×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : إن للموت فزعا

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:10525

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الملِكُ الحَقُّ المبينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحدِيثِ كِتابُ اللهِ وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.

عِبادَ اللهِ اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى؛ فَبِتَقْواهُ تَبْلُغُ كُلَّ ما تُؤَمِّلُهُ مِنْ سَعادَةِ الدُّنْيا وَفَوْزِ الآخِرَةِ: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَالزمر: 61.

أَيُّها المؤْمِنُونَ، عَظَّمَ اللهُ أَجْرَكُمْ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكُمْ في وَفاةِ خادِمِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الملكَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ - رَحِمَهُ اللهُ -، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَأَعْلِ دَرَجَتَهُ في المهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الصَّالحينَ، وَأَفْسِحْ لَهُ في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ يا رَبَّ العالمينَ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ:

حُكْمُ المنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جارِ *** ما هَذِهِ الدُّنْيا بِدارِ قَرارِ

بَيْنا يَرَى الإِنْسانُ فِيها مُخْبِرًا *** حَتَّى يُرَى خَبَرًا مِنَ الأَخْبارِ

احْتَضَرَ الواثِقُ فَرَدَّدَ بَيْتَيْنِ، وَقَدْ مَلَكَ الدُّنْيا، وَكانَ مِنْ كُبراءِ خُلَفاءِ المسْلِمينَ، قالَ:"

المَوْتُ فِيْهِ جَمِيْعُ الخَلْقِ مُشْتَرِكٌ ... لاَ سُوقَةٌ مِنْهُمُ يَبْقَى وَلاَ مَلِكُ

مَا ضَرَّ أَهْلَ قَلِيْلٍ فِي تَفَرُّقِهم ... وَلَيْسَ يُغْنِي عَنِ الأَمْلاَكِ مَا مَلَكُوا

ثمَّ أَمَرَ بِالبُسُطِ، فَطُوِيَتْ، وَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالتُّرَابِ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ:

يَا مَنْ لاَ يَزُولُ مُلْكُهُ، ارْحَمْ مَنْ قَدْ زَالَ مُلْكُهُ"  أَسْنَدَ الخَبَرَ الخَطِيبُ في تاريخِ بَغْدادَ(16/22) .

أَيُّها المؤْمِنُونَ, «إِنَّ لِلمَوْتِ فَزَعًا» كَما قالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ(7860) بِإِسْنادٍ حَسَنٍ, وَهُوَ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ ؛ فالموْتُ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَيُشاهِدُهُ كُلُّ أَحَدٍ، فَكُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموْتِ، لَكِنَّنا عِنْدَما نُشاهِدُهُ عَيانًا فِيمَنْ نَعْرِفُ وَنَراهُ فِيمَنْ نُحِبُّ يَكُونُ لَهُ عَلَى أَنْفُسِنا وَقْعٌ مُخْتَلِفٌ، فَيَصْدُقُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ لِلمَوْتِ فَزَعًا».

مَهْما كانَتْ حالُ الإِنْسانِ مِنَ الصِّحَّةِ أَوِ المرَضِ وَالقُوَّةِ أَوِ الضَّعْفِ عِنْدَما يُبْلُغُكَ نَبَأَ مَوْتِهِ تَجِدُ لِذَلِكَ فَزَعًا، هَذا في خَبَرِ مَوْتِ عامَّةِ النَّاسِ، فَكَيْفَ بِخَبَرِ كُبرائِهِمْ وَمُقَدَّمِيهِمْ وَعُظَمائِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ، لاشَكَّ أَنَّ لِلخَبَرِ وَقْعًا مُخْتَلِفًا، وَإِنَّ الرَّاشِدَ هُوَ مَنْ يَعْتَبِرُ بِما يَسْمَعُ مِنَ الأَحْداثِ وَبِما يَبْلُغُهُ مِنَ الوَقائِعِ.

أَيُّها المؤْمِنونَ, إِنَّ لِلمَوْتِ فَزَعًا يَحُثُّ عَلَى الاسْتِعْدادِ لِلآخِرَةِ، يَحُثُّ عَلَى التَّهَيُّؤِ لِلمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَالمؤمِنُونَ: 99- 100، إِنَّها مَنِيَّةٌ يَتَمَنَّاها كُلُّ مَنْ كانَ في الاحْتِضارِ وَالسِّياقِ، يَتَمَنَّي أَنْ يَعُودَ لِيَزْدادَ، وَإِنْ كانَ مُخْطِئًا يَتَمَنَّى أَنْ يَعُودَ لِيَسْتَعْتِبَ وَيَسْتَغْفِرُ وَيَتُوبُ.

فَإِذا شَهِدْتَ خَبَرَ مَنْ ماتَ مِمَّنْ تَعْرِفُ فاعْلَمْ أَنَّكَ يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ سَتَكُونُ كَذَلِكَ، فَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِهَذا النَّبَأِ قَبْلَ نُزُولِهِ مُتَهَيِّئًا لِهَذا الحَدَثِ قَبْلَ وُقُوعِهِ؛ فَإِنَّ الموْتَ مُصِيبَةٌ إِذا نَزَلَتْ بِالإِنْسانِ لا مَرَدَّ لَها، ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَالأعراف: 34.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ لِلمَوْتِ فَزَعًا يُزهِّدُ في الدُّنْيا مَهْما زَانَتْ وَيُقَلِّلُها مَهْما عَظُمَتْ، فـ«أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هادِمِ اللَّذَّاتِ»أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ(2307), وَقالَ: حَسَنٌ كَما قالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ «فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ مِنَ الْعَيْشِ إلاَّ وَسَّعَهُ عَلَيْهِ، ولاَ فِي سَعَةٍ إلاَّ ضَيَّقَهُ عَلَيْهِ»أَخْرَجَهُ البَزَّارُ(6987), وَقالَ المنْذِرِيُّ:رَواهُ البَزَّارُ بِإِسْنادٍ حَسَنٍ. وَحَسَّنَهُ لِغَيْرِهِ الأَلْبانِيُّ. صَحِيحُ التَّرْغِيبِ ح(3334)؛فَتَذَكَّرُوا الموْتَ وَاسْتَعِدُّوا لَهُ؛ فَإِنَّ ذِكْرَ الموْتِ النَّافِعِ هُوَ ما كانَ حامِلًا عَلَى التَّهَيُّؤِ وَالاسْتِعْدادِ.

نَعَمْ أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ لِلمَوْتِ فَزَعًا يُرَغِّبُ في الآخِرَةِ وَيَدْعُو إِلَى الطَّاعَةِ، فَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الموْتِ تَزَوَّدْ مِنَ الصَّالحاتِ وَسارِعْ إِلَى الطَّاعاتِ، وَهَانَ عِنْدَهُ ما يَلْقاهُ مِنَ المصائِبِ، فَلا جَزَعَ مِنْ مَرَضٍ وَلا تَأَفُّفَ مِنْ قِلَّةِ ذاتِ يَدٍ؛ فالدُّنْيا دَارُ مَمَرٍّ وَلَيْسَتْ دَارَ قَرارٍ، دَارُ عِبْرَةٍ وَعُبُورٍ، دارُ عَمَلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّما يَكُونُ الحَصادُ يَوْمَ المِيعادِ.

