ تَعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأَنصَابُ والأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ والْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ والْمَيْسِرِ ويَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} سُورَةُ المائِدَةِ، الآية 90، 91، وَفي الصَّحَيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) صَحيحٌ البُخارِيِّ( 6751), وَمُسْلِم(1733)، وَقَدْ جاءِ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ، مِنْ حَدِيثِ جابِرٍ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْداً لِمَنْ يَشْرَبُ المسْكِرَ، أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ)، قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما طِينَةُ الخَبالِ؟ قالَ: (عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصارَةُ أَهْلِ النَّارِ) صَحِيحُ مُسْلِمٍ: بابُ بَيانِ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَأَنَّ كُلَّ خَمْرٍ حَرامٌ, حَدِيث رقم:( 2002(.
وهذه النُّصُوصُ وَغَيْرُها، تُبيِّنُ عَظِيمَ الفَسادِ الحاصِلِ بِالخَمْرِ، فَالخَمْرُ وَالمسْكِرُ أُمُّ الخَبائِثِ وَمَنْبَعُ الرَّذائِلِ، تُفْسِدُ القُلُوبَ، وَتُعطِّلُ العُقُولَ عَنْ مَصالِحِها. وَغَيْرُ خافٍ أَنَّ ما جاءَ مِنَ النُّصُوصِ في الخَمْرِ، شامِلٌ لِكُلِّ مُسْكرٍ يُغَطِّي العَقْلَ لَذَّةً وَطَرَبا؛ بِأَيِّ اسْمٍ كانَ، وَعَلَى أَيِّ صِفاتٍ كانَ، وَمِنْ أَخْطَرِ ما جَدَّ مِنْ ذَلِكَ المخَدِّراتُ بِأَنْواعِها، فَإِنَّهُ لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ، قَدِيماً وَحَدِيثاً، في أَنَّ المخَدِّراتِ مُحَرَّمةٌ تَحْرِيماً قَطْعِيَّاً، وَأَنَّها مُنْدَرِجَةٌ في نُصُوصِ تَحْرِيمِ شُرْبِ الخَمْرِ، وَالوَعِيدِ عَلَى شُرْبِها، فالخَمْرُ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كانَ. رَوَىَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: (كُلّ مُُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ)مسلم(2003).
أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ المخَدِّراتِ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنَ الخَمْرِ، وَهِيَ أَعْظَمُ خَطَرًا عَلَى البَشَرِيَّةِ، مِنَ الخَمْرِ، فَتَحْريمُها مِنْ بابِ أَوْلَى، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ إِذا حَرَّمَتْ شَيْئاً؛ فَإِنّ ما كانَ أَعْظمَ مَفْسَدَةً، وَأَقْوَى شَرّاً، يَكُونُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ بَلْ أَشَدُّ، وَاعْتَبِرُوا بِما ذَكَرَ اللهُ تَعالَى في تَحْرِيمِ قَوْلِ الإِنْسانِ أُفٍّ لِوالِدَيْهِ، قالَ تَعالَى: {وقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ وبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُمَا} سُورَةُ الإِسْراءِ، الآيَةُ 23، فَما هُوَ أَشَدُّ مِنْ قَوْلِ "أُفٍّ"، كاللَّعْنِ وَالضَّرْبِ، أَعْظَمُ تَحْرِيماً.
أيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ خَطَرَ المخَدِّراتِ عَظِيمٌ، وَشَرَّها مُسْتَطِيرٌ؛ فَبِها تَهْلِكُ الأَلْبابُ، وَتَفْسَدُ الأَبْدانُ، وَتُخَرَّبُ البُلْدانُ. فَالمجْتَمَعُ الَّذي تَنْتَشِرُ فِيهِ المخَدِّراتُ، مُجْتَمَعٌ مُتَفَكِّكٌ مُتَعَثِّرٌ، يَقِلُّ فِيهِ الخَيْرُ، وَيَظْهَرُ فِيهِ الشَّرُّ، وَلِهذا فَإِنَّهُ بِقَدْرِ انْتِشارِ المخَدِّراتِ وَفُشوِّها في بَلَدٍ، بِقَدْرِ ما تَنْتَشِرُ الجَرِيمَةُ وَالفَسادُ وَالشَّرُّ، لِذَلِكَ كانَ الحَذرُ مِنْها وَاجِباً، وَالتَّحْذِيرَ مِنْها مُتعَيِّناً، لا سِيَّما وَأَنَّ سُوقَها رائِجَةٌ، وَالدَّاعِي إِلَيْها كَثِيرٌ، وَالمزيِّنُ لها ناشِطٌ. وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِِ انْتِشارِها وَرَواجِها، تَزْيِيِنَها في أَعْيُنِ النَّاسِ، وَتَخْفِيفَ شَرِّها أَوْ تَهْوِينَهُ، وَهَذا شَرٌّ عَظِيمٌ، يَنْبَغِي التَّحْذِيرُ مِنْهُ وَالتَّنَبُّه لَهُ.
