المقدم: فضيلة الشيخ وردنا سؤال يسأل عن حكم الطلاق عن طريق وسائل الجوال، أو الواتس أب، أو الإيميل ونحو ذلك هل يقع الطلاق في هذه الحالة؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فأسأل الله ـ تعالى ـ السداد في الجواب، وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص له في القصد والصدق في القول والعمل، ما يتعلق بالطلاق، الطلاق حلُّ وثاق وفك ارتباط، فهو فراق الزوجة على غير عوض، هذا هو الطلاق.
وقد جعل الله ـ تعالى ـ له من الأحكام وبين فيه من المسائل التي يحتاجها أهل الإسلام ما ينبغي للمؤمن أن يقف عليها، وأن لا يتجاوز فيها حدود الله عز وجل، الله تعالى وجه فيها الخطاب، في بعضها الخطاب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو في أكثر من آية وجه فيها الخطاب "يا أيها الذين آمنوا"، ﴿يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾[الأحزاب:49]، فتوجيه الخطاب للنبي بيان لشريف الأمر رغم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن منه طلاقٌ إلا مرة أو مرتين على خلاف بين أهل العلم.
لكن فيما يتعلق بالتوجيه هو توجيه للأمة، خاطب الله فيه النبي وهو خطاب للأمة ينبغي لأهل الإسلام أن يعرفوا عظيم قدر هذه الأوامر التي وجهها الله ـ تعالى ـ إلى رسوله وإلى الأمة، وأن يراعوا حدود الله ـ تعالى ـ في الطلاق، الطلاق ليست عصبيَّات، ولا غضب، ولا ثورة خلاف ولا انتقام، إنما هو فراق، والفراق له أصول وطرق يجب على المؤمن أن يراعيَها، كما أنه في النكاح لا يكون إلا على وفق ما أمر الله تعالى، فكذلك الطلاق يجب أن يكون على وفق ما أمر الله تعالى.
فكثير ممن يتهاون في أمر الطلاق تجده يجعل الطلاق عند أدنى سبب أو بلا أي سبب، لا يراعي فيه حق الله ـ تعالى ـ ولا هدي رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقع في إشكاليات كثيرة يصنف ضمن كلام العلماء أنه قد يكون تلاعبًا بالشريعة، فقد جرى ذلك الوصف في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لرجل طلق امرأته ثلاثًا قال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم»[أخرجه النسائي في الكبرى3401، وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح(3292)لانقطاعه] في حديث محمود بن لبيد في الرجل الذي طلق ثلاث طلقات، فجاء يسأل فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟».
فجعل الطلاق على خلاف ما أمر الله لعبًا بكتاب الله ـ تعالى ـ وعبثًا بأحكام الشريعة.
المقدم: هو طلق ثلاثًا في مجلسٍ واحد.
الشيخ: طلق ثلاثًا في مجلس واحد، وهو خلاف ما أمر الله ـ تعالى ـ به من كون الطلاق مرتين، كما قال الله ـ تعالى ـ:﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾[البقرة:229].
هذه المقدمة ضرورية ليتبينالرجال والنساء أن الطلاق ليس أمرًا يُفعل من غير هديٍ ومن غير شرع، إنما هو شريعة محكمة وليست أهواءً متحكِّمة، وليس عصبيةً جامحة، ولا انفعالًا غير منضبط، بل يجب أن يكون وفق ما أمر الله ـ تعالى ـ به، إذا أراد الإنسان أن يُطلِّق فليُطلق في طهر لم يجامِع المرأة فيه، في طهر، فلا يجوز طلاقها في حيض، ولم يجامع فيه أي أنه يطلقها بعد طهرها دون أن يمسَّها.
فإذا كانت المرأة حائض وجب عليه أن يُمسك حتى تطهر ثم يُطلقها، وإذا كانت طاهرًا قد مسها وجامعها فإنه يجب عليه أن ينتظر حتى تحيض، ثم تطهر، ثم يطلقها، هكذا أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تُطلق المرأة حائلًا أو حاملًا، حائلًا يعني من غير حيض، وحاملًا أي أنها قد تبين حملها وأن عدتها ستكون بوضع هذا الحمل، والله ـ تعالى ـ يقول:﴿يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق:1].
ما يتعلق ببعض صور الطلاق التي تقع من بعض الناس دون مراعاة لحدود الله هو من المحرم الذي يجب على الرجل أن يكفَّ عنه، وأيضًا الخطاب للنساء؛ لأن بعض النساء تأتي وتقول: طلِّقني الآن، لن تخرج حتى تطلقني، وتلح عليه في الطلاق، في حين أنه لا يجوز أن تطالبه بمحرم، كأن تكون حائض، أو تكون قد جامعها في هذا الطهر، فلا يجوز لها أن تستعجله، ثم الطلاق مرة واحدة.
المقدم: يعني الخطأ يقع من الرجل ومن المرأة؟
الشيخ: نعم، والغالب أن يكون مشتركًا.
الطلاق أيضًا ينبغي من حيث العدد أن يكون طلقةً واحدة، فلا يجوز أن يُطلق طلقتين في وقتٍ واحد، أو يُطلق طلقة ثم قبل أن تنتهي عدتها ومن غير أن يراجعها يُطلقها طلقةً ثانية، هذا لا يجوز، وهو مخالفٌ لما أمر الله ـ تعالى ـ به في الطلاق.
هذه المسائل سهلة ويسيرة:
- لا تُطلق المرأة وهي حائض.
- لا تُطلق المرأة وهي في طهرٍ قد جامعتها فيه.
- لا تُطلق أكثر من طلقة.
- وأمر آخر لا تستعجل.
كثير من الأحيان يأتي الشخص في حالة غضب ويقول: طالق طالق، إلى طلقات كثيرة، ثم بعد فترة وجيزة يندم هو وتندم هي، ثم يطوفون الدنيا يبحثون عمن يجد لهم مخرجًا من هذه الورطة التي تورطوا فيها وهي الطلاق.
المقدم: ربما الحكمة يا شيخ من عدم الطلاق وهي في حيض، أو في طهرٍ جامع فيه هي مسألة التريث.
الشيخ: نعم، هذا من الحِكَم أن يتريَّث الإنسان ويتأنى، وليس على الطلاق فوات، ليس هناك فوات، يعني ما تريد أن تمضيَه من الطلاق إذا لم تمضه الآن في فورة الغضب تستطيع أن تمضيه بعد ساعة عندما تسكن، بعد ساعتين، بعد يوم، بعد يومين، شهر، شهرين عندما تستبصر وتنظر الأمور على وجهٍ مكتمل واضح بعيد عن الانفاعلات، يراعي المصالح والمفاسد، ينظر إلى الأمر بنوع من الشمولية.
ما يتعلق بالطلاق عبر وسائل الاتصال أو ما يُسمى بالطلاق الإلكتروني، أو الطلاق عبر رسائل الجوال، أو رسائل التواصل الاجتماعي، أو الإيميل، أو ما أشبه ذلك هو كتابة للطلاق، كل صوره يعتبر كتابة للطلاق، هنا نحتاج أن نرجع في الوصول لحكم هذا النوع من الطلاق إلى معرفة ما حكم كتابة الطلاق؟
لو أن رجلًا كتب فلانة –يريد زوجته- طالق هل يقع الطلاق؟ أو أنتِ يرسل رسالة فلانة بنت فلان أنتِ طالق، وأرسل لها هذه الرسالة أو ما أشبه ذلك من الألفاظ التي تفيد وقوع الطلاق، هذه الرسالة هل يقع بها طلاق؟ العلماء لهم في هذا أقوال:
- منهم من لا يرى أن الطلاق الكتابي يقع مطلقًا، لا بدَّ من لفظ.[مذهب الظاهرية، وقول للشافعية. انظر المحلى ج 9 ص 454، والخلاصة ص 484]
- ومنهم من يقول: إنه يقع إذا أرسله إليها، يعني وجه الخطاب إليها.
- ومنهم من يرى أنه يقع إذا نوى وقصد ولو لم يرسله إليها، بمعنى أنه إذا كتب زوجتي فلانة طالق، أو أنتِ فلانة بنت فلان طالق فإنه إذا نوى بذلك الطلاق فإنه يقع الطلاق.[مذهب جماهير الفقهاء ومنهم الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. انظر: المبسوط ج 6 ص 143، والفتاوى الهندية ج 1 ص 378، والقوانين الفقهية ص 255، والشرح الكبير ج 8 ص 384، والبيان شرح كتاب المهذب ج 10 ص 104]
هذا القول الأخير، وهو أن الطلاق يقع بالكتابة إذا صاحبها نية هو قول جمهور العلماء من الفقهاء، من أهل المذاهب وغيرهم، يعني هو القول الشائع السائد عند أكثر علماء الأمة قديمًا وحديثًا، وذلك أن الكتابة نوعٌ من الإبانة، ولكن لما كان يرد عليها الاحتمال بحكم أنها كتابة لا تُبين النية على وجهٍ تام وكامل احتاجت إلى نية لأجل أن يتبين الأمر.
فإذا كتب الرجل –وهذا شيء بينه وبين رب العالمين- إذا كتب الرجل رسالةً لزوجته "أنتِ طالق" أو كتبها ووضعها عنده، ويقصد بذلك إيقاع الطلاق، فإنه طلاقٌ واقع في قول عامة العلماء، في قول جمهور العلماء، وعليه استعمال الرسائل المعاصرة؛ سواءً رسائل الجوال، أو رسائل الواتس أب، أو رسائل برامج التواصل، أو عبر الايميل.
المقدم: المكتوب الذي هو البريد؟
الشيخ: عبر البريد، تكلم عنه العلماء قديمًا، لكن هذه الصور الجديدة يقع الطلاق بها شريطة أن يكون المرسل هو الرجل، هو الزوج؛ لأنك تعرف الآن جهازك يمكن أن يأخذه غيرك، فإذا أراد أن يوقع بينك وبين أهلك أرسل رسالة بكلامٍ كهذا، فلا بدَّ من التحقق من أن المرسل هو الزوج، هذا أولًا.
ثانيًا: لا بدَّ أن يكون الزوج قد نوى بذلك الطلاق، فإن كان نوى بذلك غير الطلاق، كأن يكون مثلًا إما غضب غضبًا شديدًا ومع الانفعال يكتب هذه الرسائل ويرسل وهو فاقد لصوابه، وقد تميَّز غيظًا وغضبًا، فهذا لا يقع.
كذلك لو أنه أراد تخويفها أحيانًا بالكتابة، هنا العلماء اختلفوا إذا أراد بذلك التخويف، يقول:أنا كتبت الطلاق ولا أريد الطلاق، لا أريد إيقاعه، أريد أن أخيفها، هنا بعض العلماء يقول: لا يقع الطلاق كتابةً؛ لأنه ليس بصريح هو كناية أو يشبه الكنايات أو في حكم الكنايات، وبالتالي لا بدَّ فيه من نيةٍ مرافقة،وهنا النية ليست موجودة.
المقصود أنه لا بدَّ أن يكون قد نوى إيقاع الطلاق.
إذًا عندنا هذان الشرطان:
الشرط الأول: أن يكون المُصدِر له الزوج، الكاتب لهذا الزوج.
الثاني: وأن يقصد به الطلاق، لا يقصد بذلك - مثلا- ما ذكر الفقهاء أن يكتب أنتِ طالق ويريد أن يُجوِّد خطه، يعني ضاقت الكلمات ما وجد إلا "أنتِ طالق" يكتبها لتجويد الخط، لكن هذا مثال يذكره الفقهاء لما يقصد فيه غير الطلاق.
على كل حال إذا كتب وقصد فإن الطلاق يقع، هناك أيضا قرائن أحوال هي التي تعرِّف بالقصد، فالقصد قد يظهره ما يحتف بالموضوع من قرائن، وقد لا يتبين، المراد أن الطلاق الذي لا يقع بالكتابة هو ما كان صادرًا من الزوج بكتابته، وما كان مرافقًا لنية إيقاع الطلاق.
طبعًا هناك من يذكر قيودًا أخرى هي في الحقيقة ترجع إلى أمور خارجة عن قضية الكتابة، يعني هي مؤثرة فيما إذا كان الطلاق كتابةً، وفيما إذا كان الطلاق غير كتابة، مثلًا يقولون: أن يكون في حالٍ معتبرة، هذا لا فرق فيه بين الكتابة وبين اللفظ، لا بدَّ أن يكون الذي صدر منه الطلاق كتابةً أو لفظًا في حالٍ معتبرة، تعتبر فيها أقواله ويلزمه ما تكلم به.
هذا ما يتعلق بالطلاق الكتابي.
أحيانًا ما الذي يقع؟ يقع أنه تأتي رسالة للمرأة "أنتِ طالق"، وتتحقق أنها من الزوج، ثم تقول له: أنت طلقتني، يقول: لا، ما طلقت، هنا يقع خلاف بين الرجل والمرأة، إن صدقته فهنا لا حاجة للذهاب للمحكمة ولا لغيرها، إن لم تصدقه، هو رجال عابث لا يقيم لحدود الله حدًّا وقدرًا ولا يعتني بأمور الطلاق، بل الطلاق عنده بالمجان وفي كل حال وفي كل حين، هنا تقاضيه فيستدعيه القاضي ويتحقق منه، فإن ثبت أنه صدر منه أنه طلق، عند ذلك يوقعها طلقة ويرتب عليها ما يترتب، إن كانت آخر طلقة بانت منه بينونة كبرى، وإن كانت دون ذلك فله أن يراجعها في العدة.
نسأل الله الهداية والتوفيق، ووصيتي للأزواج والزوجات، الرجال والنساء أن يتقوا الله ـ تعالى ـ في أمر الطلاق، وأن لا يتهوَّروا ويعاملوا الطلاق على نحوٍ من الاستهتار والاستخفاف الذي يوقعه في ما يغضب الله ـ تعالى ـ من الخروج عن حدوده في أمر الطلاق.
المقدم: أحسن الله إليكم شيخ.