أَيُّها المؤْمِنونَ, إِنَّ لِلمَوْتِ فَزَعًا يَحُثُّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالاسْتِدْراكِ، فَما مِنَّا إِلَّا ذُو خَطَأٍ: «كلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ».أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ(2499), وَحَسَّنَهُ الأَلْبانِيُّ, وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ لِلاخْتِلافِ في حالِ راوِيهِ:عَلَيٌ بْنِ مَسْعَدَةَ الباهِلِيِّ, وَقالَ ابْنُ حَجَرٍ في البُلُوغِ ح(1477): سَنَدُهُ قَوِيٌّ فَإِلَى مَتَى هَذِهِ الغَفْلَةُ؟ إِلَى مَتَى نَسْتَمِرُّ في إِتْباعِ السَّيِّئَةِ أُخْتَها، نَغْفُلُ عَنْ قَوْلِ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ. إِنَّنا بِحاجَةٍ إِلَى أَنْ نَكُونَ مِنَ التَّوابِينَ الَّذينَ يَؤُوبُونَ إِلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِصالِحِ العَمَلِ قَبْلَ فَواتِ الأَوانِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَالمنافقون: 9- 10.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، خُذْ بِنواصِينا إِلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتِكَ، اجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنا، وَقِنا شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ. أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

***

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ أَجْمَعينَ، أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، خُذُوا بِوَصِيَّةِ اللهِ لِتَنْجُوا مِنْ كُلِّ كُرْبَةٍ وَبَلاءٍ وَشَرٍّ، يَقُولُ اللهُ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَآل عمران: 102- 103.

أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ ما مَنَّ اللهُ تَعالَى بِهِ عَلَى بِلادِكُمْ وَما أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ اجْتِماعُ كَلِمَتِكُمْ وَائْتِلافِكُمْ مَعَ وُلاتِكُمْ عَلَى الخَيْرِ وَالهُدَى وَالحَقِّ وَالبِرِّ، فَذاكَ فَضْلُ اللهِ وَنِعَمُ اللهِ تُسْتَدامُ بِشُكْرِها: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌإبراهيم: 7.

انْظُروا مَنْ حَوْلَكُمْ فَأَنْتُمْ في جَنَّةِ تُحِيطُ بِها الأَهْوالُ مِنْ كُلِّ جانِبٍ، هَذِهِ النِّعَمُ تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، وَإِلَّا فَإِنَّها تَأْذَنُ بِالرَّحِيلِ، فَما جَرَى عَلَى غَيْرِكُمْ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْكُمْ عِنْدما تُعْرِضُوا عَنْ أَمْرِ رَبِّكُمْ، فَإِذا أَقْبَلْتُمْ عَلَيْهِ بِالتَّقْوَى وَالإِيمانِ فَتَحَ اللهُ لَكُمْ أَبْوابَ الهُدَىَ وَالصَّلاحِ وَصَرَفَ عَنْكُمْ مِنَ الشَّرِّ ما لا يَرِدُ لَكُمْ عَلَى بالٍ وَلا خاطِرٍ.

أَنْتُمْ مَحْسُودُونَ عَلَى نِعَمِ اللهِ فاشْكُرُوهُ عَلَيْها، وَقُومُوا بِحِقَّها؛ فَإِنَّ نِعْمَةَ اللهِ تَعالَى عَلَيْكُمْ بِالأَمْنِ وَالاجْتِماعِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ لا يَقْدُرُها وَلا يَعْرِفُها إِلَّا مَنْ عاشَ أَلَمَ الفُرْقَةِ وَفَوْضَى الخَوْفِ وَقَلاقِلَ النِّزاعاتِ وَلَهِيبَ التَّفَرُّقِ، فاحْمَدُوا اللهِ تَعالَى عَلَى ما مَنَّ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ الاجْتِماعِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ نِعْمَةَ اللهِ بِالاجْتِماعِ تَتَحَقَّقُ بِتَقْواهُ وَلُزومِ شَرِيعَتِهِ؛ وَلِذَلِكَ قالَ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُواآل عمران: 103، فاعْتَصِمُوا بِحَبْلِهِ وَهُوَ كِتابُهُ الَكريمُ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَقَدْ أَوْصَى أَصْحابَهَ قائِلًا: «فإنَّ مَن َيعِشْ مِنْكُمْ سَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْديِّينَ، تَمَسَّكُوا بِها وَعَضُّوا عَلَيْها بِالنَّواجِذِ»أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ(42), وَقالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ أَيْ: تَمَسَّكُوا بِها أَعْظَمُ ما يَتَمَسَّكُ الِإنْسانُ بِالشَّيْءِ، وَذلِكَ بِنَواجِذِهِ وَأَضْراسِهِ، ذاكَ أَقْصَى ما يَكُونُ مِنْ صُوَرِ التَّمَسُّكِ، فَتَمَسَّكُوا بِهَذِهِ النِّعْمَةِ.

