وتدبروا ما في هذه الهجرة، وهذا النبأ العظيم من العبر والعظات، فإن الله تعالى أنجى رسوله من مكر أعدائه، وأذن بظهور هذا الدين، بهذه الهجرة، ونصره نصرًا عزيزًا ومكنه تمكينًا كبيرًا، فكانت هجرته مفرقًا عظيمًا، ونقطة تحول في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبهذا يعلم أن الله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فمهما بلغ كيد الكفار والفجار لإخماد هذا الدين، ومنع ظهور أنواره؛ فإن الله تعالى قد أذن بظهوره، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، {وإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} [الأنفال:30] إن أعداء الله، مهما بلغوا من القوة في المكر، والشدة في الكيد، والرصانة في التخطيط، لإطفاء نور الله تعالى، وأذى عباده، إلا أن الله تعالى يجري أمره، على ما شاء، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} المجادلة: 21 .