أيُّها المؤمنون، المخدِّرات فسادٌ للدِّين! والمخدِّرات فسادٌ للدُّنيا! والمخدِّرات هدمٌ للفضيلة! والمخدِّرات سَوق للرَّذيلة! والمخدِّراتُ تدميرٌ للحياة! والمخدِّراتُ موتٌ بطيء! والمخدِّراتُ بأنواعها سيِّئةُ العواقب، فقد يختلف تأثيرُها في بدايتها، لَكِنَّ نِهاياتِها فَسادٌ في الدِّينِ، وَخَرابٌ في الدُّنْيا، فَالمخَدِّراتُ بَوَّابَةُ كُلِّ شَرٍّ، وَضَياعٌ وَانْحِرافٌ وَدَمارٌ، لِلفَرْدِ وَالأُسْرَةِ وَالمجْتَمَعِ وَالبَلَدِ وَالأُمَّةِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ خَطَرَ المخَدِّراتِ، لا يَتَهَدَّدُ فِئَةً مِنَ النَّاسِ، أَوْ شَرِيِحَةً في المجْتَمَعِ، إِنَّهُ يَتَهَدَّدُ كُلَّ بَيْتٍ، يَتَهَدَّدُ أَبْناءَنا وَبَناتِِنا وَأَهْلِينا وَأَنْفُسَنا، فَلَنْحَذَرْ، وَلْنَكُنْ عَلَى وَعْيٍ بِخُطُورَةِ الأَمْرِ؛ فَإِنَّ الغَفْلَةَ عَنِ الشَّرِّ تَزِيدُهُ وَتَجْعَلُهُ يَتَكاثَرُ.
أَيُّها المؤْمِنُ، احْذَرْ خُطُواتِ الشَّيطانِ، وَمَكْرَ جُنُودِهِ المنْتَشِرِينَ عَبْرَ وَسائِلِ الِإعْلامِ المخْتَلِفَةِ، الَّذينَ يُسوِّقُونَ المخَدِّراتِ وَيُرَوِّجُونَ بِأَنَّها مُتْعَةٌ وَبَهْجَةٌ وَانْشِراحٌ، وَتَخْفِيفٌ لأَعْباءِ الحَياةِ وَتَكالِيفِها، يُوَرِّطُونَكَ في سِيجارَةِ حَشِيشٍ، وَهِيَ تَدْعُوكَ إِلَى أُخْتِها، وَيُزيِّنوُنَ لَكَ الحَبَّة الَّتي تُنشِّطُكَ وَتُطْرِبُكَ، وَهِيَ تَقُودُكَ إِلَى أُخْرَى، فَكُنْ عَلَى غايَةِ الحَذَرِ، وَتَوَقَّ مَواقِعَ الخَطَرِ، وَاحْذَرْ صُحْبَةَ أَهْلِ الفَسادِ وَالشَّرِّ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ المخَدِّراتِ أَنْواعٌ كَثِيَرَةٌ، مُتَجَدِّدِةٌ مُتَلَوِّنَةٌ مُتَنَوِّعِةٌ، وَتَغْزُونا بِأَشْكالٍ كَثِيرَةٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنْواعِها المخَدِّراتُ الرَّقَمِيَّةُ الإِلِكْتُرونِيَّةُ، الَّتي تَصِلُ عَبْرَ مَوْجاتٍ صَوْتِيَّةٍ، بِطَرِيقَةٍ مُعَيَّنَةٍ، تُؤَثِّرُ عَلَى الدِّماغِ كَتَأْثِيرِ المخَدِّراتِ التَّقْلِيدِيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ. وَلَها سُوْقٌ رَائِجَةٌ في شَبَكاتِ التَّواصُلِ الاجْتِماعِيِّ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَظِيمَ الخَطَرِ، الَّذِي يَتَهَدَّدُنا جَمِيعاً، هَذا الكَمُّ الكَبِيرُ مِنَ المخَدِّراتِ الَّتِي يَضْبِطُها رِجالُ الأَمْنِ، جَزَاهُمُ اللهُ خَيْرًا، إِنَّها أَطْنانٌ مِنَ المخَدِّراتِ تَسْتَهْدِفُنا جَمِيعاً، فُرادَى وَجماعاتٍ، رِجالاً وَنِساءً، شَباباً وَشِيباً، رُعاةً وَرَعِيَّةً.
اللَّهُمَّ احْفَظْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينا وَمِنْ خَلْفِنا، وَقِنا شَرَّ ما ظَهَرَ وَما بَطَنَ، مِنَ الفِتَنِ وَالشُّرُورِ والفَسادِ، أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرِوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ، هُوَ كَما أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، فَالتَّقْوَى جُنَّةٌ تَقِي الإِنْسانَ الشُّرُورَ وَالفَسادَ، وَتَحْفَظُهُ مِنِ الهَلاكِ: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)} سُورَةُ الزُّمَرِ، الآية 61.
أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ مِنْ تَقْوَى اللهِ تَعالَى، أَنْ يَقِيَ الإِنْسانُ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ مِنِ الفَسادِ وَالشَّرِّ، قالَ تَعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَة}التَّحْرِيم:6 ، وَهِيَ مَسْؤُولِيَّةٌ عُظْمَى، وَجِهادٌ كَبِيرٌ: (كُلُّكُمْ راعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)البُخارِيُّ(893), وَمُسْلِمٌ(1829)، فَتَفَقَّدْ أَيُّها المؤْمِنُ أَوْلادَكَ مِنْ صِغَرِهِمْ، في صَلاتِهِمْ، في اسْتِقامَتِهِمْ، في صُحْبَتِهِمْ، فِيما يُشاهِدُونَ، فِيمَنْ يُخالُطُونَ، فِيما يَسْمَعُونَ، وَإِيَّاكُمْ وَالغَفْلةَ عَنْهُمْ، فَإِنّهَُمْ أَمانَةٌ في أَعْناقِكُمْ، فاعْتَنُوا بِها، وَقُومُوا بِحَقِّهِمْ مِنَ الرِّعايَةِ وَالصِّيانَةِ، فَإِنَّ الشُّرُورَ الَّتي تَتَرَصَّدُهُمْ، وَالأَخْطارُ الَّتي تَتَخَطَّفُهُمْ، تَنَوَّعَتْ وَهِيَ لَيْسَتْ بَعِيدَةً عَنْهُمْ، بَلْ إِنَّها بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَهِيَ تُحِيطُ بِهِمْ في غُرَفِهِمْ، وَفِي مَدارِسِهِمْ، وَفي مَراكِبِهِمْ، وَفي مَجالِسِهِمْ، وَمَعَ أَصْحابِهِمْ، فاقْتَرِبُوا مِنَ أَوْلادِكُمْ، وَأَقِيمُوا بَيْنَكُمْ جُسُورَ الحُبِّ، وَأَواصِرَ الوُدِّ، سَواءٌ أَكانُوا ذُكُورًا أَمْ إِناثًا، فَإِنَّ البِيئَةَ الأُسَرِيَّةَ الجَيِّدَةَ، حَصانَةٌ مِنَ الوُقُوعِ في شِراكِ المخَدِّراتِ وَأَصْحابِها. عَزِّزُوا الإِيمانَ في قُلُوبِ أَوْلادِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ؛ فَإِنَّ الإيمانَ ضَمانَةٌ مِنَ الوُقُوعِ في الرّذِائِلِ، وَاحْرِصُوا عَلَى مَعْرَفَةِ الصُّحْبةِ الصَّالِحَةِ، وَاحْذَرُوا الفاسِدَةَ، فَإِنَّ الصَّاحِبَ ساحِبٌ إِمَّا إِلَى الخَيْرِ، وَإِمَّا إِلَى الشَّرِّ. وَاحَذَرُوا السَّفَرَ بِأَوْلادِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ إِلَى مَواطِنِ الفِتْنَةِ وَالفَسادِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ مِنْ حَقِّ أَبْنائِنا وَبَناتِنا، أَنَّ نُحَذَّرَهُمْ بِلُغَةٍ واضِحَةٍ، فَلَيْسَ مِنَ النُّصْحِ لَهُمْ أَنْ نَراهُمْ وَالأَخْطارُ تُحاصِرُهُمْ، وَتُهَدِّدُهُمْ، وَتُحِيطُ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جانِبٍ، ثُمَّ نَتْرُكَهُمْ دُونَ تَوْجِيهٍ وَتَرْبِيةٍ وَإِعانَةٍ وَوِقايَةٍ، فَلْنَكُنْ عَلَى وَعْيٍ وَفَطْنةٍ فِيما يَجِبُ عَلَيْنا مِنْ رِعايَةِ أَوْلادِنا وَأَهْلِينا، وَلنصبرْ على أمرِهم بالخَيراتِ، ونهيهم عن السَّيِّئاتِ، كما أمر اللهُ تعالى بقوله: {وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا} سورة طه، الآية 132, وَتَخْصِيصُ الصَّلاةِ بِالذِّكْرِ، مَعَ كَوْنِنا مَأْمُورِينَ بِأَمْرِهِمْ بِكُلِّ خَيْرٍ وَبِرٍّ، لأَنَّها أَصْلُ صَلاحِهِمْ، وَهِيَ المفْتاحُ الَّذِي تَسْتَقِيمُ بِهِ أُمُورُهُمْ.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى أَداءِ الأَمانَةِ وَالقِيامِ بِها.
اللَّهُمَّ احْفَظْنا وَأَبْناءَنا وَبَناتِنا، مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ.
اللَّهُمَّ قِ مُجْتَمَعَنا شَرَّ المخَدِّراتِ، يا رَبَّ العالمينَ، وَشَرَّ الأَشْرارِ وَالمفْسِدينَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ العَوْنَ لِكُلِّ مَنْ جاهَدَ في سَبِيلِكَ، لِإعْلاءِ كَلِمَتِكَ، وَصِيانَةِ مُجْتَمَعِنا مِنَ الفَسادِ وَالشَّرِّ، يا رَبَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ، وَسدِّدْهُمْ وَأَجْزِلْ لَهُمْ العَطاءَ وَالمثَوبَةِ، يا رَبَّ العالِمينَ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقاكَ، وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.