×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة: اعدلوا تفلحوا

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:10297

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ، كَما يُحِبُّ رُبُّنا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، هُوَ الحَلِيمُ الحَمِيدُ المجِيدُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى المبْعُوثِ رَحْمَةً لِلعالمينَ؛ نَبِيِّنا مُحَمِّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنونَ؛ فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ تَجْلِبُ كُلَّ خَيْرٍ وَتَدْفَعُ عَنْكُمْ كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُالطلاق: 2- 3، فَبِالتَّقْوَى تُسْتَجْلَبُ الخَيْراتُ وَتُسْتَدْفَعُ البَلِيَّاتُ، يُدْرِكُ النَّاسُ بِالتَّقْوَى خَيْرَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ وَأَوْلِيائِكَ المفْلِحِينَ وَحِزْبِكَ المتَّقِينَ يا رَبَّ العالمينَ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, اللهُ - جَلَّ في عُلاهُ - خَلَقَ الخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذا غايَةُ الخَلْقِ وَمَقْصُودُ الوُجُودِ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذاريات: 56، وَإِنَّهُ لا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلَّا بِما أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ عِبادَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَالنَّحْل: 90، فَأَمَرَ اللهُ تَعالَى بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ؛ بِهِما تَتَحَقَّقُ العُبُودِيَّةُ؛ فَإِنَّ العَدْلَ بِهِ قامَتْ السَّمواتُ وَالأَرْضُ، العَدْلُ أَنْزَلَ اللهُ تَعالَى الكُتَبَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ لإِقامَتِهِ؛ قالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِالحديد: 25 أَيْ: لِيقُومَ النَّاسُ بِالعَدْلِ؛ العَدْلُ في حَقِّ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَالعَدْلُ في حَقِّ الخَلْقِ، فَلا يُمْكِنُ أَنْ يَهْنَأَ النَّاسُ, وَلا أَنْ يَطِيبَ عَيْشُهُمْ, وَلا أَنْ يَقُومَ لَهُمُ العُمْرانُ وَلا أَنْ تَصْلُحَ لَهُمُ البُلْدانُ؛ إِلاَّ بِتَحْقِيقِ العَدْلِ في كُلِّ شَأْنٍ وَفي كُلِّ دَقِيقٍ وَجَلِيلٍ، العَدْلُ في خاصَّةِ أَنْفُسِهِمْ، وَالعَدْلُ في كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْياهُمْ، في صِلَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَفي صِلَتِهِمْ بِالخَلْقِ لِذَلِكَ أَكَّدَ اللهُ تَعالَى العَدْلُ؛ أَمْرًا وَحَثًّا وَبَيانًا لأَهَمِّيَّتِهِ وَنَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ في كِتابِهِ في مَواضِعَ عَدِيدَةٍ فَقالَ في أَوَّلِ ما أَمَرَ عِبادَهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىالنحل: 90، وَقالَ جَلَّ في عُلاهُ لِرَسُولِهِ: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُالشورى: 15 فَأَمْرُ اللهُ تَعالَى مُتَوَجِّهٌ لِكُلِّ أَحَدٍ؛ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ سِواهُ مِنَ الخَلْقِ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ اللهَ تَعالَى أَمَرَنا بِالقِيامِ بِالقِسْطِ فَقالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِالنساء: 135، وَقالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِالمائدة: 8 فَالأَمْرُ بِالقِسْطِ وَالعَدْلِ مَلاءَ كِتابِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَلَيْسَ ذَلِكَ اخْتِيارِيًّا في حَقِّ أَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ، بَلِ العَدْلُ المأْمُورُ بِهِ في كِتابِ اللهِ يَشْمَلُ كُلّ َشَيْءٍ يَتَنَاوَلُهُ الإِنْسانُ وَيَتَعامَلُ مَعَهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُواالنِّساءُ: 135، فَكُلُّ خُرُوجٍ عَنِ العَدْلِ فَهُوَ اتِّباعٌ لِلهَوَى تَحْتَ كُلِّ مُسَوِّغٍ وَفي أَيِّ حالٍ؛ فَإِنَّ الخُرُوجَ عَنِ العَدْلِ ظُلْمٌ وَجَوْرٌ، وَاللهُ تَعالَى لا يُصْلِحُ عَمَلَ الظَّالمينَ وَلا يحُِبُّ الظَّالمينَ جَلَّ في عُلاهُ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ العَدْلَ مَنْزِلَةٌ عُلْيا بِها تَطِيبُ الحَياةُ وَيَصْلُحُ مَسِيرُ الإِنْسانِ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ -؛ فَالعَدْلُ في حَقِّ اللهِ أَلاَّ تَعْبُدَ سِواهُ، فَكُلُّ مَنْ عَدَلَ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ وَتَوَجَّهَ إِلَى سِواهُ فَإِنَّهُ ظالِمٌ، وَكُلُّ مَنْ عَصَى اللهَ فَإِنَّهُ ظالِمٌ، وَكُلُّ مَنْ خالَفَ ما أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ فَإِنَّهُ ظالِمٌ، وَكُلُّ مَنِ اعْتَدَى عَلَى حُقُوقِ الخَلْقِ فَإِنَّهُ ظالِمٌ، وَكُلُّ مَنْ جارَ في الحُكْمِ فَإِنَّهُ ظالِمٌ.

فَالعَدْلُ لَيْسَ خاصًّا بِصُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ، بَلْ هُوَ في مُعامَلَةِ اللهِ بِأَنَّ تَفَرُّدَهُ وَحْدَهُ بِالعِبادَةِ، أَلَّا يَتَوَجَّهَ قَلْبُكَ إِلَى سِواهُ؛ فَهُوَ المنْعِمُ، فَإِذا شَكَرْتَ غَيْرَهُ فَقَدْ ظَلَمْتَ، وَإِذا عَصَيْتَ أَمْرَهُ فَقَدْ ظَلَمْتَ، وَإِذا تَوَرَّطْتَ فِيما نَهاكَ عَنْهُ فَقَدْ ظَلَمْتَ وَخَرَجْتَ عَنْ سُنَنِ العَدْلِ، وَإِذا اعْتَدَيْتَ عَلَى الخَلْقِ فَقَدْ ظَلَمْتَ، فَإِذا حَقَّقْتَ العَدْلَ في مُعامَلَةِ اللهِ بِتَوْحِيدِهِ وَالعَدْلِ في مُعامَلَةِ الخَلْقِ بِإِعْطاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَبْشِرْ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعالَى قَدْ رَتَّبَ عَلَى العَدْلِ أَجْرًا عَظِيمًا؛ يَقُولُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيما رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ: «إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ» أَيْ: أَهْلُ العَدْلِ وَمَنْزِلَتُهُمْ وَمَرْتَبَتُهُمْ وَأَجْرُهُمْ عِنْدَ اللهِ: «عَلَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، عِن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهِمْ وما وُلُّوا»مسلم(1827) أَيْ: وَما تَوَلَّوُا مِنْ أُمُورٍ خاصَّةٍ وَعامَّةٍ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَعِنَّا عَلَى الصِّدْقِ وَالعَدْلِ في القَوْلِ وَالعَمَلِ يا رَبَّ العالمينَ.

أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

***

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا، طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ، كَما يُحِبُّ رَبُّنا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى، وَاعْدِلُوا كَما أَمَرَكُمُ اللهُ تعَالَى في كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُؤُونِكُمْ؛ فاللهُ قَدْ أَمَرَكُمْ بِالعَدْلِ وَجَعَلَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِتَحْصِيلِ الفَضْلِ، فَلا سَعادَةَ فِي الدُّنْيا وَلا فَوْزَ في الآخِرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ عِبادِ اللهِ المتَّقِينَ العادِلينَ في كُلِّ شَأْنٍ دَقِيقٍ أَوْ جَلِيلٍ، في خاصَّةِ نَفْسِكَ أَوْ في عامَّةِ مُعامَلَتِكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ العَدْلَ لا يَخْتَصُّ فَقَطْ الحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ، بَلْ يَكُونُ في كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُؤُونِكَ الخاصَّةِ وَالعامَّةِ، فَأَنْتَ مُحْتاجٌ إِلَى العَدْلِ في الحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الوِلايَةِ أَوْ كانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّحاكُمِ، أَوْ كانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ تَقْوِيمِ الآراءِ وَالأَقْوالِ، فاتَّقِ اللهَ فَقَدْ قالَ اللهُ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِالنساء: 58؛ سواءٌ كانَ حَكَمًا وَلائِيًّا كالقُضاةِ وَغَيْرُهُمْ، أَوْ كانَ حَكَمًا بِتَراضي الخُصُومِ كالمحَكِّمِينَ، أَوْ كانَ حَكَمًا عَلَى الأَقْوالِ وَالآراءِ وَالشُّعُوبِ وَالأَشْخاصِ وَالمعامَلاتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ في وِلايَةٍ وَحُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ إِنْفاذُ فَصْلِ خُصُومَةِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِالنساء: 58.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّنا مَأْمُورُونَ بِالعَدْلِ مَعَ أَنْفُسِنا بِأَنْ نُقِيمَها عَلَى الحَقِّ؛ وَلَذِلِكَ جاءَتْ الأَوامِرُ في كِتابِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَعْدِلَ الإِنْسانُ مَعَ نَفْسِهِ فَلا يَحْمِلُها ما لا تُطِيقُهُ مِنَ العَمَلِ؛ «اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ»

 البخاري(6465), ومسلم(782)، وَ«إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»البخاري(1974), ومسلم(1159) هَذا هُوَ مُقْتَضَى العَدْلِ، أَنْ تَكُونَ عَلَى إِنْصافٍ في كُلِّ ما تَأْتِي وَفِي كُلِّ ما تَذَرُ.

لِذَلِكَ لا يَخْتَصُّ العَدْلُ بِشَيْئٍ مِنْ أَحْوالِ النَّاسِ، بَلْ يَعُمُّ كُلَّ شَأْنِهِمْ؛ في مُعامَلَتِكَ مَعَ وَلَدِكَ أَنْتَ مَأْمُورٌ بِالعَدْلِ؛ فَقَدْ قالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا اللَّهَ، واعْدِلُوا في أَوْلادِكُمْ»مسلم(1623) سواء كان ذلك في إعطاء الحقوق التي تدعو إليها الحاجات أو في إعطاء العطايا التي بلا حاجة، بل هي منحة وعطية، أنت مأمور بالعدل في هذا كله، فاتق الله واعدل بين ولدك.

كما أنك مأمور بالعدل بين زوجاتك إذا كنت معددًا؛ بأن تعطي كل ذي حق حقه، فلا تبخس زوجةً على أخرى، ولا تمِل إلى واحدة دون أخرى، بل الواجب والعدل فيما يتعلق بما يجري فيه العدل من القسم دون حيف ولا ظلم، أما محبة القلب فذاك أمره إلى الله ليس للإنسان عليه سبيل؛ «هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك»أخرجه: أبو داود (2134)، وابن ماجه (1971)، والترمذي (1140), وصوّب إرساله .

أيها المؤمنون, إن العدل يكون في كل شأن، فمن العدل في الولايات أن تنجز معاملات الناس، وألا تحابي أحدًا على حساب أحد، بل تعطي كل ذي حق حقه، فذاك الذي يَحْبس المعاملات, ويُقدم من يشتهي ويُؤخر من يشتهي، وينتظر عطاءً على كذا أو هديةً لأجل أن يُنهي عملًا أو معاملةً؛ فإنه ظالم لم يؤدِّ الأمانة ولم يؤدِّ العدل الذي أمر الله تعالى به في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِالنحل: 90.

أيها المؤمنون, إن من علامات الساعة أن يكثر الظلم في الناس، والظلم قرين الجهل؛ فعندما يكثر الجهل ويكثر في الناس الشر والفساد يكثر الظلم بينهم ويتلاشى العدل؛ ولذلك جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - من علامات الساعة أن يكثر الظلم وأن تملأ الأرض جورًابمعناه من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أخرجه: أحمد ح(11313), بإسناد صحيح ، وإن الظلم بادٍ في حياة الناس في خاصهم وعامهم، وهذه المدنية التي يعيشونها سواء كان ذلك فيما يرونه من حضارة وبنيات شاهقة وثورة معلوماتية وتقنية لم تخلص الإنسان من ذاك الوصف الذي ذكره الرحمن في قوله: ﴿وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًاالأحزاب: 72 حمل الأمانة وتخلف عن أدائها لوصفين:

الوصف الأول: أنه ظلوم.

والوصف الثاني: أنه جهول.

فبقدر ما معك من السلامة من هذين الوصفين بقدر ما تحقق في سلوكك وصفاتك وأخلاقك وعملك، فبالعدل والعلم تنال السعادة وتنجو من الظلم وتستعين بذلك على تحقيق ما أمرك الله تعالى به من حمل الأمانة: ﴿وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًاالأحزاب: 72.

اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، اللهم ارزقنا تحري العدل في القول والعمل، اللهم إنا نسألك العدل في القول والعمل، اللهم إنا نعوذ بك من الحيف والظلم في حقوقك وحقوق خلقك يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ونسألك الشوق إلى لقائك ولذة النظر إلى وجهك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداةً مهتدين يا رب العالمين.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.

اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، اللهم إنا نسألك التوفيق لولاة أمرنا إلى كل خير يا رب العالمين.

اللهم من أراد بنا سوءًا أو شرًّا أو فسادًا أو فُرقةً فأبطل سعيه وأفشل خططه وردُّ كيده في نحره يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك أن تصلح حال إخواننا في سوريا يا رب العالمين، اللهم خلصهم من ظلم الظالمين، اللهم أعنهم على هذا الطاغية يا رب العالمين، اللهم خلصهم يا حي يا قيوم، اللهم أنجِ المستضعفين من إخواننا في سوريا إنك على كل شيء قدير، اللهم اجعل لهم فرجًا قريبًا، اللهم انتقم للمظلومين إنك على كل شيء قدير، واكتب مثل ذلك لإخواننا في العراق وفي اليمن وفي سائر البلدان.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.

 

المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف