×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة من عرف الله أحبه

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:8530

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى؛ فَإِنَّ تَقْواهُ تَجْلِبُ لَكُمْ كُلَّ سَعادَةٍ وَتَصْرِفُ عَنْكُمْ كُلَّ شَقاءٍ، تُخْرِجُكُمْ مِنَ المضايِقِ وَتُبَلِّغُكُمْ المقاصِدَ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُالطلاق: 2- 3 ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًاالطلاق: 4 ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًاالطلاق: 5 .

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالمينَ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ تَقْوَى اللهِ تَعالَى ثَمَرَةُ مَحَبَّةٍ، وَلا يَتَحَقَّقُ لأَحَدٍ مَحَبَّةُ اللهِ تَعالَى إِلَّا بِالإِقْبالِ عَلَيْهِ، وَالتَّعَرُّفِ عَلَى آلائِهِ وَنِعَمِهِ، وَالنَّظَرِ في أَسْمائِهِ وَصِفاتِهِ؛ فَإِذا امْتَلَأَ القَلْبُ مَعْرِفَةً بِاللهِ وَعِلْمًا بِهِ؛ أَثْمَرَ ذَلِكَ مَحَبَّتَهُ، لا يُمْكِنُ لِقَلْبٍ يَعْرِفُ كَمالَ اللهِ وَما لَهُ مِنْ جَلالِ وَبَهاءِ وَعَظِيمِ أَسْماءِ وَجَليلِ صِفاتٍ، إِلاَّ وَيَنْقادُ قَلْبُهُ إِلَيْهِ وَيُقْبِلُ عَلَيْهِ؛ لِذَلِكَ كانَ المؤْمِنُونَ أَشَدَّ حُبًّا لَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فاللهُ أَحَبُّ في قُلُوبِ المؤْمِنينَ مِنْ كُلِّ مَحْبُوبٍ؛ يَقُولُ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِالبقرة: 165 ؛ فالمؤْمِنُونَ امْتَلَأَتْ قُلُوبُهُمْ عِلْمًا بِاللهِ، ثُمَّ أَثْمَرَ ذَلِكَ مَحَبَّتَهُ الَّتي هِيَ أَصْلُ الإيمانِ، وَهِيَ عَمَلُ القَلْبِ الَّذي بِهِ يَسْعَدُ وَيَطْمَئِنُّ وَيَسْكُنُ.

المحَبَّةُ للهِ - أَيُّها المؤْمِنُونَ - حَياةُ القُلُوبِ، وَهِيَ غِذاءُ الأَرْواحِ، فَالقَلْبُ المجَرَّدُ عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ كَالعَيْنِ الَّتي لا تُبْصِرُ، وَكالأُذُنِ الَّتي لا تَسْمَعُ، وَكالبَدَنِ الَّذي لا رُوحَ فِيهِ؛ فَإِنَّ حُبَّ اللهِ هُوَ الحَياةُ الحَقِيقِيَّةُ، حُبُّ اللهِ هُوَ الرُّوحُ الَّتي بِها يَسْعَدُ المؤْمِنُ في دُنْياهُ وَيَبْلُغُ ما يُؤَمِّلُهُ في أُخْراهُ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ تَعالَى يُوجِبُها كُلُّ ما تُشاهِدُونَهُ في أَنْفُسِكُمْ أَوَّلًا وَفي السَّماءِ وَفي الأَرْضِ؛ فَقَدْ بَثَّ لَكُمْ مِنَ الآياتِ الَّتي تَدْعُوكُمْ إِلَى مَحَبَّتِهِ ما يَجْعَلُكُمْ إِذا أَبْصَرَتْ قُلُوبُكُمْ وَفَطِنَتْ نُفُوسُكُمْ لِتِلْكَ الآياتِ وَتِلْكَ الشَّواهِدِ لا تَسْتَطِيعُونَ إِلَّا أَنْ تُحِبُّوهُ؛ فَهُوَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ جَلَّ في عُلاهُ، فما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ، فَما مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا هُوَ الَّذِي ساقَها إِلَيْكَ، أَفَلا يَسْتَحِقُّ مَنْ يَسُوقُ إِلَيْكَ النِّعَمَ في الغُدُوِّ وَالآصالِ، في النَّهارِ وَاللَّيْلِ، في اليَقْظَةِ وَالمنامِ؛ أَلا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ؟ بَلَى وَاللهِ.

