السؤال:
ما جاء أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني! وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ... الحديث؛ هل يُعمل بهذا الحديث في جميع الأحوال أو أن هناك استثناءات؟
الجواب:
روى الإمام مسلم في صحيحهحديث رقم (2558).عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني! وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ! وأحلم عنهم ويجهلون علي! فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم الملّأي: تطعمهم الرماد الحار.، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك»، هذا الحديث يبين أن الواجب على المؤمن أن يصبر على أذى قرابته، وأنه لا يجوز له أن يقاطعهم لأجل ما يكون من إساءة، وأن لا يسقط حقهم لأجل ما يكون من تقصير في حقه، بل ولو كان في ذلك أذية، إلا أنه إذا كانت هذه الأذية تنقص دينه، أو يترتب عليها مفسدة أكبر من مفسدة قطيعتهم، فعند ذلك لا بأس من قطيعتهم، وهذه قضايا استثنائية ينظر إليها بخصوص، أما الأصل فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال في حديث آخر: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها»رواه البخاري (5991) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.، فالواصل ليس هو الذي يكافئ على ما يكون من إحسان قرابته، إنما الذي يصلهم إذا قاطعوه، ويحسن إليهم إذا أساؤوا إليه، ويصبر على أذاهم إذا جهلوا، هذا هو الواصل في أعلى مراتبه وأعلى درجاته؛ لأن مقابلة الإحسان بالإحسان هنا أشبه ما يكون بالمكافأة، والواصل الحقيقي الذي يكون في أعلى درجات الوصل هو الذي يصل قرابته مع قطيعتهم له، فإن حقهم ثابت، والله تعالى قد ذكر صورةً هي أعلى ما يكون من صور إيصال السوء للقريب من قريبه، فقال جل وعلا: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا}سورة لقمان: الآية 15.، هذا بيان أنه لا يجوز الطاعة في معصية الله، لكن هل هذا يسقط حقهم في الإحسان؟ الجواب: لا، قال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، فأمر الله تعالى بصحبة الوالدين بالمعروف، وكذلك غيرهم من القرابات، ما لم تكن صلتهم تفضي إلى نقص في الدين، فعند ذلك لا بأس من ترك صلتهم، وأما ما يكون من نقص في أمور الدنيا، من بخس حق في مال، أو إيصال أذية ببدنه، أو شعوره، أو عرضه، وما أشبه ذلك، فعليه بالصبر عليهم، والله أعلم.