167 - تفسير شفاعة الأموات عند المتكلمين الدهرين كابن سينا وغيره. "وقد أحدث قوم من ملاحدة الفلاسفة الدهرية للشرك شيئا آخر ذكروه في زيارة القبور كما ذكر ذلك ابن سينا ومن أخذ عنه كصاحب الكتب المضنون بها وغيره ذكروا معنى الشفاعة على أصلهم فإنهم لا يقرون بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ولا أنه يعلم الجزئيات ويسمع أصوات عباده ويجيب دعاءهم . فشفاعة الأنبياء والصالحين على أصلهم ليست كما يعرفه أهل الإيمان من أنها دعاء يدعو به الرجل الصالح فيستجيب الله دعاءه ؛ كما أن ما يكون من إنزال المطر باستسقائهم ليس سببه عندهم إجابة دعائهم . بل هم يزعمون أن المؤثر في حوادث العالم هو قوى النفس أو الحركات الفلكية أو القوى الطبيعية فيقولون : إن الإنسان إذا أحب رجلا صالحا قد مات لا سيما إن زار قبره فإنه يحصل لروحه اتصال بروح ذلك الميت فيما يفيض على تلك الروح المفارقة من العقل الفعال عندهم أو النفس الفلكية يفيض على هذه الروح الزائرة المستشفعة من غير أن يعلم الله بشيء من ذلك - بل وقد لا تعلم الروح المستشفع بها بذلك - ومثلوا ذلك بالشمس إذا قابلها مرآة فإنه يفيض على المرآة من شعاع الشمس ثم إذا قابل المرآة مرآة أخرى فاض عليها من تلك المرآة وإن قابل تلك المرآة حائط أو ماء فاض عليه من شعاع تلك المرآة فهكذا الشفاعة عندهم وعلى هذا الوجه ينتفع الزائر عندهم . وفي هذا القول من أنواع الكفر ما لا يخفى على من تدبره" "مجموع الفتاوى (1 /167 - 168 ). . 198 - الفرق بين الغي والضلال. "الغي اتباع الهوى والضلال عدم الهدى قال تعالى : ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون﴾ وقال تعالى : ﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين﴾ "مجموع الفتاوى ( 1 / 198 ). . 199- تعريف الوسيلة واختلافه باختلاف موضعها الذي سيقت فيه. "لفظ " الوسيلة " و " التوسل فيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه ويعطى كل ذي حق حقه . فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه . وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك . ويعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه . فإن كثيرا من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب . فلفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾ وفي قوله تعالى ﴿قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا * أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا﴾ . فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغى إليه وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه هي ما يتقرب إليه من الواجبات والمستحبات فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك سواء كان محرما أو مكروها أو مباحا . فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب أو استحباب وأصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول . فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول لا وسيلة لأحد إلى الله إلا ذلك . والثاني لفظ " الوسيلة " في الأحاديث الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم « سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد . فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة » وقوله « من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد حلت له الشفاعة » . فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة . وقد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة وأخبر أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله وهو يرجو أن يكون ذلك العبد وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول وأخبر أن من سأل له هذه الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة لأن الجزاء من جنس العمل فلما دعوا للنبي صلى الله عليه وسلم استحقوا أن يدعو هو لهم فإن الشفاعة نوع من الدعاء كما قال إنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا. وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته . والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح . وحينئذ فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة . فأما المعنيان الأولان - الصحيحان باتفاق العلماء : - فأحدهما هو أصل الإيمان والإسلام وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته . والثاني دعاؤه وشفاعته كما تقدم : فهذان جائزان بإجماع المسلمين ومن هذا قول عمر بن الخطاب : " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا أي بدعائه وشفاعته وقوله تعالى ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾ أي القربة إليه بطاعته ؛ وطاعة رسوله طاعته قال تعالى : ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ . فهذا التوسل الأول هو أصل الدين وهذا لا ينكره أحد من المسلمين . وأما التوسل بدعائه وشفاعته - كما قال عمر - فإنه توسل بدعائه لا بذاته ؛ ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس : علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته ؛ بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له فإنه مشروع دائما . فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان : - ( أحدها التوسل بطاعته فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به . و ( الثاني التوسل بدعائه وشفاعته وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته . و ( الثالث التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا غير قبره ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عمن ليس قوله حجة "مجموع الفتاوى ( 1 /199- 202 ). . 204- الحلف بالمخلوقات والحلف بالنبي ومذهب أحمد في ذلك "وقد اتفق المسلمون على أنه من حلف بالمخلوقات المحترمة أو بما يعتقد هو حرمته كالعرش والكرسي والكعبة والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة والصالحين والملوك وسيوف المجاهدين وترب الأنبياء والصالحين وأيمان البندق وسراويل الفتوة وغير ذلك لا ينعقد يمينه ولا كفارة في الحلف بذلك . والحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وقد حكي إجماع الصحابة على ذلك . وقيل هي مكروهة كراهة تنزيه والأول أصح حتى قال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر : لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقا . وذلك لأن الحلف بغير الله شرك والشرك أعظم من الكذب . وإنما نعرف النزاع في الحلف بالأنبياء فعن أحمد في الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم روايتان . إحداهما لا ينعقد اليمين به كقول الجمهور مالك وأبي حنيفة والشافعي . والثانية ينعقد اليمين به واختار ذلك طائفة من أصحابه كالقاضي وأتباعه وابن المنذر وافق هؤلاء . وقصر أكثر هؤلاء النزاع في ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وعدى ابن عقيل هذا الحكم إلى سائر الأنبياء . وإيجاب الكفارة بالحلف بمخلوق وإن كان نبيا قول ضعيف في الغاية مخالف للأصول والنصوص""مجموع الفتاوى ( 1 /204 ). . 206 - الفرق بين الإقسام والسؤال. "السؤال بالمخلوق إذا كانت فيه باء السبب ليست باء القسم - وبينهما فرق - فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإبرار القسم وثبت عنه في الصحيحين أنه قال : « إن من عباد الله من لو أقسم على الله »...والإقسام به على الغير أن يحلف المقسم على غيره ليفعلن كذا فإن حنثه ولم يبر قسمه فالكفارة على الحالف لا على المحلوف عليه عند عامة الفقهاء كما لو حلف على عبده أو ولده أو صديقه ليفعلن شيئا ولم يفعله فالكفارة على الحالف الحانث" "مجموع الفتاوى ( 1 /205-206 ). .