السؤال: ما حكم الفوائد البنكية؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمًة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد،
فما جرى في حياة الناس اليوم مما يتعلق بالمعاملات المالية، هذه المصاريف التي هي بيوت مالٍ، يضع الناس فيها أموالهم، ومما يكثر السؤال عنه ماذا ذكرت من سؤال كثير من الناس، عن حكم أخذ الفوائد البنكية التي تصرفها البنوك لأصحاب الحسابات، سواءً كانت حسابات ادخار، أو حسابات شهرية، أو غير ذلك من الحسابات التي تبتكرها البنوك، لـتكثير ما يكون من إيداعات الناس في الحسابات التي ترجع إلى هذه المصارف.
ما حكم هذه الفوائد؟
الفوائد البنكية عامة علماء العصر على أنها نمط ونوع من أنواع ربا القروض التي جاءت الشريعة بتحريمها، قبل ما نخوض في هذه القضية ونجليها بصورة واضحة، ينبغي أن يعلم أن الربا متفقٌ على تحريمه بين علماء الأمة، وهو من الأمور الظاهرة، البينة، الجلية، التي دل على حكمها الكتاب والسنة.
فالله تعالى في غير ما آية ذم الربا، وذم أكله الربا، ومثل الربا بصورة مفزعة {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} سورة: البقرة، الآية (275). وقد قال الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة: البقرة، الآية (275). وفي نصٍ ظاهرٍ جلي، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} سورة: البقرة، الآية (278). فالنهي عن الربا بآيات كثيرة ظاهرة.
فما هو الربا الذي حرمه القرآن، الربا الذي حرمه القرآن هو ربا الجاهلية, وهو ربا القروض, ما يجري في المصارف، وفي البنوك، هو من هذا النوع من الربا، وهو ربا القروض؛ لأن ربا القرض هو عبارة عن زيادة في المال، إذا جرى فيه عقد قرض، بمعنى أن يأتي شخص ويقرضك مبلغًا، ويشرط عليك زيادًة في رده، فيعطك ألفًا، على أن ترده ألف ومائة، أو ألف ومائتين، أو ألف ونسبة، سواءً واحد في المائة، اثنين في المائة، ثلاثة في المائة، سواءً كانت الزيادة محددة بمبلغ مقطوع، أو كانت بنسبه من المبلغ.
وبالتالي هذا الذي يجري في البنوك، هو من هذا النوع، فإنه لا فرق بين أن يكون القرض، سواء كان مالًا، أو ذهبًا، أو فضًة، أو من أي أنواع المال؛ لأن القرض والربا فيه، لا يختص نوعًا من المال، وهذا الفرق بين ربا القروض وربا البيوع، ربا البيوع فيه أصناف محددة من المال، جاء ذكرها في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح» صحيح مسلم: باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا، حديث رقم (80-(1587)). هذه أصناف محددة.
ألحق بها بعض أهل العلم أصنافًا من المال، لكن تبقى هذه أنواع من المال محددة, أما ربا القروض فإنه لا يختص بمال، ولذلك قالوا لو اقرض حفنًة من تراب، واشترط على المقترض أن يردها حفنتين، كان هذا من الربا، وكما جاء عن عبد الله بن مسعود "لو أقرضه لبنًة من التبن، على أن يردها بزيادة، كان ذلك من الربا".
إذًا ربا القرض لا يختص بمال معين، بل يشمل كل الأموال، وبالتالي هذه الأوراق النقدية التي هي نقود الناس اليوم، ويجري بها التعامل، هي مما يدخل في هذا، فإذا أودع الشخص ألف ريال في البنك، على أن يردها البنك ألف زائد النسبة واحد في المائة، أو اثنين في المائة، أو ثلاثة في المائة، أو يردها بمبلغ مقطوع زائد، هذا من ربا القروض الذي يندرج في المحرم.
وهذا يختلف عما يمكن أن يكون من أوجه الاستثمار، الذي يدخل فيه العميل مع البنك شريكًا في معاملات، ومتاجرات، وأنواع من الاستثمارات، التي يدخل فيها على واضح الأمر بربحٍ محدد، وخسارة محددة، يشترك الطرفان فيها في الربح والخسارة، هذا هو الشركة، أو المضاربة، المندرج فيما أحل الله تعالى.
أما أن تكون هذه الزيادة مقابل الإيداع في البنك، أو الادخار في البنك، فهذه زيادة محرمة ربوية، وهذا عامة ما ذهب إليه علماء العصر، من أهل العلم من يقول إن هذه الزيادة التي تعود للمبالغ المالية المودعة هو نتيجة استثمار، لكن في الحقيقة هذا غير صحيح؛ لأن المبلغ مضمون من حيث الأصل، والزيادة مضمونة من حيث الاتفاق، فليس ذلك من المشاركات، بل هذا من الاقتراض المحرم الذي يندرج فيما حرمه الله تعالى من ربا القروض.
ولذلك أقول لإخواني وأخواتي لنتق الله بترك هذا النوع من التعامل، لاسيما وقد فتحت أبواب المصرفية الإسلامية التي تتيح لك الاستثمار، والتكسب، والتربح، من طرق مباحة، تبعدك عن الربا وشره وشؤمه، يكفي في شؤمه أن الله أذن بالحرب لمن يتعامل به، وقد قال جل وعلا: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} سورة: البقرة، الآية (276)
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.