إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدَ:
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102 .
عِبادَ اللهِ, إِنَّ سَؤُالًا يَرْفَعُهُ المسْلِمُونَ عَلَى اخْتِلافِ أَحْوالِهِمْ وَأَجْناسِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ، يَرْفَعُهُ الصَّغِيرُ وَالكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالأُنْثَى وَالمسْتَقِيمُ وَغَيْرُهُ، يَرْفَعُونَ هَذا السُّؤالَ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً، يُكَرِّرُونَهُ وَيَطْلُبُونَهُ في صَلَواتِهِمْ وَفي غَيْرِها مِنْ الأَحْوالِ، إِنَّهُمْ يَسْأَلُونَ اللهَ تَعالَى الهِدايَةَ إِلَى الصِّراطِ المسْتَقِيمِ، ما مِنَّا إِلَّا وَيَقُولُ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ الفاتحة: 6- 7 .
وَلا عَجَبَ؛ فِإِنَّ الصِّراطَ المسْتَقِيمَ بِهِ تَسْتَقِيمُ الحَياةُ، بِهِ يَسْعَدُ الإِنْسانُ، بِهِ يُدْرِكُ خَيْرَ الدُّنْيا وَسَعادَةَ الآخِرَةِ؛ لِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ تَعالَى هَذِهِ المسْأَلَةَ وَهَذا الطَّلَبُ فَرْضًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَما مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ مَأْمُورٌ أَنْ يَسْأَلَ اللهُ تَعالَى هَذا السُّؤالُ وَهَذا الطَّلَبُ: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأُ بِفاتِحَةِ الكِتابِ«البُخارِيُّ(756), وَمُسْلِمٌ(394).فَلَيْسِ أَحَدٌ تَصِحُّ لَهُ صَلاةٌ وَلا تَسْتَقِيمُ لَهُ عِبادَةٌ في مُناجاتِهِ لِمَوْلاهُ وَرَبِّهِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ في صَلاتِهِ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ الفاتحة: 6- 7 .
إِنَّ كُلَّ أَعْمالِنا وَسائِرَ أَحْوالِنا وَكُلَّ ما يَكُونُ مِنَّا مِنَ الطَّاعاتِ وَالقُرُباتِ وَسائِرِ الصَّالحاتِ إِنَّما غَرَضُهُ وَغايَتُهُ أَنْ نُثْبِتَ عَلَى هَذا الطَّرِيقِ، وَأَنْ نَسْلُكَ هَذا السَّبِيلَ، وَأَنْ نَكُونَ عَلَيْهِ في كُلِّ أَحْوالِنا في الدَّقِيقِ وَالجَليِلِ، في العُسْرِ وَاليُسْرِ، في المنْشَطِ وَالمكْرَهِ، في الصِّحَّةِ وَالمرَضِ، في الغِنَى وَالفَقْرِ.
وَإِذا حَقَّقْنا ذَلِكَ فَقَدْ امْتَثَلْنا أَمْرًا أَمْرَ اللهُ تَعالَى بِهِ النَّاسَ جَمِيعًا. فِيما أَمَرَ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)﴾ هُودُ: 112 فَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعالَى رَسُولَهُ بِالاسْتِقامَةِ وَهُوَ أَكْمَلُ النَّاسِ عِبادَةً وَأَعْظَمُهُمْ طاعَةً وَأَتَمُّهُمْ إِيمانًا وَأَعَلَمُهُمْ بِاللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - كَما أَمَرَ بِذَلِكَ الجَمِيعَ، فالجَمِيعُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَبْذُلَ جَهْدَهُ وَأَنْ يَسْتَقِيمَ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِ في السَّرِّ وَالعَلَنِ وَالعُسْرِ وَاليُسْرِ وَالمنْشَطِ وَالمكْرَهِ.
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ الاسْتِقامَةَ المسْؤُولَةَ في هَذا الدُّعاءِ العَظِيمِ وَهَذا السُّؤالِ الكَبِيرِ الَّذِي بِهِ نَجاحُ الدُّنْيا وَفَوْزُ الآخِرَةِ؛ حَقِيقَتُهُ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا للهِ في السِّرِّ وَالعَلَنِ، أَنْ تُحَقِّقَ أَمْرَ اللهِ في خاصَّةِ نَفْسِكَ وَفي عامَّةِ شَأْنِكَ، أَنْ تَكُونَ مُسْتَقِيمًا عَلَى ما أَمَرَ اللهُ تَعالَى في السِّرِّ وَالإِعْلانِ، مُجْتَنِبًا ما نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْهُ ما اسْتَطَعْتَ في السِّرِّ وَالإِعْلانِ، بِذَلِكَ كُلِّهِ يَتَحَقَّقُ لَكَ الاسْتِقامَةَ، فالاسْتِقامَةُ المنْشُودَةُ وَالمطْلُوبَةُ وَالمسْؤُولَةُ وَالَّتِي بِها سَعادَةُ الدُّنْيا وَفَوْزُ الآخِرَةِ مِحْورُها يَقُومُ عَلَى أَنْ تَكُونَ عَبْدًا للهِ في كُلِّ شَأْنٍ وَحالٍ، أَنْ تُراعِيَ أَمْرُ اللهِ، أَنْ تَطْلُبَ رِضاهُ، أَنْ تَسْعَى في إِدْراكِ ما يُحِبُّ وَالبُعْدُ عَمَّا يَكْرَهُ، بِذَلِكَ تَكُونُ حائِزًا لِهَذِهِ المرْتَبَةِ العُظْمَى وَهِيَ مَرْتَبَةُ الاسْتِقامَةِ، وَإِذا فُزْتَ بِها فُزْتَ بِسَعادَةٍ لا شَقاءَ بَعْدَها، وَطُمَأْنِينَةٍ لا قَلَقَ فِيهِ، وَسُكُونٍ لا شَرَّ فِيهِ؛ كَما قالَ اللهُ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الأَحْقافُ: 13- 14 .
اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ وَأَوْلِيائِكَ الصَّالِحينَ، وَاسْلُكْ بِنا سَبِيلَ أَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ، وَارْزُقْنا الاسْتِقامَةَ في السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَالظَّاهِرِ وَالباطِنِ، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنْ شَأْنِنا يا رَبَّ العالمينَ. أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
***
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ، كَما يُحِبُّ رَبُّنا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ؛ فَتَقْواهُ تَجْلِبُ لَكُمْ كُلَّ خَيْرٍ وَتَدْفَعُ عَنْكُمْ كُلَّ سُوءٍ، تَجْلِبُ لَكُمُ المسَرَّاتِ وَتَقِيكُمْ شَرَّ المساءاتِ، وَبِها تَنالُونَ شَرْحَ الصَّدْرِ وَطُمَأْنِينَةَ القَلْبِ، ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾ الرَّعْدُ: 28 .
اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالمينَ.
جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقالَ: «يا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لي قَوْلًا لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ» أَيْ: قُلْ لي كَلامًا يُبَيِّنُ لِي مَعْنَى الإِسْلامِ وَيُوَضِّحُ ليَ المطْلُوبَ مِنْهُ؛ حَتَّى أُحَقِّقَهُ في السِّرِّ وَالعَلَنِ وَفِي كُلِّ شَأْنٍ وَحالٍ، في جُمْلَةٍ مُخْتَصَرَةٍ لا أَحْتاجُ بَعْدها إِلَى أَنْ أَسْأَلَ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ «يا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لي قَوْلًا لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ» أَيْ: في الإِسْلامِ يَعْنِي في شَأْنِهِ، في بَيانِهِ وَإِيضاحِهِ وَبَيانِ حَقِيقَتِهِ فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قُلْ: آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ»أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (38), وَالتِّرْمِذِيُّ(2410) وَلَفْظَهُ لَهُ . هَذا هُوَ الإِسْلامُ قَوامُهُ عَلَى أَمْرَيْنِ؛ طِيبُ القَلْبِ، وَصَلاحُ الباطِنِ وَاسْتِقامَةُ الظَّاهِرِ بِتَحْقِيقِ شِعائِرِهِ وَالقِيامِ بِحُقُوقِهِ؛ لِذَلِكَ تَكُونُ قَدْ حُزْتَ تَحْقِيقَ الِإسْلامِ وَجَمَعْتَ خِصالَهُ وَأَتَيْتَ بِصفاتِهِ الَّتي وَعَدَ أَهْلَها بِالفَوْزِ وَالنَّجاةِ الَّتي قالَ اللهُ تَعالَى فِيها: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ آل عمران: 19 ، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ آل عمران: 85 قَوامُ ذَلِكَ أَنْ تَسْعَى في تَطْييبِ باطِنِكَ، تَطْييبِ قَلْبِكَ وَصَلاحِهِ وَاسْتِقامَتِهِ عَلَى ما يُحِبُّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ -، لَيْسَ في مُوسِمٍ وَلا في زَمانٍ وَلا في حالِ وَلا في شَهادَةِ وَلا بَيْنَ النَّاسِ، بَلْ في كُلِّ أَحْوالِكَ، أَنْ تَسْعَى إِلَى إِصْلاحِ قَلْبِكَ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى ما يُحِبُّ وَيَرْضَى، بِأَنْ تَعْمُرَهُ بِمَحَبَّةِ اللهِ وَتَعْظِيمِهِ وَخَوْفِهِ وَمُراقَبَتِهِ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يِنْعَكِسُ وَيَفِيضُ عَلَى جَوارِحِكَ بِالاسْتِقامَةِ عَلَى أَمْرِ اللهِ؛ بِطاعَتِهِ فِيما فَرَضَ وَخَوْفِهِ فِيما نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، فَتُبادِرْ إِلى أَداءِ ما أَمَرَكَ اللهُ تَعالَى بِهِ في حَقِّهِ مِنَ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرائعِ الإِسْلامِ وَفَرائِضِهِ، ثُمَّ تُسارَعُ إِلَى أَداءِ الحُقُوقِ إِلَى الخَلْقِ مُسْتَعِينًا بِاللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى تَكْمِيلِ حُقُوقِ الخَلْقِ لِلسَّلامَةِ مَنْ آثارِ التَّقْصِيرِ فِيها؛ فَإِنَّ التَّقْصِيرَ في حُقُوقِ الخَلْقِ مَظِنَّةُ الهَلاكِ؛ قالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَن كانَتْ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ يَوْمَ لا دِينارَ وَلا دِرْهَمَ» البخاري(2449) إِنَّما هِيَ الحَسناتُ وَالسَّيئِّاتُ، فاحْذَرُوا حُقُوقَ الخَلْقِ في أَعْراضِهِمْ، حُقوقَ الخَلْقِ في أَمْوالِهِمْ، حُقُوقَ الخَلْقِ في دِمائِهِمْ؛ فَإِنَّها مِنْ أَعْظَمِ ما يُذْهِبُ الحَسناتِ وَيُراكِمُ وَيَجْمَعُ السَّيِّئاتِ؛ قالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحابِهِ: «أَتَدْرُونَ مَنِ المُفْلِسُ؟ قالُوا: المُفلِسُ فِينا يا رَسُولَ اللهِ مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتاعَ، قالَ: المُفْلِسُ مِنْ أُمَّتي يَوْمَ القِيامَةِ مَنْ يَأْتي بِصَلاةٍ وَصِيامٍ وَزَكاةٍ، وَيَأْتي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذا، وَقَذَفَ هَذا، وَأَكَلَ مالَ هَذا، وَضَرَبَ هَذا، فيُقْعَدُ فيَقتَصُّ هَذا مِنْ حَسناتِهِ، وَهَذا مِنْ حَسناتِِه، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَيَ ما عَلَيْهِ أَخَذَ مِنْ سَيِّئاتِهِمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ»مسلم(2581).
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، جِدُّوا في تَكْمِيلِ حَقِّ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - في تَوْحِيدِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَفَرائِضِهِ الَّتي جَعَلَها سَبَبًا لِلنَّجاةِ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَسَعادَةَ الدَّارَيْنِ، وَجِدُّوا أَيْضًا في السَّلامَةِ مِنْ حُقُوقِ الخَلْقِ؛ بِأَداءِ حُقُوقِ الخَلْقِ ابْتِداءً بِالوالِدِيْنِ وَسائِرِ مِنْ لَهُ حَقٌّ مِنَ الأَقارِبِ وَالأَرْحامِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ مِنَ النَّاسِ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ الحَقُّ ثابِتًا بِالشَّرْعِ كَحَقِّ الجارِ وَغَيْرِهِ أَوْ ثابِتًا بِالتَّعاقُدِ كَالحُقُوقِ الَّتِي تَثْبُتُ في المعامَلاتِ وَالمعاقَداتِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ وَاسْلُكْ بِنا سَبيلَ الرَّشادِ يا رَبَّ العالمينَ، اجْعَلْنا مِنْ حِزْبِكَ وَأَوْلِيائِكَ، أَعِنَّا عَلَى ما فِيهِ خَيْرُنا في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ يا رَبَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِناصِيَتِهِ إِلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، سَدِّدْهُ في قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَ بِلادَنا بِسُوءٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ كَيْدٍ أَوْ مَكْرٍ اللَّهُمَّ فاجْعَلْ ذَلِكَ تَدْمِيرَهُ وَاكْفِ المسْلِمينَ شَرَّهُ وَاجْعَلْ ما دَبَّرَهُ مُدَمِّرًا لَهُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللَّهُمَّ احْفِظْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينا وَمِنْ خَلْفِنا، وَلا تُؤاخِذْنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا، رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ.
اللَّهُمَّ أَنْجِ المسْتَضْعَفِينَ مِنَ المسْلِمينَ في كُلِّ مَكانٍ، اجْعَلْ لَهُمْ فَرَجًا قَرِيبًا، كُنْ لَهُمْ مُعِينًا وَظَهِيرًا، أَخْرِجْهُمْ مِمَّا أَحاطَ بِهِمْ مِنَ الكُرُباتِ، أَوْصِلْهُمْ إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى مِنَ الطَّاعاتِ وَالإِحْسانِ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ يا رَبَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ أَنْ تُثَبِّتَ أَقْدامَنا عَلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَأَنْ تَأْخُذَ بِنَواصِينا إِلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَنْ تَصْرِفَ عَنَّا السُّوءَ وَالفَحْشاءَ، وَأَنْ تَجْعَلَنا مِنْ أَسْعَدِ عِبادِكَ بِكَ.
اللَّهُمَّ امْلَأْ قُلُوبَنا بِمَحَبَّتِكَ وَاعْمُرْها بِتَعْظِيمِكَ، وَارْزُقْنا رَبَّنا الاسْتِقامَةَ ظاهِرًا وَباطِنًا، اللَّهُمَّ ثَبِّتْنا عَلَى ذَلِكَ، اللَّهُمَّ إِذا أَرَدْتَ بِعبادِكَ فِتْنَةً فاقْبِضْنا إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.