رَحَلَ الملكُ عَبْدُ اللهِ - رَحِمَهُ اللهُ - رَحَلَ إِلَى جِوارِ رَبِّهِ، وَقَدِمَ إِلَى ما عَمِلَ، فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكُونَ ما أَقْدَمَ عَلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا أَدْبَرَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَيَرْحَمْهُ، تَوَلَّى الحُكْمَ بَعْدَهُ الأَمِيرُ سَلْمانُ وَبُويِعَ مَلِكًا لِلبِلادِ، وَالأَمِيرُ مُقْرِنُ وَلِيًّا لِلعَهْدِ، في سِيرَةٍ مَعْهُودَةٍ في حُكَّامِ هَذِهِ البِلادِ الطَّيِّبَةِ في انْتِقالِ الحُكْمِ، وَهَذا مِنْ نِعْمَةِ اللهِ وَفَضْلِهِ عَلَى هَذِهِ البِلادِ الَّتِي تَسْتَوْجِبَ شُكْرًا؛ فَإِنْ تَوالَي الحُكْمُ عَلَى هَذا النَّحْوِ في أَمْنٍ وَأَمانٍ وَطُمَأْنِينَةٍ وَاجْتِماعٍ وَرِضا وَائْتِلافٍ - نِعْمَةٌ تَسْتَوْجِبُ شُكْرًا.

فَلِلَّهِ الحَمْدُ كَثِيرًا كَثِيرًا، لَهُ الحَمْدُ عَلَى ما أَوْلَى مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُتَمِّمَ عَلَيْنا فَضْلَهُ بِائْتِلافِنا وَاجْتِماعِنا وَصَلاحِ حالِنا، وَأَنْ يَجْمَعَ كَلِمَتَنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، وَأَنْ يَجْعَلَ مُسْتَقْبَلَ أَيَّامِنا خَيْرًا وَرِضًا.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ البَيْعَة لَوِلَيَّ الأَمْرِ عَهْدٌ غَلِيظٌ وَمِيثاقٌ رَشِيدٌ بِهِ تَسْعَدُ الأُمَّةُ، بِهِ يَلْتَئِمُ شَعَثُ النَّاسِ وَتَجْتَمِعُ فُرْقَتُهُمْ؛ لِهَذا لا تَعْجَبْ مِنْ قَوْلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ماتَ وَلَيْسَ في عُنقِهِ بَيْعَةٌ فَإِنَّ مِيتَتَهُ جاهِلِيَّةٌ»مُسْلِم(1851)، وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا أَنَّ لَيْلَةَ البارِحَةِ بَعْدَ بَيْعَة الملِكِ سَلْمانَ، فَنَحْمَدُ اللهَ تَعالَى عَلَى ما يَسَّرَ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَجْمَعَ الشَّمْلَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الخُروجَ عَنْ مُقْتَضَى البَيْعَةِ بِأَدْنَى ما يَكُونُ سَبَبٌ لِلشَّرِّ وَالفَسادِ؛ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَن فارَقَ الجَماعَةَ شِبْرًا فَماتَ، إلَّا ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً«البخاري(7054), ومسلم(1849).

فَعَلَيْكُمْ أَيُّها المؤْمِنُونَ بِالجَماعَةِ، وَلا تَكُونُوا كالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدَ ما جاءَتْهُمْ البَيِّناتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.

عِبادَ اللهِ, إِنَّ الشِّقاقَ يُضْعِفُ الأُمَّةَ وَيُوهِنُ المجْتَمَعاتِ القَوِيَّةِ وَيُمِيتُ الضَّعِيفَةَ؛ وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ تَعالَى أَوَّلَ ما طَلَبَهُ مِنَ المؤْمِنينَ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ إِصْلاحُ ذاتِ البَيْنِ؛ فَقالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَالأنفال: 1، وَقَدْ أَكَّدَ هَذا المعْنَى في بَيانِ خُطُورَةِ التَّفَرُّقِ فَقالَ: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْالأنفال: 46.

وَلا يَتَحَقَّقُ الاجْتِماعُ إِلاَّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلاَّهُ اللهُ تَعالَى الأَمْرَ، فاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا في طاعَةِ اللهِ تَعالَى؛ فَإِنَّهُ لا طاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخالِقِ، الْتَئَمُوا عَلَى مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمَرَكُمْ، وَظاهَرُوهُ بِنَصِيحَتِكُمْ وَدُعائِكُمْ بِالتَّسْدِيدِ وَالإِعانَةِ؛ فَإِنَّ البِلادَ مُحاطَةٌ بِأَخْطارٍ كَثِيرَةٍ، فَنِعْمَةُ اللهِ عَلَيْنا بِالتَّسْدِيدِ وَالِإعانَةِ تَقِي بِلادَنا شَرًّا عَظِيمًا وَفَسادًا عَرِيضًا.

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَ الملِكَ سَلْمانَ إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ سَدِّدْهُ وَأَعِنْهُ، اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَى ما تَحَمَّلَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ إِلَى ما فِيهِ خَيْرُ العِبادِ وَالبِلادِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ ظَهِيرًا مُعِينًا، اللَّهُمَّ هَيِّئْ لهُ البِطانَةَ الصَّالِحَةَ الَّتي تَدُلَّهُ عَلَى الخَيْرِ وَتَأمُرُهُ بِهِ وَتُذَكِّرُهُ بِالبِرِّ وَتَدُلُّهُ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ وَاكْفِهِ شَرَّ كُلِّ بِطانَةِ سُوءٍ يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِنا جَمِيعًا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ سَدِّدْهُمْ في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ، اللَّهُمَّ اكْفِنا شَرَّ كُلَّ ذِي شَرّ أََنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ مَنْ سَعَى بَيْنَنا بِفُرْقَةٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ فَسادٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ.

اللَّهُمَّ أَمِّنْ بِلادَنا مِنْ كُلِّ المخاوِفِ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ حالَنا وَاجْمَعْ شَمْلَنا وَوَفِّقْنا إِلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، اجْعَلْ بِلادَنا عَلَى أَحْسَنِ حالٍ رَخاءً سَخاءً يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، تَقْوَى وَإيمانًا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ وَاكْتُبْ مِثْلَ ذلِكَ لِسائِرِ بِلادِ المسْلِمينَ.

اللَّهُمَّ كُنْ لِإخْوانِنا في سُورِيَّا وَالعِراقِ وَاليَمَنِ وَسائِرِ البُلْدانِ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لَهُمْ

أَمْرَ رُشْدٍ يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ طاعَتِكَ وَيَذِلُّ فِيهِ أَهْلَ مَعْصِيَتِكَ تَجْتَمِعُ فِيهِ كَلِمَتُهُمْ وَيَلْتَئِمُ بِهِ شَعَثَهُمْ وَيَأْمَنُ خَائِفُهُمْ وَيُكْسَى عارِيهِمْ وَيَشْبَعُ جائِعُهُمْ بِرَحَمَتِكَ يا رَبَّ العالمينَ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْ نُزُلَهُ جَنَّةَ عَدْنٍ يا رَبَّ العالمينَ، وَاكْتُبْ مِثْلَ ذَلِكَ لمَوْتَى المسْلِمينَ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ.

رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93792 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف