السؤال:
بالنسبة لمن حفظ القرآن أو حفظ بعضه ثم نسيه بعد فترة، ولم يراجع ما حفظ، هل يأثم على ذلك أم لا؟
الشيخ:
مَن حفظ القرآن فقد آتاه الله تعالى خيرًا عظيمًا، فحفظ القرآن من أعظم الأعمال الصالحة، ومن أعظم ما يمن الله تعالى به على الإنسان أن يدرج هذا النور بين جنبيه، ولهذا قال ابن عمرو رضي الله عنهما: «من جمع القرآن فقد حمل أمرًا عظيمًا، وقد استدرجت النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه»رواه القاسم بن سلام في فضائل القرآن (ص113)، وابن أبي شيبة (29953)، وقال الألباني في الضعيفة (11/200): رجاله ثقات، رجال الشيخين.
وهذا يبين الفضل الكبير، والمنزلة التي ينالها مَن مَنَّ الله عليه بحفظ القرآن.
وإذا كان القرآن يأتي شفيعًا لأصحابه؛ فإن من أعظم الصحبة أن يكون في صدرك حفظًا وتلاوةً ومراجعةً وفهمًا، طبعًا ليس المقصود مجرد الحفظ مع المخالفة بالعمل، بل حفظه خطوة في طريق العمل به والقيام بحقه، فلذلك ينبغي لمن مَنَّ الله تعالى عليه بهذه المنة، أن يعرف عظيم ما منَّ الله تعالى به عليه، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ}سورة العنكبوت، آية 49.، وهذه تزكية من الله عز وجل لمن منَّ الله عليه بحفظ هذا القرآن واستوعبه حفظًا، وبالتالي أوصي نفسي وإخواني بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعهد القرآن: «تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها» أخرجه مسلم (791) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.، وإذا كان الإنسان نسي القرآن بتفريطه فإنه يناله من الإثم بقدر ما حصل؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا))أخرجه أبو داود في السنن (461) والترمذي في السنن (2916)، وأشار إلى ضعفه وهذا يدل على أن الذنب ليس في نسيانه، النسيان شيء طبيعي، ((ولهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يقول الرجل: نسيت القرآن، إنما يقول أُنسيته أو أنسانيه الشيطان))أخرجه البخاري (5039)، ومسلم (790) ذاك أن النسيان فعل يضيف إلى نفسه، وهو ناتج تقصيره، أما إذا كان ذلك بأمر خارج فهذا لا يؤاخذ عليه، وفي هذه الدقة اللفظية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبه إلى أن النسيان الذي لا يؤاخذ به الإنسان، هو ما كان خارجًا عن اختياره، كأن يكون ضعيف الحفظ، كأن يكون باذلاً الجهد في مراجعته وضبطه لكن يغفل، لكنه يغلب على تفلته، فهذا لا حرج عليه ولا إثم، ولذلك لا تحلقه مذمة، وقد وقع هذا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة كان يستمع لرجل في المسجد فقال صلى الله عليه وسلم: ((رَحِمَهُ اللهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا))أخرجه البخاري (5037)، ومسلم (788) وهذا يدل على أنه النبي يطرأ عليه النسيان، وقد غاب عنه شيء من الآيات في صلاته فذُكر صلى الله عليه وسلم، ولم لما يذكر أبي في آية قال: ((هَلَّا أَذْكَرْتَنِيهَا))أخرجه أبو داود في السنن (907)، وصححه ابن حبان (2241) .
وهذا يدل على أن النسيان يطرأ، لكن هذا نسيان لا يؤاخذ به الإنسان، إنما الذي يؤاخذ به، هو ما كان فعله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْت))أخرجه البخاري (5032)، ومسلم ()790 يعني إذا كان نسيها بفعله فإنه بئس الكسب الذي يجنيه، أما إذا أنسيها بأن غلبه الشيطان عنها، أو اشتغل بما لا انفكاك له عنه من حوائجه فنسي، فإنه لا يأثم بهذا.
إذًا النسيان على نوعين، نسيان يكون طبيعيًّا أو لا سبب للإنسان فيه، فهذا لا يؤاخذ عليه، نسيان يكون بفعله، وتفريطه وغفلته عن كتاب ربه، وهذا جاءت أحاديث وإن كانت أفرادها لا تخلو من ضعف لكن مجموعها يدل على أنه من الذنوب والآثام، وقد عده بعضهم من كبائر الذنب، ومن عظائم الإثم والله تعالى أعلم، أعاننا الله وإياكم على استذكاره وتعاوده وضبطه والعمل به.