لَوْ قامَ أَحَدٌ عَلَيْكَ في نَوْمِكَ يَحْرُسُكَ، أَلَيْسَ ذَلِكَ مُوجِبًا لمحَبَّتِهِ وَالانْجِذابِ إِلَيْهِ وَمَعْرِفَةِ إِحْسانِهِ الَّذي يَقُودُكَ إِلَى مَحَبَّتِهِ وَمَعْرِفَةِ فَضْلِهِ؟ بَلَى وَاللهِ.

إِنَّ أَدْنَى إِحْسانٍ يَلْقاكَ بِهِ إِنْسانٌ يُوجِبُ شَيْئًا مِنَ الميْلِ إِلَيْهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ تَعَسَّرَ سَيْرُكَ وَانْقَطَعْتَ في مَكانٍ وَلَوْ كانَ انْقِطاعًا لا مَخافَةَ فِيهِ ثُمَّ جاءَكَ مَنْ يُعِينُكَ أَوْ يُساعِدُكَ أَلَيْسَ ذَلِكَ مُوجِبًا لمحَبَّتِهِ؟ بَلَى؛ فَإِنَّ النُّفُوسَ السَّوِيَّةَ تُحِبُّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْها، فَما بالُكُمْ بِمَنْ لا يَنْقَطِعُ عَنْكُمْ إِحْسانُهُ لَيْلًا وَنَهارًا، سِرًّا وَإِعْلانًا، يَقَظَةً وَمَنامًا.

مَنِ الَّذِي يُـجْرِي الدِّماءَ في عُرُوقِكُمْ؟ إِنَّهُ اللهُ.

مَنِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْكُمْ بِالصِّحَّةِ وَالعافِيَةِ؟ إِنَّهُ اللهُ.

مَنِ الَّذِي رَزَقَكُمْ سَمْعًا وَبَصَرًا وَسائِرَ ما مَكَّنَكُمْ بِهِ مِنَ الآلاتِ وَالأَدْواتِ وَالحَواسِّ؟ إِنَّهُ اللهُ.

أَفَلا يَسْتَوْجِبُ أَنْ يُشْكَرَ.

إِنَّ القَلْبَ لا يَجِدُ مَناصًا إِذا صَحَّتْ قُوَّتُهُ وَأَبْصَرَ حَقِيقَةَ الأَمْرِ إِلَّا أَنْ يُحِبَّ اللهَ؛

فالقَلْبُ مُضَّطَرٌ إِلَى مَحْبُوبِهِ الـ *** أَعْلَى فَلا يُغْنِيهِ حُبٌّ ثانِ

 كُلُّ حُبٍّ سُوَى حُبِّ اللهِ فَهُوَ شَقاءٌ، كُلُّ انْجِذابٍ إِلَى غَيْرِ اللهِ فَهُوَ بَلاءٌ.

الحُبُّ الحَقِيقِيُّ الَّذِي يُدْرِكُ بِهِ الِإنْسانُ سَعادَةَ الدُّنْيا وَفَوْزَ الآخِرَةِ: هُوَ حُبُّكَ للهِ جَلَّ في عُلاهُ، إِنَّ اللهَ - سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ - تَحَبَّبَ إِلَى عِبادِهِ، وَهُوَ الغَنِيُّ عَنْهُمْ - سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ -، فَأَظْهَرَ في كِتابِهِ ما يُوجِبُ مَحَبَّتَهُ وَتَعْظِيمَهُ:

ِإذا قَرَأْتَ قَوْلَ اللهِ تَعالَى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِالفاتحة: 2- 4  أَلَيْسَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِتَحْقِيقِ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُالفاتحة: 5 ؟ بَلَى.

إِذا قَرَأْتَ قَوْلَ اللهِ تَعالَى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُالحشر: 22- 24  أَلا يُلْقَي ذَلَكَ في قَلْبِكَ مَحَبَّةَ اللهِ؟

صَحابِيٌّ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ قَدْ وَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمٍ في سَرِيَّةٍ، فَكانَ يُصَلِّي بِهِمْ، فَإِذا خَتَمَ كُلَّ رَكْعَةٍ خَتَمَ قِراءَتَهُ بِقِراءَةِ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌالفلق: 1- 4  فَلَمَّا رَجَعَ الصَّحابَةُ، قَصُّوا خَبَرَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيما كانَ يَفْعَلث في صَلاتِهِ؛ مِنْ أَنَّهُ يَخْتِمُ كُلَّ قِراءَةٍ في كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُولُ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌالفلَقُ: 1- 4  فَقالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَلُوهُ لماذا يَصْنَعُ ذَلِكَ؟» فَقالَ لَهُمْ لماَّ سَأَلُوهُ: إِنَّها صِفَةُ الرَّحْمنِ وَأَنا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِها، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ»البُخارِي(7375), وَمُسْلِمٌ(813).

هَذا في تَدَبُّرِ صِفَةٍ مِنْ صِفاتِ اللهِ في سُورَةٍ مِنْ سُوُرِ القُرْآنِ العَظِيمِ، لما تَأَّمَلَ ما فِيها مِنَ المعانِي لا يَجِدُ إِلَّا أَنْ يُكَرِّرَها مَحَبَّةً لما فِيها مِنَ المعانِي، نَظَرًا لما فِيها مِنَ البَهاءِ وَالجَلالِ، فَكانَ ثَوابُهُ وَعاقِبَةُ أَمْرِهِ أَنْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ، فَأَقْبِلُوا عَلَى اللهِ بِقُلُوبِكُمْ، أَحِبُّوهُ بِصِدْقٍ؛ لِتَفُوزُوا بِعَطائِهِ، أَحِبُّوهُ بِصِدْقٍ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ، أَحِبُّوهُ بِصِدْقٍ لِتَسْعَدُوا في دُنْياكُمْ وَأُخْراكُمْ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ أَوْلِيائِكَ وَحِزْبِكَ، وَاسْلُكْ بِنا سَبيلَ رُشْدِكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، نَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ كُلَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنا إِلَى حُبِّكَ يا رَبَّ العالمينَ.

أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

***

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ، هُوَ كَما أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى، وَتَأَمَّلُوا ما لَهُ مِنْ صِفاتٍ جَلِيلَةٍ وَأَسْماءَ عَظِيمَةٍ وَأَفْعالٍ بَهِيَّةٍ في السَّمواتِ وَفي الأَرْضِ في الآفاقِ وَفي الأَنْفُسِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَقُودُكُمْ إِلَى مَحَبَّتِهِ وَإِجْلالِهِ وَتَعْظِيمِهِ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ تَعالَى في القُلُوبِ تَقُودُ المؤْمِنَ إِلَى كُلِّ بِرٍّ وَخَيْرٍ، تَحْمِلُهُ عَلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ وَتُبْعِدُهُ عَنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ، تَحْمِلُهُ عَلَى فِعْلِ الخَيْراتِ وَتَرْكِ المنْكَراتِ، وَالسَّعْيِ فِيما يُرْضَي رَبَّ الأَرْضِ وَالسَّمواتِ فَامْلَؤُوا قُلُوبَكُمْ بِمَحَبَّتِهِ ؛ وَسَتَنْقادُ جَوارِحُكُمْ لِطاعَتِهِ، امْلَؤُوا قُلُوبَكُمْ بِمَحَبَّتِهِ؛ سَتَجِدُونَ أَنَّكُمْ تُسارِعُونَ إِلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ يَأْمُرُكُمْ بِها، مُنْتَهُونَ عَنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ، فالمحَبَّةُ مَرْكِبٌ يُعِينُ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَيُوَصِّلُ إِلَى كُلِّ بِرٍّ، وَيَصْرِفُ عَنْكُمْ كُلَّ شَرٍّ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ دَلائِلَ مَحَبَّةِ اللهِ وَأَسْبابَ تَحْصِيلِها كَثِيرَةٌ، وَمِنْ ثِمارِها وَآثارِها؛ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ اللهَ صادِقًا لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ إِفْرادِهِ بِالعِبادَةِ، فَلا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، لا مَحْبُوبَ في القُلُوبِ إِلَّا اللهُ جَلَّ في عُلاهُ، مَحَبَّةَ رِقٍّ وَذُلٍّ وَعِبادَةٍ وَخُضُوعٍ ذاكَ هُوَ مَعْنَى لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَيْ: لا مَعْبُودَ حَقًّا إِلَّا اللهُ، وَالعِبادَةُ تَقُومُ عَلَى غايَةِ الحَقِّ المثْمِرِ، وَغايَةُ الذُّلِّ

وَعِبادَةُ الرَّحْمنِ غايَةُ حُبِّهِ *** مَعَ ذُلِّ عابِدِهِ هُما قُطْبانِنوُنِيَّةُ ابْنِ القَيِّمِ ص(35).

فَلا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الَّتِي نَقُولُها وَنُرَدِّدُها وَنَسْمَعُها؛ مَعْناها: أَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يـُحَبَّ غايَةَ الحُبِّ وَأَنْ يُذَلَّ لَهُ غايَةُ الذُّلِّ إِلَّا اللهُ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ.

فَحَقِّقُوا ذَلِكَ في قُلُوبِكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ سَبَبٌ لِسَعادَتِكُمْ وَفَوْزِكُمْ، إِذا امْتَلَأَ القَلْبُ بِذَلِكَ طَلَبَ المؤْمِنُ مَحابَّ اللهِ وَقَدَّمَ نَفْسَهُ لِكُلِّ ما يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضاهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لا طَرِيقَ يُوَصِّلُهُ إِلَى اللهِ إِلاَّ ما كانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ سَدَّ كُلَّ طَرِيقٍ يُوَصِّلُ إِلَيْهِ إِلَّا طَرِيقًا وَاحِدًا هُوَ طَرِيقُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُآل عمران: 31 .

مَحَبَّةُ اللهِ لَيْسَتْ دَعْوَى يَقُولُها الإِنْسانُ، الآنَ أَنا أُحِبُّ اللهَ، أَيُّ وَاحِدٍ في الدُّنْيا مُسْلِمٌ أَوْ كافِرٌ تَسْأَلُهُ: هَلْ تُحِبُّ اللهَ؟ سَيَقُولُ: نَعَمْ. فَهَذا مِمَّا جُبِلَتْ عَلَيْهِ القُلُوبُ وُفُطِرَتْ، لَكِنَّ الحُبَّ الحَقِيقِيَّ هُوَ الَّذِي يُثْمِرُ تَوْحِيدَ اللهِ وَإِفْرادَهُ بِالعِبادَةِ، وَاتِّباعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالاقْتِداءُ بِهِ في السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَفِي دَقِيقِ الشَّأْنِ وَجَلِيلِهِ، في كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ حَياتِهِ.

هَكَذا تُحَقِّقُ المحَبَّةَ؛ وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ مِعْيارًا بَيِّنًا لمنْ صَدَقَ في مَحَبَّتِهِ فَقالَ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُآل عمران: 31  فَمَنْ كانَ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتْبَعَ كانَ للهِ أَحَبَّ.

وَثَمَرَةَ مَحَبَّةِ اللهِ تَعالَى تَكُونُ بِصلاحِ الحالِ وَالمآلِ، وَاسْتِقامَةِ الظَّاهِرِ وَالباطِنِ، الانْقِيادِ لِفِعْلِ الطَّاعاتِ، تَرْكُ المناهِي وَالمعاصِي، كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يُثْمِرُهُ حُبُّ اللهِ تَعالَى في قَلْبِ المؤْمِنِ، إِنَّ المؤْمِنَ يَسْعَى إِلَى حُبِّ اللهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ طاعَةِ يَقُومُ بِها تُقَرِّبُهُ إِلَى اللهِ.

وَلِهذا إِذا أَحَبَّ اللهُ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ، وَإِذا أَكْثَرَ ذِكْرَ اللهِ أَثْمَرَ مَحَبَّتَهُ، عَلاقَةٌ مُتبَادَلَةٌ، هَذِهِ تُؤَدِّي إِلَى ذاكَ وَذاكَ يُؤَدِّي إِلَى هَذا.

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُالرعد: 28 ، فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَذِكْرُهُ جَلَّ في عُلاهُ يُوجِبُ مَحَبَّتَهُ، وَذِكْرُهُ يَكُونُ بِالقَلْبِ وَبِاللِّسانِ وَبِالجوارِحِ، وَبِمُشاهَدَةِ آلائِهِ وَنِعَمِهِ فِيما نَرَى وَنُبْصِرُ وَنَعْلَمُ أَنَّهُ جَلَّ في عُلاهُ لا نَنْفَكُّ مِنْ إِحْسانِهِ وَلا نَنْخَلِعُ مِنْ عَطائِهِ وَنَوالِهِ، بَلْ نَحْنُ في فَضْلِهِ صَباحًا وَمَساءً، غُدوًّا وَآصالًا، يَقَظَةً وَمَنامًا، فَأَحِبُّوا اللهَ كَما قالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ» كَما في التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ صَحَّحَهُ جَماعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِالتَّرْمِذِيِّ(3789), وَقالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ؛ أَيْ: أَحَبُّوهُ بِسَبَبِ ما يُنْعِمُ عَلَيْكُمْ، فَالقُلُوبُ مَجْبُولَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ المنْعِمْ - سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ-.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنا إِلَى حُبِّكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلىَ آلِ إِبْراهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف