المقدم: كيف يمكن للمرأة أن تغرس وتزرع حب النبي –صلى الله عليه وسلم-في قلوب أبنائها؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فحب النبي –صلى الله عليه وسلم-أصل من أصول الإيمان، ولا يتم الإيمان به، إلا بمحبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
إدراك هذا المعنى يفيد في الاهتمام والعناية بهذا الجانب من الجوانب الإيمانية المهمة التي لها تأثير كبير في مسار الإنسان ومسلكه.
عندما تعرف أن إيمانك لا يكون، ودينك لا يسلم، وقربك من الله لا يصح إلا بمحبة النبي –صلى الله عليه وسلم-ستعرف أن محبة النبي –صلى الله عليه وسلم-لها منزلة عليا في تحقيق الديانة، وتحقيق الإيمان في مسلكك وسيرك لله عز وجل.
النصوص في هذا كثيرة ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾[آل عمران: 31]، وأيضًا قوله –جل وعلا-: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾[الفتح: 29].
فالذي يبين حال النبي –صلى الله عليه وسلم- الرحمة لا تقوم إلا على المحبة، فإن الرحمة جزء منها بناؤه على الحب الذي به يستقيم القلب ويصلح.
كيف نربي أنفسنا على محبة النبي صلى الله عليه وسلم؟
نتجاوز هذه النقطة لأن هذه النقطة واضحة جلية «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين»[صحيح البخاري(15)، ومسلم(44/69)] كما في الصحيحين من حديث أنس، والحديث الذي ذكرته حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ أيضًا يبين أنه لا يتم الإيمان ولا يكمل إلا إذا تقدمت محبته على محبة غيره والله ـ تعالى ـ يقول: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا﴾[التوبة: 24]، وهذا بيان وعيد وهو وعيد شديد من الله –عز وجل-لأولئك الذين قدَّموا هذه المحبوبات الفطرية الطبيعية على محبة الله، ومحبة رسوله، ومحبة شرعه الممثَّل بالجهاد في سبيله.
إذًا مع هذا كله تبين لنا أن محبة النبي –صلى الله عليه وسلم-ومنزلته عليا وبها يصلح الإيما، بها يطيب القلب، بها تسكن الأفئدة، بها يحقق الإنسان ما أوجب الله تعالى عليه هذا من حيث الجوانب الشرعية من حيث الدواعي الفطرية أو الدواعي العقلية لمحبته.
الإنسان يحب مَن أحسن إليه، والنبي –صلى الله عليه وسلم-إحسانه عمَّ الناس كلهم، فما من أحد إلا ويصله من إحسان النبي –صلى الله عليه وسلم-في الدنيا وفي الآخرة ما يوجب حبه وانجذاب القلب إليه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كل هذه المعاني ينبغي أن تُستحضر.
كيف نحقق محبته؟
نحقق محبته بإبراز ذلك عند أبنائنا وبناتنا، نحقق ذلك بذكر هديه –صلى الله عليه وسلم-وما كان عليه من عمل والائتساء به والاقتداء فإن الائتساء به والاقتداء في القيام والقعود والمأكل والمشرب والمذهب والمجيء وفي سائر الشأن أيضًا يثمر في القلب محبته –صلى الله عليه وسلم- ولذلك يقول: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾[آل عمران: 31]، فمن أحب أحدًا ارتسم هديه، وسلك طريقه، واهتدى بسيرته.
الأمر الثالث قراءة ما كان من أيامه وحوداثه، وما كان في وقائع زمانه –صلى الله عليه وسلم-من الأخبار في السيرة فإنها توجب محبته –صلى الله عليه وسلم-لما يشاهده المؤمن من عظيم شفقته وصبره ورحمته وسعيه في نشر الخير وصدقه وأمانته.
الملحظ الرابع الذي به يتحقق المقصود في تربية النشء من الأبناء والبنات على محبة النبي –صلى الله عليه وسلم-: أن نجتهد في ذكر أخلاقه وشمائله؛ فإن معرفة ما كان عليه من طيب الأخلاق والشمائل، وما كان عليه من كريم السجايا وحسن المعاملة مع الصغار والكبار، والمؤمنين والكافرين، ما كان عليه في حال الغنى وحال الفقر، ما كان عليه في حال الأمن وفي حال الخوف، ما كان عليه في حال الخصومة مع أعدائه ومن يتربص به، ومن يحبه ويواليه كل هذا مجموعًا يبين لنا جميل خصاله، ويجذب القلوب إلى محبته صلى الله عليه وسلم.
كل هذه المعاني إذا سعينا إلى تحقيقها في الواقع العملي في حياتنا انجذبت قلوبنا وتربى أولادنا ذكورًا وإناثًا، بناتًا وبنين على محبة النبي صلى الله عليه وسلم.
أنا أؤكد على معني السيرة النبوية والحرص على إبراز أخلاق النبي –صلى الله عليه وسلم- وأن يهتم الوالدين بهذا وهنا الآن من الوسائل التي تقرب السيرة من القصص وفي الكتب التي تحسن العرض وتجذب.
المقدم: مثل أي كتب يا شيخ؟
الشيخ: يعني أنا أمس بنتي أتتني بكتاب "رجال حول النبي صلى الله عليه وسلم" وقراءة سير الصحابة هي جزء من سيرته؛ لأنهم هم نتاج عمله، التغيير الذي حدث في دعوته، التغيير الذي حدث بسبب جهاده وصبره، نقل الناس من جاهلية جهلاء إلى نور وضياء يبين ما كان عليه –صلى الله عليه وسلم-من عظيم المقام الذي يجذب القلوب إليه، كتب السيرة متعددة، "الرحيق المختوم" "نور اليقين"، "سيرة ابن هشام" هذه كتب يعني فيها نوع من التسلسل التاريخي لحياة النبي –صلى الله عليه وسلم-من ولادته إلى مبعثه، ثم بعد ذلك إلى هجرته، ثم بعد ذلك إلى اكتمال دعوته، ثم إلى وفاته صلى الله عليه وسلم.
المقدم: لكن هذه الكتب هل هي صعبة؟ بعض الناس يقول يصعب علي شرحها، أم هي سلسة؟
الشيخ: يعني هي متفاوتة.
المقدم: كلماتها ليست بذات الصعوبة.
الشيخ: هي متفاوتة، لكن فيها ما هو مناسب للصغار، وما هو مناسب للكبار، وما هو مناسب للمتخصصين الذين يبحثون عن تحقيق الأخبار ودقيقها، فالسيرة خُدمت خدمة جلية، ويمكن لأي أحد يذهب إلى مكتبة ويسأل عن كتب تقص سيرة النبي –صلى الله عليه وسلم-سيجد مئات العناوين، سواء في كل حياته أو ذلك في بعض مواقفه وجوانب حياته صلى الله عليه وسلم.
وللمعلومية حتى سماع الأحاديث النبوية مما يجذب القلوب إلى محبته.
عندما يقرأ الإنسان مثلا صحيح البخاري ويستمع إلى صحيح البخاري، عندما يستمع إلى صحيح مسلم، إلى سائر الكتب التي حوت السنة وأقوال النبي –صلى الله عليه وسلم-وذكرت هديه وأعماله وإن كانت على وجه نصوص ومنقولات عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كل ذلك مما يجذب القلوب إليه، وينمِّي محبته في صدور الناس.
اللهم صلِّ على محمد، كثرة الصلاة عليه من أسباب محبته –صلى الله عليه وسلم- ولذلك ينبغي أن يربى الأبناء والبنات على هذا المعنى بأن يصلى عليه –صلى الله عليه وسلم-عندما يذكر ويعرف الإنسان يذكر لهم الأجر إذا قلت: "اللهم صلِّ علي محمد" مرة واحدة صلى الله عليك عشرة، وهذا عطاء جزيل وإحسان كبير من الله –عز وجل-على عمل يسير لا يكلفك وأنت جالس أو عندما تسمع ذكره –صلى الله عليه وسلم-أن تقول: صلى الله عليه وسلم، اللهم صل عليه، عليه الصلاة والسلام، أو ما أشبه ذلك.
المقدم: قد يسأل البعض كيف يصلي الله عليه؟
الشيخ: تقصد ما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
المقدم: نعم.
الشيخ: هو الجزاء من جنس العمل إذا عرفنا معنى لما تقول: "اللهم صلِّ على محمد" ستعرف كيف يصلي الله عليك أو ما معنى أن الله يصلي عليك؟ معنى صلى الله على محمد أنت تسأل الله ـ تعالى ـ أن يصلي على رسوله، ما معنى أن يصلي على رسوله؟
قيل: أن يرحمه، وقيل: أن يغفر له، وقيل: أن يذكره في الملأ الأعلى، وطبعا من ذكره الله نال خيرًا عظيمًا وفضلًا كبيرًا.
يعني أنت الآن لما يذكرك من يحبك وأنت بعيد عنه تشعر بالراحة لما تقول: والله ذكرت فلان في مجلسي فكيف من يذكره رب العالمين في الملأ الأعلى، خير ملأ عند الملائكة فيقول: فلان من عبادي كيت وكيت لما يعلو به ذكرك وترتفع به قدمك عند رب العالمين.
لا شك أنه هذا معنى صحيح، فمن معاني الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-أن يذكره الله في الملأ الأعلى، وقيل: معنى الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-هو سؤال الله ـ تعالى ـ لنبيه الخير الكثير، يعني لما تقول: اللهم صلِّ على محمد يعني: اللهم أعط محمدًا خيرًا كثيرًا، وهذا يشمل الخير في الدنيا والخير في الآخرة، ويشمل كل خير يوصله الله ـ تعالى ـ لعبده بجزالة ووفرة، فلما تقول: اللهم صلِّ على محمد أنت تسأل الله لرسوله خيرًا كثيرًا وستنال بذلك أن يصلي الله عليك عشرًا، أي يرزقك الله ـ تعالى ـ خيرًا كثيرًا عشرة أضعاف ما سألت عشرة أضعاف ما طلبت وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
والموفَّق من وفقه الله وأدرك مثل هذه المعاني، ولذلك أنا أدعو نفسي وإخواني إلى الحرص على كثرة مطالعة سيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- فإنها تقرب الإنسان منه، تجعله ماثلًا، سماع حديثه تجعله حاضرًا في ذهنك، لا تصلى إلا كما صلى، لا تصوم إلا كما صام، لا تحج إلا كما حج، تتأسى به في معاملتك لزوجتك، في معاملتك لأولادك، في معاملة الأولاد لآبائهم، يتذكرون الفضل في بر الوالدين، وفي معاملتهم لجيرانهم، وفي معيشتهم وسائر تنقلاتهم، إمامهم وقدوتهم رسول الله ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[الأحزاب: 21]، لا يمكن أن يتحقق هذا المعنى لمن يجهل هديه، لمن يجهل سيرته، لمن يجهل كيف عمل، وكيف قال، وماذا فعل صلى الله عليه وسلم؟ فلذلك من المهم أن يستحضروا من هذه المعاني ليحقق ما أمر الله تعالى به من الائتساء وهو الاقتداء بالنبي –صلى الله عليه وسلم-في السر والعلن، في خاصة نفسه، وفيما بين الناس في السراء والضراء.