السؤال: ما حكم استخدام العطورات الكحولية ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد ،
فأهلا وسهلا، حياكم الله، وحيا الله الأخ السائل، وهذا السؤال حقيقة سؤال يسأل عنه كثيرون، وهو موضوع استعمال العطورات، أيضًا المعقمات التي تحتوي على مواد كحولية.
المادة الكحولية هي عبارة عن مادة كيميائية تستعمل في الأطياب، وفي غيرها من المعقمات؛ لأجل غرضين في الغالب، الغرض الأول الإذابة، والثاني الحفظ، وبالتالي وجود هذه المواد الكحولية في الأطياب وفى المعقمات، أمر شائع في كثير من هذه المعقمات والأطياب.
فما أثر وجود هذه المادة في حكم استعمال الأطياب والمعقمات؟
نحتاج إلى معرفة ما الإشكالية في الكحول؟
الإشكالية في الكحول أن الكحول هو روح الخمر، هذا موضوع الإشكال، وهو مبعث السؤال، لماذا كانت الكحول مشكلة في الأطياب؟
لماذا كانت الكحول مشكلة في العطور؟
السبب هو أن مادة الكحول هي روح الخمر, هي المادة التي يحصل بها الإسكار في المشروبات الخمرية, وجودها في هذه الأطياب، نقل إلى هذه العطورات وهذه المعقمات الخلاف في مسألة الخمر.
هل هي طاهرة أو نجسه؟
إذا كانت الكحول هي مادة الإسكار، وهي روح الخمر، فإذا أخذت هذه المادة ووضعت في الزيوت العطرية، فأذابتها أو وضعت المعقمات لإذابتها وحفظها.
هل هذا ينقل حكم الخمر إلى هذه المواد العطرية، والمواد المعقمة؟.
الجواب على هذه السؤال: نحتاج أولًا أن نعرف:
ما الإشكال في الخمر من حيث استعمالها في غير شربها؟.
طبعًا معلوم بالاتفاق لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز شرب الخمر, وأنها لا تصلح استعمالًا لا في دواء ولا في غيره, لكن البحث في ما إذا استعمالها في أي نوع من أنواع الاستعمالات الأخرى، كاستعمالها كمعقم، أو غير ذلك من أوجه الاستعمال.
هل الخمر طاهرة أو الخمر نجسه؟.
للعلماء في ذلك قولان:
عامة علماء الأمة، في الحديث عن علماء الأمة منذ العصور السالفة ليس شيئًا جديدًا، يرون أن الخمر محرمة, يرون أن الخمر نجسة، هذا التحريم متفق عليه،لكن نتكلم عن الاستعمال في غير الشرب، عامة علماء الأمة يرون أنها نجسه، وبالتالي لا يجوز استعمالها في شيء من أوجه الاستعمال, هذا الذي عليه أكثر أهل العلم.
ذهب طائفة من أهل العلم، نقل هذا عن ربيعة، وقال به جماعة من المتأخرين، أن الخمر في ذاتها ليست نجسة، وإن كانت محرمة, وإنما النجاسة حكم يحتاج إلى دليل.
لماذا اختلف العلماء في الخمر؟
اختلفوا فيها بناءً على اختلافهم في فهم قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة: المائدة، الآية (90).
قوله تعالى:{رِجْسٌ} سورة: المائدة، الآية (90) الرجس هو النجس، وبالتالي قالوا إن النجس هو غير الطاهر, وعليه فإن الخمر نجسه، ولذلك لا يجوز الاقتراب منها، وإذا أصابت الثياب يجب غسلها، ويجرى فيها حكم سائر النجاسات.
القول الثاني في المسألة: أن الخمر ليست نجسة، وأن قوله تعالى:{رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } سورة: المائدة، الآية (90). الرجس هنا النجاسة هنا ليست نجاسة حسية، إنما هي نجاسة معنوية, بمعنى أنه إذا أصاب الإنسان شيء من الخمر، فإنه لا يجب عليه أن يغسل ما أصابه في بدنه، أو ثيابه، استنادًا إلى أن النجس نوعان،نجاسة عينية، ونجاسة معنوية.
الخمر نجاسته معنوية, لما يترتب عليه من الفساد، لذلك قال: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}، وليس رجسًا من عين، أو ذاد إنما رجس عملي , نظير قول الله تعالى في الكفار:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} سورة: التوبة، الآية (28). الإجماع هنا عقد على أن نجاسة المشركين نجاسة معنوية، وليست نجاسة حسية، فإذا صافح الإنسان، أو باشر كافرًا، فعلق منه شيء، فإنه لا يكون بذلك نجسًا، ولا يجب عليه غسل ما أصابه من هذه المصافحة, أو ما يتعلق بالكافر من ثياب أو غير ذلك، إذا عرفنا الآن الخلاف بين العلماء في الخمر ذاتها.
والراجح في هذا القول أن الخمر ليست نجسة العين، إنما هي نجاسة معنوية، بالتالي ينتقل هذا الخلاف إلى العطور والمعقمات التي تستعمل فيها.
مادة الكحول هل هي نجسة؟
على نقل الخلاف يكون عامة قول العلماء على أن هذه الأطياب والعطورات التي فيها مادة الكحول بنسبة واضحة ظاهرة, غير مستهلكة, تكون محرمة نجسة؛ لأنها لا يجوز مباشرتها, وإذا أصاب الثياب يجب غسلها, وإذا أصاب البدن يجب إزالتها، وكذلك فيما يتعلق بالمعقمات .
القول الثاني: استنادًا للخلاف في الخمر، أنها طاهرة، وبالتالي يجوز استعمال هذه الأطياب, وأنها ليست نجسة.
والأقرب من هذين القولين كما رجحنا بأن الخمر ليست نجسة.
نرجح أن الأطياب استعمالها في الثياب والأبدان لا يصيب الإنسان بالنجاسة، لكن الأولى وهذا اختيار بعض أهل العلم, الأولى اجتناب استعمالها لكنها ليست نجسة فيما إذا استعملها الإنسان.
الدليل: على الأولوية وأنه ينبغي تركها إن كان هذا متيسرًا، قول الله جل وعلا: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة: المائدة، الآية (90) والاجتناب يقتضي أن يكون ذلك الشيء في جانب, وأنت في جانب على وجه الاستحباب لا على وجه التحريم , وبالتالي إذا تطيب الإنسان في ثيابه، تطيب في بدنه من هذه الأطياب العطرية الكحولية، أو استعمل معقمات للجروح أو ما أشبه ذلك، لا حرج عليه في ذلك؛ لأنها طاهرة والأولى ترك ذلك.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.